* Nacer Eddine Layadi نصر الدين لعياضي –
ملخص:
تحاول الدراسة فهم أسباب هشاشة الصحافة العربية، واستمرار تشبثها بالبراديغم التقليدي المُحدِّد لماهية الصحافة والصحفي والقراء، ولماذا لا تزال تواجه الأزمة التي استطاعت بعض الصحف الأميركية والأوروبية تجاوزها، وإن كانت تلتقي مع العديد من الدراسات التي ترى أن أزمة الصحافة العربية ذات طبيعة سياسية واقتصادية وتعود إلى غياب الديمقراطية في الممارسة الصحفية، وصعوبة بناء نموذج اقتصادي بديل. وترافع الدراسة لصالح مقاربة تَفَهُمِيَّة تعتمد نظرية بيير بورديو ومفاهيمها الأساسية مُمَثَّلَة في “الحقل” والتَّطبُّع” التي تسمح بالعودة إلى جذور هذه الأزمة. وخلصت إلى أن الصحافة العربية تواجه أزمة وجودية جوهرية تتطلب العمل الدؤوب على إعادة بنائها حقلًا مستقلًّا بذاته، وهو ما يقتضي تطليق البراديغم التقليدي للصحافة وللعمل الصحفي، وإعادة النظر في معنى وجود الصحافة في المجتمع المعاصر.
كلمات مفتاحية: الصحافة، الحقيقة الصحفية، الحقل، التَّطبُّع، الكتابة غير الخطية، تقييد النفاذ.
Abstract:
This study seeks to explain the reasons behind the decline of the Arab press and its persistent adherence to the traditional paradigm that defines what the press is and who the journalist and the readers are. It also seeks to explain why it continues to face the crisis that American and European newspapers were able to overcome. Like various other studies, it finds that the crisis of Arab press is of a political and economic nature and is attributed to the absence of democracy in journalistic practice as well as the difficulty of building an alternative economic model. In addition, it argues in favour of an understanding approach that relies on the theory of Pierre Bourdieu and its key concepts, namely the “field” and the “habitus”, both of which allow us to return to the origins of this crisis. The study concludes that Arab press is facing a fundamental existential crisis that requires diligent work to rebuild it as an independent field. This requires a separation of the traditional paradigm of journalism and journalistic work, and a reconsideration of the meaning of the existence of journalism in contemporary society.
Keywords: Journalism, Journalistic Truth, Field, Habitus, Non-Linear Writing, Paywall.
مقدمة
تساءل أحد الباحثين الأجانب(1) في 2014 عن الأسباب التي جعلت الصحف الورقية العربية في منأى عن الصعوبات التي كانت تعاني منها الصحف الورقية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ولاحظ آنذاك أنها تنعم بنوع من الاستقرار النسبي، حيث ظهرت صحف جديدة(2) لتعوض تلك التي لجأت إلى النشر عبر شبكة الإنترنت، وأن إقبال القراء عليها ازداد في سعيهم للحصول على أخبار وآراء مغايرة لتلك التي كانت وسائل الإعلام الرسمية تُروِّجها، خاصة بعد اندلاع أحداث ما أصبح يعرف بـ”الربيع العربي”. ففي تلك السنة وما قبلها بقليل، كانت المؤتمرات، التي يشارك فيها محترفو العمل الصحفي، تُعقد تباعًا في بعض البلدان العربية للنظر في أزمة الصحافة الورقية.
لقد تابعنا بعضها على أمل الاطلاع على الإستراتيجيات التي اتخذتها المؤسسات الصحفية العربية أو ستتخذها لمواجهة أزمة الصحافة، لكن دون جدوى. وتحوَّلت هذه المؤتمرات إلى لقاءات لتبادل الأشجان، وتأبين الصحافة الورقية بعد استعراض بعض الإحصائيات عن الصحف التي توقفت عن الصدور في أوروبا وأميركا أو هاجرت إلى النشر عبر شبكة الإنترنت.
زالت اليوم مبررات طرح التساؤل المذكور أعلاه بعد أن تغيرت المعطيات. فالكثير من الصحف في أوروبا وأميركا استطاعت أن تستعيد عافيتها وتتجاوز أزمتها، بل إن بعضها قدَّم نماذج للنجاح يُسْتَلهم منها.
- اعتبارات منهجية ونظرية
إشكالية البحث
من يراجع أبرز قواعد بيانات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل المنصة الجزائرية للمجلات العلمية ومنصة الدوريات المصرية وغيرهما، يدرك أن أزمة الصحافة لم تشكِّل هاجسًا علميًّا مركزيًّا في بحوث الإعلام في المنطقة العربية. فالكثير منها انصرف إلى دراسة الصحافة الإلكترونية ليس لانتشارها الاستعراضي، بل لإيمان ضمني بأن زمن الصحافة الورقية قد ولَّى، بدليل أنها لم تبحث عما حققته الصحف الورقية من منافع ملموسة من إصدارها لنسخها الورقية، وبعضها طرح مسألة حرية التعبير في الصحافة، والقليل منها من اهتم بجانب واحد فقط من وضع الصحف في هذا البلد أو ذاك، مثل الجانب الاقتصادي أو توزيع الصحف أو قفز على هذه الأزمة واتجه إلى تقييم أداء بعض الصحف من منظور الجودة الشاملة. والقليل من قليلها اهتم بتحوُّل الصحف في هذا البلد العربي أو ذاك في بيئة الويب(3).
يتفق الباحثون ومحترفو العمل الإعلامي، وأصحاب القرار السياسي في جلِّ البلدان العربية، على أن وضع الصحافة الورقية ازداد صعوبة منذ انتشار الفضائيات واتساع الاستخدام الاجتماعي للإنترنت. وفي الحديث عن هذه الصعوبة يغيب السؤال الآتي: لماذا يزداد وضع الكثير من الصحف الورقية العربية هشاشة في البيئة الرقمية، بينما استطاع الكثير من الصحف الورقية في أميركا وأوروبا، مثل “نيويورك تايمز” و”لوموند”، أن ينجو من الإفلاس ويتمكَّن من الاندماج في البيئة المذكورة؟
لا نسعى من خلال هذا السؤال إلى إجراء مقارنة بين الصحف الورقية العربية وبعض الصحف الورقية الأجنبية لانعدام وجه المقارنة، بل نروم فهم أسباب هشاشة الصحافة العربية التي تتواتر في الخطاب الصحفي، وتلك التي عسَّرت وتُعسِّر تحوُّلها في بيئة الويب مقارنة ببعض الصحف الأجنبية. ويعني عُسر التحوُّل ببساطة عدم توفيق المؤسسة الصحفية في تسخير طبعتها الرقمية لإنقاذ الطبعة الورقية، واستغلال رأسمالها الثقافي والرمزي من أجل تطوير الطبعة الرقمية التي يجب أن تستثمر كل إمكانات الويب وإخضاعها لخصوصية العمل الصحفي.
يشكِّل السؤال المطروح أعلاه هاجسًا معرفيًّا تتحدد أبعاده عبر الأسئلة التفصيلية التالية:
- شابت الصحف العربية على البراديغم (Paradigm) التقليدي المُحدِّد لماهية الصحافة والصحافي والقرَّاء. فهل يمكن للتشبث بهذا البراديغم أن يطورها في ظل انفجار مصادر المعلومات والأخبار، وتعدد الحوامل الإعلامية، وتلاشي الحدود الفاصلة بين منتجي المادة الإعلامية ومتلقيها، وبروز “هجانة الاستخدام”؟(4).
- هل يمكن لتأخر الصحافة الورقية العربية في ابتكار نمط اقتصادي جديد أن يُفسِّر عُسْر تحوُّلها في بيئة الويب بعد أن تراجعت فاعلية النمط الاقتصادي الكلاسيكي حتى في إخراجها من وضعها الهش؟
- بماذا يمكن تفسير نجاح بعض الصحف الأجنبية في التغلب على الصعوبات التي كانت تُهدِّد وجودها، وتمكُّنها من تحقيق اندماجها في بيئة الويب بطريقة سمحت لنسخها الورقية من التطور وضمنت مقومات ازدهار نسخها الرقمية؟
- كيف يمكن أن نفهم هشاشة وضع العديد من الصحف العربية وندرك العوامل التي تعيق تحوُّلها في بيئة الويب؟
الإطار المنهجي
تتطلب محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تبنِّي مقاربة ملائمة لفهم وَهَنِ الصحافة العربية الورقية ممارسة ومهنة، ومؤسسة اجتماعية، وأشخاصًا ونصوصًا، من جهة، واستيعاب الإستراتيجيات التي تبنَّتها الصحف الأجنبية وطوَّرتها لمواجهة أزمتها ولبعث صحافة في شبكة الإنترنت تخضع للمبادئ التي أضحت تحظى بإجماع الباحثين(5)، وهي: آنية الأخبار وتحديث المحتويات، والتفاعل مع القراء والمستخدمين، وإنتاج مواد متعددة الوسائط، والكتابة غير الخطية، أي التوظيف الفعال للنص المتشعب في السرد الصحفي.
ويرى الباحث أن اختيار أي منهج لا ينفصل عن تصور الباحث لموضوع بحثه وللغاية التي يتوخاها من إنجازه. لذا سيستعين بالمقاربة التَّفهُّمِية التي لا تعني استيعاب الظواهر الاجتماعية والثقافية بطريقة حدسية وتعاطفية، بل تروم تسليط الضوء عليها لجعلها معقولة ومنطقية في إطار مشروع معرفي وفكري عقلاني(6).
استعارت بحوث الإعلام والاتصال المقاربة التَّفَهُمِيَّة من علم الاجتماع، ووظفتها في دراسة بعض الظواهر التي تقع في دائرة اختصاصها دون أن تحدد بروتوكولها الإجرائي(7). وهذا ما دفعنا إلى العودة إلى المنظور الفيبري (نسبة إلى ماكس فيبر (Max Weber)) الذي يُشخِّص هذه المقاربة انطلاقًا من المخطط التحليلي المتكون من العناصر التالية: الفهم، والتفسير، والتأويل(8). فالعنصر الأول استخدمناه لفهم المعنى الذي يُقدِّمه الصحافيون/الكتَّاب/المؤسسات الصحفية، لهشاشة الصحافة الورقية العربية عبر المتوافر من كتاباتهم، وقد أبرزناه في الجدول رقم (1). والعنصر الثاني خصصناه لإبراز العلاقات السببية التي تجمع مجموعة من المتغيرات، والتي يُفسِّر بها المذكورون أعلاه تبعات الوضع الهش للصحافة الورقية العربية، كما هو مُبيَّن في الجدول رقم (2). هذا بجانب الوصف الذي قام به الباحث لحضور بعض الصحف في شبكة الإنترنت قصد معرفة مدى استفادتها من الإمكانات التي يوفرها الويب، والاطلاع على قدرتها على تجسيد الخصائص التي ذكرناها أعلاه. وقد اعتبر الباحث هذا الأمر مؤشرًا يكشف عن مدى تحوُّل هذه الصحف في البيئة الرقمية بالنظر إلى إستراتيجية الصحف الأجنبية، مثل “نيويورك تايمز”، و”لوموند” في هذا المجال. وغني عن القول: إن هذا العنصر الأخير يحيل إلى حتمية متسترة، بينما يعبر العنصر الأول، أي التفهم، عن اختيارات حرة وواعية.
أما العنصر الثالث، والأهم، فقد ركز على تأويل هشاشة الصحافة العربية، وعُسر تحوُّلها في البيئة الرقمية؛ مما يضفي الطابع الموضوعي على العنصرين السابقين، ويُمَنْطِق تمثُّلات الفاعلين الأساسيين في الحقل الصحفي -ونقصد بهم الصحافيين/الكتاب/المؤسسات الإعلامية- لِوَهَن الصحافة، ويُعَقْلِن معنى حضورها في شبكة الإنترنت، من خلال منح بعد نظري لما وراء أزمة الصحافة الورقية الذي نستعرضه لاحقًا في الإطار النظري للبحث.
ولإعطاء بُعد تطبيقي للعنصر الأول والثاني، اختار الباحث عيِّنتين:
– العيِّنة الأولى: وهي عينة متاحة من المواد الصحفية -مقالات تحليلية وتحقيقات صحفية- قوامها 40 مادة صحفية نُشِرت خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2022(9)؛ أبرز أصحابها الأسباب التي فاقمت أزمة الصحف “العربية”. وغني عن القول: إن هذه العينة لا تمثِّل كل ما كُتب عن أزمة الصحافة “العربية”. لذا لم نتعامل مع مضمونها إحصائيًّا، بل حاولنا من خلالها استنباط وجهات نظر الصحافيين والكتَّاب ومسؤولي المؤسسات الصحفية ومواقعها في شبكة الإنترنت عن أسباب هذه الأزمة، وتفسيرهم لها(10).
وقمنا بتفكيك هذه المواد الصحفية لاستنباط العوامل التي يعتبرها الصحافيون والكتَّاب والمؤسسات الصحفية والمواقع الإخبارية سببًا في هشاشة الصحافة في أغلبية البلدان العربية )16 بلدًا(. وقد استخرجنا منها 16 عاملًا -كما هو مُبيَّن في الجدول رقم (1)- وكذا التداعيات التي نجمت عن وضعية الصحافة الورقية العربية. وقد حصرناها في تسعة متغيرات )انظر الجدول رقم (2)(.
– العينة الثانية: تتضمن 16 موقعًا إلكترونيًّا للصحف العربية(11) تمت متابعتها لمدة أسبوعين من 5 إلى 19 يونيو/حزيران 2022، وليست لها أية علاقة بالعينة الأولى، لأنها تشكَّلت من أجل استخراج المؤشرات الكاشفة عن مدى استخدام كل صحيفة للإمكانيات التي يوفرها الويب 2، ودرجة تقيدها بالخصائص التي تميز الصحافة الرقمية، خاصة التفاعلية التي شخَّصها الباحث في 13 بعدًا -انظر الجدول رقم (4)-. وقد استأنس في ذلك بشبكة تحليل مواقع الصحف التي أعدها الباحث فرناندو زاميث (Fernando Zamith)(12) وكيَّفناها لمقتضيات هذا البحث. ولا نزعم أن هذه المواقع المدروسة تعكس بدقة خريطة الصحف العربية في شبكة الإنترنت على الرغم من أنها تشمل مواقع لصحف من 16 دولة، وتتسم باختلاف وضعها القانوني: مستقلة، وحكومية، وبتعدُّد توجهاتها السياسية والأيديولوجية، وتمثِّل تجارب صحفية مختلفة بعضها راسخ في القِدم، وبعضها حديث النشأة.
لقد استقى الباحث بيانات التحليل من المحتويات المنشورة التي تضمنتها العينة الأولى، وعبر متابعته مواقع الصحف المدروسة في شبكة الإنترنت، ومن المصادر الأساسية )التقارير الصادرة عن الهيئات والمنظمات ومراكز البحث، والبحوث العلمية)، والمصادر الثانوية )المقابلات والشهادات التي قدَّمها مسؤولو المؤسسات الصحفية والباحثون في سياقات مختلفة( المثبتة في مراجع هذا البحث وإحالاته، من أجل استجلاء وَهَن الصحافة العربية من جهة، ورصد إستراتيجيات صحيفتي “نيويورك تايمز” و”لوموند”، من جهة أخرى.
الإطار النظري
يعتبر المقال المرجعي “نفوذ الصحافة”، الذي نشره عالم الاجتماع الفرنسي، بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، في مجلة “البحث في العلوم الاجتماعية”(13) التي كان يشرف عليها، الإطار المُؤسِّس لنظرية “الحقل الصحفي” (Journalism Field)، بيد أن البعض يعتقد أن أصل هذه النظرية يعود إلى مؤلَّفاته السابقة، مثل: الورثة: الطلبة والثقافة (1964)، وإعادة الإنتاج: مواد من أجل نظرية لنظام التعليم (1970)، والحس العملي (1980). وقد شارك المساهمون(14) معه في تحرير تلك المجلة في تطوير هذه النظرية التي لقيت رواجًا كبيرًا في الفضاء الأكاديمي الأنجلوساكسوني على يد ثُلَّة من الباحثين النقديين المعاصرين(15) لتمارس تأثيرها على الدراسات الإعلامية.
يرى بورديو أن العالم الاجتماعي مجزَّأ إلى عدد كبير من العوالم الصغرى: إنها حقول، ولكل حقل موضوعاته ورهاناته ومصالحه الخاصة، مثل: الحقل الأدبي، والعلمي، والقانوني، والديني، والفني، والصحفي. وأقسام هذا العالم مستقلة نسبيًّا، أي حرة في إقامة قواعدها الخاصة، ومُنْفَلِتة من التبعية لغيرها من الحقول الاجتماعية(16). كما أن المجتمع مبني على التعارض الأساسي بين السلطتين: الاقتصادية والثقافية، وكل حقل من الحقول مُهَيْكَل حول التعارض بين القطب الذي لا يتمتع باستقلاله الذاتي، والذي يُمثِّله رأسمال الاقتصادي والسياسي) القوى الخارجة عن الحقل(، والقطب “المستقل ذاتيًّا” مُمَثَّلًا في رأسمال الخاص بالحقل (رأسمال الفني أو العلمي أو نوع آخر من رأسمال الثقافي)(17). فــ”الحقل الصحفي عبارة عن ميكروسوم (Microsome) له قوانينه الخاصة؛ يتحدد بموقعه في العالم الشامل، ومن خلال ما تمارسه عليه بقية الميكروسومات من تجاذب وتنافر”(18).
يساعد مفهوم “الحقل” الدارسين على الربط بين العوامل الاجتماعية الكبرى: البنى الاقتصادية والاجتماعية وجماعات الضغط السياسية، والعوامل التنظيمية الصغرى: علاقات العمل وأساليبه والتراتبية وتوزيع السلطة داخل المؤسسات الإعلامية. ويحدث هذا الربط دون الارتكاز على متغير واحد، مثل طبيعة ملكية الصحف أو التكنولوجيا التي تستخدمها(19).
ويسهم التَّطبُّع (Habitus) في تشكيل البنى التنظيمية الصغرى في حقل الصحافة. ويُعرَّف التطبع بأنه جملة من الاستعدادات الشخصية الخاصة بالشعور والإدراك والتفكير والفعل حسب نماذج استبطنت خلال مختلف مسارات التنشئة الاجتماعية(20). وهو أيضًا مبدأ موحد ومُفَسِّر للسلوكيات، التي تبدو في الظاهر متباينة لكنها تشكِّل وجودًا واحدًا(21)؛ يتدخل بفاعلية في تشكيل رأسماله الاجتماعي والرمزي، فلا يمكن الحديث عن أي حقل دون رساميله.
ويعتقد بورديو أن الصحافة تشكَّلت حقلًا يملك معاييره الخاصة ورساميله في القرن 19، وسط نزاع بين صحافة الإثارة وصحافة الرأي، وبين صحافيي الصحافة الوطنية أو القومية والصحافيين المحليين، على القيمة الاعتبارية. وبدأ هذا الحقل يفقد تدريجيًّا استقلاليته نتيجة خضوعه للسوق الذي يمثِّله الإعلان والجمهور، لكنه -وياللمفارقة- تزايد نفوذه وامتد إلى مختلف حقول الإنتاج الثقافي، كالحقل الأدبي والفني والقانوني والعلمي(22).
لا يوجد من تناول بالدراسة وسائل الإعلام العربية من منظور الحقل سوى قلة محدودة جدًّا، نذكر منهم الباحثة نهى ميلور، التي أقرت أن نظرية الحقل تقدِّم إطارًا جديدًا لدراسة الصحافة العربية بوصفها حقلًا اجتماعيًّا يتلاءم مع الحقول الأخرى في المجتمع كالحقل السياسي والاقتصادي(23). لكن ترى ميلور أن هذا المنظور مستلهم مما آل إليه التليفزيون الفرنسي الذي ارتهن إلى سوق الإعلان وقياس نسبة المشاهدة، خاصة بعد أن تنازلت الدولة الفرنسية عن احتكار الإعلام التليفزيوني بدءًا من 1981، وأن التماثل بين منتجي الإعلام ومستهلكيه في امتلاك رأسمال الثقافي ينعدم في الإعلام العربي، ودليلها في ذلك مستوى لغة الصحافيين في الأخبار التليفزيونية وجمهورهم العريض بشكل أساسي(24).
استخدمت ميلور مفهوم الصحافة كمهنة. لذا ركزت في تحليلها على القنوات التليفزيونية العربية، وبيَّنت النزاع بين القنوات التليفزيونية والفضائيات القومية، وبين الفضائيات الإخبارية والترفيهية. وبهذا همشت الصحافة الورقية. وبخصوص هذه الأخيرة، يسجل الباحث تحفظه على مأخذ ميلور المتعلق بلغة الصحافة الورقية وقرَّاءها في المنطقة العربية. لقد نشأت هذه الصحافة نخبوية، وظلت كذلك في بيئة حضرية، أي إن صحافييها وقرَّاءها يتقاسمون اللغة العربية الفصحى.
ويستخدم الباحث مفهوم الحقل في دراسة وَهَن الصحافة العربية وعُسر تحوُّلها في البيئة الرقمية من حيث انتهى إليه بورديو، وتحديدًا في إشارته إلى فقدان هذا الحقل استقلاليته إزاء الحقل الاقتصادي، وحجتنا في ذلك أن الصحافة العربية لم تفقد استقلاليتها اليوم، بل حدث ذلك عبر مسار تَشكُّلها الطويل بوتيرة مختلفة من بلد عربي إلى آخر. ونزعم أنها فقدت استقلاليتها عن الحقل السياسي بدرجة أساسية، وليس عن الحقل الاقتصادي، لأننا نعتقد أن هذا الحقل مرهون للحقل السياسي، كما سنوضح في ثنايا التحليل.
إن الوظيفة الأساسية لأي حقل هي الحفاظ على انفصاله العملي عن بيئته المكوَّنة من حقول أخرى عبر تحويل كل المؤثرات التي تأتيه من البيئة إلى عبارات وإجراءات وتصورات تتفق مع آليات عمله. وعندما يفشل الحقل في ذلك يتبدَّد بكل بساطة وينحلُّ في بيئته، تمامًا كما تتبدَّد بقعة من الحبر في كأس ماء(25).
- متغيرات هشاشة الصحافة الورقية العربية
نجانب الصواب إذا اعتقدنا أن الصحافة العربية تُشكِّل كتلة واحدة متجانسة لأسباب متعددة، منها تفاوت نسبة الأمية بين البلدان العربية، ومستويات الدخل الفردي والقدرة الشرائية، ودرجة تطور البنية القاعدية للصناعة الصحفية، ونسبة تغلغل شبكة الإنترنت في كل بلد عربي، واختلاف التقاليد الثقافية والسياسية وتنوعها التي تؤكدها مجموعة من الشواهد والقرائن. فلو اقتصرنا على البلدين الجارين: الجزائر والمغرب فقط، سنلاحظ أن الصحف الأسبوعية والحزبية أكثر حضورًا في المغرب من الجزائر، فضلًا عن غياب النوع الأخير من الصحف في الكثير من البلدان العربية. لكن بصرف النظر عن هذا الاختلاف، تعاني جلُّ الصحف العربية من هشاشة مزمنة شاملة تختلف وطأتها من بلد إلى آخر.
وفي محاولة لفهم هذه الهشاشة، ارتأى الباحث التركيز على تصور بعض المؤسسات الصحفية العربية وصحافييها وكتُّابها، ولاحظ أن جلَّ مسؤولي المؤسسات الصحفية وملاكها مقتنعون بأن الصحافة العربية جزء من الصحافة العالمية، التي تعاني من أزمة شديدة الوطأة، وأن مآلها الزوال عاجًا أو آجلًا. والصحافة الورقية العربية لا تُشكِّل الاستثناء. وخلافًا لذلك، يرى البعض أن أزمتها وليدة انعدام الديمقراطية وتشدُّد القوانين التي تحدُّ من حريتها؛ فـــ”استمرار ممارسة الرقابة على ما تنشره الصحف وممارسة الصحافيين للرقابة الذاتية ينال من حرية التعبير، ويقوِّض النماذج الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية القابلة للتطبيق في المنطقة العربية”(26). وهكذا يتضح أن رهان تطور الصحافة العربية يظل مرتبطًا بتغيير النظام السياسي، والدليل على ذلك أن حركة إصلاح وسائل الإعلام انخرطت في الحركة الأوسع والمتمثلة في التغيير السياسي(27)، مثلما جرى في تونس بعد تنحية الرئيس، زين العابدين بن علي، من الحكم.
إن القراءة المتأنية لما كتبته الصحف عن أزمة الصحافة العربية يدل على نوع من الالتباس بين أسبابها ونتائجها وذلك لطبيعتها المعقدة، أي بين المتغيرات المستقلة في هذه الأزمة وتلك التابعة. سنحاول أن نبيِّن في الجدول رقم (1) المتغيرات المستقلة التي تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن العوامل التي صنعت هذه الأزمة أو عجَّلت في قدومها أو جعلتها مزمنة. بعضها يبدو خاصًّا بهذا البلد أو ذاك، وأكثرها يبدو مشتركًا بين كل البلدان العربية.
جدول (1): المتغيرات المستقلة في أزمة الصحافة من منظور المؤسسات الصحفية وكتَّابها
تضخم اليد العاملة | ضعف رأسمال الصحف | أزمة الثقافة العربية | منافسة الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية | أزمة عالمية | أزمة توريث | تخريب مقرات الصحف
|
تراكم ديون الصحف | تراجع التمويل السياسي | ضعف إدارة الصحف | قيود قانونية وانعدام الحرية
|
صعوبات التوزيع | تراجع عائدات الإعلان | ارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع | قلة القراء | احتكار الإعلان | المتغيرات المستقلة
البلد |
|
x | x | x | x | x | الإمارات | 1 | |||||||||||
x | x | x | x | x | x | x | الأردن | 2 | |||||||||
x | x | x | البحرين | 3 | |||||||||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | x | تونس | 4 | ||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | x | الجزائر | 5 | ||||||
x | x | x | x | x | السعودية | 6 | |||||||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | السودان | 7 | |||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | x | العراق | 8 | ||||||
x | x | x | x | x | قطر | 9 | |||||||||||
x | x | x | x | x | x | الكويت | 10 | ||||||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | لبنان | 11 | |||||||
x | x | x | x | x | x | ليبيا | 12 | ||||||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | x | x | مصر | 13 | |||||
x | x | x | x | x | x | x | x | المغرب | 14 | ||||||||
x | x | x | x | x | x | x | موريتانيا | 15 | |||||||||
x | x | x | x | x | x | x | x | اليمن | 16 |
- ارتفاع كلفة إنتاج الصحافة الورقية وتوزيعها
يُستشف من الكتابات التي حلَّلها الباحث أن هناك توافقًا تامًّا على ما يؤكده الاقتصاديون الذين يرون أن الصحيفة الورقية سلعة شديدة التلف، وأن سعر بيعها لا يغطي تكاليف إنتاجها، وتخضع لمعادلة ذات أطراف متعددة ومتداخلة: الناشر، والمعلن، والموزع، والقارئ. لذا يتسم اقتصادها بالتعقُّد، وهي السمة التي لا ينفيها اختلاف الوضع القانوني للناشر (تابع للقطاع العام أو الخاص)، ولا ما أصبح يُعرف في عالم الاقتصاد بـ”العوامل الخفية” التي تؤثر على الإنتاج والاستهلاك.
في توصيف أحد مستويات أزمة الصحافة العربية، يمكن القول: إنها نتيجة خلل كبير ما انفك يتفاقم من سنة إلى أخرى بين الأطراف المذكورة؛ حيث نلاحظ بيسر تشابه مؤشرات هذه الأزمة وتقاربها فيما يلي:
– تعاني الكثير من الصحف العربية من ارتفاع متزايد في تكلفة إنتاجها مع التراجع المستمر في مواردها المالية. فالورق والطباعة، على سبيل المثال، أصبحت تستحوذ على 75% و80% من نفقات الصحف(28). وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في ظل تراجع قيمة العملات الوطنية أمام العملات الأجنبية. لقد استمر سعر الورق في الارتفاع في السوق الدولية منذ تسعينات القرن الماضي ليبلغ، على سبيل المثال، نسبة 90% في مصر عام 2018(29).
– أدى هذا الارتفاع إلى توقف بعض المطابع عن سحب الصحف لعدة أسابيع متواصلة، كما حدث في موريتانيا في 2014، وإلى إفلاس بعض المطابع في السودان. وتراكمت ديون نظيراتها الحكومية في الجزائر؛ مما أدى بمطبعة مدينة “ورقلة” بالجنوب الجزائري إلى غلق أبوابها.
– علاوة على ارتفاع كلفة الطباعة، تزايدت كتلة أجور عمال الصحف التي من المفروض ألا تجاوز 35% من رقم أعمال الصحيفة حتى لا تتعرض ميزانيتها إلى الاختلال، لكنها أصبحت تستأثر بحوالي 60% و70% من نفقات العديد من الصحف العربية. فموارد جريدة “الصحافة” التونسية، على سبيل المثال، لا تكفي لسد سوى 25% من أجور الأعوان العاملين فيها(30).
– وتعاني الصحف العربية من زيادة تكاليف توزيع الصحف؛ فالموزعون أصبحوا لا يرضون بـ20% من سعر الصحيفة في السوق، وشرعوا في اقتطاع حوالي 30% من مبيعاتها.
– إن ارتفاع تكلفة الطباعة والتوزيع أدى إلى عجز بعض الصحف عن تسديد رواتب عمالها لعدة أشهر متتالية، وإلى تراكم ديون البعض منها. فديون الصحف القومية المصرية، على سبيل المثال، قفزت إلى حوالي مليار و100 مليون دولار في 2018 بعد أن بلغت 700 مليون دولار في السنة التي سبقتها(31). وأُجْبِرت بعض الصحف الجزائرية الخاصة على التوقف عن الصدور بعدما يئست من تسديد ديونها، وهذا ما فعلته صحيفة “لاتربين” (La tribune) الجزائرية، على سبيل المثال، في 2015 عندما ارتفعت ديونها إلى 3.624.173.23 دولارًا(32). وبلغت خسائر يومية “الصحافة” التونسية في 2011 ما يعادل 1406173 دولارًا(33). بالطبع، لا تعاني كل الصحف العربية من ضائقة مالية، من حسن الحظ، ربما لأسباب غير اقتصادية.
سعت الصحف التي تعاني من ضائقة مالية أو خلل في ميزانيتها إلى رفع سعر الجريدة(34) من أجل تحسين وضعها المالي، مثلما جرى في السودان والجزائر لكن دون جدوى، بل بالعكس أسهمت بهذه الخطوة في رفع نسبة مرتجعاتها.
- تراجع السحب والتوزيع وتزايد المرتجعات
حاولت بعض الدول العربية معالجة ظاهرة تراجع السحب وتزايد المرتجعات بأشكال مختلفة. فتونس على سبيل المثال، أعفت استيراد ورق المطابع من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية بنسبة 25% في منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن هذا الإجراء لم يطبق سوى على الصحف التي تستورد كميات كبيرة من الورق(35). وقامت الجزائر، من جهتها، بتسديد الفارق في سعر الصرف الناجم عن شراء الورق بعد تدهور عملتها الوطنية(36).
لعل أكبر العوامل التي تقف وراء تراجع مبيعات الصحف يكمن في تناقص عدد قرَّائها الفعليين في كل البلدان العربية تقريبًا؛ إذ تراجع قراء الصحف اليومية بشكل حاد في كل من مصر، والإمارات، وقطر، والسعودية، والأردن، ولبنان، وتونس، من 47% إلى 25% خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017. وتراجعت نسبة قراء المجلات في الدول ذاتها خلال الفترة الزمنية عينها من 26% إلى %19(37). ويربط الكثير من المهنيين والباحثين هذا الانخفاض بوفرة الأخبار والإعلام وتعدد حواملهما، والتوجه المتزايد لتلقي الأخبار عبر الهواتف الذكية. فثلاثة أرباع الذين شملتهم الدراسة المسحية التي أُجريت في البلدان المذكورة أعلاه، في 2017، تلقوا الأخبار عبر هذه الهواتف(38)، وإن الشباب في المنطقة العربية هم الفئة التي تغير نمط “استهلاكها” للأخبار أكثر من بقية الفئات الاجتماعية الأخرى. فالبحوث أكدت أن 49% من الشباب في البلدان العربية يتلقون الأخبار يوميًّا عبر شبكة فيسبوك(39).
ظلت الصحافة في بعض البلدان العربية تعاني ضعف الصلة بقرائها للعديد من الأسباب، منها سوء توزيعها، وتأخر وصولها إلى السوق(40) الذي يشتكي منه العديد من مالكي الصحف. ففي العراق، على سبيل المثال، تمنح الدولة إعانة مالية لموزعي الصحف، لكنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب لإيصالها إلى القراء في كل الأقاليم بل لا يدفعون لإدارة الصحف ثمن الصحف التي باعوها(41). والكثير من الصحف الجزائرية التي نشأت في زخم التعددية السياسية والإعلامية بموجب دستور 1989 اختفت بسبب الموزعين الذين لا يوزعون كل النسخ التي يستلمونها من المطابع، ويقومون بتدوير قسط كبير منها بذريعة أنها مرتجعات.
إن سوء التوزيع وتراجع القراء أدَّيا إلى خفض سحب الصحف. فحسب التقديرات التي قدَّمها محمد شومان لم يزد معدل توزيع الصحف المصرية عن 300 ألف نسخة يوميًّا في 2018. وهذا الرقم لا يمثِّل سوى عُشر الذي وزعته هذه الصحف عام 2000. لقد كانت توزع آنذاك 3.5 ملايين نسخة(42). وعلى الرغم من ارتفاع عدد الصحف اليومية في الجزائر من 131 عنوانًا، في 2012، إلى 133 عنوانًا، في 2017، إلا أن معدل سحبها اليومي تراجع خلال الفترة ذاتها من 2850160 إلى 1009520 نسخة(43). فالسحب اليومي لصحيفة “الشروق”، على سبيل المثال، انخفض خلال الفترة ذاتها بـ17.83% ليبلغ 35551 نسخة، وهذا الرقم بعيد جدًّا عن المليون نسخة التي كانت تسحبها عام 2010(44). وعلى الرغم من أن الصحف المغربية الصادرة باللغة العربية تُعد أكثر مقروئية من الصحف الصادرة باللغة الفرنسية إلا أنها اضطرت هي الأخرى إلى تقليص سحبها. فقد انخفض سحب صحيفة “المساء”، على سبيل المثال، من 113 ألف نسخة، في 2010، إلى ما يزيد قليلًا عن 47 ألف نسخة، في 2017، أي إنها قلَّصت سحبها بنسبة 59%. وتراجع سحب صحيفة “الصباح” بنسبة 50%(45). قد يبدو للبعض أن تراجع سحب العديد من الصحف لا يُعد مؤشرًا قويًّا على أزمة الصحافة العربية وذلك بسبب أزمة الورق التي تعاني منها المطابع فتضطر إلى تقليص سحب الصحف من جهة، وإلى المساومة(46) التي تمارسها المطابع، خاصة الحكومية، على بعض الصحف لتغيير خطها التحريري، من جهة أخرى.
وعلى الرغم من اضطرار الصحف العربية إلى تخفيض متفاوت في عدد النسخ التي تسحبها إلا أن مرتجعاتها لم تتناقص، بل تجاوزت النسبة المقبولة دوليًّا والمقدرة بـ15%. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن مرتجعات الصحف العربية تتراوح بين 23%(47) لصحيفة الأهرام المصرية و76.8 %لجريدة “الصحافة” التونسية(48).
جدول (2): المتغيرات التابعة في أزمة الصحافة من منظور المؤسسات الصحفية وكتَّابها
تقليص عدد الصفحات | تراكم ديون الصحف | ضعف الكوادر | نراجع القرَّاء وارتفاع المرتجعات | تراجع السحب | تسريح الصحافيين | التوقف عن الصدور | النشر الإلكتروني | إفلاس المطابع أو توقفها المؤقت
|
المتغيرات التابعة
البلد |
|
x | x | x | x | x | الإمارات | 1 | ||||
x | x | x | الأردن | 2 | ||||||
x | البحرين | 3 | ||||||||
x | x | x | x | تونس | 4 | |||||
x | x | x | x | x | x | x | x | الجزائر | 5 | |
x | x | x | x | x | السعودية | 6 | ||||
x | x | x | x | السودان | 7 | |||||
x | x | x | x | العراق | 8 | |||||
x | x | x | قطر | 9 | ||||||
x | x | x | x | x | الكويت | 10 | ||||
x | x | x | x | x | x | لبنان | 11 | |||
x | x | x | x | ليبيا | 12 | |||||
x | x | x | x | x | x | x | x | x | مصر | 13 |
x | x | x | x | x | المغرب | 14 | ||||
x | x | x | x | موريتانيا | 15 | |||||
x | x | x | x | اليمن | 16 |
- منطق الصحافة الورقية غير الاقتصادي
تؤكد اقتصاديات الإعلام أن الصحيفة التي توزع 20 ألف نسخة يوميًّا يجب أن تضمن على الأقل 40% من عائداتها من الإعلان، حتى تتمكن من تحقيق توازنها المالي(49). لكن عائدات العديد من الصحف العربية من الإعلان ظلت بعيدة عن هذه النسبة لسببين أساسيين، على الأقل، وهما:
– أولًا: بدأ سوق الإعلان في الدول العربية في التراجع التدريجي منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، وما انجر عنها من انخفاض في سعر النفط الذي يُعد المصدر الأساسي للدخل الوطني بالنسبة لبعض الدول. وتشير شركة الأبحاث الألمانية “ستاتيستا” (Statista) إلى أن الإنفاق الإعلاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تراجع بنسبة 10.6%، أي انخفض من 3 مليارات دولار، في 2019، إلى 2.69 مليار دولار، في 2020(50). هذا علاوة على أن الصحف العربية أضحت تتقاسم سوق الإعلان مع منافسين جدد، مثل شبكة الإنترنت التي ارتفع نصيبها من عائداته بـ5.1%، في 2020(51).
إن نسبة تراجع سوق الإعلانات ليست ذاتها في كل بلد عربي؛ فالإنفاق الإعلاني في السعودية، على الرغم من تراجعه، لا يقارن بالإنفاق الإعلاني في الجزائر على سبيل المثال، والتي تُعد في قائمة البلدان النفطية؛ إذ تراجع بـ60% خلال السنوات الأربع (2014-2018)(52). ويختلف تأثير هذا التراجع على الصحف من بلد إلى آخر. ففي المغرب، الذي يتسم بالاقتصاد الحر، انخفض نصيب الصحافة من هذه السوق بنسبة 55% خلال الفترة الممتدة من2010 إلى 2018، حيث انتقل مما يعادل 75 مليون إلى ما يعادل 34 مليون دولار(53). هذا مع العلم بأن تنافس الصحف مع شبكة الإنترنت في سوق الإعلان غير متكافئ، فشبكة الإنترنت تعرض إعلاناتها بسعر أقل من الصحف الورقية بنسبة 80%(54)، وبنجاعة أفضل، لأنها تتجه رأسًا إلى الزبون المعروف بملامحه الشخصية والاجتماعية وسلوكه الاستهلاكي.
– ثانيًا: في ظل احتكار سوق الإعلان في بعض الدول المشار إليها في الجدول رقم (1) يجري توزيعه على الصحف وفقًا لأسس غير مهنية إن لم تكن مشبوهة، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار وزن كل صحيفة في السوق ولا تأثيرها السياسي والاجتماعي على القراء، ولا متطلبات الخدمة العمومية، بل يخضع للولاءات السياسية والمحسوبية. فالكثير من الصحف توقفت عن الصدور بعد أن عوقبت على مواقفها السياسية وحُرِمت من عائدات الإعلان(55). لقد تحول الإعلان إلى مفسدة للمنظومة الصحفية في أكثر من بلد عربي في نظر الكثير من المسؤولين في قطاع الإعلام؛ إذ يذكر المدير السابق للوكالة المحتكرة لسوق الإعلان في الجزائر(56) أن هذه المؤسسة أنفقت حوالي 38 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020 على 40 صحيفة لا علاقة لأصحابها بالإعلام أصلًا.
تأسيسًا على ما سبق ذكره من متغيرات، يمكن أن نفهم تزايد عدد الصحف العربية التي توقفت عن النشر في جل البلدان العربية. ففي مصر، على سبيل المثال، توقفت 53 صحيفة عن الصدور خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019(57). وفي الجزائر، توقفت 26 صحيفة يومية و34 مجلة أسبوعية عن الصدور في 2014. لقد امتدت الأزمة إلى المطبوعات العريقة، مثل صحيفة “الحياة” السعودية، و”النهار” و”السفير” اللبنانيتين، لتجبرها على التوقف عن الصدور. أما الصحف التي استطاعت أن تصمد فقد اضطرت إلى تقليص عدد صفحاتها في كل من الجزائر والعراق وحتى في الكويت. فصحيفة “القبس” الكويتية، على سبيل المثال، تخلت عن نصف صفحاتها المعتادة.
ويمكن تفسير الصعوبات التي تواجهها بعض الصحف بتراجع تمويلها السياسي، سواء القادم من الخارج أو الداخل، في كل من لبنان، واليمن، والكويت، على سبيل المثال، والذي يأخذ أشكالًا مختلفة، مثل الإعانات المالية مباشرة، أو بشكل غير مباشر، مثل الإعلان المقنع، وشراء كميات كبيرة من النسخ، وتزويد الصحيفة بالتجهيزات الضرورية. ويمكن أن نعزو أزمة بعض عناوين الصحف في المنطقة العربية إلى ضعف إدارة المؤسسات الصحفية التي أُوكِلت إلى من لا يملك خبرة في العمل الصحفي ولا في إدارة وترشيد النفقات(58). وتجلى هذا الضعف في التوظيف العشوائي دون الاستناد إلى معايير مهنية، مما أدى إلى تضخم اليد العاملة في بعض الصحف، ووجود عدد من الصحافيين والعمال الذين يتقاضون رواتب دون أن يؤدون واجبهم المهني(59)، وعدم استثمار الطاقات البشرية، والإحجام عن الاستثمار في قاعة التحرير.
- الصحافة العربية ومساعي التحول الرقمي
شرعت بعض الصحف العربية في النشر عبر شبكة الإنترنت قبل العديد من الصحف الأجنبية، مثل “لوموند” )19 ديسمبر/كانون الأول 1995(، و”نيويورك تايمز” )22 يناير/كانون الأول 1996(. فصحيفة “الشرق الأوسط”، على سبيل المثال، أنشأت موقعها في 9 سبتمبر/أيلول 1995، ثم تلاها العديد من الصحف العربية. واليوم لا تخلو أية صحيفة ورقية في المنطقة العربية من نسخة رقمية، لكنها تعثرت، بينما نجحت الكثير من مواقع الصحف الأجنبية في إنقاذ الطبعة الورقية ورفع تأثيرها في المجتمع، وجعل المؤسسة التي تنشرها علامة تجارية ناجحة، كما سنرى لاحقًا.
ربما يدفع هذا التعثر إلى السؤال عن الأسباب التي دفعت مسؤولي الصحف العربية إلى إنشاء مواقع لها، نذكر منها أن بعض أرباب الصحف الجزائرية لجؤوا إلى النشر عبر الإنترنت في البداية تحسبًا للرقابة والمنع الذي قد تتعرض له طبعتهم الورقية. هذا ما حدث فعلًا لبعض الصحف التي مُنِعت من الطبع لمدة شهر في 1998، لكنها لم تتوقف بل استمرت في النشر عبر شبكة الإنترنت، لأنها تصدر بعنوان بلد أجنبي(60)، وبعضها أراد بلوغ القراء القاطنين خارج الوطن والمحرومين من النسخة الورقية. ربما آمن بعض المسؤولين بأن الانتقال الرقمي لصحفهم أضحى ضرورة حتمية للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها، لأن النسخة الرقمية غير مكلِّفة مقارنة بالطبعة الورقية(61).
ومهما اختلفت أسباب إنشاء حوامل رقمية للصحافة يبدو أن أصحابها لم يملكوا الوعي والدراية بمتطلبات هذا الانتقال على الصعيد التنظيمي والتأهيلي للصحافيين وأشكال التعبير الصحفي الرقمي، واعتقدوا في البداية أن شبكة الإنترنت مجرد “لوح” لنشر محتويات الصحف الورقية، والذي يؤدي في آخر المطاف إلى الاستغناء عن الورق(62). لذا شرعت جلُّ الصحف العربية في نشر محتوياتها كنسخة مصورة عن الطبعة الورقية في شبكة الإنترنت في قالب “بي دي إف” (PDF)، ويمكن للقراء الاطلاع على محتوياتها مجانًا، بل حتى تحميلها، وبعضها استمر في ذلك. ثم أدرك ناشرو الصحف أن هذا الأمر يدفع إلى العزوف عن قراءة النسخة الورقية، فقرروا تأخير موعد النشر في شبكة الإنترنت لإتاحة الفرصة لبيع النسخ الورقية.
على الرغم من التطور الملحوظ على بعض واجهات الصحف العربية في شبكة الإنترنت والممثل في الابتعاد عن الجمود، وتوفير شريط الأخبار العاجلة، وابتكار بعض الصحف تطبيقًا رقميًّا خاصًّا بها، مثل تطبيق “نبض” في صحيفة الدستور الأردنية، إلا أن السؤال يظل قائمًا: هل استغلت الصحف العربية كل الإمكانات الصحفية التي يوفرها الويب 2؟
لم يتحرر جلُّ مواقع الصحف العربية في شبكة الإنترنت من مخيال الصحافة الورقية؛ إذ ظلت مواظبة على إعادة إنتاج نفس المحتويات التي تنشرها في طبعتها الورقية، حتى بعد انتقالها إلى النشر في قالب “إتش تي إم إل” (HTML). وينطبق هذا الأمر حتى على الصحف التي أنشأت قاعة تحرير خاصة بالطبعة الرقمية، والدليل على ذلك أن الكثير منها يتعامل مع الأخبار بالطريقة ذاتها التي تتعامل معها الصحف المكتوبة التي تصدر كل 24 ساعة. ولا يقوم جلُّ مواقع الصحف بتحديث محتويات ما ينشره، بل إن بعضها يتماهى مع الصحافة الورقية فينشر المحتويات بالتاريخ الذي صدرت به النسخة الورقية، والكثير منها يظل يحتفظ في الواجهة بالمحتويات ذات الطابع الإخباري وليس الفكري التي نُشرت قبل أيام بل أسابيع كما تفعل صحيفة “السراج الإخباري” الموريتانية على سبيل المثال. حقيقة هناك مواقع بعض الصحف، تذكر وقت نشر محتوياتها بالساعة والدقيقة كمؤشر على مدة حضورها في واجهة الموقع، لكن هذا الأمر غير كاف إن لم يتم تحديث المحتويات التي تتطلب ذلك لمواكبة تطور الأحداث من جهة، وللتصدي لمواقع الشبكات الاجتماعية التي أصبحت اليوم تنافسها.
ويكشف تحليل بعض مواقع الصحف العربية -انظر الجدولين رقم (3) و(4)- عدم الاستفادة من الخصائص التي تتسم بها الصحافة الرقمية، والتي ذكرناها آنفًا، وهي تحديث المحتويات، والكتابة غير الخطية، ومتعددة الوسائط، ولا تستخدم التفاعلية إلا في حدودها الدنيا.
تعتمد جل مواقع الصحف العربية في شبكة الإنترنت على الكتابة الخطية شأنها في ذلك شأن الصحافة الورقية. فلم تستثمر في النص المتشعب، بل اكتفت باستخدامه في حدوده الدنيا: النقر على عناوين المواد الصحفية للاطلاع على محتوياتها أو على المقالات السابقة لبعض الكتَّاب فقط، أو المواضيع ذات الصلة مثلما هو الأمر في صحيفة “الأخبار” اللبنانية و”أخبار الخليج”، على سبيل المثال. فالكتابة وفق النص المتشعب تعني إعادة النظر في العمل الصحفي التقليدي. وبصرف النظر عن بعدها الأنطولوجي والوظيفي في مواقع الصحف في شبكة الإنترنت، تسهم الوصلات (Links) الرقمية، التي تُشكِّل العنصر المكون للنص المتشعب، في تطليق فلسفة المادة الصحفية المغلقة أو الصحافي المكتفي بذاته، لأنها تدفع النص الصحفي إلى الانفتاح على المزيد من المعلومات والبيانات الرقمية ذات الصلة، وإلى إقامة حوار ضمني مع القارئ(63)، وتقديم وجهات النظر والحجج التي تخدم النص الصحفي أو تدعو القارئ إلى التساؤل. ويمكن اعتبار النص المتشعب “حيلة” لشدِّ الانتباه الذي يتعرض إلى منافسة محتدة تُؤجِّجها المواقع الإخبارية والميديا الاجتماعية، ويمثِّل أيضًا مصارحة القارئ ضمنيًّا بشفافية العلاقة مع مصادر الأخبار مما يزيد في منسوب مصداقية المحتويات التي تنشرها المواقع. ولعل نقطة ضعف الصحافة العربية تكمن في هذا المجال؛ إذ تتعامل مع مصادر الأخبار بطريقة أقل ما يقال عنها: إنها غير شفافة وغير مهنية.
جدول (3): استغلال إمكانيات شبكة الإنترنت
الذاكرة | محرك بحث داخلي |
التحديث |
الآنية
|
كتابة متعددة الوسائط | النص المتشعب |
التفاعلية |
إمكانيات
شبكة الإنترنت الصحيفة |
||
غير منظم | منظم | ||||||||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | 1 | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | 2 | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الراية | 3 | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | نعم | عكاظ | 4 | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | أخبار الخليج | 5 | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | عدن الغد | 6 | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأخبار | 7 | |
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الدستور | 8 | |
نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | 9 | |
نعم | نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأهرام | 10 |
لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | 11 | |||
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | 12 | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الشروق | 13 | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الخبر | 14 | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | 15 | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الإخباري | 16 |
تميل الصحافة الأجنبية إلى استخدام الوصلات الرقمية لربط نصوصها وأرشيفها بغية شدِّ القارئ للبقاء أطول مدة ممكنة في موقعها ولا تلجأ إلى استخدام الروابط الرقمية الخارجية التي تحيل القارئ إلى خارج موقعها في شبكة الإنترنت لأسباب معرفية فقط، بل لأسباب تجارية أيضًا، وذلك لأن هذه الوصلات تُسهِم في زيادة انتشارها وتمنحها الفرصة لكسب المزيد القراء والمعلنين الجدد.
تتنافس مواقع الصحف في شبكة الإنترنت للحصول على أحسن ترتيب في “الباحوث” المختص في الأخبار، مثل “غوغل نيوز” (Google News)، وذلك لأن نصف قراء الصحف الأوروبية في شبكة الإنترنت وصلوا إليها بفضله في 2013(64). ومنذ ذاك التاريخ وعددهم ما انفك يزداد؛ مما أدى بالصحف في البلدان الأوروبية )فرنسا، إسبانيا، بلجيكا(… وأميركا وأخيرًا أستراليا، إلى رفع دعاوى قضائية ضد “غوغل” الذي اتهموه بكسب المال بجهدهم.
بعض الصحف العربية القليلة التي درسناها تستخدم الكلمات المفتاحية، مثل “الأهرام” المصرية، للحصول على أفضل ترتيب في هذا الباحوث. لكن كيف تُحقِّق ذلك وهي تُفرِّط في تحديث محتوياتها؟ إن التحديث يمثِّل الشرط الأساسي والحاسم في ترتيب الصحف الذي تُعدِّه خوارزميات هذا الباحوث. هذا إضافة إلى أنه من المحتمل أن يكون لهذا الترتيب نتائج سلبية على الصحيفة إن كانت الكلمات المفتاحية تقود القارئ، بفضل هذا الباحوث، إلى مواد صحفية خالية من أي قيمة مضافة، بل تجتر ما تتداوله وكالات الأنباء من أخبار.
في ظل التنافس على جذب الانتباه في البيئة الرقمية، وأمام طوفان الأخبار في شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فضَّلت الصحف الأجنبية أن تكون مرئية أكثر دون التفريط في حق قرائها الذين يزيد عمرهم عن 50 سنة في قراءة المواد الدسمة. وعلى هذا الأساس اتجهت الصحافة العربية إلى إنتاج مقاطع الفيديو لنقل الأخبار في مواقعها الرقمية، بل إن بعضها اختار نشر أخبار في القناة المرئية التي أنشأها، مثل: صحيفة “الأخبار”، و”الراية”، ويتماشى هذا الاختيار مع الحقائق التي تبيِّنها الدراسات الميدانية القليلة، والتي تؤكد أن الشباب والطلبة في بعض البلدان العربية الذين يتابعون المنصات الرقمية يفضلون الاطلاع على الأخبار عبر مقاطع الفيديو أكثر من النصوص المكتوبة(65). ويساير هذا الاختيار أيضًا الإحصائيات التي قدمتها إحدى الدراسات المسحية التي أجريت في 2017(66)، وكشفت أن مشاهدة الفيديو في الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي ارتفعت في العموم بنسبة 15% منذ العام 2010، وذلك لزيادة استخدام الهواتف الذكية؛ فكل السعوديين والقطريين والإماراتيين امتلكوا هاتفًا ذكيًّا مقابل 80% من الأردنيين و65% من التونسيين في 2017، وأن أكثر من ثلاثة أرباع سكان المنطقة العربية أصبحوا يتابعون الأخبار عبر هواتفهم.
نعتقد أن استخدام الفيديو في مواقع الصحف العربية على شبكة الإنترنت بطريقة مستقلة بذاتها يجعلنا نتردد في القول: إن المادة الإعلامية في المواقع الرقمية للصحافة العربية أضحت متعددة الوسائط، أي إنها تستخدم النصوص القصيرة والصوتية والمرئية وأشكال الأنفوغرافيا التي تجسد شكلًا جديدًا من السرد الرقمي، الذي يعرِّفه الخبير، رالف أندرسون (Ralph Anderson)، بأنه “يقوم على تطويع الأدوات الرقمية لسرد قصة ما، تحوي وسائط متعددة من نص وفيديو وصورة وصوت، إضافة إلى الأدوات والتطبيقات المتاحة، عن طريق دمجها وفق سيناريو مدروس يوصل القصة بشكل تفاعلي يعكس العقلية التي وصل إليها المتلقي بفعل التطور الرقمي”(67).
لا تقف مواقع الصحف العربية في مستوى واحد في استخدامها لمقاطع الفيديو، فهناك فرق واضح بين صحيفة “الاتحاد” الإماراتية التي تقدم بورتريهات صحفية لأبناء الإمارات الذين تميزوا في مهنهم الفنية أو نشاطهم الخيري، وصحيفة “الراية” القطرية التي تحاور مواطنيها والمقيمين فوق ترابها، وبعض الصحف العربية التي توظف الفيديو لنقل مقاطع من الخطاب الرسمي المهيمن بعد نسخه ونشره في طبعتها الورقية، مثل صحيفة “الخبر” الجزائرية. وعلى الرغم من هذا التباين في استخدام الفيديو فمن الصعب القول: إن مواقع الصحف العربية انتقلت إلى السرد التفاعلي، أو الجزم بمساهمة مقاطع الفيديو في رفع عدد زوار مواقع هذه الصحف وزيادة عدد مشتركيها في ظل غياب الإحصائيات. إن الكتابة وفق منطق الوسائط المتعددة باختيارات تقنية وجمالية متعددة لا يعتبر فعلًا مجانيًّا، بل طريقة لتحقيق قدر من التفاعل ومشاركة القارئ(68).
لعل التعريف الأكثر رواجًا وقبولًا للتفاعلية هو ذاك الذي يراها “إجراء يمكن لتكنولوجيا الاتصال أن تنشئ بموجبه البيئة التي تحولت إلى ميديا والتي يستطيع المشارك التواصل من خلالها، والمشاركة في تبادل الرسائل”(69). فهل يسمح هذا التعريف بالاقتناع بأن التفاعلية في مواقع الصحف هي تحصيل حاصل، لأنها تكمن في قدراتها التقنية؟ وهل وقعت مواقع الصحف الجزائرية ضحية هذا الاقتناع الذي يفصل المخيال الاجتماعي عن المخيال التقني في الصحافة الرقمية، ويختزل التفاعلية في بعدها التقني؟
تقوم بعض مواقع الصحف العربية بإرسال إشعارات لمشتركيها عبر الهواتف الذكية أو البريد الإلكتروني -انظر الجدول رقم (4)- تتضمن عناوين محتوياتها أو تعتمد على آليات الخلاصات (RSS) لإشعار مشتركيها بالجديد الذي تنشره. لكن بعض الصحف التي قمنا بتحليلها لا تنشر حتى العنوان الإلكتروني لقاعة تحريرها، وتكتفي بالعنوان الإلكتروني لقسم الإعلانات والتوزيع وصندوق بريد مقر الصحيفة ورقم الفاكس، ولا تسمح أيضًا بنشر العنوان الإلكتروني لصحافييها وكتَّابها. ولا ندري مدى تفاعل الصحافيين في الصحف التي تسمح لهم بتذييل كتابتهم بعنوانهم الإلكتروني الشخصي مع القراء، لأن تفاعلهم إن حدث يجري في الغالب في إطار خاص بعيدًا عن البنية التنظيمية للمؤسسة الصحفية. وبالتالي، لا يبدو له أثر واضح على الممارسة الصحفية.
وتخصص الكثير من الصحف خانات للتعليق على ما تنشره، وقد ذكرنا في الجدول رقم (5) أنها غير مُفَعَّلة، ولا ندري هل السبب يعود لإدارة الصحف التي أحجمت عن نشر تعليقات القراء على ما تنشره بحجة سياسية أو أخلاقية أو أن القراء لا يعلقون أصلًا على ما يقرؤونه. وبصفة عامة، يمكن القول: إن الإقبال على التعليقات في بعض الصحف العربية يظل متواضعًا جدًّا؛ إذ لا يتجاوز نسبة 0.5% من عدد الذين اطلعوا على المادة موضوع التعليقات، وتنخفض عن هذا الحد في مواقع الصحف الصادرة بلغة أجنبية مثل الفرنسية(70).
تجدر الإشارة إلى أن الصحف العربية لا تكشف في الغالب عن سياستها في مجال التعليقات التي تسمح لها بتأطير مساهمات القراء لتتجنب التجاوزات التي يعاقب عليها القانون، مثل بقية الصحف الأجنبية، لوموند كما ذكرنا آنفًا، بل تكتفي بتحديد عدد الكلمات المتاحة في استمارة التعليقات. حقيقة، لقد بادرت بعض الصحف العربية بإنشاء مدونات ومنتديات في مواقعها الإلكترونية ثم تراجعت عنها؛ إذ اضطرت إلى غلقها لكونها أخذت مسارًا يخالف اتجاه الصحيفة(71). وهذا التراجع لا يطرح الإشكال الذي واجهته الصحافة الأجنبية في انتقالها في بيئة الويب، والمتمثل في التوفيق والتناغم بين منطق المؤسسة الصحفية ومنطق القراء أو لنقل: التفاوض حول “سلطة القول” في الصحيفة، والذي كان محلَّ توتر شديد انتهى برسم الحدود بين منتجات الصحافيين ومساهمة القراء(72) بشكل ضمني أو صريح ومدون في ميثاق، كما هو الشأن بالنسبة لصحيفة “لوموند”. إن هذا التراجع يسائل مدى استعداد هذه الصحف لقبول آراء القراء والاضطلاع أيضًا بدور منشِّط النقاش العام ومؤطِّره في الوقت ذاته، ومدى قدرتها على مراجعة تصورها للقارئ. لعل عدم قيام هذه الصحف بتصحيح الأخطاء الواضحة التي ترتكبها -ويشير إليها القراء في تعليقاتهم: تحديد موقع الأماكن والتواريخ، والأسماء، ناهيك عن الاعتذار لهم- خير دليل على نظرتها لقرائها.
جدول (4): التفاعلية في الصحف العربية
الإعجاب | أكثر قراءة | محتوى تفاعلي | تعليق
|
مدونة إلكترونية | استطلاع الرأي | منتدى | خلاصات | نشرة إخبارية | الاتصال بالمصادر | الاتصال بكل الصحافيين | الاتصال ببعض الصحافيين | عنوان أو استمارة للاتصال بالصحيفة | أبعاد التفاعلية
الصحيفة
|
||
غير مفعل | مفعل | ||||||||||||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | 1 | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | 2 | ||||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | نعم | لا | نعم | نعم | الراية | 3 | ||||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عكاظ | 4 | |||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | أخبار الخليج | 5 | ||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عدن الغد | 6 | |||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأخبار | 7 | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | الدستور | 8 | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | 9 | |||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأهرام | 10 | ||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | 11 | ||||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | 12 | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الشروق | 13 | ||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الخبر | 14 | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | 15 | ||
لا | لا | لا | نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الإخباري | 16 |
لا يُستشف مما سبق ذكره أي تقديس للتفاعلية، وغيابها لا يدل على أن موقع الصحيفة ضعيف أو سيء، بل يمكن أن يُقدِّم خدمة ممتازة لقرائه الذين يطالبون بالأخبار المختصرة والمكثفة والتي يتم تحديثها نهارًا وليلًا(73). لكن هذا الأمر صعب التحقيق في المنطقة العربية التي تعكف مواقعها على إعادة نشر برقيات وكالات الأنباء، التي تبثها وسائل الإعلام الأخرى، دون أي تحديث. وهذا الأمر يضعها في موقع المنافس الضعيف للمواقع الإخبارية المتحررة من المسؤولية المهنية والاجتماعية والأخلاقية التي تتحملها الصحيفة.
لم يتردَّد جلُّ الصحف العربية على شبكة الإنترنت في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي -انظر الجدول رقم (6)- لكن دون وعي برهانات اتصالها. هذا ما يتضح من خلال صبِّ “محتويات النسخة الورقية” ذاتها في مختلف مواقع هذه الشبكات دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية مستخدميها. فما معنى أن تنشر صحيفة يومية شاملة، مثل صحيفة “السراج الإخباري”، بعض محتوياتها الموجهة للعامة في موقع مهني مثل “لينكد إن”؟ بالفعل، لقد قامت صحيفة “لوموند” بذلك، لأنها تُصدِر العديد من الملاحق المتخصصة التي يُشرف عليها مختصون وتُوجَّه إلى مهنيين في شتى المجالات. وما معنى أن تنشر ملخصات نصية لمحتويات الصحيفة في موقع “إنستغرام” المخصص لتبادل الصور وشرائط الفيديو، ولا تراعي حتى طبيعة مستخدمي هذه المواقع؟
إن الغاية المرجوة من استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية لا تكمن في النشر، بل تشكيل جماعات مرتبطة بالصحيفة، وإن كنا لا ننفي احتمال تقاطع هذه الجماعات فإنها تتطلب متابعة ومهارات في إدارتها، وهو ما تفتقده هذه الصحف. لذا نعتقد أن السؤال: كيف أسهم استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية في تحويل العلاقة بين الصحافة والصحافيين والقراء؟ والذي شغل الباحثين والصحافيين الأجانب منذ أزيد من عقد(74)، لا محلَّ له من الإعراب في الصحافة العربية.
لم تحقق مواقع الشبكات الاجتماعية عائدًا ماليًّا للصحف الأجنبية، لكنها أسهمت في زيادة مشاهداتها في الفضاء الافتراضي، وفي إضفاء مسحة إنسانية عليها. وأضحى استعمالها بمنزلة “حيلة” تستخدمها الصحف لتشكيل جماعات، وللتقرب من الشباب والانخراط معهم في انشغالاتهم وجرهم تدريجيًّا نحو “المواد الإعلامية الكلاسيكية” لتعويض قرائها الذين شاخوا(75).
جدول (5): حضور الصحف العربية في مواقع الشبكات الاجتماعية
لينكد إن | تمبلر | واتساب | بينترست | تلغرام | سناب شات | تيك توك | تمبر | إنستغرام | يوتيوب | تويتر | فيسبوك | شبكات التواصل الاجتماعي
الصحيفة |
|
x | x | x | x | الاتحاد | 1 | ||||||||
x | x | x | x | السياسة | 2 | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الراية | 3 | ||||||
x | x | x | x | x | x | عكاظ | 4 | ||||||
x | x | x | أخبار الخليج | 5 | |||||||||
x | x | x | عدن الغد | 6 | |||||||||
x | x | x | x | الأخبار | 7 | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الدستور | 8 | ||||||
x | x | x | الصباح الجديد | 9 | |||||||||
x | الأهرام | 10 | |||||||||||
x | x | صدى الأحداث | 11 | ||||||||||
x | x | x | x | الناس | 12 | ||||||||
x | x | x | x | x | x | x | الشروق | 13 | |||||
x | x | x | الخبر | 14 | |||||||||
x | x | x | x | x | x | الصباح | 15 | ||||||
x | x | x | x | السراج الإخباري | 16 |
ما سبق ذكره يجب ألا ينسينا أن أبرز صعوبة تعاني منها الصحافة العربية تتمثَّل في غياب نموذج اقتصادي يلائم خصوصيتها. فالنموذج السابق القائم على عائدات الإعلان ومبيعات الصحف الورقية كشف عن محدوديته في ظل التحولات التي تعيشها الصحافة. والإعانات المباشرة وغير المباشرة التي تُقدِّمها الدولة للنهوض بالصحافة لم تستطع أن تُنقِذ العديد من المؤسسات الصحفية التي لا تملك رؤية عصرية ومقدامة ومُتَبصِّرة لمستقبلها، وما استطاعت تقديمه هو التقليل من خسائرها(76) فقط، حتى وإن كانت هذه الإعانات توزع على الصحف بعيدًا عن كل شفافية(77) وتقترن في الغالب بالمساومة على خطها الافتتاحي. أما النمط الجديد القائم على تقييد النفاذ (Paywall) إلى محتويات الصحف في مواقعها بشبكة الإنترنت، لإجبار القارئ على دفع مقابل مالي وفق اختيارات متعددة والذي أصبح يُسهم بنسبة 66% من دخل الصحف وبنسبة 71% من عائدات المجلات الأوروبية(78)، لم تلجأ إليه الكثير من الصحف العربية. ويبدو هذا النمط غير مشجع للصحف القليلة التي شرعت في استعماله(79)، لأنه لم يتمكن بعد من تغطية سوى 5% من نفقات بعض الصحف المغربية، على سبيل المثال، ومن الصعب التعويل عليه في الظروف الحالية لتعويض خسائر الصحف الناجمة عن تراجع مبيعات النسخ الورقية، وانخفاض عائد الإعلانات(80).
وعلى الرغم من رمزية الاشتراك في الصحف الرقمية في البلدان العربية(81) إلا أن نسبة القراء غير المستعدين لدفع أي مقابل مالي لقراءة الصحف الرقمية كبيرة. لقد قدرت بـ74% في الأردن، و75% في قطر، و61% في تونس(82). وحتى تغري القراء بدفع هذا المقابل المالي على الصحف العربية أن تتوفر على مجموعة من الشروط، منها على وجه التحديد تقديم مادة صحفية ثرية ومتنوعة تختلف عن تلك المتوافرة مجانًا في شبكة الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية. وخلاصة القول في هذا الباب: إن مواقع الصحف العربية لم تتمكن بعد من تمويل ذاتها، بل إن بعضها شكَّل عبئًا ماليًّا إضافيًّا على الطبعة الورقية عوضًا أن يُسهم في إنقاذها، مثلما فعل العديد من المواقع الأجنبية للحوامل الورقية.
- إستراتيجية الصحافة الورقية الأجنبية للخروج من الأزمة
يؤكد الكتَّاب والصحافيون -كما هو مبيَّن في الجدول رقم (1)- أن هشاشة وضع الصحافة العربية لا تُشكِّل حالة استثنائية، بل إنها جزء من أزمة عالمية. وهذا حق أُريد به باطل، كما سنبيِّن ذلك من خلال استجلاء بعض العوامل التي كانت فاعلة في أزمة بعض الصحف الأجنبية، الفرنسية والأميركية تحديدًا.
تشير بعض البحوث الميدانية التي أُجْريت في قاعات تحرير الصحف الورقية في هذا البلد العربي أو ذاك إلى اقتناع عدد متزايد من صحافيي الصحف الورقية بأن مصيرها الزوال، بجانب حكم الكثيرين منهم أن أزمة الصحافة الورقية لا حلَّ لها(83)، وهذا ما سنحاول أن ننفيه من خلال استعراض إستراتيجيتي “نيويورك تايمز” الأميركية و”لوموند” الفرنسية للخروج من الأزمة. وقد اختار الباحث هذين النموذجين لكونهما يمثِّلان تجربتين مختلفتين، وأن كليهما أصبح يمثِّل مرجعًا في إنقاذ النسخة الورقية من الإفلاس وفي التطوير المتجدد للنسخة الرقمية في آن واحد.
على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية والتشريعات القانونية في البلدان الغربية إلا أن الصحافة ظلت تُشكِّل منبرًا فاعلًا في النقاش العمومي في البلدان الديمقراطية، وأداة مُعَزِّزة للتعددية الإعلامية التي تعكس تنوع الآراء المختلفة في المجتمع(84). وتسهر الدولة، التي تمثِّل القاضي، على ضمان هذا التنوع إيمانًا منها بأن الديمقراطية تنعدم في غياب التعددية الإعلامية ومصادرة الحق في الإعلام. لذا، فإن موت الصحيفة في هذه البلدان يُعد خسارة سياسية وفكرية تدفع الديمقراطية ثمنها. لهذا السبب تلح جلُّ التشريعات في البلدان المذكورة على ضرورة ضمان تعددية الإعلام وتُحدِّد إجراءاتها التنفيذية، وتُقَنِّن الإعانات المباشرة وغير المباشرة التي تستفيد منها الصحافة، مثل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، ورسوم البريد لتوزيع الصحف عبر الاشتراكات، ومساعدة الموزعين على إيصال الصحف إلى القراء، وغيرها. خصصت فرنسا على سبيل المثال 900 مليون يورو لمساعدة الصحافة على تجاوز صعوباتها ومرافقتها في انتقالها إلى البيئة الرقمية في 2010(85)، إضافة إلى المساعدة من أجل عصرنة المطابع والتخفيف من أعبائها المالية، وتعاملت لأول مرة مع صحافة الإنترنت، مثل “ميديا بارت” (Mediapart) و”رو89″ (Rue89)، على قدم المساواة مع الصحف الورقية، فخصصت لها 60 مليون يورو لمدة ثلاث سنوات(86). وعلى الرغم مما تثيره هذه الإعانة من خلاف حول جدواها وطبيعة الصحف المنتفعة منها إلا أنها تتم في أطر قانونية وبكل شفافية، ولا تفقد الصحف بموجبها استقلاليتها. ولا تُشكِّل فرنسا استثناء في الدول المتقدمة، رغم ما يُقال عن سخائها مع الصحافة، فجلُّ الدول الأوروبية يمنح إعانات مباشرة للصحف، مثل الدنمارك، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، والسويد، والنمسا(87)، وأخرى تضيف لها إعانات غير مباشرة.
لقد أعطت هذه الإعانات دفعة قوية لصحافة الإنترنت وأطالت عمر العديد من الصحف الورقية، لكنها لم تُقدِّم الحل الأمثل لإخراجها من أزمتها. لقد أشرنا إلى هذه الإعانات لتوضيح جانب فقط من الفرق بين الصحافة في البلدان العربية والبلدان الأوروبية المتقدمة، ففي أوج الأزمة سحبت بعض الدول العربية الإعانات غير المباشرة التي كانت تمنحها للصحف، وكأنها تريد بذلك التخلص من عبء ثقيل.
إذا كانت الصحافة الورقية تعاني من الأزمة في البلدان الصناعية المتقدمة، فإن وطأتها تختلف من بلد إلى آخر ومن صحيفة إلى أخرى. ويبدو أن الصحف اليومية تضررت منها أكثر من الصحافة المتخصصة والمجلات الشعبية التي ما زالت صامدة، بهذا القدر أو ذاك، وتقاوم، بل إن بعضها استطاع الخروج من هذه الأزمة.
وبصرف النظر عن التباين في أوضاع الصحافة في البلدان الغربية، يمكن حصر أبرز أسباب أزمتها في الولايات المتحدة وفرنسا، فيما يلي:
- إن النمط الاقتصادي الكلاسيكي، الذي ظهر في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وتحكَّم في الصحف لمدة تزيد عن القرنين بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة. لقد تمثَّل هذا النمط في تخفيض سعر بيع الصحيفة في السوق من أجل توسيع قاعدة قرائها المحتملين، والاعتماد المتزايد على عائدات الإعلان في تمويلها. لذا قيل: إن الجريدة تباع مرتين في الوقت ذاته: مرة للقراء ومرة للمعلنين.
لقد استثمر هذا النمط الاقتصادي إلى أقصى حد، فأصبحت الصحف تباع للزبون الثاني فقط، أي المُعْلِن. وهذا ما تجسد في الصحف المجانية التي ظهرت في منتصف تسعينات القرن الماضي، ونُسِب لها الضرر الذي لحق بالصحافة نتيجة تراجع سوق الإعلان في العالم، وتراجع نصيب الصحف من عائداته. ففي أميركا، على سبيل المثال، انخفض نصيب الصحف الورقية من الإعلان بـ60% خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2008(88). وقد ترتب على هذا الانخفاض تراجع توزيع الصحف بالنسب التالية: 5.18% في أميركا، و5.85% في أوروبا، و2.52% في اليابان، خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007(89). وحتى الصحف المجانية ذاتها عانت من هذا التراجع في أكثر من بلد.
إن أزمة الصحافة في أميركا تاريخية ولا ترتبط عضويًّا بشبكة الإنترنت؛ إذ تعود إلى ثمانينات القرن الماضي؛ حيث ظلت في يد العائلات الثرية التي توارثتها أبًا عن جد، وحققت بفضلها أرباحًا طائلة في منتصف القرن 20، مما أغرى العديد من المستثمرين بالاستدانة من البنوك لإنشاء صحف أو شراء بعضها. فشهد قطاع الصحافة حركة اندماج واسعة تُوِّجت بتأسيس شركات استثمارية كبرى ذات أسهم مربحة في البورصة، ولم تستثمر أرباحها في تحديث قاعات التحرير وتطوير إنتاجها، بل وُجِّهَت إلى رفع نصيب أصحاب الأسهم من الأرباح(90). وبعد تراجع توزيع الصحف وانخفاض حصتها من عائدات الإعلان تراكمت ديونها.
أما مصدر أزمة الصحافة في فرنسا؛ فيمكن القول: إنه فلسفي. فقد ظلت فرنسا مؤمنة بأن الصحافة تمثِّل مرفقًا عامًّا يعمل لصالح النفع العام وضمان حرية التعبير. لذا، حرصت على سنِّ القوانين المناهضة للاحتكار في قطاع الإعلام، وترتب على هذا الحرص ضعف رأسمال الصحف الذي تحتاجه لتطوير بنيتها القاعدية حتى تواكب التطور التكنولوجي، فلجأت إلى رجال المال والأعمال وأرباب الصناعة الذين تولوا إدارتها بالذهنية التي كانوا يديرون بها أي مشروع صناعي أو تجاري دون الوعي بخصوصيتها(91). استطاعت بعض الصحف، مثل “لوموند”، إدراك التحولات التي تنتظر الصناعة الصحفية فتبنَّت إستراتيجية مقدامة للخروج من الأزمة، كما هو مُبيَّن في الجدول رقم (6).
- سقطت الصحافة الورقية فيما يُسمِّيه الباحثان، فيلب مايير (Philip Meyer) ويوان زهانغ (Yuan Zhang)، بـ”لولب الموت” (Death spiral)(92)، ولخَّصاه في القول: إن الصحف التي تعاني من وطأة الأزمة اضطرت إلى تقليص ميزانياتها، فتراجعت نوعية المواد الصحفية التي تنشرها إلى درجة انصراف القراء عنها؛ فقلَّت مبيعاتها مما أدى إلى تراجع نصيبها من عائدات الإعلان. واضطرت، مرة أخرى، إلى تقليص الميزانية والاستغناء عن المزيد من الصحافيين. والنتيجة الاستمرار في تقديم مادة إعلامية هزيلة تُنفِّر القراء منها، وهكذا دواليك.
- فَهِم مسؤولو الصحافة الورقية أن النشر في شبكة الإنترنت في مطلع الألفية الثالثة يُخفِّف من كلفة الإنتاج؛ إذ يُوفر لهم ثمن الورق والطباعة والتوزيع الذي يُثقل كاهلهم. ولم يُقدِّروا إلا متأخرين التحولات التي أحدثتها شبكة الإنترنت في قطاع الصحافة الورقية. لقد اعتقدوا أن خطر هذه الأخيرة يكمن في مجانية الأخبار التي تنشرها، وليس في سحب احتكار الإعلام من قبضتها وقبضة غيرها من وسائل الإعلام التقليدية. ورأوا، مثل جلِّ الصحف العربية، أن شبكة الإنترنت مجرد حامل جديد لنشر المحتويات، ولم يعملوا على توثيق علاقاتهم بالقراء الذين يُقدِّمونهم “لقمة سائغة” للمعلنين. لذا، نلاحظ أن بعض الصحف الأميركية، مثل “نيويورك تايمز”، قامت بتصحيح هذا المسار، فمنحت الأولوية لقرائها قبل المعلنين، ونجحت في ذلك.
اقتنع المستثمرون في الصناعة الصحفية وملاك الجرائد في الدول الغربية، في 2000، بأن التكنولوجيا الرقمية تُعمِّق أزمة الصحافة، ومن المتوقع أن تقضي عليها إن لم يتخذوا زمام المبادرة بالإجابة عن هذا السؤال: هل بالإمكان الحفاظ على صحفهم الورقية وجعلها رقمية أكثر؟ تعددت الإجابة عن السؤال حسب القدرة التنافسية لكل صحيفة وموقعها في المنظومة الإعلامية الوطنية والدولية، ومواردها البشرية، وقدرتها على التكيُّف مع البيئة الرقمية. ومهما اختلفت الإجابة، فالأمر يتطلب مرحلة انتقالية، فصحيفة “نيويورك تايمز” العريقة التي تأسست في 1851، وكادت تُعلِن إفلاسها في 2000 بعد أن تنازلت عن جلِّ ممتلكاتها واستغنت عن خدمات عُشر أعوانها، حدَّدت هدفًا أوليًّا، وهو تحويل قراء الصحيفة إلى مشتركين، ثم منح نسخة رقمية للمشتركين في النسخة الورقية، وتحويلهم تدريجيًّا إلى مشتركين في هذه النسخة بمقابل مالي(93). وقد تحقَّق هذا الهدف في نهاية 2013؛ إذ زاد عدد المشتركين في النسخة الرقمية عن عدد المشتركين في النسخة الورقية، فبلغ 799 ألف مشترك مقابل731 ألف مشترك في النسخة الورقية، بل إن 90% من قراء هذه النسخة اختاروا أيضًا الطبعة الرقمية(94). ليس هذا فحسب، فقد تجاوز عدد المشتركين في الصحيفة 4 ملايين، 3 ملايين منهم اشتركوا في النسخة الرقمية في الفصل الثالث من 2018. لقد حقَّقت نسبة زيادة قُدِّرت بـ24.4% سنويًّا(95)، فأضحى القراء يسهمون بنسبة %70 في مواردها المالية في 2020 بعد أن كانت نسبتهم لا تتجاوز 50% في 2011(96).
إن النتائج التي حققتها “نيويورك تايمز” تُعد ثمرة نقاش استند إلى الاقتناع بضرورة المخاطرة والتخلي عن بعض تقاليد الصحافة الورقية، وهذا ما ورد في التقرير الداخلي الذي أعدَّه رئيس تحرير الصحيفة باسم مشروع للسنة 2020(97)، ورسم فيه الخطوط العريضة للإستراتيجية التي يجب أن تتبنَّاها الصحيفة، مستندة إلى العوامل التالية: دراسة إستراتيجية المؤسسات الصحفية المنافسة، واستيعاب التحولات التكنولوجية، ودراسة سلوك القراء ومستخدمي موقع ومنصات الصحيفة. وفيما يلي أبرز الخطوط العريضة لهذه الإستراتيجية:
- دفع مقابل مالي للاطلاع على بعض محتويات الصحيفة (Metered Paywall)، بدل سياسة “الكل مجاني”، أي النفاذ إلى كل محتويات موقع الصحيفة دون رسوم، والتي سادت من 1996 إلى 2011 (انظر الجدول رقم 6).
- جعل الصحيفة مؤسسة لإدارة البيانات (Data-Driven) من خلال تشكيل فريق ذي كفاءة في هذا المجال لجمع بيانات تفصيلية ودقيقة عن قراء الصحيفة في الويب: أعمارهم، مستواهم التعليمي، مقر وجودهم، موقعهم الاجتماعي، وكيفية تفاعلهم مع موقعها. وبهذا تمكَّنت من الاطلاع على سبب عزوف القراء عن قراءة المواد الصحفية المصوغة بالطرق التقليدية )بُعْدُها المرئي ضعيف، وقيمتها المضافة متواضعة…(..
- تفضيل القارئ على المُعْلِن: سعت الصحيفة إلى كسب رضا القارئ قبل المعلن. لذا، منحته الأدوات التي تمكِّنه من متابعة تطور الأحداث بيسر وفهمها، وابتكار أشكال جديدة من السرد باستخدام تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية والوسائط المتعددة، وتأطير التعليقات على ما تنشره من محتويات.
- الانزياح أكثر نحو صحافة الخدمات: تقديم كل ما من شأنه تيسير الحياة اليومية للقارئ، إضافة إلى الأخبار والاستشارات التي يحتاجها، والتي تضفي على الصحيفة طابعًا اجتماعيًّا أكثر.
- المهارة في تطوير منتجات جديدة: عملت الصحيفة على التجريب والمجازفة؛ إذ راهنت على بعض المنتجات وأخفقت في بعضها، مثل “المدونات الإلكترونية المباشرة”، و“تطبيق خاص برأي الصحيفة”. وحققت نجاحًا صحافيًّا باهرًا في بعضها الآخر، مثل التطبيق الرقمي المسمى “نيويورك تايمز الآن” الموجه لفئة الشباب، و”نيويورك تايمز الطبخ” الذي يمكن متابعته مجانًا، وغيرها من التطبيقات والاختيارات المتاحة عبر مختلف الحوامل: الهاتف الذكي، واللوح الرقمي، والكمبيوتر، وهذا الأمر تطلب من الصحيفة إعادة تشخيص هوية كل قسم في الجريدة، وتحديد أهدافه في المؤسسة.
إن الابتعاد عن تقاليد الصحافة المكتوبة لا يعني إهمال النسخة الورقية، بل استفادت هذه الأخيرة من التحول الرقمي الذي تعيشه المؤسسة، وأصبحت تُقدِّم محتوى نوعيًّا يجذب الكثير من القراء. ويعتقد المدير العام للصحيفة أن التحولات التي عاشتها وتعيشها “نيويورك تايمز” لم تجعلها تُفرِّط في ثقافتها ولا في مهنتها المتمثلة في إنتاج صحافة الجودة التي تستأهل أن يدفع القارئ مقابلًا ماليًّا للاطلاع على محتوياتها(98). وهكذا استطاعت الصحيفة الانتقال من وضعية صحيفة كبرى تنافس نظراءها إلى مؤسسة ثقافية ذات أهمية عالمية(99).
عاشت صحيفة “لوموند” مرحلة عصيبة كادت أن تعصف بها؛ إذ سجلت سلسلة من الاستقالات لطاقمها المسير، وازدادت خسائرها من سنة إلى أخرى لتبلغ 15 مليون يورو في 2017 وحدها. وتراجع توزيعها بنسبة 10%، وانخفضت عائداتها من الإعلان بـــ40% خلال السنوات الأربع التي سبقت هذا التاريخ(100)، لكنها بدأت تستعيد عافيتها بدءًا من 2019؛ إذ رفعت عدد الصحافيين إلى 500 صحافي بعد أن كان عددهم لا يزيد عن 400 صحافي في 2014. وبالمقابل، قلَّصت عدد المواد الصحفية التي تنشرها بنسبة 14% لِتُركِّز على الكتابة المتأنية والمعمقة(101)، وارتفع عدد مشتركيها لأول مرة في تاريخها ليبلغ 531 ألف مشترك: 414 ألفًا في النسخة الرقمية، و87 ألفًا في النسخة الورقية، يضاف لهم 30 ألف قارئ يشترى نسختها الورقية يوميًّا داخل فرنسا وخارجها. وهكذا تمكنت من رفع عدد مشتركيها الرقميين ليتجاوزوا نسبة مشتركي الطبعة الورقية بأكثر من أربع مرات(102).
نجحت الخطة التي اتبعتها الصحيفة للخروج من الأزمة، ويأتي في مقدمتها تشكيل مجمع صحفي بتمويل من أرباب المال بنسبة 72.5%، مع فصل السلطات بين المستثمرين وهيئة المحررين عبر إبرام ميثاق لأخلاقيات العمل، في 2010، يحدِّد “حقوق وواجبات المستثمرين”؛ إذ يُلزِمهم بعدم التدخل في نشاط قاعة التحرير. وبهذا استطاعت أن تحدَّ من الاضطراب في العلاقة بالمستثمرين والقوى السياسية المختلفة من جهة، وقاعة التحرير من جهة أخرى.
ويعزو البعض نجاح “لوموند” إلى إعانات الدولة الفرنسية، لأنها حصلت على التوالي على 17 مليون يورو(103)، في 2010، و16.9 مليون يورو، في 2011، و18.6 مليون يورو، في 2012(104). وبهذا أضحت على رأس الصحف المستفيدة من الإعانات المالية المباشرة المخصصة لدعم توزيع النسخ الورقية، وعصرنة قاعة التحرير، والانتقال إلى البيئة الرقمية مع كسب أكبر عدد من القراء الشباب، ناهيك عن الإعانات غير المباشرة التي تحصل عليها الصحف الفرنسية، والتي تتمثَّل في خصم نسبة 2.1% من رسوم القيمة المضافة المفروضة على الصحف، و20% من قيمة الاشتراكات لصناديق التأمين الاجتماعي، والإعفاء من تكلفة الخدمات البريدية وتخفيض سعر الاتصالات(105).
ولئن ساعدت هذه الإعانات الصحيفة في النهوض من أزمتها إلا أنها لا تستطيع أن تخفي الجهود المبذولة لتطويرها. لقد استثمرت كثيرًا في البيانات وشكَّلت منها قاعدة ضخمة يستفيد منها صحافيوها لتقديم مادة صحفية معمقة ودسمة يرضى عنها القراء الذين يدفعون مقابلًا ماليًّا لقراءتها. وسعت إلى إحداث التقارب الثقافي بين صحافيي النسختين، الرقمية والورقية؛ إذ أصبح هؤلاء يوظفون تقنيات صحافة البيانات في منتجاتهم الصحفية. وعزَّزت قدراتها في استغلال مواقع الشبكات الاجتماعية لجعل قرائها شركاء وليسوا مجرد متصفحي محتويات ما تنشره. لقد أوكلت مهمة معالجة التعليقات على محتوياتها في موقعها بشبكة الإنترنت )4 آلاف تعليق يوميًّا) وفي موقع فيسبوك )11 ألف رسالة يوميًّا( لشركة خاصة في مدغشقر نظرًا لارتفاع تكلفة هذه المهمة. ومن باب الفاعلية زودتها بـ”ميثاق المساهمات” لتجنب القذف والشتم وحتى المجاملات، وتشجيع تلك التي تثري النقاش، خاصة بين المشتركين(106).
اختارت الصحيفة نمطًا اقتصاديًّا هجينًا: موقعًا إلكترونيًّا يسمح للقارئ بالاطلاع على عناوينها ومقدمات بعض المواد الصحفية ممولًا بعائدات الإعلانات، مع نظام تقييد النفاذ إلى محتوياتها منذ 2010 يسمح للقراء بــ”شراء” المادة الصحفية التي تهمهم أو الاشتراك في النسخة الرقمية في قالب “بي دي إف” التي تُثْرى بمواد صحفية من النسخة الورقية. وبهذا تحولت “لوموند” إلى نموذج تحتذي به الصحافة الفرنسية(107).
لم تزد عائدات الصحيفة من الإعلانات عن نسبة 22% من رقم أعمالها في 2020، بينما ارتفعت نسبة مبيعاتها إلى 68% موزعة كالتالي: 25% من الاشتراك في النسخة الرقمية، و23% من المبيعات في الأكشاك، و20% من الاشتراك في الطبعة الورقية(108). وتدل هذه الإحصائيات على أن الصحيفة لم تستسلم إلى منطق النشر الرقمي الكامل، والتخلي عن النسخة الورقية. بل بالعكس، طورت مؤسسة “لوموند” بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، نذكر منها “لوموند ديبلوماتيك”، و”لافي” (vie La) و”كوريي أنترناسيونال” التي ما زالت تحتفظ بقرائها الأوفياء، وتعمل على تنويع منتجاتها بملاحق، وصفحات متخصصة في الفنون والسينما والمسرح، والتكنولوجيا الرقمية…إلخ.
جدول (6): التدابير العملية لتجسيد إستراتيجية “نيويورك تايمز” و”لوموند”
ابتكار النمط الاقتصادي | نيويورك تايمز | ||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/الاشتراك | |||
التركيز على المشاريع
التي تجلب الرعاية المالية مثل: رعاية “صفحة السفريات” من قبل خريطة “غوغل إيرث”. |
– إعلان مشخص على مقاس كل قارئ.
– إعلان متغير بتغيير الوقت تحت مسمى Mobile Moment. – شريط إعلاني لتمويل الريبورتاجات. |
– التراجع التدريجي عن مجانية القراءة منذ 2011: من 20 مقالًا إلى 5 مقالات مجانية شهريًّا.
– الاشتراك الأسبوعي للنسخة الرقمية بـ0.25 دولار قصد بلوغ القراء داخل أميركا وخارجها. – عرض أنواع مختلفة من الاشتراكات في 2011 تعكس تنوع القراء. – إشعار القراء بالأحداث عبر نشرة الأخبار المشخصة حسب اهتمامات القراء. |
|||
إستراتيجية الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
– استخدام البودكاست.
– استخدام منصة “وي شات” لنشر موادها باللغة الصينية. – استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل “سناب شات” و”فيسبوك” لتعريف العالم بالصحيفة، وإقامة علاقة دائمة مع مستخدمي هذه المواقع. – إصدار نسخة باللغة البرتغالية قصد بلوغ القراء في البرازيل. |
– تحديث المحتويات كل ثلاث ساعات(109).
– كتابة النص المتشعب، والاعتماد على الوسائط المتعددة، واستخدام تقنية الأبعاد الثلاثية. – جعل الصحيفة اجتماعية أكثر. – الاستثمار في الصحافة ذات الجودة العالية. – ترقية التعليقات على المواد المنشورة من أجل إشراك القراء الشباب في الصحيفة. – 40% من القراء على الحوامل المتنقلة هم أقل من 35 سنة. – ترجمة بعض المقالات إلى اللغة الإسبانية والصينية قصد بلوغ القراء باللغتين. – استغلال 14.7 مليون مقال من الأرشيف التي تمتد إلى 1851 لإنتاج مواد إعلامية في مختلف المجالات. |
– تشكيل فريق من 1300 شخص للطبعة الرقمية.
– إنشاء قاعة تحرير موحدة للطبعتين: الورقية والرقمية. – جعل القراء امتدادًا لقاعة التحرير دون أن تفقد الصحيفة شخصيتها. – تعيين رئيس تحرير مسؤول عن الرقمنة. – إنشاء فريق خاص بالميديا الاجتماعية لجمع البيانات والأخبار وللنشر والمتابعة. – تعيين محررين يسهرون على زيادة انتشار أي مادة إعلامية. – عدم التركيز في اجتماعات التحرير على محتويات الصفحة الأولى، والاهتمام بكيفية التغطية الإعلامية في الطبعتين وعبر المنصات الرقمية المختلفة. – استفادة قاعة التحرير من برنامج “نيوز أنالتيك” لتحليل كيفية تفاعل القراء مع موقع الصحيفة. |
|||
ابتكار النمط الاقتصادي | لوموند
|
||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/ الاشتراك | |||
– الحصول على إعانة مباشرة وغير مباشرة من الدولة للطبعتين: الورقية، والرقمية.
– الرعاية المالية للملاحق والملفات الصحفية دون منح حق للراعي في المحتويات. – الحصول على أموال من موقع فيسبوك جرَّاء المساهمة في عدة التحري حول صحة الأخبار والبيانات التي تسمح للموقع المذكور بالكشف عن الأخبار غير الموثوق فيها. |
– إنشاء منصة (Skyline) بالاشتراك مع صحيفة “لوفيغارو” لشراء الإعلانات الرقمية من المعلنين لمواجهة موقع فيسبوك وغوغل.
– الاستمرار في تطوير الإعلانات مع الحفاظ على الاستقلالية من المعلنين بتنويع مصادر دخل الصحيفة. – إبرام اتفاق مع “نيويورك تايمز” من أجل ترجمة ونشر “دليل المستهلكين” (Wirecutter).
|
– الاشتراك الشهري الثلاثي:
(web, iPhone, iPad). سمح بزيادة الاشتراكات. – الرهان على تحويل مستخدمي الإنترنت إلى مشتركي الطبعة الرقمية، أو زبائن بالقطعة أو الاشتراك الشهري أو السنوي للنسخة الرقمية. – ترقية الاشتراك في النسخة الورقية ورفع عدد زبائنها في الأكشاك. – استخدام صيغة “فريميوم” (Freemium) التي تتيح للقراء الاطلاع على بعض المواد مجانًا، مثل الفيديوهات القصيرة، ومقدمات بعض المواد، بينما تخصص المقالات المعمقة والدراسات والريبورتاجات للمشتركين سواء في الطبعة الورقية والإلكترونية. – تعويض الخسارة الناجمة عن تراجع عائدات المبيعات الورقية والإعلان، بالاشتراك الرقمي. |
|||
إستراتيجية الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
– استخدام 7 مواقع من منصات الشبكات الاجتماعية.
– إنشاء طبعة خاصة لموقع “سناب شات” تتضمن أبرز الأخبار الموجزة الموجهة للشباب مع الحفاظ على هوية الصحيفة والالتزام بمبادئها. – تطبيق “لوموند الصباحي” يُحمَّل مجانًا على الهواتف الذكية ويتضمن المواد الإعلامية المكتوبة والفيديوهات.
|
– الاتجاه نحو صحافة البيانات واستخدام الإنفوغرافيا، وإثراء المواد الإعلامية بالبيانات.
– الالتزام في 2014 بميثاق يفصل بين المواد الصحفية والإعلان والمواد الترويجية. – الانطلاق في تنظيم الأحداث التي تنتج عنها مواد صحفية ذات جودة: مهرجان لوموند، والمحاضرات، وحوارات متخصصة. – إشعار القارئ بمستجدات الأحداث عبر تطبيق خاص بالهواتف الذكية واللوح الإلكتروني. – تطوير قسم الخدمات: تعلم اللغة الإنجليزية، دليل الشراء، البستنة، مخزون الأقوال المأثورة، الكلمات المتقاطعة… إلخ. |
– إنشاء قاعة تحرير للطبعة الرقمية.
– توظيف المزيد من الصحافيين. – تخصيص فريق من الصحافيين للميديا الاجتماعية )6 محررين للصحيفة في موقع “سناب شات” على سبيل المثال(. |
|||
بالنظر إلى توصيف هشاشة الصحافة العربية، يمكن القول: إنها تعاني من أزمة بنيوية قد تختلف عن تلك التي عاشها الكثير من الصحف الأجنبية في مطلع الألفية الحالية. فدرجة استفادتها المتباينة من الإمكانات التي يتيحها الويب تشي بأنها لم تُسهِم كثيرًا في القضاء على هشاشتها، خاصة في غياب نمط اقتصادي بديل ناجع على غرار ما قامت به صحيفتا “نيويورك تايمز” و”لوموند” اللتان كشفت إستراتيجيتهما أن الأزمة التي مرَّتا بها يمكن تجاوزها.
ويكشف تحليل مواقع الصحف العربية أن الصحف الخليجية قطعت شوطًا متميزًا في استخدام العُدَّة المرئية لتكون أكثر قربًا من جيل القراء الرقمي. لكن نتساءل: هل إن تطورها مرتبط بقدراتها الذاتية أم بما تتلقاه من دعم مادي؟ إن مبرر طرح هذا السؤال يكمن في غياب البيانات الاقتصادية التي تكشف عن دخلها من الإعلانات ومبيعاتها واشتراك قرائها في نسختيها الورقية والرقمية.
تأسيسًا على العوامل الفاعلة في هشاشة الصحافة الورقية العربية، وعدم بلوغها درجة التحكُّم في خصائص صحافة الإنترنت في ظل غياب نمط اقتصادي بديل واضح المعالم، نجازف بالقول: إن أزمة الصحافة العربية هي مظهر من مظاهر صعوبة بناء الدولة الوطنية. وهذا القول لا يعني بتاتًا اختزال هذه الأزمة في البعد السياسي، وفي غياب الديمقراطية تحديدًا، على الرغم من أهميته القصوى. إن الانتقال الديمقراطي في الجزائر خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى 1991، وفي تونس ومصر في المرحلة التي تلت رحيل الرئيسين: زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لم يُمَكِّن الصحافة من تجاوز أزمتها. لقد أُجْهِض هذا الانتقال دون أن يحقق شروط هذا التمكين والمتمثلة في تبني سياسة عمومية شفافة ومُنصِفة لدعم الصحافة الورقية من الاندثار، وحماية سوق الإعلان من المحسوبية والولاءات السياسية واللغوية والعصبية، وإقامة نظام المنافسة الشريفة في قطاع الإعلام، وجعل الصحافيين يتمتعون بأحكام الضمير، وإخضاع المؤسسات الإعلامية لمحاسبة هيئات مستقلة، وإخضاع مهنة الصحافة لآليات الضبط الذاتي، وغيرها من الشروط الأساسية التي تدير الصحافة باعتبارها حقلًا بالمفهوم الذي ذكرناه في الإطار النظري.
لذلك يمكن القول: إن استمرار هشاشة الصحافة الورقية العربية في غياب أفق تطورها يمكن تفسيره بعدم تشكُّلها حقلًا قائمًا بذاته ومستقلًّا، والذي يُعبِّر عنه الصحافيون بالقول: إننا نعاني من غياب الاحترافية، وإن خروج الصحافة من الأزمة وضمان انتقالها الناجح في البيئة الرقمية مرهون بتكاثف الجهود لبناء هذا الحقل الذي يفرض على الجميع قيمه ومعاييره ونظمه. حقل يقاوم من أجل استقلاليته عن بقية الحقول، خاصة الحقل السياسي، لأننا نؤمن بأن الحقل الاقتصادي الذي اعتبره بيير بورديو مُهدِّدًا لاستقلالية الحقل الصحافي في فرنسا، هو مجرد تابع للحقل السياسي في المنطقة العربية. وهذا ما يتجلى بوضوح في مجال تمويل الصحف وتوزيع ريع الإعلان عليها، كما ذكرنا آنفًا.
إن تَشكُّل الصحافة حقلًا قائمًا بذاته ومحافظًا على استقلاليته ليس بالأمر الهين، فقد بيَّنت التجارب العالمية أن ذلك جرى ويجري في ظل التوترات والتجاذبات والتصدي لهيمنة بقية الحقول الاجتماعية على الصحافة. وأكبر عائق وقف في وجه تَشكُّل الصحافة العربية حقلًا يكمن في نشأتها في ظل الكفاح من أجل استعادة الاستقلال الوطني. فاتسمت بطابعها التعبوي والتجنيدي، الذي يفضل الأنواع الفكرية )المقال والتحليل(، على حساب الخبر والاستقصاء. فالصحف العربية لم تولد في بدايتها من رحم الصحافة الإخبارية اليومية وما تتطلبه من حرص على جمع الأخبار، والتحري بشأن صحتها، والسهر على آنيتها، وتطوير مهارات التعامل مع أكثر من مصدر للخبر والحفاظ على هامش من الاستقلالية، ناهيك عن عدم الخضوع وحتى الخنوع للمصادر.
لقد بدأت الصحف العربية مسيرتها صحفًا أسبوعية وشهرية ذات طابع سياسي وثقافي تميل للاضطلاع بدور سياسي أكثر منه إخباري. فما نسمعه اليوم من مطالبة الصحافيين بتطبيق الديمقراطية في الصحافة العربية لا تعني، في الغالب، التشجيع على الاستقصاء والبحث الحر عن المعلومات، وإنجاز التحقيقات الصحفية والريبورتاجات، ومساءلة السياسة العمومية(110) بقدر ما تعني المساهمة في النقاش، وإبداء الرأي المعارض. ففي الجزائر على سبيل المثال، لم تنزعج السلطة في السابق من الرأي الناقد والموجه لرموز النظام، بمن فيهم الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، ذاته، بل جعلت هذا النقد حجة ضد الذين “يزعمون” أو ينفون وجود ديمقراطية في الجزائر، لكنها كانت تكشر عن أنيابها إن “تجرأت” هذه الصحيفة أو تلك وقامت بنشر الوقائع الموثقة التي تخالف الخطاب الرسمي، أو حاولت النبش في ملفات الفساد وتقديم الحقائق المشفوعة بالوثائق والشهادات في تحقيقات صحفية.
إن عدم تمكُّن الصحافة في المنطقة العربية من بناء ذاتها حقلًا جعلها رديفًا للأحزاب السياسية إن لم تكن بمنزلة أحزاب، وتتصورها السلطات العمومية كأنها كذلك، وتحاسبها على هذا الأساس؛ إذ تطلب منها، صراحة أو ضمنيًّا، أن تكون أداة مساندة للسلطة القائمة وتمارس دور العلاقات العامة وإن لم تفعل تعتبرها معارضة، فتراقبها وتلاحقها قضائيًّا وتخنقها اقتصاديًّا.
وبناء على ما سبق ذكره، تحدَّدت مكانة الصحافي ومهامه. لقد ظل منذ خمسينات القرن الماضي يرى أن مهمته سياسية ونضالية، ليس بالمعنى الغربي كـ”كلب حراسة” أو كـ”قوة رقابية على السلطة التنفيذية”، بل باعتباره مناضلًا سياسيًّا أكثر منه صحافيًّا. لذا نلاحظ أن الكثير من الصحافيين يفضلون أن يكون مسماهم الوظيفي “كاتب صحفي” على مسمى “محرر” للأخبار. فعملية جمع الأخبار وغربلتها والتحري حول صحتها لدى أكثر من مصدر تبدو نشاطًا متواضعًا إن لم يكن دونيًّا أمام نبل كتابة المقالات التحليلية والفكرية التي يعتقد أنها ترفع رصيد رأسمال الرمزي لمن يمارسها.
إن ما يقف عمليًّا في وجه المحاولات، التي تظهر هنا وهناك، لدفع الصحافة لِتُشكِّل حقلًا بالمعنى الذي ذكرناه أعلاه، يتمثَّل في تقاطع المصالح بين النخبة السياسية ومسؤولي الصحف، وفي توظيف الصحافيين على أسس غير مهنية، وترقيتهم على أساس “الثقة” والولاء والمحسوبية، واعتماد الصحف على التمويل السياسي بصرف النظر عن وزنها لدى القراء، وعدم إخضاع الإعلان لمنطقي السوق والخدمة العامة، بل يُستخدَم ورقة للضغط ومساومة الصحف على خطها التحريري، وإعادة إنتاج الخطاب السياسي بحذافيره، والاعتماد على المصدر الرسمي والوحيد للأخبار.
إن النمط غير الاقتصادي الذي اتبعته الصحافة العربية بدرجات متفاوتة جعلها لا تولى القدر الكافي من الاهتمام بالقراء. فالقسط الأكبر من مداخيلها لا يأتي من مشتركيها ومبيعاتها، بل من السلطة التنفيذية في شكل إعانات دائمة. ومن عائدات الإعلان المضمون والمتواصل بصرف النظر عن عدد مرتجعات كل صحيفة. لذا نلاحظ اليوم في عز أزمة الصحافة أن النجاح التجاري الذي تحققه بعض الصحف العربية يتوقف على مدى قربها من أصحاب القرار السياسي أكثر من “شطارتها” في مهنة الصحافة(111).
ففي ظل التطور التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي الذي بدأ يضغط على الصحافة لتتخلى عن كونها منبرًا لتقديم المحاضرات وتتحول إلى ساحة للنقاش، وجد الصحافيون أنفسهم مضطرين للمشاركة فيه وإشراك القراء معهم. وهذا يصطدم مع التَّطبُّع الذي تحكَّم في مفاصل العمل في قاعة التحرير في الصحافة العربية. فالصحافيون القادمون من مشارب مختلفة والمالكون لمسارات حياتية وخلفيات ثقافية متنوعة، ينغمسون بسرعة في رتابة العمل التراتيبي الذي يبني علاقات تتقاطع فيها مصالحهم مع مصالح مصادر الأخبار، ويستبطنون الرقابة الذاتية، ويتدربون على أشكال التعبير التقليدية. إنهم يمارسون اليوم المقاومة بهذا القدر أو ذاك لأي تغيير في قاعة التحرير، وللمعايير والقيم المهنية الجديدة التي تفرضها البيئة الإعلامية ومتطلبات القراء واهتماماتهم المتنوعة.
إن المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تُنهِك أكثر الصحافة الورقية العربية ليس لقوتها التنافسية فحسب، بل لوقوفها الضمني أيضًا ضد كل المحاولات الجادة التي تقوم بها بعض الصحف العربية في سبيل ترسيخ بعض المعايير الاحترافية. فتحليل محتوى ما تنشره بعض المواقع الإخبارية الناشئة يكشف أن منتجها مزيج من العلاقات العامة والإعلان المبطن والأخبار المُضَلِّلة والملفقة نتيجة التسرع في نقلها، وخضوعها لمنطق الخوارزميات التي تهتم بعدد “النقرات” على المنشورات وعدد المعجبين بها. إنه المنطق الذي يحدِّد نصيبها من عائدات الإعلانات. ولئن كان هذا الأمر ينطبق على المواقع الإخبارية التي تطالب بالاعتراف بها مؤسسات صحفية على غرار تلك التقليدية، فما تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية في المنطقة العربية التي تحوَّلت إلى سلاح بيد مختلف القوى ذات الهوية المجهولة لتمييع العمل الصحفي وتلويثه؟ وهذا الأمر يجرنا إلى التفكير في المفارقة التي ذكرها بيير بورديو، وأشرنا إليها أعلاه، والمتمثلة في القول: إن الصحافة فقدت استقلاليتها كحقل، لكن تأثير نفوذها على بقية الحقول قد ازداد. ربما ينطبق هذا القول على القنوات التليفزيونية أكثر في المنطقة العربية، لأن القيمة الاعتبارية للصحافة الورقية التي اكتسبتها في مرحلة النضال لاستعادة الاستقلال السياسي قد تراجعت بعد أن تحوَّلت الصحف الورقية في العديد من البلدان العربية إلى أدوات السلطة؛ تديرها -بشكل مباشر أو غير مباشر- كُتَل سياسية ومجموعات اقتصادية، وتستعمل لغة مشفرة عن قصد لأن وظيفتها الأساسية قد تغيرت؛ فلم تعد تروم إخبار الناس، بل تسعى إلى بعث رسائل مشفرة إلى جماعات الضغط في السلطة أو المعارضة، وأن القراء ليسوا سوى وسيلة(112).
خاتمة
يُستخلص من كل ما سبق ذكره ما يلي:
- أن لجوء الصحف الورقية العربية إلى النشر عبر الإنترنت أو تحوُّلها كليًّا إلى النشر الرقمي لم يخرجها من وضعها الهش، بل أضاف لها عبئًا آخر، خاصة أن الكثير منها أعاد إنتاج النسخة الورقية في شبكة الإنترنت، مما يعني توسيع نطاق هشاشتها. وهذا خلافًا لما قامت به بعض الصحف الأجنبية، مثل “نيويورك تايمز” و”لوموند”، والتي بيَّنت تجربتهما أن الطبعة الرقمية أصبحت تختلف كثيرًا عن الطبعة الورقية بعد أن تمكَّنت من ترسيخ الخصائص الرقمية التي يتفق عليها عدد متزايد من محترفي العمل الصحفي والباحثون، والتي تمنح الحرية للصحافيين في ابتكار أفضل القوالب السردية للأخبار عبر الوسائط المتعددة، وتلك التي تتيح للقراء التفاعل مع المحتويات وحتى شخصتنها من خلال السرد التفاعلي، والتفكير في أدوات ربط المواد الصحفية بالبيانات والمعطيات واستغلال أرشيف الصحيفة، واستخدام النص المتشعب.
- بيَّنت تجربة الصحافة الأجنبية وجود علاقة وثيقة بين محتوى الصحف واقتصادها، فالأول يقود الثاني وليس العكس. وهذا ما يتضح من خلال استغلال بيانات القراء وتوظيفها في اختيار الموضوعات وتجريب المنتجات الإعلامية الجديدة للطبعتين، الورقية والرقمية. وبهذا زالت فكرة التنافس بينهما لتحلَّ محلَّها فكرة التكامل والتنوع للوصول إلى مختلف شرائح القراء.
- لا تعاني الصحافة الورقية العربية من هشاشة مؤقتة مما يتطلب حلولًا ظرفية ذات طبيعة إدارية أو مالية أو تقنية على أهميتها، بل إنها تعيش أزمة وجودية جوهرية تتطلب العمل الدؤوب على إعادة بنائها حقلًا مستقلًّا بذاته، وهو ما يقتضي الالتفات عن البراديغم التقليدي للصحافة وللعمل الصحفي، وإعادة النظر في معنى وجود الصحافة في المجتمع المعاصر، وما طبيعتها ودورها على ضوء التغيرات التي طرأت على القراء، ولماهية الصحافي المُجْبر على إعادة تكوين ذاته وتَطبُّعه بما يتماشى والتحولات التي تعيشها قاعات التحرير استجابة لمنطق التكنولوجيا من جهة، ولحاجات القراء، من جهة أخرى. وهذا يستدعي إقامة حوار دائم بين الثقافتين: ثقافة الصحافة الورقية، وصحافة الإنترنت، وتوظيف الكفاءات الجديدة: مدير الجماعات (Community Manager)، وقائد البيانات (Data Driver)، وفنيي الغرافيكس، ومُعَدَّل التعليقات (Moderator) وغيرهم، والاستفادة من نشاطهم من أجل تقديم مادة عامة وشخصانية، دسمة وخفيفة في الوقت ذاته، وجديرة بأن يدفع القارئ مقابلًا ماليًّا للاطلاع عليها مع تنويع المقاربات لإشراكه فيها. وهكذا يمكن لها أن تشق طريقها الخاص، وتؤسس لنموذجها الاقتصادي الجديد الذي يسهم في إنقاذها من الإفلاس.
المراجع
(1) انظر على سبيل المثال:
Yonatan Gonen, “What Does the Arab Newspaper Think About Itself,” The Middle East Review of International Affairs Journal, Vol. 18, no. 2, (Summer 2014), “accessed June 11, 2022”. https://cutt.ly/dZQkctQ.
(2) لو اقتصرنا على تونس على سبيل المثال، التي انطلقت منها شرارة أحداث الربيع العربي، نشير إلى أن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال وافقت على صدور 228 عنوانًا في 2011. نقلًا عن:
Enrique Klaus, Olivier Koch, “Les presses privées post-2011 en Tunisie: mutations économiques et politiques,” Questions de communication, no. 32,)2017): 287-306.
(3) انظر على سبيل المثال:
-نصر الدين لعياضي، “الصحافة الجزائرية في بيئة الويب: إرهاصات التغيير”، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية (جامعة الجزائر 3، العدد 6، يونيو/حزيران 2016)، ص 171-193.
– المعز بن مسعود، “الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرقمنة”، مركز الجزيرة للدراسات، 6 ديسمبر/كانون الأول 2016، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2022)، https://bit.ly/3Bl4nih.
(4) Virginie Sonet, “Enjeux méthodologiques de l’hybridation des pratiques: le cas de L’audiovisuel sur smartphone,” Les Enjeux de l’Information et de la Communication, no. 17/3A, (2016): 213-224.
(5) Eugenia Siapera, Andreas Veglis, The Handbook of Global Online Journalism (John Wiley & Sons, 2012), 5.
(6) Francois-A. Isambert, “Max Weber désenchanté,” l’année sociologique, Vol. 43, (1993): 357-397.
(7) انظر على سبيل المثال:
Claire Oger, Caroline Ollivier-Yaniv, “Analyse du discours institutionnel et sociologie compréhensive: vers une anthropologie des discours institutionnels,” Mots, Vol. 71, (2003): 125-145.
(8) Projet BaSES, “Max Weber et la sociologie compréhensive,” wp.unil.ch, “accessed June 6, 2022”. https://bit.ly/3Bl6ORV.
(9) نشرت هذه المواد في الصحف والمواقع التالية: الشرق الأوسط، الحياة، آراء حول الخليج، الأهرام الاقتصادي، العربي الجديد، المرصد العربي للصحافة، الوطن، الغد، أخبار الخليج، القبس، الخليج الإماراتية، أخبار اليوم المصرية، اليوم السابع، العرب، الأهرام اليومي، بيت الإعلام العراقي، الرياض، القدس العربي، مكة، زمان الوصل، عرب 48، بيان اليوم، الصحافة، مجلة المجلة، الشروق المصرية، إندبندنت عربية، لوسوار دالجيري، العين كوم، بي بي سي عربي، الميادين نت، ساسة بوست، زاوية كوم، وكالة عمون الإخبارية، الإعلام الرقمي، ميل إيست أونلاين.
(10) اختار الباحث هذه العينة بالاعتماد على محركات البحث: (Google.com)، (duckduckgo.com)، (Ask.com)، (bing.com) باستخدام العبارات التالية: أزمات الصحافة الورقية العربية، أزمة الصحف الورقية ظاهرة عالمية، الصحافة الورقية العربية، الصحافة في العالم العربي، صحافة ورقية، صعوبات الصحافة الورقية، الصحافة العربية، فحصل على المئات من النتائج، واستخرج منها عينة قوامها 40 مادة صحفية. تبدو هذه العينة متواضعة بالنظر إلى عدد الصحف العربية ومدة الدراسة، لكنها لا تزعم تمثيل مجتمع البحث خير تمثيل، أي كل الصحف وكل الأيام والأسابيع والسنوات. كان من الأسمى أن نختار مادة صحفية لكل بلد عربي لكل سنة على الأقل، لكن هذا غير متاح في مجتمع البحث الذي استخرجنا منه العينة بناء على المعايير التالية: وحدة الموضوع، والتركيز على بلد أو بلدان عربية، والنوع الصحفي -مقال تحليلي أو تحقيق- وعدم التكرار. لذا استبعدنا كمًّا هائلًا مما نُشِر سواء لأنه أخبار قصيرة منقولة عن وكالات الأنباء، أو لأنه يتحدث عن وضع الصحافة في أميركا أو في أوروبا أو عن أزمة الصحافة في بلدان عربية أخرى، مثل مصر ولبنان في الغالب، أي غير البلد الذي تصدر فيها الصحيفة.
(11) تم اختيار عينة متاحة من مواقع الصحف، وهي: الدستور الأردنية، والسياسة الكويتية، والراية القطرية، والشروق التونسية، والخبر الجزائرية، وعكاظ السعودية، وصدى الأحداث السودانية، والأخبار اللبنانية، والأهرام المصرية، وعدن الجديد اليمنية، والصباح المغربية، والاتحاد الإماراتية، والصباح الجديدة العراقية، والسراج الإخباري الموريتانية، والناس الليبية.
(12) Fernando Zamith, “A methodological proposal to analyze the news websites use of the potentialities of the Internet,” researchgate, April 5, (2008), “accessed June 6,2 022”. https://bit.ly/3KHdDjL.
(13) Pierre Bourdieu, “L’emprise du journalisme,” Actes de la Recherche en Sciences Sociales, no. 101-102, (1994): 3-9.
(14) من هؤلاء المشاركين:
Alain Accardo, Patrick Champagne, Rémi Lenoir, Dominique Marchetti, Louis Pinto, Michael J. Powell.
(15) انظر على سبيل المثال:
– Rodney Benson, Erik Neveu (dir.), Bourdieu and the Journalistic Field (Cambridge: Polity Press, 201), 256.
– Gabriël Botma, “Cultural Capital and the Distribution of the Sensible: Awarding Arts Journalism in South Africa (201-2014), “Journalism Studies, 18(2), (2017): 211-227.
(16) ستيفان شوفالييه، كريستيان شوفيري، معجم بورديو، ترجمة الزهراء إبراهيم، (دار الجزائر، سوريا، 2013)، ص 147.
(17) Rodney Benson, “Field Theory in Comparative Context: A New Paradigm for Media Studies,” Theory and Society, Vol. 28, no. 3. (June 1999): 463-498.
(18) Pierre Bourdieu, “Champ intellectuel et projet créateur,” Les temps modernes, no. 246, (1966): 866.
(19) Benson, “Field Theory in Comparative Context,”: 463-498.
(20) Ibid.
(21) Erwin Panofsky, Architecture gothique et pensée scolastique, Traduit et postfacé par Pierre Bourdieu (Les Éditions de Minuit, 1970), 164.
(22) Bourdieu, “L’emprise du journalisme,“ op, cit.
(23) نهي ميلور، الصحافة العربية الحديثة: المشكلات والتوقعات، ترجمة منذر محمد محمود، (السعودية، دار العبيكان، 2007)، ص 92.
(24) المرجع السابق، ص 17.
(25) نقلًا عن مصطفى سامي الكيال، “ثقافة الإفادات: هل يجب أن “نصدق الضحايا” في الأعمال الفنية؟” القدس العربي، 29 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 30 يوليو/تموز 2022)، https://cutt.ly/DZlXRtW.
(26) Aboubakr Jamaï, “Digital Media in the Arab World” in Fernando Bermejo et all, Digital Journalism: Making News, Breaking News (Open Society Foundation, 2014), 303.
(27) انظر على سبيل المثال:
Rana Sweis, Dina Baslan, “Mapping Digital Media: Jordan,” researchgate, October 2013, “accessed June 6, 2022”. https://bit.ly/3wPclNR.
(28) هذه النسبة تنطبق على العديد من البلدان العربية، خاصة تونس، انظر:
التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، inric.tn، 26 ديسمبر/كانون الأول 2012، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.ly/AXvDU5I.
(29) محمد شومان، “أزمة الصحافة المصرية تكمن في قياداتها قبل محتواها”، الحياة، 21 أغسطس/آب 2018.
(30) التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
(31) المرجع السابق.
(32) “La Tribune: la faillite était inéluctable,” ebourse.dz, 30 Janvier 2018, “accessed May 20, 2022”. https://bit.ly/3qa08zw.
(33) التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
(34) ارتفع سعر الصحيفة اليومية في الجزائر من 10 دينارات في مطلع التسعينات إلى 15 دينارًا في مطلع الألفية إلى 20 دينارًا في 2014 إلى 30 دينارًا في 2019 إلى 40 دينارًا في 2022.
(35) التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
(36) كان سعر صرف الدولار يساوي 76.87 دينارًا جزائريًّا وارتفع في 2016 ليبلغ 110.89 دينارات جزائرية.
(37) Everette Dennis et all., “Media Use in the Middle East, 2017: A Seven-Nation Survey,” Northwestern University in Qatar, “accessed June 12, 2021”. https://bit.ly/3D3FQ26.
(38) Ibid.
(39) Mahsoom Thottathil, “MENA Social Media Usage Trends report 2018,” muckrack.com, “accessed June 12, 2022”. https://bit.ly/3qfRrUb.
(40) ذكر الصحافي جمال براوي أن الصحيفة التي كانت في 2006 تباع بالدار البيضاء على الساعة السابعة بعد المساء تصل إلى طنجة وأكادير في اليوم الموالي على الساعة التاسعة والحادية عشر صباحًا، وهذا ما يفسر وجود أكثر من 50% من قراء الصحف المغربية على محور الدار البيضاء-الرباط، انظر:
Jamal Berraoui, “Pourquoi la presse au Maroc est en crise?,” jeuneafrique, 6 juin 2006, “accessed June 12, 2022”. https://cutt.ly/aZQxhAw.
(41) سلام زيدان، “العراق: الصحف الملونة مع ساستها”، مجلة الصحافة،8 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/3CVgJ1r.
(42) شومان، “أزمة الصحافة المصرية تكمن في قياداتها قبل محتواها”، مرجع سابق.
(43) Batache Abderrahmane et all., “L’industrie de la presse écrite en Algérie: de “l’entreprisation” au défi de la numérisation,” Revue des sciences administratives et financiéres, Vol. 5, no. 1, (2021), 549-566.
(44) Riyad Hamadi, “Presse écrite algérienne: les chiffres du déclin,” ajo-fr.org, 30 Septembre, 2016, “accessed June 12 ,2022”. https://cutt.ly/XZQcqMP.
(45) Salma Khouja, “La presse papier marocaine est-elle en danger?,” agora-francophone.org, 11 Juin 2017, “accessed June 12 ,2022”. https://bit.ly/3RR5RWX.
(46) تمنح المطابع الحكومية الجزائرية الأولوية للصحف الحكومية قبل صحف القطاع الخاص فتؤخر طبعها مما يؤدي إلى تأخير توزيعها، وتلجأ في بعض المرات إلى تخفيض سحب بعض الصحف غير المرغوب فيها. وفي المغرب، تشترط المطابع على الصحف المنافسة أن تسلم مادتها في وقت مبكر جدًّا، أي قبل الساعة الثانية زوالًا وإن تأخرت في تسليمها يـتأخر طبعها وبالتالي توزيعها. لمزيد من التفاصيل، انظر:
Berraoui, “Pourquoi la presse au Maroc est en crise?,” op, cit.
(47) شومان، “أزمة الصحافة المصرية تكمن في قياداتها قبل محتواها”، مرجع سابق.
(48) التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
(49) Éric Fottorino, Emmanuel Bachellerie, “La presse écrite va-t-elle survivre? Réflexion sur un modèle économique en péril,” Fondation jean Jaurès, 12 June, 2022. https://cutt.ly/fZQWD32
(50) نقلًا عن محمد جمعة، “MBC تخطط للاستحواذ على سوق الإعلانات في السعودية”، القبس، 15 سبتمبر/أيلول 2015، ( تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2022)، https://bit.ly/3ALiV9k.
(51) المرجع السابق.
(52) “La presse écrite impactée par la crise économique et la concurrence de la presse électronique,” www.aps.dz, 3 Mai 2018, “accessed June 4, 2022”. https://bit.ly/3pg1msv.
(53) مجلس الصحافة المغربي، “آثار جائحة كورونا على قطاع الصحافة وإجراءات الخروج من الأزمة”، المجلس الوطني للصحافة، مايو/أيار-يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 24 يوليو/تموز 2022)، https://bit.ly/3ea6uMq.
(54) Nacereddine Elafrite, “crise de la presse au Maroc: quelques explications,” medias24.com, 12 Juin, 2022. “accessed July 6, 2022”. https://bit.ly/3BaAyR5.
(55) ذكر المدير السابق للوكالة الوطنية للإشهار الجزائرية، السيد محمد العربي، أن عدد الصحف التي أغلقت أبوابها لهذا السبب 23 صحيفة. انظر: “توزيع الإشهار العمومي: اعتماد “15 مقياسًا موضوعيًّا” في انتظار صدور قانون الإشهار”، وكالة الأنباء الجزائرية برقية رقم 070930 الجزائر، الصادرة في 20 مايو/أيار 2020.
(56) المرجع السابق.
(57) أحمد السيد أحمد، “الصحافة الورقية العربية على مفترق طرق وأمام خيارين: التجديد والتكيف أو الاندثار”، أخبار الخليج، 4 مارس/آذار 2020.
(58) قدَّر أحسن جاب الله نسبة موت الصحف في الجزائر بـ75% بعد 1990، وذلك لعدم قدرة أصحابها على إدارة المؤسسة الصحفية، انظر:
Ahcene Djaballah, Economie de la presse et des médias (Alger: OPU 2011), 77.
(59) التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
(60) Fatima Zohra Moussaoui, “Le développement de la presse électronique en Algérie: Des dispositifs aux pratiques journalistiques,” L’Année du Maghreb, Vol. 15., no. 15, (2016): 61-76.
(61) تشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة النسخة الرقمية أقل من تكلفة النسخة الورقية بـ60%؛ إذ توفر لأصحابها النفقات الموجهة لشراء الورق والطباعة وتوصيل الصحيفة إلى الزبائن/التوزيع، انظر:
Jean-Marie Charon, Patrick Le Floch, La presse en ligne (Paris: La Découverte, 2011), 65.
(62) للدلالة على ذلك، يمكن الإشارة إلى أن صاحب صحيفة “إيلاف” الإلكترونية يبرر غياب مشاركة القراء وتفاعلهم مع موقع صحيفته بالقول: “الإعلام طبقات، والإعلام الإلكتروني إحدى طبقاته، إلا أن المنتديات من الطبقات السفلى له، ولا علاقة لها بالصحافة الإلكترونية”، انظر: سعد الدوسري، “باتجاه الأبيض، مزبلة الجواهر”، حوار مع عثمان العمير، الرياض، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2002، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2022)، https://bit.ly/3qc31ja.
بينما استطاعت الصحف الأجنبية، مثل “لوموند”، أن تكسب العديد من القراء وتؤسس لتحولها الرقمي بفضل منتدياتها التي يديرها صحافيون مختصون وخبراء وفنانون في مختلف المجالات مع القراء والمشتركين.
(63) Alexandra Saemmer, “Etude sémio-rhétorique du rôle de l’hypertexte dans le discours journalistique,” MEI, no. 34, (2015): 133-144.
(64) نصر الدين لعياضي، الاتصال والإعلام والثقافة: عتبات التأويل، (الشارقة، دائرة الثقافة والإعلام، 2015)، ص 166.
(65) Jacob Cherian, Sherine Farouk, “Proliferation of E-Newspapers and Its Financial Impact on the Publishing Industry in UAE,” International Journal of Economics and Finance, Vol. 7, no. 3, (2015), “accessed June 12, 2022”. https://bit.ly/3cNGruf.
(66) Dennis et all., “Media Use in the Middle East, 2017,” op, cit.
(67) رالف أندرسون: الصحفيون العرب مهيؤون للتحول إلى عالم الديجيتال”، أريج، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2022)، https://cutt.ly/LZtkfa5.
(68) María-José Baños Moreno et all., “Interactivity features of online newspapers: From a facsimile model to a Multimedia one: Interactivity in Online Journals,” Anales de Documentación, Vol. 20, no. 2, (2017): 1-18.
(69) Spiro Kiousis, “Interactivity: a concept explication,” New Media & Society,” January 9 2002. Vol. 4, no. 3, (September 2002): 355–383.
(70) نصر الدين لعياضي، “الصحافة الجزائرية في بيئة الويب”، مرجع سابق.
(71) يمكن الإشارة إلى أن صحيفة إيلاف اضطرت إلى إلغاء خدمة المنتدى بعد أن طغت فيه الآراء والأفكار التي تعارض وجهة نظر الصحيفة. انظر: محمد شومان، “الصحف الإلكترونية العربية: دراسة تطبيقية على صحيفة إيلاف”، (المجلة المصرية لبحوث الإعلام، جامعة القاهرة، العدد 20، أكتوبر/تشرين الأول، ديسمبر/كانون الأول 2003)، ص 227-263.
(72) انظر:
Seth C. Lewis, “The Tension between Professional Control and Open Participation: Journalism and its Boundaries,” Information Communication and Society, Vol. 15, No. 6, (August 2012): 836 –866.
(73) Mark Deuze, “The Web and its Journalisms: Considering the Consequences of Different Types of News Media Online,” New Media & Society, Vol. 5, Issue. 2, (June 2003): 203-230.
(74) Florence Van Hove, Médias d’actualité, journalistes et publics sur Twitter: vers un renouvellement des relations? pour l’obtention du grade de Docteur ès sciences sociales, La Faculté des sciences économiques et sociales de l’Université de Fribourg (Suisse, 2019), 318.
(75) Pignard-Cheynel Nathalie, Brigitte Sebbah, “La presse quotidienne régionale sur les réseaux sociaux,” Sciences de la société, no. 84-85, (2011/2012): 171-191.
(76) إن الدعم العمومي الذي تستفيد منه الصحف المغربية محدود؛ إذ بلغ ما يقدر بــ6.15 ملايين دولار في 2019، واستفادت منه 88 صحيفة من بينها 19 يومية و14 أسبوعية و4 شهريات و20 جهوية و27 نشرة رقمية و4 نشرات حزبية في إطار التعددية السياسية. انظر: مجلس الصحافة المغربي، آثار كورونا على الصحافة وإجراءات الخروج من الأزمة، مايو/أيار-يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 24 يوليو/تموز 2022)، https://bit.ly/3TK9aRe.
(77) إن كانت الجزائر تركز على إعانتها غير المباشرة للصحف إلا أنها أنشأت صندوقًا خاصًّا بقيمة 22 مليون دولار بموجب قانون المالية لعام 1991، وظل قائمًا حتى عام 2015 ليختفي في وقت حاسم وصعب. ولم تنشر معايير الاستفادة منه، ولا المؤسسات الإعلامية التي استفادت منه، ولا مبالغ الاستفادة. انظر: نصر الدين لعياضي، “وسائل الإعلام في الجزائر: تكلفة المحسوبية”، نُشر في كارولا ريشتر، وكوديا كلوزمان، نظم وسائل الإعلام العربية، ترجمة دعاء نبيل سيد الأمبابي، (لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2022)، ص 335.
(78) Alessio Cornia et all., “Pay Models in European News,” Reuters Institute, May 2017, “accessed June 13, 2022”. https://cutt.ly/VZQUjO9.
(79) استعملته الصحيفة اللبنانية الناطقة بالفرنسية “لوريون لوجور” (L’orient-le Jour) للحصول على عائد مالي من الجالية اللبنانية التي تشكل أغلبية قرائها وليس على كل القراء في لبنان. انظر:
Laurent Giacobino, “Les médias en ligne au Maghreb sont très récents, mais en plein boom,” Interview accordée à Marlène Panara, jeune Afrique, 4 juin 2015, “accessed June 13, 2022”. https://cutt.ly/XZQUIug.
(80) المقصود الصحف الرقمية التالية: “لوديسـك” (Desk Le)، و”تيل كيل” (Tel quel)، و”الإيكونوميست” (L’economiste) نقلًا عن: عبد الرحيم بلشقار، “الصحافة الرقمية المدفوعة الأجر بالمغرب: تحديات النموذج الاقتصادي ومتطلبات التطوير”، معهد الجزيرة للإعلام، 2021، (تاريخ الدخول: 24 يوليو/تموز 2022)، https://bit.ly/3ekav0Y.
(81) يمكن أن نذكر على سبيل المثال أن الاشتراك الشهري للاطلاع على النسخة الكاملة لصحيفة “الوطن” الجزائرية بصيغة “بي دي إف” يقدر بــ2.38 دولار، وبحوالي 16.32 دولارًا مقابل الاشتراك الممتاز في صحيفة “الخبر” الجزائرية لمدة ستة أشهر. ويبلغ الاشتراك الشهري في نسخة صحيفة “الشروق” التونسية بصيغة “بي دي إف” حوالي 7.91 دولارات، و20.56 دولارًا لمدة ثلاثة أشهر، و69.62 دولارًا لمدة سنة.
(82) Dennis et all., “Media Use in the Middle East, 2017,” op, cit.
(83) انظر على سبيل المثال:
فاتن کريم، “واقع ومستقبل الصحافة الورقية في مصر من وجهة نظر الصحفيين العاملين بها”، المجلة العلمية لكلية التربية النوعية، (جامعة المنوفية، المجلد 6، العدد 21، أكتوبر/تشرين الأول 2019)، ص 25-67.
(84) Cabedoche Bertrand et all., “Mutations de la filière presse et information,” in Philippe Bouquillion, Yolande Combès (dir.), Diversité et industries culturelles (Paris: L’Harmattan, 2011), 77-114.
(85) Jean-Marie Charon, “Partout un problème se pose pour financer une information de qualité,” Le Monde, 2 Janvier 2010.
(86) Ibid.
(87) Paul Loridant, Jusqu’où aider la presse? Rapport d’information no. 406, Le Senat français, 7 juillet 2004.
(88) Jeremy Littau, “Aux origines de la crise de la presse US, trois erreurs stratégiques,” slate.fr, 15 février 2019, “accessed June 17, 2022”. https://cutt.ly/EZQW6m8.
(89) Jean-Marie Charon, “De la presse imprimée à la presse numérique, Le débat français,” Revue Réseaux, no. 160-161, (2010): 255-281.
(90) Littau, “Aux origines de la crise de la presse US, op, cit.
(91) Fottorino, Bachellerie, “La presse écrite va-t-elle survivre?,” op cit.
(92) Philip Meyer, Yuan Zhang, “Anatomy of a Death Spiral: Newspapers and their Credibility,” citeseerx.ist.psu.edu, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3BcEzV9.
(93) باتريك إفينو، أستاذ تاريخ وسائل الإعلام بجامعة السوربون، باريس، نقلًا عن:
Lorène Paul, “Quand la stratégie numérique du New York Times paye et en devient un exemple,” Revue challenge, 21 August 2020, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3qgINoo.
(94) Bernard Poulet, “The New York Times ou quand l’empire contre-attaque,” La revue des médias, octobre 2014, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3RAIGQd.
(95) “Le New York Times passe la barre des 4 millions d’abonnés,” la presse.ca, 1 novembre 2018, “accessed June 20, 2022”. https://cutt.ly/JZQEH8b.
(96) “Le New York Times compte 3,7 millions d’abonnés,” Le Monde, 4 Mai 2018, “accessed June 20, 2022”. https://cutt.ly/MZQE9Ik.
(97) Arthur Gregg Sulzberge, NYT Innovation Report 2014, immigrationforum.org, “accessed June 20, 2022”. https://cutt.ly/aZQRy82.
(98) Mike Vorhaus, Digital Subscriptions Boost New York Times: Revenue And Profits, forbes.com, November 5, 2020, “accessed June 13, 2022”. https://cutt.ly/TZQRaIP.
(99) Nikki Usher, Making News at The New York Times (University of Michigan Press, 2014), 222.
(100) Éric Fottorino, Mon tour du Monde (Paris: Éditions Gallimard, 2012), 395.
(101) David Rahmil, “Moins d’articles, plus de journalistes et plus d’audience: la formule gagnante du journal Le Monde,” “accessed June 14, 2022”. https://urlz.fr/cl9t.
(102) Gilles van Kote, “Pour ses 77 ans, Le Monde s’offre un record de 500 000 abonnés,” Le Monde, 21 décembre 2021, “accessed June 14, 2022”. https://bit.ly/3AUiKsp.
(103) Vincent Truffy, “Subventions: la presse passe au contrôle,” Mediapart, 16 Avril 2012, “accessed March 4, 2022”. https://cutt.ly/MZlVyUV.
(104) “Le journal Sud-Ouest vit-il ses derniers jours?,” infos-bordeaux.fr, 13 novembre 2013, “accessed June 20, 2022”. https://cutt.ly/zZQRHPs.
(105) “Les revenus du Monde, des sources diversifiées,” Le Monde, 26 janvier 2021, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3RVnkxt.
(106) Patxi Berhouet, “La modération des commentaires au Monde, un exercice nécessaire mais complexe,” le monde, 30 Novembre 2021, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3xlBIar.
(107) Anne Penketh et all., “European Newspapers Search for Ways to Survive Digital Revolution,” The Guadian, June 12, 2014, “accessed June 20, 2022”. https://cutt.ly/zZQRHPs.
(108) Olivier Laffargue, “Le Monde sur TikTok: la même info, de nouveaux codes,” Le monde, 18 juin 2020, “accessed June 20, 2022”. https://bit.ly/3D03tIZ.
(109) في البداية كان تحديث المواد الصحفية كل ساعة أو نصفها، ثم تحول إلى كل ثلاث ساعات.
(110) Fatima El-Issawi, Arab National Media and Political Change, Recording the Transition (New York: The Palgrave Macmillan, 2016), 63.
(111) لعل هذا الأمر ينطبق على العديد من البلدان العربية، ويأتي في مقدمتها لبنان الذي يتميز بقرب صحفه من الأحزاب السياسية والطوائف ورأس المال الأجنبي، وفي الجزائر أيضًا.
(112) أمبيرتو إيكو، دروس في الأخلاق، ترجمة سعيد بن كراد، (الدار البيضاء، المركز العربي الثقافي، 2010)، ص 87.
* أ. د. نصر الدين لعياضي، أستاذ التعليم العالي، جامعة الجزائر.
.Dr. Nacer Eddine Layadi, Professor of Mass Communication at the University of Algiers