ملخص:

تتقصَّى الدراسة التحديات التي واجهها الصحفيون الفلسطينيون خلال تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة (2023-2024)، وتبحث المنهجية التي اعتمدها الصحفيون في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمتابعة تطورات الأحداث، والتَّحقُّق من دقة الأخبار وصدقيتها في ظل التدفق الهائل للمعلومات وانتشار الأخبار المُضَلِّلَة، وترصد أيضًا فاعلية هذه المنصات في إثراء محتوى الصحافة الاستقصائية. وتستند الدراسة في مقاربة أبعاد المشكلة البحثية إلى المنهج النوعي من خلال أداتي المقابلة ودراسة الحالة. وقد سمحت المقابلات مع أفراد العينة القصدية، التي تكوَّنت من أحد عشر صحفيًّا في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، بتقديم منظور شامل عن دور شبكات التواصل الاجتماعي، وأدوات المصادر المفتوحة، في تغطية الحرب، والتَّحقُّق من الأخبار التي تُروِّجها الرواية الإسرائيلية. وأظهرت نتائج الدراسة أن شبكات التواصل الاجتماعي، وأدوات المصادر المفتوحة، تُعَد عنصرًا أساسيًّا في عملية جمع الأخبار والتَّحقُّق منها، خاصة في ظل التحديات المهنية والمخاطر الجسدية التي تُهدِّد الصحفيين نتيجة الحرب غير المسبوقة التي تعرض فيها الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية. ورغم ذلك، فإن فاعلية شبكات التواصل جلبت معها تحديات جديدة؛ إذ شكَّلت مصدرًا لانتشار الأخبار المُضَلِّلَة. وبيَّنت الدراسة أن الصحفيين اعتمدوا في إعداد التحقيقات الصحفية على منشورات شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الفيديوهات والصور وشهادات المصادر الميدانية (نشطاء محليين، شهود عيان) للتأكد من روايات أطراف الحرب، خاصة الروايات التي روَّج لها الجيش الإسرائيلي.

كلمات مفتاحية: الصحافة الاستقصائية، شبكات التواصل الاجتماعي، التغطية الإعلامية، إسرائيل، الحرب على غزة.

 

Abstract:  

The study investigates the challenges faced by Palestinian journalists in covering the Israeli war on Gaza (2023-2024) and examines the methodology used by journalists in utilising social media networks to follow the developments of the events and verify the accuracy and credibility of news amidst the massive flow of information and the spread of misleading news. It also tracks the effectiveness of these platforms in enriching investigative journalism content. The study adopts a qualitative approach to address the research problem, using interviews and case studies. Interviews with a purposive sample of 11 journalists from local and international media institutions provided a comprehensive perspective on the role of social media networks and open-source tools in covering the war and verifying the news promoted by the Israeli narrative. The study’s findings revealed that social media networks and open-source tools are essential in the news gathering and verification process, especially amidst the professional challenges and physical risks faced by journalists due to the unprecedented war that subjected the Palestinian people to genocide. However, the effectiveness of social media also brought new challenges, as it became a source of misleading news. The study showed that journalists relied on social media posts, including videos, photos and testimonies from field sources (local activists, eyewitnesses, etc.) in preparing investigative reports to verify the narratives of the parties to the war, especially those promoted by the Israeli military.

Keywords: Investigative Journalism, Social Media Networks, Media Coverage, Israel, Gaza on war.

 

 

مقدمة

في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، التي تُعِيد تشكيل مشهد الممارسة الصحفية، شهدت التغطية الإعلامية تحولات جذرية في وسائل وأساليب تغطية الحروب والنزاعات؛ إذ تغيَّرت طريقة الإبلاغ عن الأحداث والتَّحقُّق من المعلومات وأنماط التفاعل مع مجريات وسياقات الحروب والنزاعات. فقد أتاحت هذه الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية للصحفيين مساحات جديدة لمواصلة التغطية الإعلامية، والوصول إلى مصادر متنوعة، والتَّحقُّق من الأخبار، لكنها لا تزال تُثير تساؤلات حول جوهر العلاقة بين الممارسة الصحفية التقليدية، والتغطية الإعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي.  

في هذه البيئة الاتصالية الرقمية الجديدة، انهار النموذج التقليدي/الخطي للممارسة الصحفية، ويعزو الأكاديمي ريتشارد سامبروك (Richard Sambrook) هذا الانهيار إلى تقلُّص دور وكالات الأنباء والمراسلين الدوليين بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي تُكمِّل مسار ما بدأته وكالات الأنباء الدولية من توفير مصادر جديدة للمراسلين الدوليين، ولكنها تُنافِسهم على جذب انتباه الجمهور(1). ومع تزايد اعتماد الصحفيين على شبكات التواصل الاجتماعي، تتجه النقاشات الإعلامية والأكاديمية نحو استكشاف الأبعاد الجديدة التي أتاحتها هذه المنصات في تغطية الحروب والنزاعات.

برزت أدوار شبكات التواصل الاجتماعي مصادرَ للأخبار والمواد المرئية في وقتها الفعلي أثناء التغطية الإعلامية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (2023-2024). ففي ظل القيود التي واجهت الصحفيين من قِبَل الجيش الإسرائيلي، اعتمد هؤلاء على شبكات التواصل الاجتماعي لمواصلة تغطية تطورات الأحداث، وجمع المعلومات وزيادة نطاق المصادر، والتَّحقُّق من الأخبار، وتوفير مواد مصورة تُعزِّز استمرارية التغطية الإعلامية وتُوثِّق الجرائم والانتهاكات. لكن مهمة الصحفيين في غزة لم تكن سهلة بسبب المخاطر الأمنية والتحديات المهنية، فضلًا عن إستراتيجيات التضليل التي انتهجتها إسرائيل من أجل التحكم في الرأي العام المحلي والعالمي.

في هذا السياق، تسعى الدراسة إلى استكشاف الكيفية التي استخدم بها الصحفيون الفلسطينيون شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحليل مدى مساهمة هذا الاستخدام في إثراء محتوى الصحافة الاستقصائية. لذلك لا تبحث الدراسة في الفرص التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي فقط، بل تتناول أيضًا التعقيدات المهنية التي تُفرزها المنصات الاجتماعية خلال التغطية. فقد وفرت هذه المنصات، مثل “إكس” (X)، و”فيسبوك” (Facebook)، و”إنستغرام” (Instagram)، و”تيليغرام” (Telegram)، و”واتساب” (WhatsApp)، فضلًا عن أدوات المصادر المفتوحة، بديلًا للصحفيين لمواصلة تغطية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

 

  1. اعتبارات منهجية ونظرية

إشكالية الدراسة   

تكمن الإشكالية البحثية في التحديات التي تواجه الصحفيين في جمع المعلومات والإبلاغ عن الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وكيفية التَّحقُّق من دقتها وصدقيتها في ظل التدفق الهائل للمعلومات وانتشار الأخبار المُضَلِّلَة. كما تبحث الدراسة دورَ المحتوى المنشور على شبكات التواصل في إثراء محتوى الصحافة الاستقصائية بوصفه مرجعًا يتداخل في إنتاجه ونشره المستخدمون الفلسطينيون أو الصحفيون المحليون في إطار توثيقهم لأحداث الحرب على غزة. ومن خلال استعراض الفرص والتحديات، تهدف الدراسة إلى توفير فهم أعمق لتأثير شبكات التواصل الاجتماعي في سيرورة التغطية الإعلامية للحروب بالإجابة على هذا الحقل الاستفهامي:

  1. كيف يُوظِّف الصحفيون شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة؟
  2. ما التحديات المهنية والمخاطر الجسدية التي يُواجهها الصحفيون خلال تغطية الحرب على غزة؟
  3. إلى أي مدى أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز قدرة الصحفيين على التَّحقُّق من المعلومات، وإجراء تحقيقات استقصائية حول الحرب في غزة؟
  4. ما الآليات التي يتَّبعها الصحفيون للتَّحقُّق من صحة المعلومات المستقاة من شبكات التواصل الاجتماعي؟

تتطلَّب الإجابة على هذه الأسئلة تحليلًا للممارسات الصحفية عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، وفحص الآثار المترتبة على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في إثراء الصحافة الاستقصائية. كما تستعرض الدراسة الاعتبارات الأخلاقية والمهنية لهذا الاستخدام.

أهمية الدراسة وأهدافها  

تُقدِّم الدراسة إطارًا معرفيًّا حول فاعلية الدور الذي تقوم به شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحروب والنزاعات حين يُواجه الصحفيون تحديات غير مألوفة. وتُسلِّط الدراسة الضوء على المساهمة التي تُضيفها شبكات التواصل الاجتماعي لأدوات التَّحقُّق التقليدية؛ مما يوفر فرصًا غير مسبوقة لكشف الحقيقة في الحروب والنزاعات. وتتمثَّل أهمية الدراسة أيضًا في تناول التأثير المتصاعد لشبكات التواصل الاجتماعي ضمن الأدوات المهنية لتغطية الحروب والنزاعات. وتُشكِّل الحرب الإسرائيلية على غزة (2023-2024) مثالًا عمليًّا لفهم كيفية استخدام الصحفيين للإمكانيات التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي في إطار محاولتهم التغلب على التحديات الناجمة عن القيود المفروضة على عمل وسائل الإعلام أثناء تغطية الحروب والنزاعات.

ومن خلال دراسة حالة الصحفيين الفلسطينيين الذين يعملون في ظروف معقدة، تسعى الدراسة لتقديم منظور الصحفيين والمؤسسات الإعلامية حول كيفية التكيُّف مع الظروف الميدانية للمشهد الإعلامي المتغير. وتهدف إلى تقديم رؤية نقدية وتحليلية لدور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الخطاب الإعلامي حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتأثيرها على جودة التغطية الإعلامية ومهنيتها. كما تهدف إلى استكشاف الآفاق المستقبلية لتغطية الحروب والنزاعات في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، وتقديم توصيات لتعزيز الممارسات الصحفية الفعَّالة.

الدراسات السابقة

شهد حقل الدراسات الإعلامية اهتمامًا متزايدًا بالبحوث التي تُقارب أدوار شبكات التواصل الاجتماعي في الممارسة الصحفية. وتناولت بعض الدراسات تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في ديناميات الصراع، مثل الدراسة التي أعدَّها الأكاديمي بالجامعة الأميركية بواشنطن، توماس زيتوف (Thomas Zeitzoff)، بعنوان “هل تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصراع؟: الأدلة من صراع غزة 2012″(2). وناقشت الدراسة تأثير الدعم الدولي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي في ديناميات الصراع، من خلال تقديم إطار منظم لتحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصراع. ويتكوَّن الإطار الذي يُقدِّمه زيتوف من أربعة أجزاء مترابطة، وهي أن شبكات التواصل الاجتماعي تمنح القدرة على التواصل، وتزيد من سرعة المعلومات ونشرها، وينبغي التركيز على التفاعل الإستراتيجي والتكيُّف التنافسي للجهات الفاعلة استجابة لتغيرات تكنولوجيا الاتصالات، وأن البيانات الجديدة التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي ليست منفذًا مهمًّا فقط، بل تُغيِّر المعلومات المتاحة للجهات الفاعلة في الصراع، ومن ثم تُشكِّل الصراع نفسه. وتُشير نتائج الدراسة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي توفر نظرة مهمة حول مساهمة التطور التكنولوجي في تغيير دور الجمهور الدولي والتأثير على الصراع.

وعلى مستوى مناقشة استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحروب والنزاعات، تَبرُز الدراسة التي أعدَّتها الأكاديمية بقسم الصحافة والإعلام في جامعة نوشاتيل، فيتوريا ساكو (Vittoria Sacco)، والأكاديمية بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن بأستراليا، ديانا بوسيو (Diana Bossio)، والمعنونة بـ”استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في التغطية الإخبارية للحرب والصراع: الفرص والتحديات”(3). وترصد الدراسة تصورات الصحفيين للتهديدات والفرص التي يفرضها استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الصراعات استنادًا إلى مقابلات مع صحفيين سويسريين متخصصين في تقارير الحرب. وتؤكد نتائج الدراسة أن شبكات التواصل الاجتماعي تُعَد جزءًا أساسيًّا من بيئة العمل الصحفي، ولئن كانت توفر فرصًا لنشر الأخبار بسرعة، والوصول إلى جمهور أوسع، فإنها تُثير أيضًا مستويات جديدة من التعقيد في الممارسة الصحفية، خاصة فيما يتعلق بتدفق الأخبار، والتَّحقُّق من المعلومات.

وفي سياق الدراسات المنهجية التي تسعى إلى تطوير منهجيات للاستفادة من محتوى شبكات التواصل الاجتماعي في تحليل الحروب والنزاعات، يُناقش الأكاديمي في الوكالة البحثية “فورنسك أرشيتكتشر” (Forensic Architecture) بلندن، جاكوب هاوتر Jakob Hauter))، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تحليل الصراعات بالاستناد إلى نهج دراسات النزاع الجنائي في بحثه المعنون بـ”دراسات النزاعات الجنائية: فهم الحرب في عصر شبكات التواصل الاجتماعي”(4). وتكمن أهمية الدراسة في سعيها لاستكشاف الطرق التي يتم من خلالها توثيق وتحليل الحروب في العصر الرقمي باعتماد المحتوى المنشور عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويُقدِّم هاوتر ابتكارًا منهجيًّا يتمثَّل في “التتبُّع الجنائي الرقمي” لمواجهة التضليل وتحدي التعامل مع المعلومات المستمدة من شبكات التواصل الاجتماعي، وجعل أبحاث دراسة الحالة حول أسباب الحرب مناسبة لزمن شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يُعَد إضافة بحثية باستخدام أدوات المصادر المفتوحة في دراسات الصحافة الاستقصائية. وتُشير نتائج الدراسة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مرجعًا أساسيًّا للأدلة الرقمية، وهو ما يؤكد فاعليتها في توثيق الانتهاكات، لكنها في ذات الوقت تُفرز تحديات أخرى، مثل التَّحقُّق من المعلومات وتقنيات التزييف العميق والتضليل الإعلامي لروايات الحرب والأبعاد القانونية لاستخدام الأدلة الرقمية المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتناقش الدراسة التي أعدَّتها الأكاديميتان، نينا مولر (Nina Müller)، وجيني ويك (Jenny Wiik)، بعنوان “من حارس البوابة إلى فاتح البوابة: مساحات مفتوحة المصدر في الصحافة الاستقصائية”(5)، التحوُّل الذي شهدته الصحافة الاستقصائية في ظل استخدام أدوات المصادر المفتوحة الناشئة، مثل “إيروورز” (Airwars) و”بيلينغكات” (Bellingcat)، “فورنسك أرشيتكتشر”، و”سيريان أرشيف” (Syrian Archive)، بوصفها أدوات فعَّالة تجلب المزيد من الكفاءة والجودة والتكنولوجيا نحو الممارسة الصحفية. وتؤكد نتائج الدراسة أن دور الصحفي الاستقصائي شهد تحولًا مع استخدام أدوات المصادر المفتوحة؛ إذ لم يَعُد مجرد حارس بوابة، بل أصبح الصحفي يُوظِّف أدوات المصادر المفتوحة لإنتاج تحقيقات تستند إلى البيانات والأدلة الرقمية المتنوعة. وعلى الرغم من أن هذه الأدوات تزيد من تعاون الصحفيين إلا أن التحقق من البيانات التي استُقِيَت باستخدام أدوات المصادر المفتوحة ليست عملية سهلة، وهذا يفرض على الصحفيين تطوير مهاراتهم الرقمية. كما تُشير نتائج الدراسة إلى أن الممارسات الصحفية الجديدة مفتوحة المصدر تتعاظم في حقل الصحافة الاستقصائية، وهو ما يُعزِّز قيم المساءلة والمصلحة العامة، ومن ثم تصبح الصحافة الاستقصائية أكثر تعاونية بفضل هذه الأدوات. وهكذا يحوِّل الباحثون في مجال المصادر المفتوحة دور الصحافي من “حارس للبوابة” عبر التعاون الحرِّ إلى “فاتح للبوابة” نحو مساحات فاعلة جديدة.

ورغم الأهمية البحثية لهذه الدراسة، فإنها أغفلت الجوانب التي تتعلق بالمخاطر المهنية والقانونية والأخلاقية، كما أغلفت التحديات التقنية التي قد تواجه الصحفيين عند استخدام أدوات المصادر المفتوحة نظرًا لغياب التدريب اللازم أو لصعوبة في الوصول إلى البيانات أو تحليلها. في حين تُناقش دراسة الأكاديمية أندريا كارسون (Andrea Carson)، بعنوان “فهم الصحافة الاستقصائية التعاونية في عصر “ما بعد الحقيقة”(6)، دورَ شبكات التواصل الاجتماعي في ظهور شكل جديد من الصحافة الاستقصائية التعاونية، استنادًا إلى منهجية نوعية وإجراء مقابلات مع صحفيين استقصائيين. وتبحث الدراسة حالات محددة مثل تحقيقات “أوراق بنما”، بوصفها تحولًا في سياق الممارسة الصحفية الاستقصائية من بيئة أخبار شديدة التنافس إلى بيئة تعاونية تتبادل المعلومات. وتشير نتائج الدراسة إلى أن البيئة التعاونية الدولية في الصحافة الاستقصائية تُعزِّز الشفافية والمساءلة، وأن حقل الصحافة الاستقصائية يشهد تحولًا من العمل الفردي أو المؤسسي نحو العمل التعاوني الدولي. كما أن تطور الأدوات التقنية أسهم في تعزيز هذا النوع من الممارسة الصحفية الاستقصائية. وتُقدِّم الدراسة مساهمة نوعية في حقل دراسات الصحافة الاستقصائية في العصر الرقمي، لكنها لا تُشير إلى التحديات المهنية والمخاطر التي قد تواجه الصحفيين في العمل التعاوني الدولي على مستوى التحقيقات العابرة للحدود.

الإستراتيجية المنهجية

اعتمد الباحث المنهج النوعي الذي يُساعد في تقديم فهم معمق وشامل لدور شبكات التواصل الاجتماعي في التغطية الإعلامية للحرب الإسرائيلية على غزة، وإثراء الصحافة الاستقصائية من خلال المحتوى الذي ينشره الصحفيون والنشطاء المحليون وشهود العيان. كما تهتم الدراسة بتحليل التجارب الذاتية للصحفيين العاملين في غرف الأخبار، والذين أنجزوا تحقيقات صحفية اعتمدوا فيها على شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة في إطار تحقُّقهم من الأخبار وروايات أطراف الحرب، وتحديدًا رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويُركز المنهج النوعي على أسلوب مرن لطرح الأسئلة، ويمكن للباحث تغيير الأسئلة أو طرح أسئلة لاحقة في أي وقت(7) لإضفاء الشمولية والمرونة على مقاربة كيفية استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في إطار التغطية الإعلامية والتَّحقُّق من الأخبار، مع الاهتمام بالفرص والتحديات التي ترتبط بهذه الممارسة الصحفية.

واستخدم الباحث أسلوبين أساسيين في البحوث النوعية، أولهما: المقابلات الشخصية، وهي أكثر أدوات القياس استخدامًا لجميع البيانات في البحوث النوعية(8). وقد أجرى الباحث مقابلات مع عينة قصدية من الصحفيين الذين واصلوا تغطيتهم للحرب الإسرائيلية على غزة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وصحفيين أنجزوا تحقيقات استقصائية من خلال هذه المنصات، وكذلك أدوات المصادر المفتوحة في إطار التأكد من رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتُقدِّم هذه المقابلات معلومات مهمة حول استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في التغطية الإخبارية والأعمال الاستقصائية، وتستعرض أيضًا التحديات المختلفة التي واجهت الصحفيين، وكذلك الأساليب التي اعتمدوا عليها لضمان الدقة خلال تغطيتهم الصحفية. وأجرى الباحث مقابلات معمقة مع أحد عشر صحفيًّا، خلال الفترة الممتدة من 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى 12 فبراير/شباط 2025، بينهم سبعة صحفيين غطَّوا الحرب على غزة، وهم: إسلام بدر، مراسل “التليفزيون العربي”، وحمدان الدحدوح، مصور قناة “الجزيرة”، وهند الخضري، مراسلة قناة “الجزيرة الإنجليزية”، وعبد القادر صباح، مراسل قناة “شمس” الإخبارية، وعبد الله مقداد، مراسل “التليفزيون العربي”، وشروق العيلة، صحفية ومنتجة، وإبراهيم قنن، مراسل “الغد العربي”.

أما الأسلوب الثاني التي اعتمده الباحث فهو دراسة الحالة، وتتمثَّل السمة الرئيسية لدراسة الحالة في تركيزها على حالة واحدة أو عدد قليل من “حالات” الظاهرة أو الحدث(9)، وتتبُّع العناصر المكونة لها ومظاهرها، والعلاقة بين متغيراتها، والعوامل التي تُسهِم في تشكيل الظاهرة. وتكمن أهمية دراسة الحالة في تسليط الضوء على سياق محدد يرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستعراض نماذج محددة من التحقيقات الصحفية التي أُنجِزت خلال الحرب واعتمدت على الأدوات الرقمية بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي بهدف تحديد أفضل الممارسات لإثراء الصحافة الاستقصائية أثناء تغطية الحروب والنزاعات. وفي هذا الإطار، أجرى الباحث مقابلات شخصية معمقة مع أربعة صحفيين، وهم: عمرو القزاز، مدير وكالة “سند” المختصة في رصد الأخبار والتحقق بشبكة الجزيرة، ومحمد الزعانين، صحفي بوكالة “سند”، وجبر المصري، منتج أخبار بوكالة “سند”، وحسن خضري، مدير تحرير وكالة “سند”.

وتهدف هذه الأساليب البحثية إلى تقديم منظور شامل للتحديات والاعتبارات الأخلاقية التي واجهت الصحفيين خلال استخدامهم شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب على غزة، وتوثيق جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في القطاع. لذلك يُصبح المحتوى الذي ينشره الصحفيون على حساباتهم مرجعًا موثوقًا، خاصة للصحفيين الاستقصائيين الذين يُنجِزون أعمالًا صحفية استقصائية في سياق الحرب، أو يهتمون بعملية التَّحقُّق من المعلومات المنشورة في فضاء شبكات التواصل.

معايير اختيار العينة

اعتمد الباحث أسلوب العينة القصدية في اختيار الصحفيين الذين يمثِّلون مجتمع الدراسة، وبلغ عددهم أحد عشر صحفيًّا بناء على مجموعة من المعايير التي تشمل:

– الهوية المهنية للمبحوث: وقد جرى تحديدها في صحفي يعمل في سياق تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أو صحفي شارك في إنجازات تحقيقات صحفية خلال الحرب.

– استخدام شبكات التواصل الاجتماعي: تمَّ اختيار الصحفيين الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي في إطار تغطيتهم الصحفية للإبلاغ عن الأحداث في الوقت الفعلي وجمع الأخبار والتَّحقُّق منها، أو الصحفيين الذين قاموا بإنجاز تحقيقات صحفية بالاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة.

– تنوع أفراد العينة: حرص الباحث أن تُمثِّل العينةَ المختارة مجموعةٌ من الصحفيين الذين يعملون في وسائل الإعلام التليفزيونية والرقمية لإضفاء التنوع على وجهات النظر والتجارب الشخصية للصحفيين لتقديم فهم شامل حول استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في سياق تغطية الحرب على قطاع غزة.

دليل المقابلات

أجرى الباحث المقابلات بشكل شبه منظم بسبب الظروف الميدانية التي يعمل فيها الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة، وكذلك لإضفاء مزيد من المرونة للمبحوثين، ومنحهم الوقت الكافي لاستعراض تجاربهم، خاصة تلك المتعلقة باستذكار لحظات صعبة مع مراعاة احترام مشاعرهم نظرًا لحساسية الموضوعات التي تتم مناقشتها، خاصة استهداف المدنيين والمستشفيات. وشملت الموضوعات الرئيسية التي ركزت عليها المقابلات:

– تحديات التغطية الإعلامية في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (2023-2024).

– فاعلية شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة في عملية جمع المعلومات والتَّحقُّق من الأخبار.

– التَّحقُّق والدقة خلال تغطية الحرب، خاصة المعلومات التي تمَّ الحصول عليها من الشبكات الاجتماعية.

– المخاوف والاعتبارات الأخلاقية أثناء الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب.

– أفضل الممارسات حول دور شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب على غزة.

جمع وتحليل البيانات  

قام الباحث بتحليل المقابلات باستخدام نهج “التحليل الموضوعي”(10) الذي يُعَد إطارًا تحليليًّا لفهم المعلومات النوعية التي ترتبط بآراء الصحفيين وتجاربهم. ويتضمن هذا الإطار تحديد وتصنيف الأنماط المتكررة استنادًا إلى إجابات أفراد العينة خلال المقابلات. ويُركز التحليل الموضوعي على المفاهيم والآراء والخبرات، ولا يرتبط هذا النهج بمنظور معرفي أو نظري معين، وهذا يجعله أسلوبًا مرنًا، لكنه يتطلب غزارة في البيانات ضمن سياق محدد. وتُقدِّم الأكاديميتان، فيرجينيا براون (Virginia Braun) وفيكتوريا كلارك (Victoria Clarke)، دليلًا يتكوَّن من ست مراحل، وهو إطار ملائم لإجراء هذا النوع من التحليل، وتتضمن هذه المراحل: التعرُّف على البيانات، وإنشاء رموز أولية، والبحث عن الموضوعات، ومراجعة الموضوعات، وتحديد الموضوعات وتسميتها، وكتابة النتائج(11).

قبل إجراء المقابلات، تواصل الباحث مع الصحفيين وبيَّن لهم أهداف الدراسة وأهميتها، وأرسل نموذجًا للموافقة على المشاركة في المقابلات، وتعهَّد بحماية البيانات بشكل صارم. وشارك الصحفيون في الدراسة بصفتهم المهنية وبطوعية وبموافقة صريحة منهم. بعد جمع البيانات، صنَّف الباحث البيانات ضمن خمسة موضوعات بحثية تتوافق مع أهداف الدراسة، واحتفظ بإجابة كل مبحوث عن كل سؤال، وقام بتسجيل كل إجابة في ملف صوتي، ثم استعان بأداة “سونيكس” (Sonix)(12) لتحويل المحتوى الصوتي إلى نص. وكانت هذه الخطوة الأولى في التعرُّف على البيانات، ثم أنشأ الباحث قائمة لكل مبحوث باستخدام برنامج “دلفي” لتحليل البيانات النوعية(13). وتضمنت القائمة إجابات أسئلة المقابلة كخطوة أولى تُساعد الباحث في التعرُّف على البيانات وتصنيفها بدقة. أما الخطوة الثانية فتمثَّلت في إنشاء رموز أولية استنادًا إلى استكشاف إجابات المبحوثين، ثم بدأ الباحث في تحديد الموضوعات حسب إجابات المبحوثين، ووفقًا للرموز التي أنشأها كخطوة ثالثة. أما الخطوة الرابعة فتضمنت مراجعة الموضوعات بهدف التأكد من انسجامها مع العنوان البحثي والأهداف البحثية، ثم اعتمد الباحث الموضوعات للتحليل الموضوعي. وبعد إجراء الخطوات الخمس الأساسية، بدأ الباحث بكتابة التحليل الدقيق لبيانات المقابلات.

الإطار النظري

غيَّرت شبكات التواصل الاجتماعي أنماط التغطية الإعلامية للحروب والنزاعات بعد أن صارت أدوات ثرية الموارد تُعزِّز الممارسة الصحفية أثناء تغطية الأحداث. وتُمثِّل شبكات التواصل فضاء معلوماتيًّا يُتيح للصحفيين، وكذلك للنشطاء المحليين وشهود العيان، الإبلاغَ عن الأحداث ومشاركةَ الصور ومقاطع الفيديو بشكل مباشر، وهو ما يُشكِّل تدفقًا هائلًا وسريعًا للمعلومات قد لا تتمكَّن وسائل الإعلام التقليدية من رصده وتوثيقه خلال الحروب والنزاعات. إن السرعة والتفاعلية التي تتميز بها شبكات التواصل تُمكِّن الصحفيين من متابعة الأحداث، وفحص الروايات، وجمع وجهات النظر خلال تغطية الحروب والنزاعات؛ مما يُضيف المزيد من الشمولية والمهنية للتغطية الإعلامية. ورغم ذلك، فإن المعلومات الهائلة التي تُنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحروب والنزاعات تستلزم من الصحفيين المزيد من عمليات الدقة في اختيار المصادر، والتَّحقُّق من الأخبار لضمان مصداقيتها، وهو ما يُثير تحديات أخلاقية ومهنية للممارسة الصحفية في العصر الرقمي.

وتُشكِّل نظرية ثراء وسائل الإعلام (Media Richness Theory)، التي وضعها ريتشارد دافت (Richard Daft) وروبرت لينجيل (Robert Lengel) عام 1986، إطارًا مناسبًا لدراسة استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب على غزة، ودورها في إثراء الصحافة الاستقصائية. وتُقيِّم هذه النظرية وسائل الاتصال بناء على “ثرائها” أو فاعليتها في نقل المعلومات لتعزيز الفهم في الوقت المناسب. وانبثقت من دراسات الاتصال التنظيمي، وهدفت إلى توجيه اختيار أفضل وسيلة اتصال لأنواع محددة من التفاعلات المتعلقة بالعمل. ويُحَدَّد ثراء الوسائل بناء على عدة عوامل، منها: القدرة على تقديم التغذية الراجعة، ونقل الإشارات الاجتماعية، وقدرة الوسيلة على دعم استخدام اللغة الطبيعية(14).

وتُمثِّل نظرية ثراء وسائل الإعلام الأساسَ الرائد للدراسات حول تكنولوجيا الاتصالات المتطورة باستمرار، وسلوك استخدام وسائل الإعلام(15). ووفقًا لمؤسسي النظرية، تَسْتخدِمُ وسائلُ الإعلام الثرية إشاراتٍ متعددةً، وردودَ فعل، ولغةً عاليةَ التنوع؛ إذ يُمكِّن ثراء الوسائل الإعلامية الأفرادَ من تفسير القضايا الصعبة، وغير القابلة للتحليل، والعاطفية، والمليئة بالصراعات، والتوصُّل إلى اتفاق بشأنها. وتُفضي المناقشات المباشرة إلى لغة وتفسير مشتركين(16). وتتكوَّن النظرية من عدة مفاهيم أساسية تتمحور حول ثراء الوسيلة الإعلامية، وهي: قدرة الوسيلة على معالجة المعلومات المتعددة في وقت واحد، وجذب التخصيص الشخصي، واستخدام اللغة التعبيرية، والعلاقة بين غموض مضمون الرسالة وثراء الوسيلة؛ إذ كلما زاد غموض المضمون كانت الوسيلة الأكثر ثراءً هي الأنسب للاستخدام، وكلما كانت الوسيلة تتطلَّب وجودًا اجتماعيًّا يؤدي ذلك إلى تعزيز فورية الاتصال(17).

وتستند الدراسة إلى نظرية ثراء الوسيلة الإعلامية إطارًا نظريًّا لفهم وتحليل استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك لثلاثة أسباب منهجية رئيسية:

أولًا: تُعرِّف النظرية “الثراءَ” بأنه الوسيلة القادرة على معالجة المعلومات الغامضة عبر توفير إشارات متعددة، تتضمن إشارات بصرية، أو سمعية، أو نصية، إلى جانب التفاعل الفوري، وهو ما يتطابق مع خصائص شبكات التواصل الاجتماعي وطبيعة التغطية الإعلامية للصحفيين أثناء الحروب والنزاعات، وهي ظروف معقدة تتسم بتسارع الأحداث وغموض المعلومات. ووفقًا لمرتكزات النظرية، فإن وسائل الإعلام التي توفر رجع الصدى تكون أكثر ثراء، وكلما قلَّ الغموض كان الاتصال الفعَّال أكثر حدوثًا(18). وتوفر شبكات التواصل إمكانية التفاعل الفوري مع الأحداث والنشر الفوري عنها، وهو ما يمكن اعتباره “رجع الصدى” الذي يجعل هذه الشبكات أكثر تفاعلية.

ثانيًا: تقترح النظرية معايير كمية ونوعية، مثل: سرعة التغذية الراجعة، وتَعَدُّد قنوات الاتصال، وقدرة الوسيلة على تخصيص مضمون الرسالة. وتوفر هذه المعايير تفسيرًا نظريًّا لكيفية اختيار الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي بناء على الظروف الميدانية خلال التغطية، وكذلك نوع المهمة الصحفية كالإبلاغ عن الأحداث والأخبار العاجلة، أو جمع المعلومات في إطار التأكد من رواية أحد أطراف الحرب، أو لإنجاز تحقيق صحفي.

ثالثًا: تسمح نظرية ثراء وسائل الإعلام بفحص التناقض في استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي تتسم فيه هذه المنصات بثراء تقني عالٍ، فإنها تُعتبر ميدانًا للأخبار المُضَلِّلَة، وهو ما يزيد التحديات المهنية أمام الصحفيين. ويُمثِّل هذا السبب المنهجي مثالًا لاختبار فرضيات النظرية حول العلاقة بين ثراء الوسيلة وجودة الرسالة الإعلامية.

وتفترض النظرية أن وسائل الإعلام لديها القدرة على حلِّ الغموض الذي يواجه الجمهور، وتقديم تفسيرات متنوعة، وتسهيل عملية الفهم على الجمهور المستقبل للرسالة؛ إذ إن ثراء المعلومات هو العملية التي تقوم فيها الرسالة بتخفيض درجة الغموض، وإيجاد مساحة من المعاني المشتركة باستخدام وسيلة اتصالية معينة(19). وفي سياق تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، تتكيَّف نظرية ثراء الوسائل الإعلامية مع موضوع الدراسة من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية:

– التعامل مع الغموض: تتميز الحروب والنزاعات بغياب الصورة الحقيقية وازدياد الغموض والتناقض بين روايات أطراف النزاع، وهذا ما يجعل ثراء شبكات التواصل الاجتماعي أداة مثالية للصحفيين للتغلب على الغموض. على سبيل المثال، يمكن لتغريدة ناشط محلي في غزة تتضمن إبلاغًا عن حدثٍ ما عبر منصة “إكس” أن تربط الصحفي مع فيديو قصير آخر نشره شاهد عيان على “فيسبوك” من موقع الحدث، يُشير إلى مكان الحدث في خرائط غوغل؛ مما يوفر إشارات متعددة في سياق حدث واحد يُساعد الصحفيين على إزالة الغموض حول هذا الحدث خلال التغطية الإعلامية.

– التفاعلية أداة للتحقق: تُتيح شبكات التواصل الاجتماعي التفاعلَ المباشر للمستخدمين مع الأحداث خلال الحروب والنزاعات، وهذا يوفر للصحفيين إمكانية التَّحقُّق من المعلومات بالاستعانة بالمصادر الجماعية المتاحة على هذه الشبكات (Crowdsourced Fact-Checking) . ويُسهِم التفاعل والنشر الفوري للأخبار في وقتها الفعلي في إمكانية تقليل الغموض من خلال تفكيك السرديات المُضَلِّلَة لأحداث الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

– التخصيص السياقي: يُتيح محتوى شبكات التواصل الاجتماعي للصحفيين استخدام اللغة التعبيرية أو اللهجة المحلية الفلسطينية خلال التغطية، وهو ما يُعزِّز فعَّالية الرسالة الإعلامية.

إن الاستناد إلى نظرية ثراء الوسائل الإعلامية يوفر إطارًا مرنًا يعتمد على الخصائص التقنية الثرية لشبكات التواصل الاجتماعي، مثل السرعة والتفاعل وسهولة الاستخدام والكفاءة الرقمية للصحفي للتعامل مع تعقيدات هذه الشبكات والسياق المتمثِّل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ويستخدم الصحفيون شبكات التواصل الاجتماعي والمصادر المفتوحة للبحث أو التَّحقُّق من المعلومات أثناء التغطية الإعلامية للنزاعات والحروب، وكذلك في إطار الوصول لمصادر المعلومات المتمثِّلة في المستخدمين النشطين بوصفهم شهودًا ميدانيين. وبهذا المعنى توفر شبكات التواصل الاجتماعي خزينة معلوماتية للصحفيين الاستقصائيين في إطار جمع الأخبار والتَّحقُّق منها، حين تنعدم سُبُل الوصول إلى ميدان الحرب.

وتسمح شبكات التواصل الاجتماعي بالوصول إلى القصص والمواد الإعلامية الأصلية، والتي غالبًا يتم نشرها من قِبَل الشهود أو النشطاء المحليين؛ إذ تُلبِّي هذه المواد حاجة الصحفيين إلى مزيد من المعلومات لإنشاء سرد صحفي للحرب بعيدًا عن سرديات طرفي النزاع. و”يُنْظَر إلى كل من وسائل الإعلام الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها أدوات مهمة لقراءة الأخبار عبر الإنترنت، ولكن نوع الاحتياجات التي تُلبِّيها كل وسيلة ليست هي نفسها. وعلى الرغم من أن الاختلافات بينهما صغيرة، إلا أنها تُشكِّل جوهر الطريقة التي يختبر بها المستخدمون الأداتين ويستخدمونهما”(20). أما في مسألة التفاعل، فإن الصحفيين يتفاعلون مع مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي عبر إنتاج ومشاركة القصص الصحفية، أو من خلال عملية التَّحقُّق من المعلومات، أو عبر الوصول إلى المصادر الأصلية للمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي.

  1. تحديات ومخاطر التغطية الإعلامية للحرب على غزة

الحرب الإسرائيلية على الصحافة والصحفيين

بالموازاة مع الحرب التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة، كانت هناك حرب أخرى تخوضها على المستوى الرمزي في محاولة للهيمنة والتحكُّم في الرأي العام العالمي؛ إذ سعت إسرائيل إلى تثبيت رواياتها لمجريات الحرب. ولتحقيق هذه الغاية استهدفت المؤسسات الإعلامية ومكاتب وكالات الأنباء الدولية، والصحفيين الذين يقومون بتغطية الحرب. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اغتالت إسرائيل أكثر من مئتي صحفي فلسطيني، وصُنِّف عام 2024 بـ”العام الأكثر دموية بحق الصحفيين حول العالم”، نصفهم قُتِل في قطاع غزة وحده، وفقًا لتقارير دولية(21). ويمثِّل الاحتلال الإسرائيلي التحدي الأول الذي يمنع الصحفيين من مواصلة التغطية من خلال استهدافهم أو تهديدهم أو استهداف مؤسساتهم: “إن التحدي الأساسي هو الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ يتمُّ استهداف الصحفيين بشكل مباشر، بل يجري استهداف كل شيء على وجه الأرض. لم يكن مسموحًا لأي صحفي بالتغطية في معظم أوقات الحرب”(22). وأدى استهداف الطواقم الصحفية والمؤسسات الإعلامية إلى تزايد المخاطر الجسدية والنفسية التي تعرض لها الصحفيون؛ مما جعل عددًا كبيرًا منهم يواجهون ظروف عمل قاهرة وغير آمنة. كما أن استهداف الجيش الإسرائيلي للمؤسسات الإعلامية شكَّل ضغوطًا نفسية كبيرة على الصحفيين؛ مما أثَّر في قدرتهم على متابعة عملهم بكفاءة وموضوعية، “لدينا مشكلة في الاتصالات والإنترنت؛ إذ دَمَّر الاحتلال المكاتب التي نعمل فيها، لذلك نحن نعمل من الشوارع والمستشفيات، وهي أماكن غير مهيأة للعمل الصحفي”(23).

من جانب آخر، لم تكن عملية التَّحقُّق من المعلومة الميدانية أمرًا سهلًا للصحفيين في قطاع غزة. فقد واجه الصحفيون حالة من الإرباك لانعدام آلية الوصول إلى المصادر نتيجة كثافة الأخبار واستهداف مناطق واسعة من قطاع غزة، مما أثر في سرعة الإبلاغ عن الأحداث خلال التغطية. فقد كان “التحدي الأبرز هو الوصول إلى المصادر الرسمية أو الميدانية، وكنا نتأخر في إرسال بعض العواجل والأخبار ونفضل التأني قبل الإبلاغ عن الأحداث، وأحيانًا كنا نعتمد على المصادر والمشاهدات الميدانية للتَّحقُّق من الأخبار قبل الإبلاغ عنها”(24). وحرص الصحفيون أثناء تغطيتهم للحرب على الابتعاد عن استخدام الأرقام والأسماء عند الإبلاغ عن الأحداث، لاسيما الأخبار التي تتعلق باستهداف المرافق المدنية، مثل مراكز الإيواء والمدارس والمستشفيات، وفضَّلوا اعتماد المصادر الرسمية وإسناد المعلومات لجهات موثوقة وإضفاء المزيد من الدقة على التغطية الإعلامية، وكان ذلك نهجًا لأي صحفي في هذه الظروف: “فضلت انتظار المصادر الرسمية، مثل وزارة الصحة تجنبًا للوقوع في فخ التضليل أو التسرع. وبسبب كثرة المعلومات تشعر أنك بحاجة أن تكون دقيقًا عند الإبلاغ عن الاستهدافات”(25).

أما على صعيد التحديات النفسية التي واجهت الصحفيين، فتمثَّلت في تعرُّض الصحفيين للكثير من المواقف الصعبة؛ إذ “واجه الصحفيون تحديات نفسية ناتجة عن آثار الحرب وترتبط بقساوة المشاهد التي تعرضوا لها. نحن نواجه كثافة عالية من مشاهد الدماء الصعبة”(26). أما بالنسبة للمشاهد والمواقف الأخرى التي تتسم بحساسية نفسية عالية؛ فقد أحدثت ندوبًا نفسية للصحفيين نتيجة كثافة تغطية الأحداث، خاصة قصف المستشفيات ومراكز الإيواء واستهداف المدنيين.

أزمة الموارد الصحفية

يُعَد الوصول الفوري إلى المعلومات أحد ركائز التغطية الإعلامية للحروب والنزاعات، وهو ما عجز عنه الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة بسبب الأزمة المستمرة لانقطاع الاتصالات والإنترنت والكهرباء. وشكَّل ذلك تحديًا مهنيًّا أعاق قدرة الصحفيين على جمع الأخبار وتوثيقها في الوقت الفعلي. فقد كان “التحدي الأول الذي واجه الصحفيين في غزة هو انقطاع الإنترنت والاتصالات، وأصبح مصدر المعلومة هو وجود شخص في عين المكان يستطيع الإبلاغ عن الحدث عبر شرائح الإنترنت الإلكترونية، لكن هذا الحلَّ عقَّد عملية التَّحقُّق من المعلومات”(27)؛ مما جعل مهمة التغطية الإعلامية أو عملية التَّحقُّق من المعلومة شاقة وخطرًا ميدانيًّا. كما أن انقطاع الكهرباء أثَّر بشكل مباشر في قدرة الصحفيين على نقل الأخبار وتوثيق الجرائم والإبلاغ عن الأحداث بشكل فوري. وتُعَد الأجهزة الإلكترونية، مثل الكاميرات والهواتف وأجهزة البث والبطاريات، معدات أساسية للصحفي أثناء التغطية، وتحتاج إلى كهرباء وإنترنت دون انقطاع لضمان استمرار التغطية.

وقد أدى هذا الوضع الميداني أيضًا إلى “نقص المعلومات وصعوبة التواصل مع جهات الاختصاص، وأعاق استمرار التغطية”(28)، وتسبَّب في انقطاع التغطية عدة مرات خلال الحرب. وعلى المستوى الفني، أدى انقطاع الكهرباء إلى نفاد الطاقة من أجهزة الاتصال المختلفة التي يستخدمها الصحفيون للتواصل مع مصادر ميدانية أو لإرسال المواد الإعلامية إلى مؤسساتهم. ودفع انقطاع الكهرباء والاتصالات والإنترنت الصحفيين إلى ابتكار حلول ميدانية، مثل: استخدام البطاريات، أو البحث عن نقاط شحن، أو استخدام شرائح هواتف إلكترونية، وقد أثر ذلك على قدرتهم على الإبلاغ الفوري عن الأحداث وتأخر وصول الأخبار. وتتمثَّل أزمة الموارد الصحفية في “انقطاع الكهرباء الذي يُعَد تحديًا أساسيًّا، ثم انعدام المواصلات، وانقطاع السولار الذي أدى إلى تقييد الحركة نحو الأماكن المستهدفة. كما أن انقطاع شبكات الاتصال قيَّد وصول الصحفيين إلى شهود العيان والمصادر الرسمية والميدانية”(29)، إضافة إلى ذلك، فإن انقطاع الكهرباء عن معظم مناطق قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، جعل التغطية وتوثيق الأحداث أثناء ساعات الليل مهمة خطرة وشاقة نظرًا لغياب الإضاءة وخطورة التنقل؛ مما فسح المجال للجيش الإسرائيلي لارتكاب المجازر خلال ساعات الليل.

وفي سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يعكس انقطاع الكهرباء والإنترنت والاتصالات جهود إسرائيل ومحاولتها الممنهجة للسيطرة على التغطية الإعلامية داخل القطاع؛ حيث تؤدى هذه العوامل إلى عزل المؤسسات والكوادر الصحفية عن العالم الخارجي، وهو ما يترك الأحداث دون تغطية ويُعزِّز من انتشار الرواية الرسمية الإسرائيلية دون مساءلة أو تحقُّق.

وبجانب هذه التحديات، يواجه الصحفيون في غزة نقصًا على مستوى المعدات الإعلامية بسبب استهداف إسرائيل للمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة، ومنع إدخال أي وفود أو معدات إعلامية؛ إذ “إن هناك نقصًا شديدًا في ذلك ما جعل عددًا من الصور المهمة، أو المقابلات المهمة التي لحق بها خلل، لا تحظى بفرصة للبث أو النشر ولئن كانت وثائق مهمة وتوثيقًا لمجازر كبيرة”(30)، ما زاد من أعباء التغطية. وحاول الصحفيون التأقلم مع المعدات المتاحة التي تصلح للاستخدام، وهو ما أثَّر على تدفق المعلومات وتحديدًا مقاطع الفيديو من الميدان. كما أن النقص في أعداد الصحفيين والأفراد المؤهلين للتغطية الإعلامية، زاد من ساعات العمل التي يقضيها الصحفيون خلال التغطية. لذلك كان “التحدي الأكبر هو قساوة الحرب، في ظل عدد محدود من الصحفيين، والتي أدت إلى عدد كبير جدًّا من المجازر والأحداث والقصص التي لم تُوَثَّق وبقيت طي الكتمان”(31).

مصداقية الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي

تُعَد شبكات التواصل الاجتماعي أدوات أساسية للصحفيين لمتابعة تطورات الأحداث، خلال تغطيتهم للحرب على غزة. وعلى الرغم من الأدوار الإيجابية التي تؤديها شبكات التواصل في الأوقات الحرجة، إلا أن الواقع الميداني يفرض تحديات لا يمكن حصرها في انقطاع الكهرباء والإنترنت والاتصالات، بل تشمل أيضًا العوائق المهنية والأخلاقية التي تتعلق بمصداقية الأخبار التي تُسْتَقَى من الشبكات الاجتماعية؛ فقد كان “هناك انتشار هائل للأخبار المُضَلِّلَة والمفبركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الدعاية الإسرائيلية التي رافقت سرد الأحداث. لذلك كانت شبكات التواصل غير مفيدة بسبب انقطاع الإنترنت؛ إذ لم نتمكن من جمع المعلومات أو الوصول إلى المصادر أو متابعة الأحداث الميدانية، مثل توغُّل القوات الإسرائيلية في مدن القطاع”(32).

وواجه الصحفيون أيضًا تحديات تتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة، وعَزَوا ذلك إلى انعدام الاتصالات والإنترنت، بالإضافة إلى ضيق وقتهم الذي يستثمرونه في الإبلاغ عن الأحداث أو إرسال مقاطع مصوَّرة لمؤسساتهم الإعلامية. وزادت مهام التَّحقُّق من الأخبار خلال تغطية الصحفيين للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نظرًا للتدفق الهائل للأنباء والشائعات؛ “فقد كان لشبكات التواصل دور كبير خلال التغطية، لكن الأخبار التي تُسْتَقَى منها تفتقر إلى المصداقية، لذلك لم أستند خلال تغطيتي إلى أي أخبار من شبكات التواصل الاجتماعي”(33). ويصف الصحفيون الأخبار التي تُستمد من شبكات التواصل الاجتماعي خلال الإبلاغ عن الأحداث بافتقارها للطابع المعلوماتي، “بصفتي مراسلة لا أهتم بالأخبار المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ لأنها أخبار عمومية دون تفاصيل. لذلك اعتمدت على مجموعات تطبيق “واتساب” التي أنشأها الصحفيون خلال الحرب، فهناك مجموعة لكل محافظة في قطاع غزة، ويمكننا متابعة الأخبار وتفاصيل الأحداث من خلال هذه المجموعات التي تضم العديد من الصحفيين والمصادر الميدانية”(34). واعتمد الصحفيون في عملية التَّحقُّق من الأخبار إما على التحديثات التي تتم عبر مجموعات تطبيق “واتساب” التي أنشأها الصحفيون أو المواطنون في معظم مناطق القطاع، وإما بالرجوع إلى المصادر الرسمية، لاسيما مكتب الإعلام الحكومي في غزة أو وزارة الصحة الفلسطينية.

معضلة التحقق من الأخبار وضرورة العمل الميداني

يُعَد التَّحقُّق من الأخبار شرطًا أساسيًّا من شروط الممارسة الصحفية، وتمثِّل الدقة “عقيدة” الصحفي في الظروف الطبيعية للعمل المهني، لكن يتحوَّل هذا الشرط إلى عبء أمام الصحفيين خلال تغطية الحروب والنزاعات بسبب تزايد انتشار الأخبار المُضَلِّلَة في عصر شبكات التواصل الاجتماعي. إن تدخل الجمهور في عملية صنع الرسالة الإعلامية يُضاعف المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لدى الصحفيين في ظروف الحروب اعتبارًا للعواقب التي قد تنتج عن التسرع في نقل الأخبار دون التأكد منها. ويظل -في نظر بعض الصحفيين- “استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خلال التغطية خيارًا شخصيًّا، وهو يُساعد في الوصول إلى الخبر بسرعة قصوى قبل القنوات التليفزيونية أو الوكالات الإخبارية. لكن شخصيًّا استخدم شبكات التواصل الاجتماعي في إطار التوعية”(35).

وللتغلُّب على عوائق مصداقية وفاعلية شبكات التواصل الاجتماعي خلال التغطية، اعتمد الصحفيون على الوسائل التقليدية للتَّحقُّق من الأخبار، سواء عبر الوصول إلى المكان، أو التواصل مع مصادر ميدانية (شهود العيان)، أو شبكة العلاقات القريبة من الحدث. ويُعَد استخدام الأدوات المخصصة للتَّحقُّق من الأخبار مسألة صعبة وغير ممكنة بسبب انقطاع الإنترنت، بالإضافة إلى أن التَّحقُّق من الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي يكون في أحيان كثيرة خارج المهام المهنية للصحفيين الميدانيين، نظرًا للظروف المعقدة التي يعملون فيها، “بسبب ضعف أو انقطاع الإنترنت، وكانت أبسط أساليب التَّحقُّق -عبر أدوات مثل البحث العكسي- غير ممكنة. لذلك اعتمدت على ذاكرتي أو على ملاحظة تفاصيل الصور لتحديد صحتها. وبصفتي مراسلًا ميدانيًّا، كنت أركز على تغطية الأحداث مباشرة؛ لأن التَّحقُّق كان من اختصاص الصحفيين في غرف الأخبار الذين يمتلكون الإمكانيات والوقت والقدرة على متابعة مثل هذه الأمور”(36). ولم يلجأ الصحفيون في قطاع غزة إلى هذه الوسائل التقليدية، مثل “الوصول والاعتماد على المشاهدة للتَّحقُّق من المعلومات”(37)، إلا بسبب التحديات التقنية واللوجستية والمخاطر التي واجهوها خلال التغطية نتيجة الحرب على قطاع غزة.

وقد تباينت آراء الصحفيين إزاء استخدام أدوات التُّحقُّق من الأخبار في سياق تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة؛ إذ يؤكد الصحفيون العاملون في القطاع أن هذه الأدوات لا يمكن الاستعانة بها خلال ممارسة العمل الصحفي أو التغطية بسبب انعدام الإنترنت، وعندما يصل الصحفي إلى الإنترنت تكون الأولوية للإبلاغ عن الأحداث في وقتها الفعلي. ورغم هذا التباين في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها توفر إمكانيات مهمة في التغطية، لكن ينبغي التعامل معها بحذر للتغلب على التحديات الميدانية وأزمة الموارد الصحفية للحفاظ على استمرارية ومصداقية التغطية.

الاعتبارات الأخلاقية والمهنية

تتطلَّب التغطية للحرب توازنًا بين تقديم المعلومات وحماية الخصوصية والحقوق الفردية للأشخاص والضحايا. ويُثير البث الصوري للمعاناة الإنسانية خلال تغطية الحروب والنزاعات تساؤلات أخلاقية وجدلية، فبينما يمكن لهذا البث توثيق المعاناة وإثراء الأخبار وكذلك حشد الرأي العام الدولي، إلا أنه قد يُجازِف باستغلال صدمة الضحايا وتحويل معاناتهم إلى مشاهد استعراضية تنتهك خصوصيتهم. لذلك يُفضِّل بعض الصحفيين في قطاع غزة تجنُّب توثيق معاناة الضحايا. ويؤكد بعضهم من خلال تجربة في تغطية الحرب على القطاع استحالة انتهاكه “خصوصية أي ضحية سواء كان شهيدًا أو جريحًا”.. بل “أفضل احتضان أم الشهيد على تصويرها. وأحاول قدر الإمكان الابتعاد عن اللحظات الحساسة”(38). وتتزايد المعضلات المهنية التي تواجه الصحفيين أثناء تغطيتهم للحروب والنزاعات، لذلك يحاولون تحقيق التوزان بين الحفاظ على موضوعية التغطية وتجنُّب انتهاك حقوق الأفراد والضحايا.

ويتطلَّب هذا التوازن خبرة مهنية ومهارة شخصية حتى لا يبدو الصحفي الميداني غير مبال بالمعاناة الإنسانية، خاصة عند توثيقها. ويحاول الصحفيون التغلُّب على هذا التحدي بطلب الإذن من الأشخاص الذين يتم تصويرهم، “كنا نحرص على الاستئذان من الناس قبل التصوير، واحترام العادات والتقاليد والأعراف داخل المجتمع الفلسطيني من خلال الحفاظ على خصوصية وكرامة الناس أثناء التصوير”(39). بينما انتهك نشطاء محليون خصوصية الأفراد أثناء المواقف الحرجة تحديدًا خلال مراسم توديع الشهداء في المستشفيات، ويُعَد “نشر الصور للسيدات في المستشفى وهن مفجوعات أو مصدومات، أحد الانتهاكات التي يتجاوز فيها بعض الصحفيين والنشطاء خصوصية الضحايا”(40).

ويقتضي توثيق المعاناة الإنسانية خلال الحرب مستوى عاليًا من المهنية، خاصة في عصر شبكات التواصل الاجتماعي التي يتوافر فيها لكل شخص كاميرته ومنصته الشخصية. وقد شهدت تغطية الحروب والنزاعات تحولات كبيرة على مستوى الاعتبارات الأخلاقية والمهنية، لاسيما أن “المخاوف الأخلاقية والمهنية تتعلق بمصداقية الصحفي، لذلك أتجنب نشر خبر دون التأكد من المصادر الميدانية، خوفًا من الوقوع في تجاوزات تؤثر على مصداقيتي خلال التغطية”(41). وتؤدي السرعة في النشر إلى مشكلات أخلاقية ومهنية خلال تغطية الحروب والنزاعات، مثل نشر أخبار غير مؤكدة أو انتهاك خصوصية الضحايا والمصادر. لذلك، يحاول الصحفيون تعميم بعض الأخبار عندما يُبَلِّغون عن أحداث لا تتوافر بشأنها التفاصيل الدقيقة، فيُفضِّلون ذكر الخبر دون تفصيل إلى حين التأكد من تفاصيل الخبر من مصادر رسمية أو ميدانية، فمثلًا يتجنَّب الصحفيون ذكر الأسماء والأرقام عند قصف المنازل المدنية، “لا أذكر أسماء العائلات عند استهداف المنازل؛ إذ يُعَد ذلك أبرز تحدٍّ أخلاقي ومهني وله عواقب يمكن أن تُحْدِث إرباكًا خلال التغطية.. وإذا كانت المعلومة مهمة فيجب أن تصل بالشكل المطلوب؛ إذ إن هناك معايير مهنية ينبغي أن تخضع لها”(42).

ويُعَد الجانب الأخلاقي شرطًا مهمًّا لصحافة الحروب والنزاعات، ولذلك يجب على الصحفيين التعامل مع التحديات المهنية والاعتبارات الأخلاقية بالتزام راسخ بالحقيقة ومبادئ المسؤولية الاجتماعية من أجل أن تخدم التغطية الإعلامية للحرب المصلحة العامة دون أي تجاوزات مهنية أو أخلاقية تؤثر على نزاهتهم الإعلامية.

صحافة الحرب: تحديات وممارسات

أفرزت تغطية الحروب والصراعات تحديات غير مسبوقة؛ إذ تتميز بظروف ميدانية لا يمكن توقعها، وهذا يتطلَّب من الصحفيين المزيد من الجهوزية للتعامل مع المخاطر الميدانية والتحديات المهنية ملتزمين بتغطية إعلامية دقيقة وموضوعية تراعي أخلاقيات الممارسة الصحفية. وفي سياق الحرب على غزة، أدت شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة دورًا حاسمًا في التغطية. ورغم أن فرص استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي اتسمت بالتفاوت بسبب القيود المفروضة، إلا أنها ساعدت الصحفيين في سرعة الوصول إلى المصادر الأصلية، وجمع الشهادات الحية، وتوثيق مشاهد القصف والأحداث المرتبطة بحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة. كما أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تذليل العقبات التي واجهت الصحفيين نتيجة منع الطواقم الصحفية الدولية من الوصول إلى قطاع غزة، واستهداف الصحفيين والطواقم الإعلامية، والتحديات الميدانية واللوجستية التي واجهت الصحفيين في القطاع. لذلك تُعَد “شبكات التواصل الاجتماعي مساحة حيوية لنشر قصص لا تُغطِّيها وسائل الإعلام التقليدية بهدف تسليط الضوء على تفاصيل إضافية في القصص الصحفية”(43). لذلك وفرت شبكات التواصل الاجتماعي الفرصة لعدد كبير من النشطاء والصحفيين المحليين لاتخاذ مواقع متقدمة خلال تغطية الحرب، وهو ما جعلهم لاحقًا مصادر ومراسلين ميدانيين لكثير من المؤسسات الإعلامية الدولية.

وفي ظل هذه الظروف، يحاول الصحفيون تحديد أولوياتهم بعناية لضمان سلامتهم ومصداقية أخبارهم، و”ينبغي أن يكون الصحفي حذرًا عند استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يكون أيضًا واثقًا من مصادره، وأن يكون هو مصدر الخبر المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي لا أن يكون مصدره شبكات التواصل”(44). إلى جانب ذلك تتزايد أهمية فهم التأثير المحلي للأخبار غير الدقيقة في الحالة الفلسطينية؛ ومن ثم فإن “أفضل الممارسات خلال تغطية الحرب تتمثَّل في ضرورة عدم الانجرار وراء ما ينشره الإعلام الإسرائيلي نظرًا لتأثيره المباشر على الحالة الإنسانية والمعيشية للناس في قطاع غزة”(45)، وتفادي نشر الأخبار الكاذبة أو المُضَلِّلَة التي تضيف المزيد من الإرباك بالنسبة لمن يتجرعون مرارة الحرب.

وتُعَد شبكات التواصل الاجتماعي أدوات حيوية للوصول إلى المعلومات والتَّحقُّق من الأخبار ومتابعة وفهم الأحداث، بالإضافة إلى تجاوز الحواجز السياسية والأفكار المغلوطة عن القضية الفلسطينية أو المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، ورغم ذلك يجب التعامل بحذر مع المعلومات المتداولة عبر هذه الشبكات. وليس هناك شك في أن “شبكات التواصل الاجتماعي حقَّقت إنجازًا في التعريف بالقضية والمعاناة الفلسطينية، ولاستثمار هذا الإنجاز ينبغي أن تكون الممارسة الإعلامية موضوعية ودقيقة دون تحريف أو تزييف أو تضليل؛ لأن الكثير من المحتوى المنشور على شبكات التواصل يُسيء لمعاناة الشعب الفلسطيني”(46). لذلك، من الضروري التَّحقُّق من صحة الأخبار والالتزام بالمعايير المهنية ومراعاة الاعتبارات الأخلاقية لضمان تقديم تغطية موضوعية للأحداث. وهنا، “يجب أن تُسْتَخْدَم هذه الشبكات في اتجاهين، الأول هو الاطلاع على ما لدى الناس باعتبارهم مرسلين وليسوا فقط مستقبلين في العملية الإعلامية، أما الاتجاه الثاني فهو أن هذه الشبكات تُعَد وسيلة اتصال مباشرة بين الصحفي والناس”(47).

  1. التحقيقات الصحفية خلال الحرب: قصف المستشفى الأهلي نموذجًا  

اختار الباحث أداة دراسة الحالة لتحليل كيفية استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي خلال تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، وبحث السياق الذي أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعي منفذًا معلوماتيًّا للتَّحقُّق من الأخبار. وتُركز دراسة الحالة على التحقيقات التي تناولت قصف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، في اليوم الحادي عشر من الحرب على غزة، بهدف وضع استخدام الصحفيين لشبكات التواصل الاجتماعي في إطار محدد، وهو إثراء محتوى الصحافة الاستقصائية.

جمع بيانات دراسة الحالة

اعتمد الباحث في دراسة الحالة على جمع البيانات استنادًا إلى شبكات التواصل الاجتماعي ومصادر الأدوات المفتوحة:

– تحقيقات صحفية منشورة لوسائل الإعلام عن قصف المستشفى الأهلي.

– الفيديوهات التي ينشرها الصحفيون والنشطاء المحليون وشهود العيان في قطاع غزة.

– البيانات الرسمية الصادرة عن الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.

– مقابلات شخصية مع صحفيي وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر في وكالة “سند” بشبكة الجزيرة الإعلامية.

تحليل البيانات

قام الباحث بتحليل دراسة الحالة من خلال التحليل الموضوعي لتقديم منظور حول الكيفية التي أثَّر فيها محتوى شبكات التواصل الاجتماعي أثناء تغطية قصف المستشفى الأهلي “المعمداني”، وكيف وثَّق الصحفيون والنشطاء وشهود العيان القصف، ثم كيف استفاد الصحفيون لاحقًا من هذا المحتوى لدحض رواية الجيش الإسرائيلي.

تركيز دارسة الحالة

اختار الباحث التحقيقات الصحفية التي ركزت على قصف المستشفى الأهلي، في اليوم السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحي الزيتون جنوب مدينة غزة المكتظ بالنازحين، وأفادت وزارة الصحة أن “471 شخصًا استشهدوا بالإضافة إلى إصابة 314 شخصًا بجروح مختلفة”(48). وشكَّل هذا الحدث صدمة بالنسبة للرأي العام العربي والعالمي نتيجة العدد الهائل من الضحايا المدنيين الذين استشهدوا في القصف؛ مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى نفي استهدافه للمستشفى، معتمدًا على لقطات لانفجار في الهواء إثر محاولة حركة الجهاد الإسلامي إطلاق صاروخ تجاه الأراضي الإسرائيلية، وفقًا لبيان الجيش الإسرائيلي(49). بينما اتهم رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة جيش الاحتلال بالمسؤولية عن القصف وارتكاب جريمة حرب جديدة خلال مداخلة هاتفية في قناة الجزيرة(50). لكن رواية الجيش الإسرائيلي لم تصمد أكثر من يومين، خاصة بعد أن كشفت عدة تحقيقات صحفية -ركزت على تحليل هذه الرواية للحادث وتحليل المقاطع المصورة- زيف الادِّعاءات الإسرائيلية، مثل: تحقيق شبكة الجزيرة(51)، وتحقيق نيويورك تايمز (The New York Times)(52)، وتحقيق واشنطن بوست (The Washington Post)(53)، بالإضافة إلى دراسة نشرتها الوكالة البحثية “فورنسك أرشيتكتشر” بعنوان “تضليل الجيش الإسرائيلي”(54) للرأي العام العالمي بعد نفيه استهداف المستشفى واتهام إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية بمسؤوليتها عن إطلاق صاروخ سقط في ساحة المستشفى.

واعتمدت الدراسة على تحليل البث المباشر لقناة الجزيرة لفحص ادِّعاء الجيش الإسرائيلي، ثم لقطات فيديو نشره المصور الصحفي، حمدان الدحدوح، على حسابه الشخصي في شبكات التواصل الاجتماعي أثناء البث. والتقط الدحدوح الفيديو خلال عمله في مكتب الجزيرة ببرج الطباع وسط مدينة غزة؛ حيث وثَّق الفيديو الثواني التي فصلت بين استهداف المستشفى وإطلاق المقاومة الفلسطينية للصواريخ نحو الجانب الإسرائيلي. كما اعتمد التحقيق على تحليل لقطات فيديو التقطه مواطن فلسطيني قريبًا من المستشفى ونشره على شبكات التواصل الاجتماعي، ويُوثِّق الفيديو(55) لحظة استهداف المستشفى المعمداني.

أما تحقيق قناة الجزيرة الإنجليزية، بعنوان “هل كان الهجوم على مستشفى غزة نتيجة محاولة إطلاق صاروخ فاشلة؟”(56)، فقد توصَّل إلى أن الجيش الإسرائيلي تعمَّد تضليل وسائل الإعلام والرأي العام في روايته حول استهداف المستشفى الأهلي. وخَلُص إلى وقوع انفجارين مختلفين في مدينة غزة، وذلك عقب اعتراض القبة الحديدية الإسرائيلية لصاروخ المقاومة الفلسطينية، وهو ما ينفي ادِّعاء إسرائيل بسقوط صاروخ فلسطيني عن طريق الخطأ على المستشفى، ويُناقِض إعلان الجيش الإسرائيلي وتَنَصُّلَه من مسؤولية استهداف المستشفى. ويستند تحقيق وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر بوكالة “سند” في شبكة الجزيرة على تحليل الصور والفيديوهات وبناء الخط الزمني للأحداث، من خلال البث الحي لقناة الجزيرة وصور حية أخرى من داخل إسرائيل، بالإضافة إلى مشاهد فيديو التقطها شهود عيان بغزة للَّحظات التي سبقت قصف المستشفى، ونُشِرت على شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب أدوات تحديد الموقع الجغرافي لاتجاهات التصوير الرئيسية(57). إن “استهداف الاحتلال للصحفيين والمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة دفع الناس إلى إرسال أو تلقي الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تيليغرام”، فأصبحت هناك موجة كبيرة من التدفق الوارد من هذه الشبكات. وهذا شكَّل ضغطًا كبيرًا علينا في مسألة التَّحقُّق من الأخبار نظرًا لكثافة الأخبار وتسارع الأحداث وضيق الوقت”(58).

وتوصل الباحث إلى مجموعة من الموضوعات الرئيسية التي تم حصرها في سياق جمع المعلومات من خلال التحقيقات الصحفية عن قصف المستشفى الأهلي، ومنها:

قصف المستشفى الأهلي بين التوثيق والتضليل

استند الصحفيون خلال عملية التَّحقُّق من قصف المستشفى الأهلي إلى شبكات التواصل الاجتماعي عبر جمع المعلومات والأخبار التي تتعلق بالحدث والتأكد من مصداقيتها، والتواصل مع شهود العيان أو النشطاء والصحفيين المحليين الذين نشروا المشاهد التي تُوثِّق استهداف المستشفى، ومقارنة المعلومات التي اسْتُقِيَت من شبكات التواصل الاجتماعي والمصادر الميدانية المتنوعة مع رواية جيش الجيش الإسرائيلي للحادث. فقد “سهَّلت علينا شبكات التواصل الاجتماعي والمصادر المفتوحة الوصولَ اللحظي للخبر رغم التحديات الهائلة التي تواجه الصحفيين في قطاع غزة، أو تواجه المصادر الميدانية. وكانت في أحيان كثيرة مصادر سريعة للأخبار والمعلومات رغم كثافة الأخبار المُضَلِّلَة فيها، لكن يظل التحرِّي من مسؤوليتنا، ونحن من نفرِّق بين الخبر الصحيح والكاذب أو المُضَلِّل”(59).

الأخبار المُضَلِّلَة والدعاية الإسرائيلية

على الرغم من دور شبكات التواصل الاجتماعي في تجاوز التحديات التي تواجه الصحفيين أثناء تحقُّقهم من المعلومات، إلا أن دراسة حالة المستشفى الأهلي تكشف أيضًا عن دور سلبي يُشكِّل عبئًا مهنيًّا على الصحفيين، وهو دور هذه الشبكات في نشر الأخبار المُضَلِّلَة أو الكاذبة بشكل هائل؛ فقد “واجهنا مشاكل كثيرة في مسألة التَّحقُّق من الأخبار والمعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ يكون التضليل أحيانًا في السياق، وأحيانًا  أخرى في العنوان”(60)، خاصة من حسابات مستعارة أو غير معروفة أو حسابات تعمل بشكل آلي (Bots) كانت تُغَذِّي رواية الجيش الإسرائيلي وتزيد من كمِّ المعلومات الخاطئة والمُضَلِّلَة في شبكات التواصل الاجتماعي. إن انتشار الأخبار المُضَلِّلَة يُشكِّل تحديًا عمليًّا للصحفيين الذين يحاولون التَّحقُّق من الأخبار، فبدلًا من التركيز على التَّحقُّق من روايات أحد أطراف الحرب، يُسْتَنْزَف الجهد الصحفي في التَّحقُّق من الأخبار المُضَلِّلَة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ مما يزيد من حالة الإرباك وعدم اليقين لدى الصحفيين الذين يعملون على إنجاز تحقيقات صحفية. ومن أجل تحري الدقة في هذا الجانب، رصد الباحث مشكلة تواجه الصحفيين الذين يعملون في مجال التَّحقُّق من الأخبار، وتتمثَّل في انقطاع الإنترنت لدى المصادر الميدانية والصحفيين في قطاع غزة، مما يعيق الإبلاغ الفوري عن الأحداث ويُجبِر الصحفيين على الإبلاغ عن الحدث فور توافر الإنترنت، وهو ما قد يُحْدِث التباسًا في الدقة بين زمن الحدث الأصلي وزمن نشره، و”هذا له أسباب كثيرة، ففي حالة الحرب على غزة يكون الإنترنت سببًا أساسيًّا؛ إذ يضطر بعض النشطاء إلى نشر مقاطع عند توافر الإنترنت، ورغم أن هذه المقاطع صحيحة فإنها قد تُحْدِث إرباكًا، لأنها تُنْشَر بعد وقوع الحدث بأيام بسبب انقطاع الإنترنت”(61).

الصحفيون ومعركة التحقق الرقمي

اعتمد الصحفيون خلال عملية إنجاز التحقيقات الصحفية على منشورات شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الفيديوهات والصور وشهادات المصادر الميدانية (نشطاء محليين، شهود عيان) للتأكد من روايات أطراف الحرب، خاصة الروايات التي روَّج لها الجيش الإسرائيلي. وفي سياق الحرب على غزة، أصبحت مهمة التَّحقُّق من الأخبار تُشبِه السير في حقل ألغام بغطاء معلوماتي، يختلط فيه الخبر الكاذب مع الخبر المقطوع من سياقه مع الدعايات السياسية المُضَلِّلَة. ويُصبح التمييز بين الحقيقة والتضليل واجبًا مهنيًّا وأخلاقيًّا لا يقلُّ أهمية عن أعباء التغطية الميدانية، لذلك بات التَّحقُّق من صحة المعلومات الهائلة ضرورة ملحَّة لضمان مصداقية التغطية الإخبارية.

ولتجنب الوقوع في فخ التضليل الرقمي، تعتمد الجهات الإعلامية المتخصصة في التَّحقُّق، مثل وكالة “سند”، على أساليب حازمة تجمع بين الخبرة الصحفية والأدوات التقنية المتقدمة “لدينا في وكالة سند ما نُسمِّيه بالأدوات العنكبوتية، وهي في المقام الأول الاعتماد على العين المجردة، أي الخبرة الصحفية لفريق التَّحقُّق الذي يرصد أي شيء غريب في الصور أو الفيديوهات. نبدأ بتحليل الفيديو بشكل شخصي، ثم ننتقل للأدوات مثل البحث العكسي، وتحديد الموقع الجغرافي، والبحث عن مشاهد مطابقة تؤكد وقوع الحدث، فلا يمكن أن نبُثَّ الفيديو إلا إذا تأكدنا من مصداقيته”(62).

الاعتبارات الأخلاقية والضرورات المهنية

تعامل الصحفيون بحذر في تغطية القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي، خاصة مع المحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي، والذي تضمَّن مشاهد قاسية؛ إذ تُثير صور الضحايا اعتبارات كثيرة فيما يتعلق بالقرار التحريري لنشرها، وتظل السلطة التقديرية لغرفة الأخبار؛ إذ “يمتلك القائم بعملية النشر قرار بث الصورة. نحن دورنا بعد التَّحقُّق هو التنبيه عملًا بمعاييرنا، أما القائم بعملية النشر فهو من يتخذ قرار إخفاء أو إظهار بعض المشاهد”(63). ويوازن الصحفيون بين مسؤوليتهم في الإبلاغ عن القصف والأذى المحتمل الناتج عن نشر مشاهد قاسية تخالف أخلاقيات العمل الصحفي وتنتهك خصوصية الضحايا. كما يراعون الأبعاد الأخلاقية أثناء عمليات التَّحقُّق وجمع الأخبار، فثمة خيط رفيع بين توثيق الأحداث بحيادية والانجراف نحو الدعايات السياسية الإسرائيلية أو الأنماط العاطفية للمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويُعَد الحفاظ على المصادر الميدانية جزءًا من الاعتبارات المهنية والأخلاقية؛ إذ “نحرص على حماية المصادر الميدانية، ونُقدِّم لهم النصائح باستمرار بعدم المخاطرة من أجل المعلومة؛ إذ إن سلامة المصادر الميدانية في غزة أهم لدينا من أية اعتبارات أخرى، كما نتحفَّظ على نشر المشاهد القاسية التي قد تُسبِّب أذى للعائلات الفلسطينية على المدى البعيد”(64). وفيما يتعلق بتصوير الضحايا خلال عمليات استهداف منازل المدنيين، تتزايد تعقيدات اختيار الصور ومقاطع الفيديو لاعتبارات أخلاقية ومهنية “عندما يتعلق المحتوى بعمليات تصوير من داخل منازل الناس، مثل لحظات القصف وهي لحظات مروعة للناس، وكذلك عمليات تصوير جثامين الشهداء أو الأطفال، ربما لا تريد العائلة لهذه الصور أن تُنْشَر. ففي ذات الوقت هناك تحدٍّ يتمثَّل في نشر وتوثيق الجريمة، وهو تحدي بين المعضلة الأخلاقية والضرورة المهنية”(65). وتجنبًا لانتهاك خصوصية الضحايا والناجين “لدينا لائحة في وكالة سند للتعامل مع الأخبار والمصادر إلى جانب لائحة المعايير الأخلاقية والإعلامية التي وضعتها شبكة الجزيرة لكل المنصات ويتم التذكير بها بين فترة وأخرى، خصوصًا في مناطق الحروب”(66). هذه التحديات تجعل نموذج عمل صحافة التَّحقُّق خلال الحرب على قطاع غزة اختبارًا حقيقيًّا لنجاعة المعايير الأخلاقية والمهنية.

أدوات المصادر المفتوحة وتشكيل منهجيات التحقق

بعد أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مصدرًا مهمًّا في التغطية خلال الحروب والنزاعات، خاصة في المناطق التي لا يتمكَّن الصحفيون من الوصول إليها نظرًا للتحديات التي فرضتها الحرب على غزة، ومنع دخول الصحفيين إلى القطاع، واستهداف المؤسسات الإعلامية والطواقم الصحفية، دفعت هذه الأسباب الصحفيين إلى استخدام أدوات المصادر المفتوحة لتغطية الأحداث، مثل: صور الأقمار الصناعية وأدوات تحليل الفيديو والصور وأدوات مراقبة الخطوط الملاحية والجوية والبحرية ورصد التغيرات الجغرافية وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي.

وهنا، “يعتمد التَّحقُّق من المعلومات الصحفية على مصدرين أساسيين: الأول هو المصادر المفتوحة، ومن بينها شبكات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، والصحف، ووسائل الإعلام المختلفة؛ إذ تُعَد هذه المصادر غنية بالمعلومات، لكنها تتطلَّب فحصًا دقيقًا نظرًا لحجم الأخبار المُضَلِّلَة المنتشرة عبرها. أما المصدر الثاني، فيشمل الصحفيين والنشطاء الميدانيين الذين يتم التواصل معهم للحصول على معلومات مباشرة، أو صور إضافية، أو تأكيد البيانات المتداولة عبر شبكات التواصل. ورغم ذلك، يواجه الصحفيون تحديات عدة في التعامل مع هذين المصدرين، أبرزها الحاجة إلى التحقق من صحة المحتوى الرقمي وسياقه قبل اعتماده، إضافة إلى مشكلات تقنية، مثل ضعف جودة المواد الواردة أو تأخُّر وصولها نتيجة لانقطاع الإنترنت؛ مما يؤثر في سرعة تدفق المعلومات ودقتها”(67)، وإضفاء المزيد من الدقة والشواهد خلال عملية جمع المعلومات والتَّحقُّق من الأخبار، خاصة بالنسبة للصحفيين العاملين في غرف الأخبار أو الصحفيين الذين يقومون بإنجاز تحقيقات صحفية ذات صلة بسياق الحرب على قطاع غزة، مما ساعد في تسليط الضوء على حقائق لا يتم تناولها بتفاصيلها الشاملة في وسائل الإعلام التقليدية.

التحقق الرقمي: الفرص وأفضل الممارسات

تفاعل الصحفيون في إطار تغطيتهم للحرب مع الجمهور المحلي في قطاع غزة، والذي حصره الباحث في: الصحفيين المحليين، والنشطاء المحليين، وشهود العيان عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل جمع المعلومات والتَّحقُّق من الأخبار وتلقي الملاحظات الميدانية في الوقت الفعلي للأحداث. لقد تزايد حجم المعلومات المتداولة في شبكات التواصل الاجتماعي منذ اندلاع الحرب، وتوزعت بين معلومات حقيقية وأخرى مُضَلِّلَة؛ الأمر الذي عقَّد عملية التَّحقُّق من المعلومات والأخبار المنتشرة حول قصف المستشفى الأهلي؛ إذ “ليس كل ما يُنشَر عبر شبكات التواصل الاجتماعي صالحًا للنشر، وأنصح دائمًا بالتأني في النشر؛ لأنه ربما ينتهك خصوصيات الآخرين”(68).

لقد برزت خلال تغطية الحرب على غزة الحاجة إلى تبنِّي أفضل الممارسات في صحافة التَّحقُّق، مثل استخدام أدوات المصادر المفتوحة، والتعاون مع صحفيين ونشطاء محليين ومصادر ميدانية لتأكيد الحقائق، فضلًا عن الاستعانة بأدوات التَّحقُّق الرقمية لكشف الأخبار المُضَلِّلة. وأسهمت هذه الممارسات في تعزيز موضوعية ودقة التغطية الإخبارية، لاسيما في المواقف الحرجة، مثل قصف المستشفى الأهلي؛ حيث كان الفحص الدقيق لكل معلومة وصورة ومقطع فيديو أمرًا حاسمًا لانتزاع الحقيقة من سياقات التضليل. “ففي حالة الحرب على غزة، أعتقد أن أفضل نصيحة هي الاعتبارات المتعلقة بالسلامة الجسدية والالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي”(69). أما على مستوى الكفاءة التقنية لتعزيز تغطية صحافة الحروب والنزاعات؛ فـ”يجب على جميع الصحفيين أن يكونوا على اطلاع على الأدوات والتقنيات الجديدة؛ لأن خبرة الجمهور تتغيَّر مع الوقت، كما أن مسألة التنوع في غرف الأخبار مهمة جدًّا؛ لأنها تُثري الآراء والخبرات. أما امتلاك التقنية فهو مسألة ضرورية، ويجب امتلاك التقنية الخاصة بنا؛ لأن الأدوات الأجنبية لن تُحدِّد لك دائمًا أن هذا الأمر صحيح وهذا خاطئ”(70).

 

خاتمة

شهدت تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تحديات غير مسبوقة لم تشهدها الممارسة الصحفية المعاصرة. إن الدور الحيوي وشديد التعقيد للعمل الصحفي في منطقة من أشد ساحات الحرب في العالم، يُشكِّل نموذجًا مهنيًّا في صحافة الحروب والنزاعات وصحافة التَّحقُّق؛ إذ تتداخل شبكات التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية مع ركائز الممارسات التقليدية لتغطية الحروب والنزاعات.

فقد كشفت نتائج الدراسة أن شبكات التواصل الاجتماعي، وأدوات المصادر المفتوحة، تُعَد عنصرًا أساسيًّا في عملية جمع الأخبار والتَّحقُّق منها، خاصة في ظل القيود المفروضة على حركة الصحفيين ميدانيًّا في قطاع غزة نتيجة الحرب غير المسبوقة التي تعرض فيها الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية. ورغم ذلك، فإن شبكات التواصل جلبت مع فاعليتها تحديات جديدة؛ إذ شكَّلت مصدرًا لانتشار الأخبار المُضَلِّلَة. ويعكس هذا التحول حالةَ التناقض بين الإمكانيات الهائلة التي توفرها الأدوات الرقمية بمختلف أشكالها، والمخاطر التي تُفرِزها في التغطية الإعلامية لصحافة الحروب والنزاعات. وتتمثَّل المخاطر التي واجهها الصحفيون بقطاع غزة في الاستهداف المباشر للطواقم والمؤسسات الصحفية من قِبَل قوات الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن تحديات انقطاع الاتصالات والكهرباء والإنترنت، وندرة الموارد الصحفية.

وبيَّنت الدراسة أن الصحفيين اعتمدوا خلال إنجاز التحقيقات الصحفية على منشورات شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الفيديوهات والصور وشهادات المصادر الميدانية (نشطاء محليين، شهود عيان) للتأكد من روايات أطراف الحرب، خاصة الروايات التي روَّج لها الجيش الإسرائيلي. وفي سياق الحرب على غزة، أصبحت مهمة التَّحقُّق من الأخبار تُشبِه السير في حقل ألغام بغطاء معلوماتي، يختلط فيه الخبر الكاذب مع الخبر المقطوع من سياقه مع الدعايات السياسية المُضَلِّلَة.

وتَبرُز أهمية الاعتبارات الأخلاقية في الممارسة الصحفية خلال الحروب والنزاعات، لاسيما التوازن والتأني بين نقل الحقيقة ومراعاة خصوصية الضحايا والمتضررين من الحروب، وهو ما يُشكِّل معضلة أخلاقية متواصلة تواجه الصحفيين خلال التغطية. وتؤكد الدراسة أهمية إعادة النظر في الممارسات الإعلامية وتطوير مبادئ توجيهية جديدة تشمل كيفية التعامل مع التعقيدات الأخلاقية والمهنية التي أفرزتها شبكات التواصل الاجتماعي. لقد مكَّنت هذه المنصات الصحفيين من التغلُّب على تحديات الميدان التي تُعرقل التغطية في مناطق الحروب والنزاعات، وأسهمت في تعزيز تدفق الأخبار ليس فقط على مستوى الكمِّ والسرعة، بل أيضًا على مستوى الفاعلين في إنتاج ومشاركة الأخبار في المجال العام، رغم أن هذه المساهمة أحدثت تحولات في نمط الممارسة الصحفية، ولكنها في الوقت ذاته فرضت تحديات على الممارسة الصحفية.

بناء على هذه النتائج، يُقدِّم الباحث توصيات لتعزيز فاعلية التغطية الإعلامية للحروب والنزاعات:

أولًا: أثبتت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ضرورة التفكير في آليات دولية صارمة وفعَّالة لحماية الطواقم والمؤسسات الصحفية وضمان حرية عملهم في مناطق الحروب والنزاعات.

ثانيًا: أدى انقطاع الاتصالات والإنترنت والكهرباء في قطاع غزة إلى عزل الصحفيين عن العالم وتعويم الحقيقة في الميدان. لذلك ينبغي توفير تقنيات اتصال تُمكِّن الصحفيين من الاستمرار في التغطية رغم الظروف الحرجة التي قد تواجههم في مناطق الحروب والنزاعات.

ثالثًا: تُعَد أدوات التَّحقُّق اليوم أدوات مهمة للصحفيين والمراسلين الميدانيين، ويجب تكثيف تدريب الصحفيين على استخدام أدوات التَّحقُّق الرقمية، وتطوير آليات جديدة للتعامل مع التدفق الهائل للمعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال تغطية الحروب والنزاعات.

المراجع  

(1) Richard Sambrook, “Are Foreign Correspondents Redundant? The Changing Face of International News,” Reuters Institute for the Study of Journalism, (December 2010): 2.

(2) Thomas Zeitzoff, “Does Social Media Influence Conflict? Evidence from the 2012 Gaza Conflict,” The Journal of Conflict Resolution, Vol. 62, No. 1 (January 2018): 29-63.

(3) Vittoria Sacco, Diana Bossio, “Using Social Media in the News Reportage of War & Conflict: Opportunities and Challenges,” The Journal of Media Innovations, Vol. 2, No. 1, (2015): 59-76.

(4) Jakob Hauter, “Forensic Conflict Studies: Making Sense of War in the Social Media Age,” Media, War & Conflict, Vol. 16, No. 2, (2023): 153-172.

(5) Nina Müller, Jenny Wiik, “From Gatekeeper to Gate-Opener: Open-Source Spaces in Investigative Journalism,” Journalism Practice, Vol. 17, No. 2, (May 2021): 189-208.

(6) Andrea Carson, Kate Farhall, “Understanding Collaborative Investigative Journalism in a “Post-Truth” Age,” Journalism Studies, Vol. 19, No. 13, (July 2018): 1899-1911.

(7) Roger Wimmer, Joseph Dominick, Mass Media Research: An Introduction, (Boston: Cengage Learning, 2011), p 118.

(8) Michelle Newhart, Mildred Patten, Understanding Research Methods: An Overview of the Essentials, (New York: Routledge, 2016), p 161.

(9) Ibid, p 174.

(10) Virginia Braun, Victoria Clarke, “Using Thematic Analysis in Psychology,” Qualitative research in psychology, Vol. 3, No. 2, (January 2016): 77-101.

(11) Ibid: 77-101.

(12) يقوم تطبيق “سونيكس” (Sonix) بتحويل المحتوى الصوتي أو الملفات الصوتية إلى نصوص. وللاستزادة، يمكن الاطلاع على تفاصيل آليات التطبيق من خلال موقعه على شبكة الإنترنت: https://sonix.ai.

(13) برنامج “دلفي” (Delve) هو برنامج تحليل نوعي منظم وفعَّال يساعد الباحث في الوصول إلى رؤى دقيقة حول القضايا والموضوعات التي تعبِّر عنها التجارب الشخصية للمبحوثين أو التي تتضمنها المشاريع البحثية. يمكن الاطلاع على البرنامج من خلال هذا الرابط: https://delvetool.com.

(14) Bill Kte’pi, “Media Richness Theory,” EBSCO, (2023), “accessed March 9, 2025”. https://tinyurl.com/52v8emxf.

(15) Kumi Ishii et al., “Revisiting Media Richness Theory for Today and Future,” Human Behavior and Emerging Technologies, Vol. 1, No. 2, (2019): 129.

(16) Richard Daft, Robert Lengel, “Organizational Information Requirements, Media Richness and Structural Design,” Management Science, Vol. 32, No. 5, (May 1986): 554-571.

(17) Ibid: 554-571.

(18) لامية طالة، “نظريات شبكات التواصل الاجتماعي وأثرها على وسائل الإعلام التقليدية: دراسة في النماذج الإعلامية”، مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (الجزائر، جامعة وهران 2، العدد 10، 2019)، ص 180.

(19) وائل إسماعيل عبد الباري، مصداقية المواقع الإخبارية على الإنترنت وعلاقتها بمستقبل الصحافة المطبوعة كما يراها الجمهور المصري، (أطروحة دكتوراه، جامعة عين شمس، مصر، 2009)، ص 78.

(20) Siakalli Michailina et al., “Uses and Gratifications in Online News: Comparing Social Media and News Media Use by Users,” Conference: 4th International Conference for Quantitative and Qualitative Methods, At: Athens, (2015), 2-3.

(21) “203 صحفيين قُتِلوا منذ بدء الحرب على غزة.. “إسرائيل تسعى لطمس الحقيقة” ومناشدات لحمايتهم”، مونت كارلو الدولية، 11 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 2 فبراير/شباط 2025)، https://2u.pw/mpsCCLuy.

(22) مقابلة أجراها الباحث مع حمدان الدحدوح، مصور قناة الجزيرة في قطاع غزة، عبر الهاتف، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(23) مقابلة أجراها الباحث مع إسلام بدر، مراسل التليفزيون العربي في قطاع غزة، عبر الهاتف، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(24) مقابلة أجراها الباحث مع عبد الله مقداد، مراسل التليفزيون العربي في قطاع غزة، عبر الهاتف، 11 فبراير/شباط 2025.

(25) مقابلة أجراها الباحث مع هند الخضري، مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية في قطاع غزة، عبر الهاتف، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(26) مقابلة مع بدر، مرجع سابق.

(27) مقابلة أجراها الباحث مع عبد القادر صباح، مراسل قناة شمس الإخبارية في قطاع غزة، عبر الهاتف، 10 فبراير/شباط 2025.

(28) مقابلة أجراها الباحث مع إبراهيم قنن، مراسل قناة الغد العربي في قطاع غزة، عبر الهاتف، 9 فبراير/شباط 2025.

(29) مقابلة مع الدحدوح، مرجع سابق.

(30) مقابلة مع بدر، مرجع سابق.

(31) المرجع السابق.

(32) مقابلة مع الخضري، مرجع سابق.

(33) مقابلة مع قنن، مرجع سابق.

(34) مقابلة أجراها الباحث مع شروق العيلة، صحافية ومنتجة أخبار تعمل في قطاع غزة، عبر الهاتف، 12 فبراير/شباط 2025.

(35) مقابلة مع الخضري، مرجع سابق.

(36) مقابلة مع بدر، مرجع سابق.

(37) مقابلة مع مقداد، مرجع سابق.

(38) مقابلة مع الخضري، مرجع سابق.

(39) مقابلة مع الدحدوح، مرجع سابق.

(40) مقابلة مع العيلة، مرجع سابق.

(41) مقابلة مع صباح، مرجع سابق.

(42) مقابلة مع مقداد، مرجع سابق.

(43) المرجع السابق.

(44) مقابلة مع صباح، مرجع سابق.

(45) مقابلة مع العيلة، مرجع سابق.

(46) مقابلة مع قنن، مرجع سابق.

(47) مقابلة مع بدر، مرجع سابق.

(48) “وزارة الصحة: 471 شهيدًا حصيلة قصف المستشفى المعمداني”، القدس العربي، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 20 أغسطس/آب 2024)، https://tinyurl.com/3hktrnum.

(49) “Gaza Hospital Blast: Initial IDF Al-Ahli Report,” idf.il, October 18, 2023, “accessed March 4, 2025”. https://tinyurl.com/3676ttt9.

(50) ” رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة للجزيرة: الاحتلال يرتكب جريمة حرب جديدة”، يوتيوب، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2024)، https://tinyurl.com/3vpshcne.

(51) “رواية أدرعي وقادة الاحتلال.. سردية إسرائيل لمجزرة مستشفى المعمداني”، الجزيرة نت، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2024)، https://tinyurl.com/36kxt92a.

(52) “A Close Look at Some Key Evidence in the Gaza Hospital Blast,” New York Times, October 24, 2023, “accessed August 20, 2024”. https://tinyurl.com/8fx295bk.

(53) “A barrage and a midair explosion: What visual evidence shows about the Gaza hospital blast,” The Washington Post, October 26, 2023, “accessed August 20, 2024”. https://tinyurl.com/33vjrwsn.

(54) “Israeli Disinformation: al-Ahli Hospital,” Forensic Architecture, February 15, 2024, “accessed August 20, 2024”. https://tinyurl.com/ynn29vfc.

(55) Hussein, “The first moment of the Israeli airstrike on Al Ahli hospital in Gaza, which so far massacred over 500 Palestinians,” X, October 17, 2023, “accessed August 20, 2024”. https://tinyurl.com/5ywdbuhp.

(56) “Was the Gaza hospital attack caused by a failed rocket launch?,” youtube, 19 October 19, 2023, “accessed October 2, 2024”. https://tinyurl.com/2s44hm55.

(57) “رواية أدرعي وقادة الاحتلال”، مرجع سابق.

(58) مقابلة أجراها الباحث مع محمد الزعانين، صحفي بوكالة “سند” في شبكة الجزيرة، الدوحة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(59) مقابلة أجراها الباحث مع حسن خضري، مدير تحرير وكالة “سند”، الدوحة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(60) مقابلة أجراها الباحث مع جبر المصري، منتج تحقيقات بوكالة “سند”، الدوحة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(61) المرجع السابق.

(62) المرجع السابق.

(63) مقابلة أجراها الباحث مع عمرو القزاز، مدير وكالة “سند” بشبكة الجزيرة، الدوحة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(64) مقابلة مع خضري، مرجع سابق.

(65) مقابلة أجراها الباحث مع محمد الزعانين، صحفي بوكالة “سند”، الدوحة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(66) مقابلة مع المصري، مرجع سابق.

(67) مقابلة مع القزاز، مرجع سابق.

(68) مقابلة مع المصري، مرجع سابق.

(69) مقابلة مع الزعانين، مرجع سابق.

(70) مقابلة مع القزاز، مرجع سابق.