* Abdeslam Razak –عبد السلام رزاق  

ملخص:

تبحث الدراسة في سمات وخصائص النموذج الإخباري لقناة الجزيرة من خلال التركيز على بنية وديناميات هذا النموذج الذي يمثِّل اختيارًا تحريريًّا خاصًّا بالقناة. وتفترض الدراسة أن النموذج الإخباري للقناة -باعتباره التمظهر المادي لماهية وهوية الجزيرة كما تُجسِّده التغطيات الحية والمباشرة- يمثِّل حالة إعلامية خاصة بالجزيرة التي ظهرت في سياق سياسي واجتماعي عربي متسارع التحولات، وأصبحت متغيرًا مؤثرًا في تحول المجتمعات العربية طوال هذه الفترة التاريخية التي امتدت لأكثر من عقدين ونصف من الزمن. وعبر مقاربة تركيبية استفادت من روافد معرفية ومنهجية مختلفة، خلصت الدراسة إلى أن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة مرَّ بمراحل متعددة وشهد ديناميات مستمرة تبعًا لنوعية العلاقات القائمة بين العناصر الأربعة: الحدث والقناة والجمهور والسياق. وقد شكَّلت هذه الدينامية، والتفاعل مع متطلبات التغطية الإخبارية، سرَّ نجاح قناة الجزيرة في منافسة بقية القنوات الدولية والعربية، وبناء علاقة تفاعلية ومتواصلة بين المنتوج الإخباري للقناة والجمهور العام العربي.

كلمات مفتاحية: الجزيرة، النموذج الإخباري، البنية، الديناميات، التغطية المباشرة، الاستقصاء، التغطية التفسيرية.

Abstract:

This study investigates the characteristics and features of Al Jazeera’s news model, which constitutes a specific editorial choice for the channel, by focusing on its structure and dynamics. The study hypothesises that this news model, as the physical manifestation of the essence and identity of Al Jazeera and as embodied by live coverage, represents a media case exclusive to Al Jazeera. It emerged in a rapidly transforming Arab political and social context and became an influential factor in the transformation of Arab societies throughout a historical period that spanned over two and a half decades. Through a synthetic approach drawn from various cognitive and methodological streams, the study concludes that the news model of Al Jazeera channel went through multiple stages and witnessed ongoing dynamics based on the quality of relationships among the four elements: the event, the channel, the audience and the context. This dynamic and interaction with the requirements of news coverage have been the secret to the success of Al Jazeera Channel in its competition with other international and Arab channels. It has also contributed to building an interactive and continuous relationship between the channel’s news product and the Arab general audience.

Keywords: AlJazeera, News Model, Structure, Dynamics, Live Coverage, Investigation, Interpretive Coverage.

 

مقدمة

بعد أزيد من عقدين ونصف من الحضور الوازن في المشهد الإعلامي الفضائي العربي والدولي، تُقدِّم قناة الجزيرة الإخبارية اليوم نفسها للباحث العربي والأجنبي باعتبارها “ظاهرة استثنائية في السياق العربي الحديث”. ويتأسس هذا التوجه من خلال مجموع الأدوار التي قامت بها القناة مرآةً عاكسةً لمجموع التحولات المجتمعية التي شهدها العالم العربي طوال هذه الفترة الحاسمة في تاريخه، والتي تمثَّلت في بروز تغيرات جوهرية لحقت البنية السياسية والثقافية العربية السائدة(1). كما قامت الجزيرة بدور الفاعل الإعلامي المواكب لهذه التغييرات، وما استتبع ذلك من تطور في مستويات الممارسة الإعلامية، وبلورة معايير مهنية جديدة تتفاعل مع هذه الاختيارات.

لقد راكمت قناة الجزيرة خلال هذه الفترة جملة من الإنجازات التي جعلت عددًا من الدارسين يصفونها بـ”صوت العرب الجديد ولسان حالهم من المشرق إلى المغرب”. ورغم أن هذا التوصيف لا يخلو من درجات الصدقية، فإن “صوت الجزيرة” اليوم يمثِّل الوجه النقيض والمقابل كليًّا لـ”صوت العرب” الذي كان معروفًا في ستينات القرن الماضي؛ فذاك كان صوت الحاكم العربي الفرد ولسان حال جمال عبد الناصر، أما الجزيرة فتشكِّل منبرًا لـ”الرأي والرأي الآخر”؛ إذ فسحت المجال لصوت المواطن، وخيارات المجتمع العربي في تعدديته وتنوعه انطلاقًا من ثنائية مواكبة بوادر التحول والتغيير في المجتمعات العربية، والسعي لتطوير الرؤى والأدوات الإعلامية اللازمة لمواكبة هذه البوادر التغييرية(2).

وطوال مسيرتها المهنية، ظلت الجزيرة مثار جدل واسع يتأرجح بين النقاش المعرفي الموضوعي الذي يسعى إلى البحث في وظيفة قناة الجزيرة ضمن السياق الإعلامي العربي، ودورها في إعادة صياغة راهن ومستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين السجال السياسي الذي لا تخلو منطلقاته من تأثيرات نظرية المؤامرة التي تختزل دور الجزيرة في أنها “تحمل أجندة تدميرية في العالم العربي، أو أنها مسؤولة عن الخلافات السياسية العربية-العربية”(3).

ورغم ما يقوم عليه هذا التوجه التبريري من افتراضات لا تجد سندًا واقعيًّا وموضوعيًّا، فإن مجموع النقاشات المعرفية والسجالات السياسية التي تناولت قناة الجزيرة منذ لحظة التأسيس، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1996، هو الذي جعل منها ظاهرة دينامية تعيش على إيقاع التجديد المستمر، وأيضًا الأداة الأكثر تأثيرًا في إعادة صياغة عدد من مقولات الواقع السياسي العربي منذ تسعينات القرن الماضي حتى اليوم(4).

وإذا كانت معظم المقاربات التي تناولت ظاهرة الجزيرة ركزت على الدور الوظيفي للرسالة الإعلامية للقناة، ومساهمتها في بلورة الشرط الديمقراطي والتغيير السياسي والاجتماعي، فإن هيمنة هذا المنظور لن يعفينا من القول: إن قناة الجزيرة، ورغم ظهورها في سياق إعلامي عربي تميز بهيمنة السياسة على الإعلام وغلبة المنظور الرسمي على الرسالة الإعلامية، تمكنت من طرح بديل إعلامي يقوم على إعادة صياغة مفهوم الخبر ووظيفته في علاقته بمنتج الخطاب والجمهور العربي ضمن سياق محدد(5).

ومن هذا المنظور، فإن قناة الجزيرة الإخبارية، وطوال مسيرة العقدين ونصف من الزمن، ظلت منشغلة بهذين البعدين:

أولًا: إعادة قراءة راهن ومستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع في السياق العربي الحديث من خلال إعادة صوغ مقولات السلطة، والمساهمة في بناء مجال عام عربي مفتوح يُعزِّز الخيار الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة.

ثانيًا: بلورة نموذج إخباري له القدرة على التفاعل مع هذه الاختيارات المجتمعية الجديدة في الفضاء العربي عبر إعادة بناء وتشكيل معايير وأدوات مهنية يمكنها تأسيس علاقة جديدة ومغايرة بين مكونات الرسالة الإعلامية التي تُقدِّمها الجزيرة.

وتسعى الدراسة إلى البحث في المحور الثاني الذي يتعلق بأداء قناة الجزيرة من خلال التركيز على بنية ودينامية نموذجها الإخباري، وذلك انطلاقًا من ملاحظات طبعت التجربة المهنية لقناة الجزيرة طوال هذه الفترة:

  1. منذ تأسيس الجزيرة، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1996، حتى اللحظة الراهنة، تمكنت القناة من بناء وصياغة نموذج إخباري مغاير يقوم على الربط المباشر بين الحدث والجمهور، وتراجع مظاهر الوصاية الخارجية أو الرقابة الذاتية والموضوعة، وذلك بالاعتماد على التغطيات الميدانية المباشرة مفهومًا وممارسة.
  2. إن بنية النموذج الإخباري للجزيرة، والذي يعتبر أحد مقومات نجاح مشروع القناة، يُعد نتاج علاقة تفاعلية بين أربعة عناصر مركزية تتمثَّل في:

– الحدث: ويعني جميع الوقائع الخبرية ودرجات تأثيرها في الجمهور. ونشير، هنا، إلى أن الحدث الإخباري كلما كان قويًّا ومقترنًا بوقائع كبرى وغير اعتيادية، حظي بنسبة متابعة قوية أيضًا، وأضحى له تأثير آني ومستقبلي في فئات واسعة من الجمهور.

– القناة: وتحضر القناة هنا باعتبارها وسيلة ناقلة للمحتوى الإخباري. لذلك فإن اختيار المسؤولين عن السياسة التحريرية للمحتوى الإخباري والجنس الصحفي الملائم لتغطية الحدث يُعد عنصرًا حاسمًا في إثراء النموذج الإخباري للقناة.

– الجمهور المستهدف: ويُراد به الجمهور العربي العام في تعدديته وتنوعه، وقد يُراد به الجمهور المحلي أو الإقليمي. وقد يحدث أن يكون الجمهور المستهدف من تغطية الجزيرة لحدث معين هو الجمهور الغربي، أو العالمي.

– السياق: ويمثِّل الإطار الزمكاني المُؤَطِّر للتغطية الإخبارية، ويتغيَّر حسب العلاقة بين العناصر الثلاثة السابقة (الحدث والقناة والجمهور). فحينما يتعلق الأمر بتغطية حدث عربي، فإن السياق العربي يكون هو المهيمن، والأمر نفسه ينطبق على حدث دولي، مع مراعاة الأبعاد المختلفة للحدث وسياقاته القريبة والبعيدة للإجابة عن السؤال: لماذا؟ ونشير هنا إلى أن السياق الإخباري للأحداث والوقائع هو الذي يحدد غلبة عنصر على آخر دون أن يعني ذلك الغياب الكلي لبقية العناصر.

وكما سيتضح لاحقًا في سياق تحليل محاور الدراسة، فإن العناصر الأربعة تظل حاضرة في جميع التغطيات الإخبارية، لكن مقتضى الأحداث والوقائع يستلزم إبراز عنصر على حساب عناصر آخر. وتظل العلاقة بين هذه العناصر الأربعة قائمة على الترابط والتفاعل.

  1. يُعد النموذج الإخباري لقناة الجزيرة نموذجًا ديناميًّا حسب العلاقة بين عناصره الأربعة أولًا، ثم السياق الخارجي العام المُؤَطِّر للسياسة التحريرية للقناة ثانيًا.

وسيلاحظ الراصد لتجربة الجزيرة منذ لحظة التأسيس أن معدلات المشاهدة ترتفع خلال تغطياتها للأحداث والتحولات السياسية الكبرى والملفات الساخنة، حيث تَبرُز عناصر ومحددات النموذج الإخباري القائم على حضور المراسلين الحربيين في المناطق الساخنة، مثل أفغانستان، والعراق، ولبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما لم يكن مألوفًا في الإعلام التليفزيوني العربي من قبل، إلى جانب المراسلين الميدانيين خلال الأزمات والكوارث الطبيعية، سواء في السودان أو إندونيسيا ودول أخرى. وكلما تعلق الأمر بأخبار وأحداث ساخنة، جرى التركيز على القصص والتقارير الميدانية من قلب الحدث، ومشاركة ضيوف من مكان الوقائع، لهم اتصال مباشر ببعض تفاصيله التي يجهلها الجمهور.

تأسيسًا على هذه المنطلقات الثلاثة، تبحث الدراسة في خصوصية بنية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة وديناميته، ودوره في صياغة ثقافة إعلامية على المستوى الإقليمي والدولي. وتعتمد في مقاربة هذا النموذج الإخباري إستراتيجية منهجية مركبة تجمع بين دراسة الحالة التي تهدف إلى معرفة المحددات التي أسهمت في تشكُّل بنية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة ودينامياته، واستقصاء العوامل المفسرة لهذا النموذج من خلال الرجوع إلى مصادر وأدلة متعددة لرصد خصائصه وسماته في سياقاته الطبيعية دون عزله عن الشروط المحيطة به. كما تعتمد الدراسة منهج التحليل الوصفي عبر جمع الكثير من الحقائق والبيانات المتعلقة ببنية النموذج الإخباري ودينامياته ومراحل تطوره. ولهذه الاعتبارات المنهجية، اختارت الدراسة التركيز على محطات محددة وأحداث بعينها قامت الجزيرة بتغطيتها من أجل إبراز محددات بنية هذا النموذج الإخباري. وتتمثَّل هذه الأحداث في الحرب على أفغانستان عام 2001، ثم الحرب على العراق عام 2003، والحرب الإسرائيلية على لبنان، في يوليو/تموز 2006، ثم التحولات السياسية والمجتمعية في المنطقة العربية عام 2011، أو ما عُرف بالربيع العربي، خلال محطته الأولى في تونس.

 

  1. النموذج الإخباري للجزيرة: مدخل للفهم والتحليل

من الناحية النظرية، يمكن القول: إن لكل مؤسسة إعلامية نموذجها الإخباري، سواء أكان معلنًا أو مضمرًا. وقبل تسعينات القرن الماضي وانتشار ظاهرة الإعلام الفضائي، نجح النظام الرسمي العربي في نشر وتعميم نموذج إعلامي نمطي يقوم على تبعية الإعلام للسلطة السياسية التي جعلته “جهازًا من الأجهزة الأيديولوجية للدولة”، حسب توصيف لويس ألتوسير (Louis Althusser)(6). ويستتبع ذلك هيمنة دائمة للخبر الرسمي في الأجندة الإخبارية، والحضور المتكرر لصورة الحاكم العربي، وبناء الخطاب الإعلامي وفق هرمية نمطية تسعى لتحقيق آلية إخضاع الجمهور العام، وصناعة الإجماع، وإقصاء الأصوات المعارضة)7). لكن بعد الانفجار الفضائي العربي، برزت نماذج إعلامية بعضها يتماهى مع نموذج الإعلام الرسمي العربي السابق، وبعضها الآخر اختار مسارًا إعلاميًّا مختلفًا.

وتضعنا القراءة النقدية لتجارب شبكة “إم بي سي” (MBC) و”العربية” لاحقًا، و”المنار”، و”الحرة”، و”فرانس24″، و”روسيا اليوم”، و”تي آر تي” (TRT)، أمام نماذج إعلامية قد تتقاطع في بعض الرؤى والأدوات، وقد تختلف في نقاط أخرى. لكن يبدو جليًّا أنه كلما تمكنت المؤسسة الإعلامية من امتلاك تصور واضح ودقيق للرسالة الإعلامية في علاقتها بالسلطة السياسية والمالية التابعة لها، وتجسيد هذا التصور على مستوى الممارسة الإعلامية القائمة على الموضوعية واحترام رأي المتلقي، وتشكيل جمهور دائم يطلب هذه الرسالة ويبحث عنها في سوق المنافسة الإعلامية، كلما أمكن الحديث عن نموذج إعلامي ناجح.

ففي العام 1996، وضمن سياق سياسي عربي غير مستقر، وتبعًا للتداعيات المرتبطة بما بعد حرب الخليج الأولى، وتحول المنطقة العربية إلى ساحة ساخنة للحروب العسكرية والسياسية، أقدمت دولة قطر على إطلاق قناة الجزيرة من العاصمة الدوحة. وهي تُعد أول قناة إخبارية عربية متخصصة في الخبر السياسي والبرامج الحوارية والتغطيات المباشرة، على شاكلة ما كان يُقدَّم في الغرب، مثل قنوات “بي بي سي” (BBC) البريطانية، و”سي إن إن” (CNN) و”فوكس نيوز” (FOX NEWS) الأميركيتين.

لقد سعى القائمون على تحديد “الهوية الإعلامية والسياسة التحريرية” للجزيرة من خلال جملة مبادئ ومعايير عامة إلى تقديم تعريف جامع للقناة أصبحت بموجبه الجزيرة “خدمة إعلامية عربية الانتماء عالمية التوجه، شعارها الرأي والرأي الآخر، وهي منبر تعددي ينشد الحقيقة ويلتزم المهنية في إطار مؤسسي… وإذ تسعى الجزيرة لنشر الوعي العام بالقضايا التي تهم الجمهور، فإنها تطمح إلى أن تكون جسرًا بين الشعوب والثقافات يُعزِّز حق الإنسان في المعرفة وقيم التسامح والديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان(8).

ورغم أن هذا المنظور العام الذي يحدد الإطار الماهوي والوظيفي لقناة الجزيرة، فإنه يحتاج إلى جملة أدوات عملية، ومعايير تحريرية تتحقق داخل غرفة الأخبار، تكون وظيفتها الأساس إخراج هذا الإطار العام والنظري للعالم الخارجي الذي يجد دلالاته في مفهوم الجمهور الذي يمثِّل الهدف الأساس لأي نموذج إعلامي.

وسيلاحظ الدارس المُطَّلع على آليات العمل داخل غرفة أخبار قناة الجزيرة، ومراحل بناء النموذج الإعلامي للقناة، أن هناك انشغالًا واضحًا ببناء نموذج إعلامي جديد ومغاير يستحضر على الدوام جدلية “الرأي والرأي الآخر” إطارًا ناظمًا ومُنَظِّمًا للسياسة التحريرية للقناة.

ويعود مردُّ هذا الانشغال إلى صعوبة الوصول لبناء سياسة تحريرية موضوعية في التعاطي مع الأخبار والوقائع السياسية. وطالما أن الصعوبة قائمة في التعامل مع الحدث الإخباري، باعتباره حقيقة سياسية يصعب الإمساك بها موضوعيًّا، ولأن هذا الحدث السياسي يخضع بالضرورة لأكثر من قراءة حسب الخيارات العامة التي تؤطر الرسالة الإعلامية، فإن الحلَّ يكمن في بناء وتشكيل نموذج إخباري يقترب من الحدث والوقائع الحية وينقلها للجمهور دون وساطات أو وصايات، سواء تعلق الأمر بخبر مفرد أو نشرة أخبار أو تغطية مباشرة ومفتوحة.

وانطلاقًا من هذا التناول لقناة الجزيرة من حيث الرؤية الحاكمة لهذا المشروع وترجمته من خلال معايير تحريرية واضحة المعالم، يمكن تحديد الجهاز المفاهيمي للدراسة إجرائيًّا وفق هذا المنظور.

– النموذج الإخباري: يحيل التناول الإجرائي لمفهوم النموذج الإخباري، كما تعبِّر عنه محاور الدراسة، على التمظهر المادي للاختيارات الإعلامية المعتمدة في قناة الجزيرة من حيث ماهية المؤسسة وهويتها الإعلامية، وهو الإطار الناظم للمنتوج الإخباري اليومي للقناة. فكل ما يُقدَّم على شاشة الجزيرة من تغطيات مباشرة، أو تقارير إخبارية، أو لقاءات أو مقابلات مع ضيوف، يشكِّل جزءًا من هذا النموذج الإخباري. وإلى جانب كون هذا النموذج يمثِّل لسان حال المؤسسة، فإن كل نموذج إخباري يجب أن يكون في حالة تفاعل إيجابي مع السياسة التحريرية المعتمدة في القناة ويضع في اعتباره على الدوام الجمهور العام. وتبيِّن مراحل التجربة المهنية للجزيرة أن النموذج الإخباري للقناة قدَّم نفسه منذ لحظة التأسيس، باعتباره نموذجًا خاصًّا بالجزيرة، يقوم على اعتماد معايير إخبارية وقيم تحريرية غير تقليدية في الممارسة الإعلامية تعتمد التغطية المباشرة التي تعني هنا الارتكاز إلى صحافة الميدان، والحضور الدائم للمراسل الميداني، والقصص الحدثية، والضيوف القريبين من ذات الحدث، إلى جانب الاستحضار الدائم للسياق الزماني والمكاني للحدث بأبعاده المختلفة في فهم وتفسير وتحليل تفاصيل الوقائع الإخبارية.

– بنية النموذج الإخباري: تتحدد بنية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة في مجموع الأدوات والأساليب التحريرية التي يتوسل بها الصحفي لترجمة الاختيارات العامة لهذا النموذج داخل غرفة الأخبار. وعلى الرغم من أن بنية النموذج الإخباري تكاد تكون عامة ومشتركة بين جميع القنوات التليفزيونية، فإن محمول هذه البنية ومحتواها هو ما يعبِّر عن حالة التمايز والتفاضل بين النماذج الإخبارية. فالتغطيات الحية، والتقارير الإخبارية، قد تكون أساليب وقوالب تحريرية حاضرة في جميع التجارب الإعلامية التليفزيونية العربية، لكن هناك فروق واضحة بين بنية النموذج الإخباري الذي تعتمده قناة الجزيرة وما تُقدِّمه قنوات تليفزيونية أخرى.

– ديناميات النموذج الإخباري: تتحدد دلالات مفهوم ديناميات النموذج الإخباري لقناة الجزيرة في التعبير عن حالة تمظهر وتطور للأساليب التحريرية المعتمدة داخل غرفة الأخبار الخاصة بالقناة وتفاعلها مع الأحداث الإخبارية أولًا، ومع الجمهور العام العربي ثانيًا. فالبنية العامة للنموذج الإخباري لقناة الجزيرة ليست بالبنية الجامدة ولا بالقوالب الجاهزة، وإنما حالة إعلامية تقوم على جدلية التفاعل بين السياسة التحريرية للقناة في علاقتها بالجمهور العام أو المجتمع عمومًا. وبذلك، فالتناول الإجرائي لمفهوم الدينامية يتحدد في مجموع محطات وحالات التغيير والتحول التي طبعت هذا النموذج داخل حيز زمني معين. ويشير ذلك إلى أن العملية الإنتاجية للخبر ليست ثابتة بالضرورة، بل هي محصلة تفاعل بين المقولات التحريرية للقناة والسياقات الخارجية للمجتمع. والحال أن الاختيار المنهجي للدراسة، والقائم على هذا التناول الإجرائي للمفاهيم الثلاثة، يستجيب في جوهره لجميع الظواهر الإنسانية من حيث بنيتها التوليدية، وديناميتها التاريخية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تقديم كفاية تفسيرية لهذه الظاهرة الإعلامية كما يُعبَّر عنها داخل غرفة أخبار قناة الجزيرة.

 

  1. سلطة الوقائع واختلاف المنظور الإعلامي

كانت قناة الجزيرة منذ تأسيسها، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1996، معنية أولًا بكسر وخلخلة عناصر النموذج الإخباري للإعلام الرسمي العربي، ولذلك جاءت نشرات الأخبار والبرامج المختلفة للقناة عاكسة لممارسة إعلامية مغايرة، من حيث طبيعة ونوع الأخبار وطرق تناولها. وقبل ظهور الجزيرة وتغطيتها للأخبار الساخنة، كانت قنوات “بي بي سي” البريطانية و”سي إن إن” و”فوكس نيوز” الأميركيتان تهيمن كليًّا على تغطية الأحداث العربية والإسلامية الكبرى.

ولأننا سنقتصر في هذا المستوى التحليلي الأول على الحدث الأفغاني، نجد أن الجمهور العربي كان قبل ظهور قناة الجزيرة أسير تغطيات القنوات الثلاث سالفة الذكر. لكن في العام 1999، أي بعد ثلاثة أعوام على انطلاق الجزيرة، وبأمر من قيادة حركة طالبان، ممثلة في وزير خارجيتها آنذاك، وكيل أحمد متوكل، تم السماح لكل من قناة الجزيرة، وقناة “سي إن إن”، بتغطية الأحداث في أفغانستان، لكن غابت المحطة الأميركية عن الحدث. وهنا، ستبرز أولى معالم النموذج الإعلامي لقناة الجزيرة في سياق دولي حساس انطبع بما أسمته أميركا “الحرب على الإرهاب”، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. 

وتشير المعطيات في تلك الفترة (نهاية 1999)، أو حتى بعد الحرب الأميركية على أفغانستان، إلى أن خطوة تأسيس مكتب الجزيرة في كابل كانت تعبِّر عن رؤية إستراتيجية/استشرافية في التعامل مع جغرافية الأحداث وتوقعها وتطوراتها، خاصة أن المكتب أُنْشِئ قبل الحرب على أفغانستان. وقد كان هناك نقاش مستفيض داخل إدارة القناة بشأن أهمية فتح المكتب في كابل، وغلبت الرؤية الإستراتيجية التي كانت تتوقع وتستشرف تحول المنطقة إلى “برميل بارود”، وبؤرة صراع ستُغيِّر معالم السياسة الدولية. وجرى فتح مكتب متكامل يقوم على مدار الساعة بإعداد تقارير وإرسال صور حية، وبث مقابلات مباشرة مع قيادات ميدانية من أفغانستان، وأحيانًا أخرى يتم فتح تغطيات مباشرة وتقديم سردية مصورة مغايرة لما كان تُقدِّمه قناة “سي إن إن” في السابق.

وتساعدنا المادة الأرشيفية المتوافرة بمكتبة قناة الجزيرة في إبراز منظور المعالجة الإعلامية وأساليب التغطية الإخبارية؛ حيث نجد أن تعامل النموذج الإخباري لقناة الجزيرة مع الحدث الأفغاني تم على مستويات متعددة ومختلفة.

ففي تغطيتها لوقائع الغارة الأميركية على العاصمة، كابل(9)، فتحت الجزيرة تغطية مباشرة لنقل تفاصيل الغارة الليلية على العاصمة؛ حيث أُجرِيت مقابلات مباشرة على الهواء مع المراسل، تيسير علوني. وما يستوقف الباحث في التغطية هو أن صور كاميرا الجزيرة، وصوت المراسل، شكَّلا الحدث الأبرز في التغطية الليلية. وفي التفاصيل، يُقدِّم تيسير علوني معلومات عن استهداف الغارات الأميركية لمطار العاصمة، كابل، وسعي الإدارة الأميركية للقضاء على تنظيم القاعدة، ثم تنتقل كاميرا الجزيرة، بالصوت والصورة، لرصد تحركات الوحدات القتالية لحركة طالبان لصد الهجوم الجوي.

ولأن الصور الخاصة بالغارات الأميركية واللقاءات الحصرية كانت تبثها الجزيرة، باعتبارها القناة الوحيدة في قلب العاصمة، كابل، فقد لجأت جميع القنوات الأجنبية -بما في ذلك قناة “سي إن إن”- إلى نقل الأحداث عن الجزيرة. ويستدعي هذا الوضع الجديد إبراز الملاحظات الآتية:

– لأول مرة في تاريخ الإعلام العربي يجري كسر الهيمنة الغربية في تغطية الحدث العربي والإسلامي. فبعدما كان الجمهور العربي والإسلامي أسير نموذج إعلامي غربي خارجي يخدم المصالح الغربية، أصبح هناك نموذج إعلامي عربي محلي ينقل الأحداث من منظور مغاير لا يخضع بالضرورة للنموذج الإعلامي الغربي.

– برز نموذج إعلامي عربي استفاد من التجارب الإعلامية الغربية، لكنه قدَّم تغطية خاصة للحدث الأفغاني من منظور يتواءم مع هوية القناة وفلسفتها الإخبارية، وبذلك استطاع هذا النموذج الإعلامي أن ينافس النموذج الغربي.

– تجلت السمات والخصائص الأولى للنموذج الإخباري لقناة الجزيرة في نقل الأحداث والوقائع الأفغانية من خلال الاعتماد على الصور الخاصة والاستثنائية. ولأن الجزيرة كانت وحدها في تغطية الحرب على أفغانستان، فقد أصبحت صاحبة “سلطة” في تقديم تغطية جديدة ومغايرة عن الوضع في أفغانستان.

ومن هذا المنظور، فإن تغطيات قناة الجزيرة لمجريات الحرب، أو بشكل أدق الصور الحية التي بثتها الجزيرة حصريًّا عن مشاهد الحرب وتطوراتها، نجحت في تقديم نموذج إخباري مغاير ومختلف عن نماذج بعض الفضائيات الدولية. ففي الوقت الذي كانت القنوات الغربية تحاول أن تُقدِّم تغطية “نظيفة” للحرب على أفغانستان تحجب فيها الآثار التي تخلِّفها على مستوى البنية التحتية وغيرها، وتُعتِّم فيها على المآسي الإنسانية، وتركز على التطور التكنولوجي للآلة العسكرية والحربية و”بطولة” الجنود -وقد حصل ذلك أيضًا في حرب الخليج الثانية والثالثة- نجد أن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة يُقدِّم من خلال التغطية المباشرة منظورًا إخباريًّا مغايرًا وبديلًا يركز على “الإنسان” الذي يمثِّل ضحية هذه الآلة العسكرية. وبذلك يكشف هذا النموذج كلفة الحرب وآثارها المادية والإنسانية، وأيضًا تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبالرجوع إلى المادة الأرشيفية التي اعتمدتها الدراسة في المتن التحليلي، نجد أن الصورة الإعلامية في تغطيات الجزيرة للحرب على أفغانستان كانت تسير جنبًا إلى جنب التقرير الصوتي للمراسل، ولذلك تُعد جزءًا مركزيًّا من محمول الرسالة الإعلامية إن لم تكن تمثِّل أساسه. كما أن اختيار الصورة الجيدة والمعبِّرة عن الحدث تقود إلى الاقتناع بأن مراسل الجزيرة، تيسير علوني، كان يكتب للصورة ويجعلها حاملة الرواية الخبرية.

ويتحدد النموذج التحليلي الثاني في تغطية الجزيرة للحدث الأفغاني في تقرير إخباري ميداني؛ إذ تنقلنا كاميرا الجزيرة من خلاله إلى مكان حطام الطائرتين الأميركيتين في ولاية غزني، اللتين أعلنت حركة طالبان إسقاطهما. ففي الموقع الأول رصدت الكاميرا حطام طائرة مروحية متناثرة بمحيط المنطقة، أما الموقع الثاني فكان يضم حطام طائرة مسيرة مصنوعة من الألياف الزجاجية(10).

وما يستوقف الباحث في التقرير هو حضور “النَّفَس الاستقصائي” ملمحًا مهمًّا في إعداد التقرير التليفزيوني وفق النموذج الإخباري المعتمد في قناة الجزيرة. فالتقرير المصور كان عبارة عن عملية تحريرية تقودنا الكاميرا عبرها لمعرفة تفاصيل جديدة عن سقوط الطائرتين في موقعين مختلفين. ومع تواصل فصول الرحلة المصورة، نقف على جملة من الوقائع المثبتة بالصور الحدثية (من الحدث)، وشهادات خاصة لشهود عيان من مكان الحدث، إلى جانب شهادات عناصر طالبان الذين كانوا يتحدثون عن غنائم.

أما المادة التحليلية الثالثة، فتتمثَّل في تقرير ميداني خاص حول “البحث عن قاعدة أميركية بولاية غزني الأفغانية”(11). فبعد إعلان حركة طالبان شكوكها بوجود قاعدة أميركية في ولاية غزني، نشرت مجموعات من رجالها لتمشيط المنطقة ودراسة الخرائط التي تم العثور عليها في مكان تحطم الطائرتين الأميركيتين في مديرية ناور. وبذلك جاءت المادة الفيلمية للتقرير عبارة عن صور حدثية حول عميلة البحث عن القاعدة المفترضة. ويكشف التقرير مرة أخرى جانبًا من ملمح “صحافة الاستقصاء” القائمة على التحقيق الميداني.

ونستخلص من هذه النماذج التحليلية لتمظهرات النموذج الإخباري لقناة الجزيرة أن تغطية الحرب على أفغانستان كانت مُؤَطَّرة بما يمكن تسميته بـ”سلطة الوقائع”، أي أن التغطية كانت محكومة بجملة من الوقائع التي فرضت نفسها عربيًّا وعالميًّا، وكان يجب نقلها للجمهور العربي والعالمي من منظور يستجيب لهوية القناة. وكشفت هذه التغطيات أيضًا أن ما نقلته الجزيرة عبر تقاريرها الاستقصائية وتحقيقاتها الميدانية، أو عبر الشهادات الحية لضيوف غير مألوفين، أو التغطيات المباشرة، ما كان ليُقَدَّم في وسيلة إعلام أميركية أو بريطانية.

وتشير سلطة الوقائع التي ميزت تغطية قناة الجزيرة إلى أن القصف الأميركي لمكتبها في العاصمة الأفغانية، كابل، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، كان بسبب تمكن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة من كسر الهيمنة الإعلامية للنموذج الغربي، وتقديم صورة جديدة ومغايرة لا يمكن لساسة الغرب أن يرضوا عنها(12). لذلك فإن جميع التغطيات الحية لتــــيسير عــــلوني إلى جانب التقارير الإخبارية والمقابلات، كانت تشتغل على قاعدة أن من يمتلك الصورة يمتلك سلطة الإخبار، والإقناع والتأثير على أكبر قاعدة من الرأي العام العربي والإسلامي. ومن ثم، شكَّلت سيطرة قناة الجزيرة على تغطية الوقائع الأفغانية أكبر نصر للجزيرة في مواجهة الوصاية الإعلامية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية وقنواتها(13).

ومن هذا المنظور التحليلي نجد أن الصورة الذهنية(14) التي كانت لدى الجمهور العام الغربي والعربي عن أفغانستان، لم تعد هي ذاتها؛ إذ أصبحت هناك حقيقة إعلامية جديدة مغايرة بعد كسر هيمنة الشبكات الإعلامية الأميركية على المشهد الإعلامي العام في أفغانستان. فقد كانت “سي إن إن” و”فوكس نيوز”، وحتى “بي بي سي” البريطانية، تحدِّد الأولويات الإخبارية، ومن ثم الهيمنة على الرأي العام العالمي وتوجيهه أينما شاءت وكيفما أرادت، لكن غياب هذه القنوات الفضائية عن تغطية ما تسميه أميركا “الحرب على الإرهاب” في أفغانستان، فسح المجال للجزيرة كي تُقدِّم منظورًا خاصًّا لهذه الحرب، وصورة ذهنية جديدة لتحل محل صورة ذهنية مُقَوْلَبَة(15).

وهكذا، فإن الصورة الإعلامية في تغطية الجزيرة للحرب على أفغانستان تمثِّل خطابًا مَبْنِيًّا، وتعبِّر عن أفكار ومدركات مغايرة للمنظور الغربي… تريد بناء حقائق جديدة تساعد الجمهور العربي والإسلامي وحتى الغربي على بناء إدراك جديد لا يخضع بالضرورة للمنظور الغربي الجاهز والمؤطر والمُنمط(16).

ومن باب المقارنة بين أداء النموذج الإخباري لقناة الجزيرة ونماذج إخبارية غربية، خاصة قناة “سي إن إن”، حاول الباحثان توماس جونسون (Thomas Johnson) وشهيرة فهمي، في دراستهما التي نشرت عام 2008(17)، الإجابة عن سؤال استنكاري، وهو عنوان للدراسة أيضًا: “هل الجزيرة تمثِّل مقابلًا موضوعيًّا لـ”سي إن إن” المعروفة بتقاليدها المهنية التي تقوم على الموضوعية في التعامل مع الخبر والمصداقية في التعاطي مع الجمهور أم إنها بوق لتفريخ الإرهاب؟”. ورغم أن القيمة المضافة للدراسة تتحدد من خلال إنجازها في سياق زمني مطبوع بالحملة الأميركية على ما تسميه “الحرب على الإرهاب”، ودور الإعلام في صياغة معرفة جديدة ليست بالضرورة منسجمة مع الخيارات الأميركية العامة، أو السلطة السياسية الحاكمة في العالم العربي، فإنها قدَّمت من خلال تحليل مواد أرشيفية للجزيرة أجوبة تنزع نحو الموضوعية عن جملة الأسئلة المرتبطة بسياسة صناعة الأخبار، وحق المواطن العربي في المعلومة الصحيحة.

وأكد الباحثان، جونسون وفهمي، من خلال التركيز على مفهوم المصداقية كفعل مركب يجمع أطراف الرسالة الإعلامية، أن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة يعتبر مصدرًا موثوقًا للأخبار(18)، وأن النقد أو الانتقاد الذي يُوجَّه لها من قِبَل الحكومة الأميركية، أو النظم الاستبدادية العربية، دليل على مصداقيتها.

وفي الوقت الذي نلاحظ فيه تأكيد هذه النتائج في دراسات عربية متقدمة تاريخيًّا(19)، فإن الدارسة ركزت على اختبار مجموعة من العناصر المرتبطة بصناعة الخبر، مثل الثقة والإنصاف والعمق والمصداقية، على عينة من مشاهدي الجزيرة تتكوَّن من 646 مفردة تتوزع على 53 دولة عربية وإسلامية. وكشفت النتائج أن النموذج الإخباري للقناة حظي بتقديرات تجمع بين “الجيد” و”الجيد جدًّا”، وهو يتقدم على “بي بي سي” و”سي إن إن”. كما أكدت نتائج التحليل الإحصائي العام أن مشاهدي الجزيرة يعتبرون القناة مصدرًا معتمدًا أو موثوقًا جدًّا.

وفي ذات المسار الذي ميَّز الدراسة السابقة للباحثين، توماس جونسون وشهيرة فهمي، يحاولان مرة أخرى في دراستهما الصادرة عام 2010، بعنوان “من يفوز بقلب وعقل الرأي العام العربي؟: دراسة في كيفية حكم المشاهدين العرب على صدقية كل من قنوات الجزيرة والعربية والحرة والمحطات المحلية”(20)، أن يحصرا عمليات البحث والتقييم داخل الفضاء الإعلامي العربي، وأن يحددا الأدوار والوظائف التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية في محيطها الاجتماعي والسياسي. وخلصت الدراسة إلى أن قناة الجزيرة تفوقت على بعض القنوات العربية والدولية في جميع المستويات المعتمدة في صناعة الأخبار، وأرست نموذجًا لوسيلة الإعلام النزيهة في عملية صناعة الأخبار والتعاطي مع الجمهور العربي. وبيَّنت أن الجزيرة نجحت خلال عقد واحد من الزمن في كسر الاحتكار الغربي لسوق الأخبار، وأن سوق المنافسة في صناعة الأخبار بالعالم العربي مالت لفائدة الجزيرة التي أصبحت صوتًا وعلامة عالمية.

  1. تنازع السرديات وجدلية الإحلال والإبدال

في نفس المساق التحليلي للحرب على أفغانستان، نجد أن الجزيرة اعتمدت ذات النموذج الإخباري في تغطية الحدث العراقي ووفق ذات المنظور، لكن باعتماد دينامية جديدة تميزت بغلبة السياق الإعلامي والسياسي الخاص بالعراق وتأثيره في بقية العناصر الثلاثة، ويضاف إلى ذلك الحضور القوي للوقائع الخبرية ودورها في صياغة خطاب إعلامي خاص بالجزيرة.

ونشير هنا إلى أن التغطية الإعلامية لحرب الخليج الثانية (2 أغسطس/آب 1990- 28 فبراير/شباط 1991)، والتي تعرف في الأدبيات الغربية بـ”عاصفة الصحراء”، تميزت بكونها “حربًا متلفزة بشكل كبير”؛ إذ تمكنت خلالها قناة “سي إن إن” من بث تغطيتها على الهواء مباشرة متسلحة بتكنولوجيا الأقمار الصناعية التي أسهمت في ظهور نوع جديد من “تغطية الحروب”.

ورغم استفادة وسائل الإعلام البريطانية والأميركية من هذه التكنولوجيا، فإن تغطية القنوات الغربية كانت أسيرة “المعلومات والصور التي قدَّمها الجيش الغربي مما جعلها تغطية تابعة ومتحيزة”(21). لكن مع تغطية حرب الخليج الثالثة (غزو العراق في 20 مارس/آذار 2003)، ودخول قناة الجزيرة لمعترك التغطيات الإخبارية، سيتغير الوضع كليًّا.

ورغم أن قناة الجزيرة كانت حاضرة في العاصمة، بغداد، منذ انطلاق الحرب، إلا أن تغطيتها ليوم سقوط بغداد كان حدثًا إعلاميًّا بامتياز. فقد قامت الجزيرة بفتح تغطية مباشرة منذ الساعات الأولى لدخول القوات الأميركية إلى بغداد من خلال التركيز على مشهد تمثال الرئيس العراقي، صدام حسين، الذي كان منتصبًا في قلب العاصمة. وشكَّلت تلك اللحظة واحدة من أهم اللحظات التاريخية التي نقلتها الجزيرة عن حرب الخليج الثالثة.

ففي الوقت الذي انخرطت فيه القنوات الأجنبية في تتبُّع حركة الدبابات التابعة لقوات التحالف وهي تدخل من محاور مختلفة إلى العاصمة، بغداد، ركزت قناة الجزيرة على الوضع الآني والمستقبلي لتمثال صدام حسين المنتصب في ساحة الفردوس بمنطقة الرصافة بالجزء الشرقي لبغداد. وعندما وصلت القوات الأميركية إلى مكان التمثال، انضمت جميع قنوات العالم لنقل لحظة محاولات إسقاط التمثال.

وقد قدَّم موفد الجزيرة، ماهر عبد الله، منظورًا متميزًا في التغطية من خلال استنطاق الحدث واستدعاء الخلفيات المناسبة التي تعضد السردية العربية التي كانت غائبة في حرب الخليج الثانية. فقد استهل تغطيته بمجموعة من التساؤلات عن دلالات هذه “اللحظة الفارقة في تاريخ العراق والدبابات الأميركية تتوغل في أحياء عاصمة الرشيد من جميع الأطراف”، وهنا بدأت معالم بناء “سردية عربية للغزو الأميركي للعراق أو ما يُعرف بحرب الرئيس جورج بوش الابن”(22).

ومع تعدد زوايا الكاميرا لصور التمثال، أضاف مراسل الجزيرة قائلًا: “يوم غير عادي في حرب غير عادية.. هكذا وبكل سهولة اكتمل الاحتلال السهل، وقَبِل العراقيون بهذا الاحتلال” ليبدأ بعدها التركيز على المحاولات المتعددة التي قام بها مواطنون عراقيون لإسقاط تمثال صدام حسين.

وباستمرار بث تفاصيل المشهد، والمنظور الخطابي للمراسل، بدأت تتبلور معالم سردية عربية. فقد أصبح الحدث في التغطية، بعدما تأكد احتلال القوات الأجنبية لبغداد، هو ما يقع في ساحة الفردوس بمنطقة الرصافة. ثم يتم الانتقال بعد ذلك لمشهد صغير من فندق فلسطين، حيث تحاول مجموعة من الشباب العراقيين تمزيق صورة صدام من على جدار الفندق، لكن الصورة تستعصي على التمزيق. وتتم العودة للمشهد المهيمن وهو تمثال الرئيس العراقي، صدام حسين، الذي يأبى هو الآخر السقوط على أياد عراقية. فالصور تتكلم وتقول كل شيء، ويأبى موفد الجزيرة إلا أن يقول هو الآخر: “بعد أن فشل العراقيون في تغيير نظام صدام وإسقاط تمثاله من قلب بغداد استنجدوا بالدبابة الأميركية والجنود لإسقاط التمثال”.

وبذلك تتضح بعض عناصر النموذج الإخباري لقناة الجزيرة في تغطيتها لحرب الخليج الثالثة، والتي تقوم على إبراز سردية عربية في مواجهة سردية غربية من خلال التغطية الحية والمباشرة للأحداث المصيرية. ففي مواجهة الجندي الأميركي الذي يحاول جاهدًا وضع العلم على وجه تمثال صدام، وابتهاج الرئيس جورج بوش الابن، وهو يتابع المشهد من على شاشة “سي إن إن”، برزت سردية عربية لا تزال قائمة حتى اليوم، والتي نقل تفاصيلها موفد الجزيرة، ماهر عبد الله، وهو يتساءل: “بعد هذا السقوط السريع ووصول الدبابات الغربية إلى قلب بغداد لماذا ترفض صور صدام أن تحترق؟ ولماذا تمثال صدام يأبى السقوط؟ ولماذا هذا السقوط السريع منذ البداية؟ ومن سيسد فراغ سقوط نظام الرئيس صدام حسين؟ وكيف سيؤثر هذا الحدث في الكثير من التفاصيل في العاصمة، بغداد، والعراق والعالم العربي وحتى الغربي بعد هذا اليوم؟

ويبدو من خلال هذه المعالجة الإعلامية أن دينامية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة في حرب الخليج الثالثة، تتمثَّل في بناء سردية عربية تختلف عن السرديات الغربية التي كانت ترى في دخول الدبابات الأجنبية لبغداد حالة نصر ونهاية لنظام الرئيس صدام حسين الذي تمكن من بناء ترسانة نووية، وأصبح يشكِّل تهديدًا لشعبه وللإقليم وللنظام الدولي بالكامل.

وقد شكَّل مشهد انفعال مذيع قناة الجزيرة، محمد كريشان، وهو يقرأ خبر سقوط العاصمة العراقية، لحظة مهمة لكشف تفاصيل السردية العربية. ولأن الجزيرة قناة عربية الانتماء عالمية التوجه “فإن النَّفَس العربي والإسلامي ظلا حاضرين في التغطية على مستوى الخلفية المعرفية والنفسية لصناعة الخبر”، وطالما أن السردية الغربية تسوغ لنفسها وللمدافعين عنها التذرع بالأسلحة النووية لاحتلال العراق وقتل الأطفال والنساء، فإن السردية العربية لها كامل الحق في التفاعل مع الحدث من منظورها الخاص وحسب بنيتها المعرفية والنفسية”(23).

وفي تغطية الجزيرة لليوم الثامن عشر من دخول القوات البريطانية إلى مدينة البصرة، وردت في التقرير الذي أنجزه الصحفي محمد الكبير الكتبي تفاصيل جديدة عن تنازع السرديتين، العربية والغربية، تجاه “حدث غزو العراق من قبل القوات البريطانية المدججة بالطائرات والدبابات وهي تحتل أحياء المدينة، مع اختفاء جميع أشكال المقاومة”(24). وعبر مشاهد التقرير نواجه بـــ”خوف القوات الغازية وخشيتها من رصاص القناصة، وهجمات المقاومة ممثَّلة في فدائيي صدام، في مقابل أن المواطن العراقي كان يمارس حياته اليومية دونما خوف ولا وجل” ليتم بعدها التساؤل حول “مستقبل مدينة البصرة خلال الأيام والسنوات المقبلة بعد سقوط صدام، وهل من دور ممكن لحزب البعث؟”. وعبر شهادات العراقيين نكتشف أن القوات البريطانية التي جاءت من أجل “تحرير العراق” لم تتمكن من الاستجابة لأبسط احتياجات الناس قي مدينة البصرة، كما أن أغلبهم يخاف من عودة غير منتظرة للمقاومة العراقية.

ويكشف مرة أخرى تنازع السرديات في تغطية الجزيرة لحرب الخليج الثالثة أن النموذج الإخباري للقناة الذي تزامن مع السنوات السبع الأولى لانطلاق الجزيرة كان محكومًا بآلية محددة تتمثَّل في “إستراتيجية الإحلال والإبدال”. فهناك سردية عربية جديدة في مقابل سردية غربية مهيمنة. ولأن المنظور الإعلامي مختلف فإن السردية العربية حلَّت محلَّ الغربية التي اضمحلت.

وخلال تغطية قناة الجزيرة للحظة استشهاد مراسل الجزيرة، طارق أيوب، في 8 أبريل/نيسان 2003، تتضح معالم ذروة تنازع السرديتين العربية والغربية. فقد شكَّل استهداف مكتب الجزيرة من قبل القوات الأميركية رغبة في حجب الحقيقة، واستهداف صحفيي الجزيرة، وإسكات السردية العربية المغايرة بكل الطرق. وهو ما يُعد دليلًا على تراجع السردية الغربية، وهذا ما عبَّر عنه طارق أيوب نفسه في آخر مقابلة له قبل استشهاده حين قال: “الحزن يخيم على عاصمة الرشيد، وحالة من الكآبة تُرسَم على محيا أهلها الذين استهدفتهم عمليات القصف المتواصلة وأحالت حياتهم لجحيم، لكنها لم تكسر من عزيمتهم”(25).

وقد اختزل مراسل الجزيرة، ماجد عبد الهادي، في مقابلة له تغطيات الجزيرة لحرب الخليج الثالثة وصراع السرديتين، الغربية والعربية، عندما قال: “نحن لسنا طرفًا في الحرب، لكننا شهود على ما يقع وعملنا أزعج الغرب ودفع بالإدارة الأميركية إلى إطلاق النار علينا كشهود لإخفاء الجريمة وبذلك تحولنا من شهود عيان إلى مستهدفين”.

من هذا المنظور يتبيَّن أن دينامية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة قد انتقلت في تغطيتها للحرب على أفغانستان من كسر الهيمنة الغربية إلى مرحلة ممارسة نمط من السلطة الرمزية، وتقديم وجهة نظر عربية أمام نظيرتها الغربية في حرب الخليج الثالثة. وفي كلتا الحالتين تمت الاستعانة بالطيران الغربي لإسكات السردية التي شكَّلتها القناة، وهو ما يوضح أن الجزيرة أصبحت سلطة إعلامية. وبذلك يكون النموذج الإخباري لقناة الجزيرة في تغطيته للأحداث الأفغانية والعراقية قد بلور صورة جديدة، وسردية جديدة، وسلطة جديدة.

 

  1. سلطة المراسل بين درجات المصداقية وأداء المؤسسة

تمثِّل تغطية قناة الجزيرة لحرب يوليو/تموز 2006 حدثًا إعلاميًّا مهمًّا ينضاف للحدثين السابقين. فالحرب الإسرائيلية على لبنان، في 12 يوليو/تموز من العام نفسه، والتي استمرت 34 يومًا، شكَّلت لحظة فاصلة على المستويين الإعلامي والسياسي العربيين. ونشير هنا إلى أن الصراع العربي-الإسرائيلي عمومًا، والقضية الفلسطينية على وجه التحديد، ظلا من أكثر الملفات حضورًا على مستوى تغطيات الجزيرة. كما أن حضور هذا الملف على مستوى الخريطة الإخبارية للقناة حظي بقسط وافر من المقاربات في الدراسات الأكاديمية العربية والغربية. ويعزو الباحثان، شهيرة فهمي وتوماس جونسون، هذا الحضور إلى سعي الجزيرة لتغطية هذا الحدث من خلال التركيز على الإنسان، وتفاصيل الأحداث اليومية حتى تكتمل الصورة لدى المشاهد العربي. ويُبرز ذلك التعالقَ الموضوعي بين درجات مصداقية أداء المؤسسة، وحدود حرية الإعلام في تناول القضايا التي تهم الإنسان العربي(26).

فمند اليوم الثالث عشر من يوليو/تموز، أي اليوم الثاني من الحرب، وصلت صواريخ حزب الله إلى الداخل الإسرائيلي، وخاصة مدينة حيفا. وكانت الحكومة الإسرائيلية قبل الحرب رفعت من سقف أهدافها، لكن بعد سلسلة الصواريخ التي أصابت الكثير من الأهداف الإسرائيلية، وكسر مقولتي: القبضة الحديدية والجيش الذي لا يقهر، أيقنت الجبهة الداخلية أن النصر لن يكون حليف إسرائيل في هذه المعركة الحاسمة، وأن الأهداف التي وُضعت يصعب تحقيقها. وهذا ما عبَّرت عنه الصحافة الإسرائيلية بعد أن أصابت صواريخ حزب الله ميناء حيفا وجبل الكرمل ومدينة حيفا حينما أكدت أن “أولمرت والقادة العسكريين في إسرائيل قادوا جنود الاحتلال لمحرقة حزب الله”(27).

وتُبيِّن المادة الأرشيفية لقناة الجزيرة أن المستوطنات كانت أكثر المواقع استهدافًا من قِبَل صواريخ حزب الله(28). كما أن النقل المباشر لما يجري في العمق الإسرائيلي برًّا وبحرًا وجوًّا، ونجاح مراسلي الجزيرة في تقديم تفاصيل الحرب في الداخل الإسرائيلي، أسهم في كشف زيف الدعاية الإسرائيلية عن قوة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.

هذه السياسة التحريرية لقناة الجزيرة في تغطية الأحداث والصراعات دفعت الأكاديمي ليون برخو (Leon barkho)، أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة كوبنهاغن الدانماركية، إلى الإقرار بأن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة تفوق على قناتي “بي بي سي” و”سي إن إن” في تغطية أحداث الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية(29). فقد لاحظ من خلال تحليله للنموذج الإخباري بين القنوات الثلاث وجود خلافات جوهرية بين تغطياتها للحدث السياسي في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بمستويات الحياد، وعدم التوازن في التغطية. وخلص برخو بالاعتماد على نماذج تحليلية من القنوات الثلاث إلى أن الجزيرة، وخلافًا لـ”بي بي سي” و”سي إن إن”، لها منظور خاص على مستوى بناء الجملة والاستشهادات وسياقات الأخبار. ولا تتردد في نقل الموقف الرسمي الإسرائيلي من الحرب للجمهور العربي، لأنها تعتبر أن من حق الجمهور العربي والدولي معرفة الحقيقة التي يجب عدم السكوت عنها. كما توقف برخو عند صياغة الأخبار بين القنوات الثلاث والخلفية التي تحكم بنية الصياغات التحريرية والتباين في استعمال مفاهيم من قبيل الشهيد، والحق الفلسطيني، والأراضي المقدسة.

وفي الوقت الذي كشفت فيه تغطيات الجزيرة للحرب الإسرائيلية زيف التفوق الإسرائيلي، فإن ليون برخو عضَّد هذا التوجه من خلال تأكيده أن الجزيرة تُصنَّف ضمن المؤسسات الإعلامية الثلاث المؤثرة في العالم (الجزيرة، و”سي إن إن”، و”بي بي سي”). وهذا ما جعل الجزيرة مهيمنة على تغطية الأحداث الكبرى في المنطقة العربية، ومؤثرة في تطور الوعي السياسي بالصراع العربي-الإسرائيلي، وبناء وتفعيل مقولات سياسية وفكرية جديدة في العالم العربي؛ إذ إن قوتها نابعة من فاعلية وقوة تأثيرها في الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج(30).

وعلى مستوى الداخل الفلسطيني، يبدو أن الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وحضوره على مستوى التغطيات الإخبارية للجزيرة أسهم في تحقيق سبق صحفي يتعلق بالحصول على وثائق سرية بشأن محاضر لقاءات المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولأن الأمر يتعلق بأكبر تسريب إعلامي شمل نحو 1684 وثيقة سرية عن مفاوضات استمرت لأكثر من عشر سنوات(31)، فقد أصبحت الجزيرة عاملًا مؤثرًا في معادلة القضية الفلسطينية داخليًّا عبر بوابة “إعلام التحقيقات في الملفات السياسية”.

وتوضح القراءة النقدية لهذا السبق الصحفي أن الجزيرة أماطت اللثام عن تنازلات فلسطينية خطيرة شملت القضايا الثلاث الكبرى التي ترتبط بمستقبل القدس، وقضية اللاجئين، والتنسيق الأمني مع إسرائيل. و”بهذا السبق الصحفي تكون الجزيرة قد كشفت المستور عبر جنس صحافة التحقيق”(32).

  1. سلطة السياق والتفاعل مع التحولات السياسية

خلص الكثير من الدراسات والأطروحات الجامعية التي تناولت تجربة الجزيرة إلى وجود حالة من التعالق بين القناة وأهم محطات التحول الاجتماعي والسياسي في أكثر من بلد عربي خلال العقدين الأخيرين. وهو الأمر الذي تنبَّه إليه الدارسون منذ السنوات الأولى لانطلاق القناة؛ إذ يرى الباحث هيو مايلز (Hugh Miles)، في دراسته عن الجزيرة في العام2005 ، أن تجربتها تختلف عن القنوات الأجنبية، فالجزيرة “لا تدافع عن الديمقراطية فحسب، بل تحفز على الفعل الديمقراطي في المنطقة العربية”(33)، وكشفت للمواطن العربي، عبر برامجها الإخبارية والحوارية القائمة على النقاش السياسي، معنى الفعل الديمقراطي وممارسته، وقامت بدور المحفز للوعي السياسي العربي في علاقته بالشأن العام وتحقيق شروط التغيير. وبهذا المعنى يتحدد الدور السياسي لقناة الجزيرة، حسب مايلز؛ إذ “أنهت سنوات من الظلام الذي امتد لعقود عاش فيها المواطن العربي فقط على ما تقدمه وسائل الإعلام الحكومية”(34)، وتحولت إلى أداة للتربية على الديمقراطية، ومواجهة الرقابة في رقعة جغرافية مطبوعة بالاستبداد والتخلف وتبعية وسائل الإعلام للأنظمة السياسية.

وبذلك تكون الجزيرة وسيلة إعلامية لإعادة طرح القضايا السياسية على الجمهور العربي عبر نموذج إخباري يجد تمظهراته في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية التي تقوم على عرض الحقائق دون وساطات و”البحث عن التوازن المفقود بين وجهات النظر ومواجهة الأخبار المزيفة والحقائق المغيبة”، والإيمان بأن “حرية الرأي والتعبير وتقديم الحقيقة للرأي العام في العالم العربي اليوم مسألة ذات أولوية خاصة”(35).

وتبدو قيمة هذه الأفكار في كونها مقدمة ضرورية لدينامية الأحداث السياسية الكبرى التي أفضت إلى مرحلة الربيع العربي التي تشكِّل التمفصل الأساس في مسيرة الجزيرة في علاقتها بالفعل السياسي العربي. فعبر تغطيتها للثورات العربية منذ شراراتها الأولى، ومواكبتها لتفاصيل الحراك الثوري العربي في ساحاته المختلفة، ونوعية التغطيات التي تعتمد على التكنولوجيات ومشاركة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، قامت الجزيرة بدور محفز في الوعي بالفعل السياسي العربي الثوري في تونس ثم مصر وسوريا واليمن والبحرين والأردن والبحرين. وبهذا المعنى يكون النموذج الإخباري لقناة الجزيرة وتفاعله مع التحولات السياسية في الدول العربية منذ تسعينات القرن الماضي قد أسهم في إعادة صياغة سردية التغيير العربي، بل يمكن القول: إن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة وجد جميع تمظهراته ودينامياته في مرحلة ثورات الربيع العربي.

فالتغطيات المفتوحة والمباشرة على مدار الساعة من الميادين والساحات العربية، والنقل الحي للمسيرات المليونية والمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، التي عرضتها شاشة القناة دون وسيط، كان لها بالغ الأثر في كسر حاجز الخوف ما جعل الملايين يخرجون للشارع للاحتجاج والتظاهر والاعتصام. كما تحولت نشرات الحصاد إلى مجال عمومي لمناقشة مطالب المجتمع، والاستماع لجميع الأصوات التي رجحت كفة خيارات الشعب في مقابل تآكل أطروحة السلطة.

وسنقتصر في المستوى التحليلي على نشرة الحصاد الإخباري، في 14 يناير/كانون الثاني 2011، والتي كانت مخصصة لبداية الحراك الثوري في تونس(36)، وذلك لإبراز كيفية اشتغال النموذج الإخباري لقناة الجزيرة خلال ثورات الربيع العربي. فقد ركزت نشرة الحصاد على حدث واحد هو “فرار الرئيس زين العابدين بن علي” خارج تونس، وتصدرته ثلاثة عناوين:

– على وقع مظاهرات ومطالب بتنحيته: زين العابدين بن علي يغادر تونس.

– الوزير الأول، محمد الغنوشي، يعلن توليه صلاحيات الرئاسة إلى حين إجراء الانتخابات.

– إعلان حالة الطوارئ في كافة أرجاء تونس وسط انفلات أمني في عدد من المدن.

لعل أبرز ما يميز هذه العناوين الثلاثة هو الطابع الإخباري. ولهذا السبب كانت التغطية متابعة إخبارية متواصلة للتطورات المرتبطة بحدثي هروب الرئيس التونسي، ابن علي، وتولي صلاحيات الرئاسة من قِبَل الوزير الأول، محمد الغنوشي، ثم حالة الانفلات الأمني في البلاد والإعلان عن حالة الطوارئ. كما أن الأخبار العاجلة التي كانت تتوالى على الشاشة خلال النشرة بشأن موقف الخارجية القطرية التي عبَّرت عن احترامها لإرادة الشعب التونسي، ورفض الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، استقبال ابن علي على الأراضي الفرنسية، واعترافه بالانتقال الدستوري في تونس، زادت من قوة البعد الإخباري للتغطية.

ولترجمة هذا الخيار التحريري، استعانت القناة بـسبعة تقارير أنجزها صحفيون في غرفة الأخبار. وقد توزعت موضوعاتها كالآتي:

– تقريران عن هروب ابن علي.

– تقرير عن ردود فعل البيت الأبيض.

– تقرير عن ديكتاتورية ابن علي ومحاربته للإسلاميين.

– تقرير عن الصدامات أمام مقر وزارة الداخلية.

– تقرير عن مستقبل تونس بعد ابن علي.

– تقرير بشأن النفوذ الواسع لزوجة ابن علي من خلال وثائق ويكيليكس.

يوضح محتوى التقارير السابقة أن قناة الجزيرة سعت إلى تحقيق وظيفة الإخبار بتفاصيل حدث هروب الرئيس، ابن علي، وتبعات هذا الهروب والأزمة التي ترتبت عنه، خاصة الجدل بشأن حالة الفراغ السياسي الذي عرفته تونس والصراع بين أنصار العهد القديم والمطالبين بالتغيير. لكن في المقابل نلاحظ نزوعًا نحو التحليل والتفسير في تقريرين آخرين. فالتقرير الخاص بعرض تفاصيل حياة الرئيس، ابن علي، وتاريخه الأمني حينما كان رئيسًا للمخابرات التونسية، ثم وزيرًا للداخلية وانقلابه على الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة، ودوره في مطاردة الإسلاميين، ثم التقرير الآخر المخصص لأسرة الرئيس ودور زوجته ليلي الطرابلسي في بناء إمبراطورية اقتصادية من أموال الشعب، ينتقلان من مجال الإخبار إلى مجال التفسير لفترة حكم الرئيس، زين العابدين بن علي، التي كانت “محصلة سياسة حكم فردي ونظام شمولي قام على قوة وهيمنة القبضة الأمنية والفساد المالي لأفراد الأسرة الحاكمة”(37).

أما بالنسبة للمقابلات الصحفية في التغطية المباشرة للحدث التونسي، فلم تخرج هي الأخرى عن الإطار العام الذي تم رصده على مستوى التقارير؛ حيث بلغ عدد ضيوف التغطية خمسة ضيوف أغلبهم تونسيون. وتهدف مشاركة هؤلاء الضيوف التونسيين إلى معرفة ما يجري على الأرض، ورؤيتهم للوضع السياسي ومستقبله بعد ابن علي، في حين جاء الدور الوظيفي للضيوف الأجانب لاستكشاف رؤية العواصم الدولية الأكثر تأثيرًا في السياسة التونسية تجاه تطورات المشهد السياسي. وقد أسهم ذلك أيضًا في انتقال التغطية المباشرة من إطارها الإخباري إلى إطار تفسيري واضح.

وتكشف هذه الأساليب في تغطية الحدث التونسي أن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة كان محكومًا بالحاجة لتغطية إخبارية تحقق إشباعات الجمهور التونسي والعربي في معرفة ما يحدث ويجري في هذه اللحظة السياسية المفصلية التي ستؤثر تطوراتها في مسارات التحول السياسي بالبلاد. ولأن هذا الحدث التاريخي خلَّف حالة من الفراغ السياسي، خاصة بعد تركيز الضيوف التونسيين على عدم قانونية تولي الوزير الأول، محمد الغنوشي، رئاسة الدولة، لجأت قناة الجزيرة لأسلوب التغطية التفسيرية. فعلى مستوى التطورات الميدانية، لاسيما فيما يتعلق بحدث هروب الرئيس ليلًا والمظاهرات والمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، كان يتم عرض الحقائق الموثقة من قِبَل المتظاهرين أنفسهم عبر قصص إخبارية موضوعية دون البحث في أبعاد هذه الأحداث، لكن حينما تناولت التغطية سيرة الرئيس، ابن علي، ومواقفه السياسية والأمنية والفساد المالي لزوجته، والخلفية المؤطِّرة لذلك، اعتمدت القناة التقارير والمقابلات لإعطاء التغطية ملمحًا تحليليًّا.

إذن، تشير أساليب التغطية المذكورة إلى أن النموذج الإخباري لقناة الجزيرة خلال متابعته للتحول السياسي الناشئ في تونس، ومن ثم ثورات الربيع العربي، جاء محكومًا بسياق التغيير في العالم العربي من المشرق إلى المغرب. ولأن هذه الأحداث تهم الجمهور العام العربي فقد ركزت الجزيرة على التغطيات المفتوحة التي تتنوع حسب السياق بين الإخبار والتفسير والتحليل إلى جانب التوظيف الجيد لصور الحشود في الساحات والميادين العامة.

  1. جيوسياسية الجزيرة

تشير معطيات التحليل السابق لأساليب ومرتكزات التغطية الإخبارية لقناة الجزيرة خلال الحروب والأزمات، وكذلك التحولات والانتقالات السياسية، إلى أن الجزيرة -واعتمادًا على نموذجها الإخباري- أسهمت على مدى أكثر من عقدين ونصف -بجانب مؤسسات وشبكات إعلامية أخرى- في صياغة ثقافة إعلامية عربية جديدة. ومع الدور الجديد الذي أضحت تقوم به الأخبار اليوم في التأثير على المعادلات السياسية ومناطق النفوذ في الساحة العربية والدولية، فإن قناة الجزيرة كان لها دور في نشر المعرفة الحدثية بالوقائع الميدانية وتفسير وتحليل أبعادها المختلفة وسياقات تطورها، وهو ما أدى إلى فاعلية المجال العمومي وتأثيره في بنية السلطة السياسية في العالم العربي والتحولات التي شهدتها المنطقة.

وبالرجوع إلى تعامل قناة الجزيرة مع الأحداث في أفغانستان والعراق ولبنان، ثم التحول السياسي الذي عرفه العالم العربي في أوائل العام 2011، وتطورات أحداث الربيع العربي؛ حيث وظفت القناة جميع عناصر نموذجها الإخباري، يمكن القول: إن الجزيرة فرضت الكثير من المعادلات دون نفي الأدوار التي قامت بها قنوات عربية أخرى.

والملاحظ أن تفعيل عناصر وخصائص النموذج الإخباري لقناة الجزيرة خلال العقدين والنصف من الزمن، سواء في محطات أفغانستان أو العراق أو خلال الصراع العربي-الإسرائيلي أو حتى على مستوى الداخل الفلسطيني وانتهاء بمحطة الربيع العربي، جعل من الجزيرة “فاعلًا جيوسياسيًّا في مجموع الأحداث الكبرى التي عرفها العالم العربي بأقاليمه الثلاثة: الشرق الأوسط، والمغرب العربي، والخليج العربي”(38). وهذا ما أكده أيضًا الأكاديمي فيليب سيب (Philip Seib) حينما اعتبر أن الجزيرة أصبحت “قوة تغيير في الفضاء العربي بعد استفادتها من وسائل الإعلام الجديد”(39) لتأثيرها في دينامية التحول السياسي في العالم العربي.

وهنا يمكن الحديث عن معادلة الإعلام الجديد، أو البث الفضائي مدعومًا بالإنترنت، الذي شكَّل معطى جديدًا وفرض معادلات مغايرة في الشرق الأوسط، وبات الإطار الجديد لتحقيق التغيير السياسي والانتقال نحو الديمقراطية. لذلك أصبحت وسائل الإعلام، خاصة الجزيرة، إلى جانب الإعلام الإلكتروني المستقل، عدوًّا للحكومات الرافضة لكافة أشكال التغيير، لأنها توفر للشارع العربي فضاء للتنفيس والتعبير ومناقشة الشؤون العامة.. ومنافسة الحكومات في تحديد أجندة الأخبار(40).

 

خلاصات

ظلت بنية النموذج الإخباري لقناة الجزيرة، الذي يقوم على تفاعل عناصره الأربعة (الحدث، القناة، الجمهور، السياق)، تسير وفق دينامية متصاعدة محكومة بسياق إخباري متغير. فقد تميزت التغطية الإخبارية للأحداث الأفغانية والعراقية بالنزوع نحو التغطية الحدثية ذات الملمح الاستقصائي، والسعي لتأسيس منظور إعلامي مغاير للمنظور الغربي من حيث الصورة والخطاب. وفي تغطية الحرب الإسرائيلية على لبنان، في يوليو/تموز 2006، والصراع العربي-الإسرائيلي إلى جانب متابعة الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية، غلب طابع التغطية التفسيرية؛ حيث قدمت القناة الحقائق الأساسية للقصص الإخبارية بهدف تفسير الخبر، وتمكين الجمهور من جميع التفاصيل عبر تأطير الحدث في سياقاته وأبعاده المختلفة ومعالجة تطوراته.

وفي محطة الربيع العربي تعزز هذا الأسلوب من التغطية الإخبارية التي تجمع بين التفسير والتحليل، وهذا الأمر الذي فرضته سياقات التحول السياسي في المنطقة العربية، التي كانت تحتاج إلى تشريح التطورات السياسية لحظة بلحظة، ومعرفة خلفياتها السياسية والأمنية والدستورية والقانونية، ومن ثم مآلاتها وتداعياتها. وهو ما يفسر البعد الدينامي للتغطية الإخبارية وتفاعلها مع صيرورة الأحداث سعيًا لتحقيق إشباعات الجمهور العربي في المعرفة والمشاركة في تلك التحولات عبر المجال الواسع الذي فسحته الجزيرة للرأي والرأي الآخر.

المراجع

(1) Mohamed Zayani, Al Jazeera Phenomenon: Critical Perspectives on New Arab Media, 1st Edition, (New York: Routledge, 2005), 9-10.

(2) عبد السلام رزاق، الإعلام السياسي وصناعة الرأي العام العربي خلال الثورات العربية: قناة الجزيرة الإخبارية نموذجًا، (الدوحة، دار نشر جامعة قطر، 2019)، ص 86.

(3) مأمون فندي، حروب كلامية: الإعلام والسياسة في العالم العربي، ترجمة تانيا ناجية، ط 1 (بيروت، دار الساقي، 2008)، ص 88.

(4) المرجع السابق، ص 10. انظر تفاصيل أكثر في الفصل الأول من الكتاب، ص 43 وما بعدها.

(5) للمزيد، انظر التقسيم المقترح للمراحل التي مرت بها قناة الجزيرة في: رزاق، الإعلام السياسي وصناعة الرأي العام العربي خلال الثورات العربية، مرجع سابق، ص 217-218.

(6) Louis Althusser, “Ideology and Ideological State Apparatuses,” Translated from the French by Ben Brewster, (La Pensée, 1970), marxists.org, “accessed March 1, 2023”. https://t.ly/6zIT.

(7) نعوم تشومسكي، السيطرة على الإعلام: الإنجازات الهائلة للبروباغندا، ترجمة أميمة عبد اللطيف، ط 1 (القاهرة، مكتبة دار الشروق الدولية، 2003)، ص 9-11.

(8) رزاق، الإعلام السياسي وصناعة الرأي العام العربي خلال الثورات العربية، مرجع سابق، ص 80 -83.

(9) انظر تفاصيل التغطية الأولى المفتوحة لقناة الجزيرة عن “الغارات الجوية الأولى على أفغانستان وبداية الحرب” عبر يوتيوب، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/yXYk.

(10) انظر التقرير الميداني الذي أعده المراسل، تيسير علوني، والذي بث على شاشة الجزيرة، في 2 أكتوبر/تشرين الثاني 2001، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/Rc1WY.

(11) انظر تقرير المراسل تيسير علواني، “طالبان تبحث عن قاعدة أميركية بولاية غزني الأفغانية”، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/207JJ.

(12) انظر المقابلة التي أجريت مع مراسل الجزيرة في أفغانستان، تيسير علوني، وتقييمه لتغطية الجزيرة للحرب الأميركية على كابل، في لقاء خاص/قناة الجزيرة، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/dB0EL.

(13) Jeremy Sharp, “The Al-Jazeera News Network: Opportunity or Challenge for U.S. Foreign Policy in the Middle East?,” Congressional Research Service, The Library of Congress, everycrsreport.com, July 23, 2003, “accessed March 1, 2023”. https://t.ly/bs_w.

(14) عبد القادرة علال، “الصورة الإعلامية”، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية (جامعة الشهيد حمه لخضر، الوادي، الجزائر، المجلد 7، العدد 3، سبتمبر/أيلول 2019)، ص 47-57.

(15) المرجع السابق، 47-57.

(16) عبد المنعم لعجال، “تأثير الصورة على المتلقي وآلية التحقق من مدى مصداقيتها”، مجلة العلامة (المجلد 5، العدد 3، 2021)، ص 6-12.

(17) Thomas J. Johnson, Shahira Fahmy, “The CNN of the Arab World or a Shill for Terrorists?: How Support for Press Freedom and Political Ideology Predict Credibility of Al-Jazeera among its Audience,” International Communication Gazette, Vol. 70, Issue, 5, (October 2008).

(18) Ibid, 341.

(19) Mohamed Zayani, Muhammad Ayish, “Arab Satellite Television and Crisis Reporting: Covering the Fall of Baghdad,” International Communication Gazette, Vol. 68, Issue. 5-6, (October 2006): 473-497.

(20) Thomas J. Johnson, Shahira Fahmy, “Who is winning the Hearts and Minds of the Arab Public? An examination of how Arab viewers judge the credibility of Al-Jazeera, Al-Arabiya, Al-Hurra and local Arab stations,” International Communication Research Journal, Vol. 45, Issue. 1-2, (January 2010): 24-48.

(21) رزاق، الإعلام السياسي وصناعة الرأي العام العربي خلال الثورات العربية، مرجع سابق، ص 135-136.

(22) انظر تفاصيل تغطية الجزيرة لـ”يوم سقوط بغداد”، 9 أبريل/نيسان 2003، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/Z-jzx.

(23) Zayani, Ayish, “Arab Satellite Television and Crisis Reporting,”: 473-497.

(24) انظر تفصل “دخول وسيطرة القوات البريطانية على مدينة البصرة العراقية” في تقرير الصحفي محمد الكبير الكتبي، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/3RvG.

(25) انظر عينة من تقارير موفد الجزيرة، طارق أيوب، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/UzMp.

(26) Johnson, Fahmy, “The CNN of the Arab World or a Shill for Terrorists?,”: 31.

(27) انظر تفاصيل أكثر عن حالة الهلع في الشارع الإسرائيلي، وردود الفعل الشعبية والرسمية عن انكسارات إسرائيل في هذه الحرب في تقرير للقناة التليفزيونية الإسرائيلية (MVA Channel)، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/MXL_.

(28) انظر تفاصيل أكثر في تقرير الصحفية رانيا حلبي، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/OE4V.

وانظر أيضًا عرض المشاهد المصورة لاستهداف بارجة إسرائيلية قبالة الشواطئ اللبنانية واستعمال حزب الله لصواريخ بحرية في عملية القصف، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/mUaT2.

(29) Leon barkho, “Unpacking the Discursive and Social Links in BBC, CNN and Al-Jazeera’s Middle East reporting,” Journal of Arab & Muslim Media Research Vol. 1, Issue. 11, (December 2007): 21.

(30) عبد الحق يحياوي، نشرات قناة الجزيرة الإخبارية والوعي السياسي بالصراع العربي-الإسرائيلي: دراسة على عينة من أساتذة المرحلة الثانية بمدينة الجفلة (الجزائر)، (رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح، 2010)، ص 15-17.

(31) انظر تفاصل السبق الصحفي في نشرة الحصاد ليوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/eBgO.

وانظر أيضًا متابعة قناة الجزيرة لهذه القضية من خلال برنامج “بلا حدود” مع القيادي في حركة فتح، صائب عريقات، https://t.ly/XthX.

(32) أحمد إسماعيل إبراهيم نوفل، “وثائق الجزيرة حول المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية: تحليل مضمون”، مجلة دراسات شرق أوسطية (مركز دراسات الشرق الأوسط، المجلد 15، العدد 55، 2011)، ص 75-81.

(33) Hugh Miles, Al-Jazeera: how Arab TV news challenge the world, (London: Abacus, 2005), 57.

(34) Ibid, 329.

(35) Ibid, 389.

(36) انظر نشرة الحصاد، 14 يناير/كانون الثاني 2011، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/NyNW.

(37) انظر تفاصيل أكثر في تقرير فوزي بشرى عن “نهاية الديكتاتوريات العربية والعالمية”، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2023)، https://t.ly/cctMi.

(38) رزاق، “الإعلام السياسي وصناعة الرأي العام العربي خلال الثورات العربية، مرجع سابق، ص 135-136.

(39) فيليب سيب، تأثير الجزيرة: كيف يعيد الإعلام العالمي الجديد تشكيل السياسة الدولية؟، ترجمة عز الدين عبد المولى، ط 1 (بيروت، الدار العربية ناشرون، 2011)، ص 8.

(40) المرجع السابق، 168 وما بعدها.

* د. عبد السلام رزاق، إعلامي بشبكة الجزيرة وباحث في قضايا المغرب العربي وحوض المتوسط.

Dr. Abdeslam Razak, Journalist and Research in the Issues of Maghreb Arab Region.