كشفت الحرب التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، معالم السياسة غير المسبوقة التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع الجسم الصحفي الفلسطيني مهنيًّا واجتماعيًّا وإنسانيًّا وأمنيًّا، خلال تغطيته لمجريات الحرب وتطوراتها. تنبني هذه السياسة على إستراتيجية التدمير الممنهج للجماعة الصحفية الفلسطينية عبر القتل الواسع لأفرادها، وإلحاق أذى جسيم بالصحفيين جسديًّا وذهنيًّا ونفسيًّا لإخراجهم من المشهد الإعلامي، وهدم المنازل فوق رؤوس أسرهم، وتدمير مقرات المؤسسات الإعلامية، لطمس وإبادة الرواية الصحفية التي تُوثِّق الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في القطاع. وتعكس هذه الانتهاكات الجسيمة حالة استثنائية من القتل/الاغتيال المُمَأْسَس الذي حوَّل قطاع غزة إلى “مقبرة للصحفيين”، وهو ما يكشف وجود خطة منظمة ومنهجية لاجتثاث الكيان الاجتماعي والإنساني والمهني للجماعة الصحفية الفلسطينية وإبادتها.

يُشير تاريخ العمل الإعلامي والمهني إلى أن الجسم الصحفي الدولي لم يواجه هذا النمط من القتل الواسع، ولم يتعرض قط للتدمير الممنهج والاجتثاث كما حدث للجماعة الصحفية الفلسطينية. فخلال معظم الحروب والنزاعات الدولية والإقليمية، منذ الحرب العالمية الثانية إلى ما قبل “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت عمليات استهداف الصحفيين تتم في إطار جرائم القتل التي يتعرض لها هؤلاء كـ”أفراد”، سواء بصفتهم المهنية أو لأسباب سياسية وفكرية أو نتيجة لظروف الحرب وآثارها المدمرة. أما المتغير الجديد اليوم، في الحرب على غزة، فيتمثَّل في إستراتيجية القتل الواسع للصحفيين الفلسطينيين، وفي مجال زمني محدود، على قاعدة الإبادة الجماعية لطبقة اجتماعية تُشكِّل جزءًا من النسيج الاجتماعي الفلسطيني. ويعني ذلك أن اجتثاث الجسم الصحفي وتدمير كيانه الاجتماعي والمهني ينبني على سمة “الجماعة الصحفية وهويتها المهنية” التي تمثِّل من منظور المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية مصدر تهديد لمخططاتها الإستراتيجية في القطاع.

كشفت الحرب أيضًا عمق الأزمة الأخلاقية/المهنية التي يعيشها معظم الإعلام الغربي في نمط معالجته للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، واحتلال الأراضي الفلسطينية. فقد كان الخطاب الإعلامي الغربي يتعالق مع الرواية الإسرائيلية في بنية التلفظ والملفوظ، داعمًا لأطروحاتها السياسية والأيديولوجية عن “إسرائيل الضحية” التي لها “الحق في الدفاع عن نفسها” لمواجهة حركات “إرهابية” تُهدِّد وجودها المستقبلي. وتُبيِّن آليات التأطير الإخباري للحرب على غزة الدورَ الإستراتيجي للخطاب الإعلامي الغربي ومنتجيه في التعبير عن الأيديولوجيا وإنتاجها، وفي تكوين الأطر الإدراكية الاجتماعية وتشكيل التمثُّلات السياسية للمتلقي، وإدارة المعرفة والمعلومات وتنظيمها عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وبناء الخطاب المُهيمن للسيطرة على المجال العام والتحكُّم في الرأي العام المحلي والدولي.

أبرزت الحرب أيضًا تعاظم التحديات التي تواجه خطابي “الصهيونية والتَّصَهْيُن” بسبب الانتقادات المتنامية ضدهما في المؤسسات الجامعية الغربية والمظاهرات الشعبية الحاشدة في العواصم الأوروبية، وحتى داخل النخبة المثقفة في إسرائيل وبين الشتات اليهودي في العالم، خاصة حركة “المؤرخين الجدد”، الذين اكتسبوا مصداقية معرفية وشرعية نقدية منذ التسعينات من القرن الماضي. ويُثير السجال الراهن أكثر من استفهام حول الفروق الحقيقية بين “اليهودية” و”الصهيونية” و”الصهيونية الدينية” و”الصهيونية الليبرالية” و”القومية الإسرائيلية” و”معاداة السامية”، وكيف انتقل الخطاب الصهيوني من “التحرر الذاتي” إلى “توحش الإبادة الجماعية”.

تُعد هذه القضايا جزءًا من الإشكاليات البحثية التي يُعالجها العدد الرابع من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام؛ إذ ألقى السياق العام للحرب على غزة بظلاله على القضايا الإعلامية التي يُناقشها الباحثون المشاركون في هذا العدد. فقد أعدَّ الباحث محمد الراجي دراسة بعنوان: “الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية (2023-2024)”، يُقارب فيها سؤالًا مركبًا عن الخلفية والقصد الذي تتَّجِه إليه الانتهاكات الجسيمة ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة: لماذا لجأت إسرائيل إلى التدمير الممنهج للجماعة الصحفية الفلسطينية؟ وما الأهداف التي تسعى إليها؟ وما الإستراتيجية التي اعتمدتها في عملية تدمير الجسم الصحفي الفلسطيني؟ وتفترض الدراسة أن القتل الواسع للصحفيين لم يكن من “الأضرار الجانبية” للحرب، بل هو نتاج خطة إستراتيجية منظمة ومنهجية بقصد اجتثاث الكيان الاجتماعي والمهني للجماعة الصحفية الفلسطينية. وتُسمِّي الدراسة هذا الفعل التدميري بـ”الإبادة الإعلامية” التي تُعد نمطًا من أنماط الإبادة الجماعية؛ إذ يمكن إدراجها ضمن النموذج الثُماني للإبادة الجماعية، الذي أصَّله الفقيه القانوني، رافائيل لمكين (Raphael Lemkin). ويتعزَّز هذا النمط (الإبادة الإعلامية) في ظل بيئة اتصالية إسرائيلية تُحرِّض فيها وسائل الإعلام على إبادة الفلسطينيين، وكان المؤرخ الفرنسي، جون بيير كريتيان (Jean-Pierre Chrétien)، قد وصف هذا النوع من الإعلام بـ”إعلام الإبادة الجماعية” الذي يدعو إلى اجتثاث الآخر وتدمير كينونته.

ويتتبَّع الأكاديمي المصطفى عمراني، في دراسة بعنوان: “سيرورة التأطير الإخباري للحرب على غزة في الخطاب الإعلامي الغربي (أكتوبر/تشرين الأول 2023- أبريل/نيسان 2024)”، أساليب وآليات تأطير عينة عشوائية بسيطة من الخطابات الإعلامية الأميركية والبريطانية والفرنسية. ويبحث أيضًا مراحل وسياقات التحوُّل التي عرفتها روايات وتمثلات هذه الخطابات عن الذات الإسرائيلية والفلسطينية، ويستكشف منطلقات أطرها الإخبارية وخلفياتها وأهدافها ورهاناتها. وفي الدراسة التي أعدَّها الدكتور محمد أوريا، “أيديولوجيا الخطاب الإعلامي الغربي وأزمته في تغطية الحرب على غزة”، يُحلِّل مظاهر وأبعاد أزمة الخطاب الإعلامي الغربي، خصوصًا الإعلام الفرنسي، في ظل هيمنة الرواية الإسرائيلية على جزء مهم من هذا الإعلام والتماهي مع أطروحاتها. وتنطلق الدراسة في مقاربة مظاهر أزمة الخطاب الإعلامي الغربي ومستوياتها من هذا السؤال الإشكالي: هل يُشكِّل منظور المعالجة الإعلامية للحرب على غزة في الخطاب الإعلامي الغربي/الفرنسي أزمة عارضة، نظرًا لسوء فهم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أم هو نتيجة أزمة هيكلية لهذا النمط من الخطاب الذي تخلَّى عن مبادئ كونية أَرْسَتها فلسفة الأنوار في القرن الثامن عشر؟

وترصد الباحثة نيفين علاونة والدكتور أسامة عبد الله، في دراسة بعنوان: “إستراتيجيات العلاقات العامة الرقمية ووظائفها في الحروب الإسرائيلية على غزة (2021- 2022- 2023)”، الكيفية التي وظفت بها إسرائيل العلاقات العامة الرقمية خلال الحروب الثلاث التي شنَّتها على قطاع غزة (حارس الأسوار/سيف القدس، الفجر الصادق/وحدة الساحات، السيوف الحديدية/طوفان الأقصى)، وتبحث في دلالات هذا التوظيف وأهدافه. وتُحلِّل الدراسة الإستراتيجيات التي اعتمدها الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أردعي، في منشوراته على صفحته الشخصية بمنصة “فيسبوك”، لإقناع المستخدمين العرب بأطروحات الرواية الإسرائيلية عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصورة الذهنية التي يرسمها للذات الفلسطينية والإسرائيلية.

وتتتبَّع الدراسة التي أعدَّها الأكاديمي محمد الشرقاوي، بعنوان: “بنية الخطاب الصهيوني وجدلية الدلالات: من تنوير “التحرر الذاتي” إلى توحش الإبادة الجماعية”، وتيرة تصاعد الخطاب المناوئ للصهيونية وتفسيره لديناميات الحرب على غزة، في النصف الأول من 2024، في سياق تمدد نطاق المظاهرات واعتصامات الطلاب في الجامعات الأميركية والأوروبية. وتحاول الإجابة على سؤال إشكالي يتفاعل في سجالات النخب السياسية والرأي العام وتصوراتهما في الغرب: هل يعني الحراك الاجتماعي والسياسي في الغرب أن أصوات النقد والمساءلة الأخلاقية تجاوزت مدى تأثير الصهيونية للمرة الأولى منذ انتشار كتابات دعاتها الأوائل، مثل ليون بينسكر (Leon Pinsker) وتيودور هرتزل (Theodore Hertzl)، أم أن مآسي الحرب على غزة تعكس تلقائيًّا تآكل الصهيونية من الداخل؟

وتُحلِّل دراسة الباحث أسامة الرشيدي، بعنوان: “أصداء الرواية الإسرائيلية في حسابات شخصيات عربية عبر شبكات التواصل الاجتماعي: “إكس” نموذجًا”، بنية الخطاب المساند لإسرائيل، أو ما يُسمِّيه “الخطاب المتصهين”، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، من خلال منشورات وتغريدات ثماني شخصيات عربية تنشط في المجال السياسي والإعلامي. وتركز الدراسة على ما نشره أفراد العينة القصدية خلال الشهر الأول من اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتهدف إلى استكشاف أطروحات هذا الخطاب وأبعاده وخلفياته، ومقاربة أساليبه الإقناعية وإبراز تناقضات أطروحاته.

وتعود الباحثتان، الدكتورة حنان المليتي والدكتورة فتيحة زماموش، إلى الحرب التي شنَّتها إسرائيل على غزة، في مايو/أيار 2021 (حارس الأسوار/سيف القدس)، لدراسة بنية الخطابات الإعلامية في المواقع الإخبارية الدولية الناطقة بالعربية، التي اهتمت بموضوع الحرب، خاصة “فرانس 24″ و”روسيا اليوم” و”سكاي نيوز عربية” و”الجزيرة نت”، وذلك للكشف عن الإستراتيجيات التحريرية وأساليب الإقناع في مضامين المادة الإعلامية.

وفي الجزء الثاني من الملف البحثي الذي يناقش “تحولات منظومات الإعلام العربي وبنيات نماذجها الصحفية (2011-2023)”، تُقارب الدراسة التي أعدَّتها الأكاديمية وفاء أبو شقرا، بعنوان: “الإعلام اللبناني: من رافعة للثقافة السياسية إلى خادم للسلطة”، واقع المنظومة الإعلامية اللبنانية وما يُحيط بها من إشكاليات مهنية وتشريعية وسياسية واقتصادية جعلتها أكثر المواضيع السجالية المطروحة في البلد. وتخطت هذه السجالات كل ما يُثار من تحليلات نقدية بخصوص الأزمات السياسية والانهيارات الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان، منذ خريف 2019، ولم تستثن قطاعًا أو مؤسسة أو طبقة اجتماعية. اعتمدت الدراسة المنظور التاريخي لرصد خريطة المشهد الإعلامي، والأُطر الناظمة للمهنة الإعلامية في لبنان والتحولات التي طرأت عليها، خاصة بين 2011 و2023. ويتتبَّع الدكتور محمد صلاح الدين محمد إبراهيم علي، في دراسة بعنوان “وسائل الإعلام في السودان وآليات التحكم الأمني في الممارسة الإعلامية (2011-2023)”، العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي في السودان خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2023. ويبحث في التشريعات القانونية والبنية الاقتصادية والإدارية للعمل الصحفي والإعلامي وتأثيراتها في حرية الصحافة، ويرصد أنماط الممارسة الإعلامية وأخلاقيات مهنة الصحافة ورؤية الصحفيين ودورهم في بناء الخطاب السياسي العام.

ونطالع في هذا العدد أيضًا دراسة للباحث سالم عبد الله باخريصة، بعنوان: “دور غرف الصدى وفقاعات الفلترة في تعزيز خطاب الكراهية عبر شبكات التواصل الاجتماعي بحضرموت”، ويُحلِّل فيها مستوى العلاقة الارتباطية بين غرف الصدى وفقاعات الفلترة وتنامي خطاب الكراهية بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في محافظة حضرموت باليمن. واعتمدت الدراسة المنهج الوصفي في مقاربة أبعاد المشكلة البحثية كميًّا وكيفيًّا استنادًا لبيانات ومعلومات جمعها الباحث باخريصة عبر الاستبانة الإلكترونية من قِبَل عينة مكونة من 50 مبحوثًا.

في نافذة المعجم الإعلامي الحديث، تشارك الأكاديمية منال هلال المزاهرة بمادة علمية مساهِمة في بناء لبنات هذا المعجم الذي يمثِّل إسهامًا معرفيًّا لمركز الجزيرة للدراسات في صناعة معجمية تحقق التراكم المعرفي الإعلامي. وتزداد أهمية هذا المشروع باعتبار هذه الصناعة وسيطًا علميًّا يُوثِّق الصلة بمجال اشتغاله، ويُكْسِب المتلقي وعيًا عميقًا بالكيفية التي يُعَبِّر بها النسق المعجمي عن صيرورة الظواهر والقضايا الإعلامية التي يعالجها من خلال البحث في أصول الكلمات وتَشَكُّل المصطلحات وبلورة المفاهيم واستقصاء تطورها التاريخي.

وفي زاوية “قراءة في كتاب”، تُقدِّم الدكتورة فاطمة الزهراء السيد مراجعة في كتاب جديد صدر باللغة الإنجليزية، عام 2023، بعنوان: “التغطية الإعلامية الدولية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: التقارير الإخبارية حول إخلاء حي الشيخ جراح نموذجًا”. وشارك في كتابة فصول هذا الكتاب مجموعة من الأكاديميين والخبراء في حقل الاتصال والإعلام، وحرَّره الأكاديمي نور الدين الميلادي. ويناقش الكتاب التحول التاريخي الذي أحدثته شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الرقمية، في اتجاه وتأثير السرديات المهيمنة التي طالما سيطرت على المعالجات الإعلامية المرتبطة بقضية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتدعم في مجملها الاحتلال الإسرائيلي، لصالح السرديات التي تساند القضية الفلسطينية. وتُبيِّن أطروحات الكتاب أن هذه الوسائل أسهمت بدور كبير في زعزعة الثقة بالسرديات المهيمنة؛ إذ لم تعد مقبولة كإطار دلالي لتفسير الأحداث والوقائع التي تجري في المشهد الفلسطيني.

وفي باب “رسائل جامعية”، يحاول الباحث غسان أبو حسين، في أطروحته بعنوان: “أثر التحول الرقمي على هيكلية غرف الأخبار وسلوك الجمهور: حالة شبكة الجزيرة الإعلامية (2006-2020)”، تقييم طرق ومدى استخدام الجزيرة لوسائل التواصل الاجتماعي وحضورها عبر الإنترنت ودور العالم الرقمي في هيكلها وممارساتها (التحوُّل الرقمي)، ومقارنة تأثير الجزيرة في جمهورها بعد هذا التحول الرقمي.

وتهتم الدراسة بقياس أثر التحوُّل الرقمي على الجزيرة وجمهورها من خلال منهجية هجينة تضمنت منهجي التحليل الكمي والنوعي. وشمل المنهج النوعي إجراء 17 مقابلة معمقة مع شخصيات رئيسية، منهم مديرون ومحررون وقادة مشروع التحول الرقمي في شبكة الجزيرة الإعلامية منذ عام 2006 حتى عام 2020. أما المنهج الكمي فاعتمد على أداة الاستبانة؛ إذ شارك في استطلاع الرأي 471 مبحوثًا من جمهور الجزيرة الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا فما فوق في 41 دولة. وقام الباحث بتحليل عاداتهم الاستهلاكية للمحتوى الرقمي، بما في ذلك جيلان من الجمهور: أولئك الذين بدؤوا مشاهدة القناة عام 1996، ومن شاهدوا أو تابعوا محتوى الجزيرة عبر المنصات الرقمية.

وخلصت الدراسة إلى أن التحوُّل الرقمي الذي شهدته شبكة الجزيرة تحكمه مجموعة متنوعة من العوامل، منها الابتكار وتطوير الحلول والكفاءة والتوزيع وجمع الأخبار والمرونة. كما أن غرفة الأخبار خضعت لتغييرات متنوعة، بما في ذلك التعديلات على تنوع مصادر الأخبار في مرحلة الإنتاج ومتطلبات مرحلة التحقق من المصدر قبل البث. وأظهرت نتائج العمل الميداني أن التحوُّل الرقمي قد غيَّر هيكلية غرفة الأخبار؛ إذ أضاف بعدًا جديدًا يتعلق بإشراك فريق التحرير الرقمي داخل الغرفة. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت في تعديل مواصفات الموارد البشرية للصحفيين التقليديين، وكذلك السرعة في تنفيذ المشاريع وأسهمت في تطوير وتوحيد أنظمة النشر. وفي سياق قياس تأثير التحوُّل الرقمي على الجمهور، أظهرت النتائج أن جمهور الجزيرة شمل الأشخاص الأكثر تعليمًا، وخاصة الحاصلين على التعليم العالي. كما يبدو أن الجزيرة اجتذبت عددًا أكبر من جمهور الإناث إلى متابعيها المخلصين، ولكن عددًا أقل من الشباب. ويبدو أيضًا أن الشباب يشكلون شريحة الجمهور الأقل رضى عن مشاركة غرف الأخبار في الجزيرة.

وتُقارب أطروحة الباحث ياسين الحسنوني بعنوان: “صورة الولايات المتحدة الأميركية في الصحافة الإلكترونية وتمثلات الجمهور في ليبيا”، أبعاد الصورة الذهنية للولايات المتحدة الأميركية في الصحافة الإلكترونية الليبية، وتبحث العلاقة بين مكونات هذه الصورة وتمثُّلات الجمهور عن الولايات المتحدة، انطلاقًا من هذا السؤال الإشكالي: ما صورة الولايات المتحدة الأميركية في الصحافة الإلكترونية وفي تمثلات الجمهور بليبيا؟

استخدمت الدراسة منهج المسح للتعرف على صورة الولايات المتحدة الأميركية في الصحافة الإلكترونية الليبية، بالإضافة إلى مسح الجمهور بالتطبيق على عينة من الجمهور الليبي لمعرفة اتجاهاتهم نحو صورة الولايات المتحدة. واستعانت الدراسة بأداة تحليل المضمون لجمع بيانات الدراسة التحليلية من خلال إعداد استمارة بفئات ووحدات تحليل تستهدف التعرف على صورة الولايات المتحدة الأميركية في الصحافة الإلكترونية الليبية. وأظهرت نتائج الدراسة أن الصحافة الإلكترونية الليبية رسمت صورة سلبية للولايات المتحدة الأميركية على الرغم من تباين توجهاتها السياسية والأيديولوجية. وتمثَّلت أهم سمات هذه الصورة السلبية في تدخل الولايات المتحدة الأميركية في الشؤون الداخلية للدول، ومن بينها ليبيا التي أصبحت تعاني من الحروب والمشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب تدخل الولايات المتحدة ودعمها لطرف سياسي على حساب طرف آخر، في أحداث فبراير/شباط 2011، وهو ما أدى إلى سقوط النظام السابق وأسهم في انتشار الفوضى في البلاد. وبيَّنت الدراسة أيضًا أن الجمهور الليبي تشكلت لديه صورة سلبية عن سياسات الولايات المتحدة الأميركية؛ لأنها تتدخل في الشؤون الليبية بشكل سلبي، وتدعم طرفًا على حساب طرف آخر في الصراع المسلح في ليبيا، وتعمل على إطالة عمر الأزمة الليبية.