ملخص:
تبحث الدراسة في انتشار الأخبار الزائفة وتأثيراتها على الثقة في المضامين الرقمية، وتشكيل الهوية المهنية لعينة من المؤسسات الإعلامية في الجزائر. كما ترصد الكيفية التي تسهم بها الأخبار الزائفة في تعزيز الاستقطاب الأيديولوجي، وإثارة الانقسام السياسي والاجتماعي. تعتمد الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لمقاربة ظاهرة الأخبار الزائفة وتأثيراتها في تشكيل الهوية المهنية للصحفيين بالجزائر في سياقات مختلفة من خلال استطلاع آراء عدد من المسؤولين في المؤسسات الإعلامية. توصلت الدراسة إلى أن الأخبار الزائفة تتسبب في تراجع الثقة في المحتوى الرقمي، وتشكيك الجمهور في صحة وموثوقية المعلومات التي يتلقونها؛ ما يؤثر سلبيًّا في الهوية المهنية للمؤسسات الإعلامية وقدرتها على تقديم محتوى ذي جودة وموثوقية عالية. وبيَّنت الدراسة أن الأخبار الزائفة تزيد من حدة الاستقطاب الأيديولوجي وتُعمقه؛ مما يؤدي إلى تفاقم التوترات والانقسامات في المجتمع، ويعمق الهوة بين المعتقدات المختلفة ويعزز التشكيك في الآخرين وتكريس فجوات على مستوى الفهم والتواصل.
كلمات مفتاحية: الأخبار الزائفة، الثقة، المحتوى الرقمي، الهوية المهنية، مؤسسات الإعلام.
Abstract:
The study examines the spread of fake news and its effects on trust in digital content, as well as the formation of the professional identity of a sample of media institutions in Algeria. It also examines how fake news contribute to the increase of ideological polarisation, and stirs political and social divides. The study employs a descriptive-analytical methodology to approach the phenomenon of fake news and its impact on shaping the professional identity of journalists in Algeria in various contexts, by surveying the opinions of several officials in media institutions. The study concludes that fake news lead to a decline in trust in digital content, causing the audience to doubt the accuracy and reliability of the information they receive. This negatively affects the professional identity of media institutions and their ability to deliver high-quality and reliable content. The study also reveals that fake news intensify and deepen ideological polarisation, leading to heightened tensions and divisions in society. It widens the gap between different beliefs, fosters skepticism towards others, and solidifies disparities in understanding and communication.
Keywords: Fake News, Trust, Digital Content, Professional Identity, Media Institutions.
مقدمة
تقع وسائل الإعلام التقليدية في شرك نشر الأخبار الزائفة حين لا تتحرى بصورة مهنية عن صدقيتها؛ إذ يستقي بعض الصحفيين الأخبار من منصات الإعلام الاجتماعي ولا يتحققون منها، وربما ينتبهون بعد نشرها إلى زيفها وتحريفها. لكن يكون الأوان قد فات لتدارك الوضع، حتى لو سُحِب الخبر أو الصورة أو الفيديو، لأن الخبر انتشر بين المستخدمين، وجرى تداوله من حساب لآخر، ومن موقع اجتماعي لآخر. ويترتب عن ذلك الإضرار بمصداقية وموثوقية المؤسسة الإعلامية، كما تتعرض هوية المؤسسة الاحترافية للصدع ككيان ومنظومة، وهو ما يفقدها تأييد المتلقي واهتمامه.
تتجلى آثار نشر الأخبار الزائفة ليس فقط في تراجع ثقة الجمهور بوسائل الإعلام التي قد تقع في فخ نشر هذه الأخبار، بل تجعل الأفراد عرضة للخطر عند وقوع الأزمات والكوارث بسبب المعلومات المُضَلِّلَة التي حصلوا عليها من قِبَل وسائل الإعلام التقليدية، أو عبر منصات الإعلام الاجتماعي(1). وقد يجعل استهلاكُ الأخبار الزائفة الناسَ أكثر عرضة لتبني التصورات الاجتماعية والسياسية والثقافية الخاطئة، وذلك ما يؤثر في تصرفاتهم وسلوكياتهم لاحقًا. فإذا تعرضوا لمعلومات سياسية مُضَلِّلَة مثلًا بشأن وضع سياسي معين، كالمعلومات الخاصة بالحملات الانتخابية، فإن ذلك يؤثر في قراراتهم السياسية وسلوكهم الانتخابي(2)، وإذا تلقوا أيضًا معلومات زائفة بخصوص قضايا اجتماعية أو ثقافية معينة، مثل قضايا الصحة، والشغل، والبيئة…إلخ، فإن ذلك سيؤثر سلبيًّا في تقييماتهم وتصرفاتهم تجاه هذه القضايا. ويمتد ذلك التأثير إلى بنية المجتمع وسيرورة أنساقه الفرعية (سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا…إلخ)، وستُقَوَّض ثقة الأفراد في المؤسسات السياسية، وأيضًا في الفعل والمشاركة السياسية والاجتماعية.
يستفيض حاليًّا الكثير من المواقع الإخبارية في نشر تلك الأخبار التي تدور أغلبها حول الدعاية والخداع وتضليل الرأي العام، وتعتمد على تقارير لا أساس لها من الصحة ومن مصادر مجهولة على الإنترنت ليست لها أي مصداقية. وقد يصل الأمر بصانعي الأخبار الكاذبة إلى تغذية حالة الرعب وتعزيزها وسط الجمهور (خلق حالة الفوبيا والكراهية) إزاء كل القضايا(3). وتدفع حالة التلاعب والخداع التي تُنشِئُها عملية صناعة الأخبار الكاذبة باتجاه تضليل الرأي العام ومحاصرته والتشويش عليه، والتضليل الإعلامي -بحسب الباحث الفرنسي فرانسوا جيريه (François Géré)- هو “فن التستُّر وراء قناع، والمراوغة والنفاق والخداع”(4)، ويمس العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ويزعزع الثقة في النفوس تجاه كل ما يصل من أخبار ووقائع.
ورغم قوة وشعبية شبكات التواصل الاجتماعي في نقل اهتمامات الرأي العام، والتي قد لا تحظى بتغطية الإعلام التقليدي، فإنها تعوزها المصداقية والموثوقية؛ إذ تحوَّل الكثير من الأخبار والتقارير والصور والفيديوهات لأدوات تضليل وتلاعب بالرأي العام؛ فقد أنشئت الآلاف من الحسابات المضللة في عدد من الدول(5) بخصوص عدد من القضايا عبر ما يُطلق عليه “الذباب الإلكتروني”، أو “المتصيدون” الذين يزرعون الفتنة، عن طريق تنظيم حملات تشهير وهجمات مقصودة ومغلوطة تستهدف تشويه السمعة، وخلق الإحباط النفسي لدى الـرأي العام.
تواجه المؤسسات الإعلامية في الجزائر كغيرها من مؤسسات الإعلام في العالم تحديات عديدة للحفاظ على هويتها المهنية ومصداقيتها في هذا السياق الرقمي المعقد، الذي يصعب فيه التمييز بين الأخبار الموثوقة والزائفة. وكثيرًا ما تنشر هذه المؤسسات الأخبارَ دون أخذ الوقت الكافي للتحقق منها، وينعكس ذلك حتمًا على سمعتها المؤسسية وصورتها العامة لدى الجمهور والمجتمع، وتتحول من مؤسسات ذات ثقة ومصداقية إلى مؤسسات تزييف وتضليل في نظر الجمهور الذي يصبح أكثر حذرًا وتشككًا في الأخبار التي يتلقاها. كما يتراجع الاحترام والاعتراف بها مصدرًا للحقائق والأخبار، فتفقد بذلك أخلاقياتها المهنية التي تشكل جوهر عملها وكيانها.
وشكَّل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي بالجزائر في الأعوام الأخيرة مزيجًا من التحدي والفرصة للمؤسسات الإعلامية، سواء الورقية أو الإذاعية والمرئية أو الرقمية. فمن ناحية التحدي، فإن تسارع انتشار الأخبار وضغط التنافس والسبق في نشرها يؤثر سلبيًّا في القدرة على التحقق من الأخبار وتقديم المعلومات الدقيقة، ويمكن أن يتسبب ذلك في فقدان الموثوقية والثقة في المؤسسات الإعلامية. ومن ناحية كونها فرصة، فقد أتاح الإعلام الاجتماعي منصات متعددة للتفاعل مع المستخدمين والوصول لأكبر عدد منهم، واستغلال البيانات والتحليلات المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي لفهم اهتمامات المتلقي وتوجيه محتواها بشكل أفضل.
وهنا، يبرز دور هذه الدراسة في رصد التأثير السلبي الذي تشكِّله الأخبار الكاذبة على هوية مؤسسات الإعلام في الجزائر وعلى الثقة في مصداقيتها، وتحليل تلك الآثار وفهم آلياتها، بناء على اتجاهات الصحفيين الممارسين أنفسهم. وتسعى الدراسة إلى إيجاد إطار فهم يكون أكثر شمولًا لهذه المسألة المهمة في السياق الإعلامي المحلي الجزائري.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن رؤية تأثيرات الاستقطاب الأيديولوجي وانعكاساته السياسية والثقافية من خلال تفاعل الأفراد مع الأخبار الزائفة على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد. فعندما يتفاعل الأفراد مع الأخبار الزائفة يمكن أن يتعمق الانقسام بين الجمهور من حيث المعتقدات والرؤى السياسية(6). وقد يؤدي هذا التفاعل إلى تشكيل تجمعات رقمية تُعبِّر عن آراء مشتركة وقوى سياسية وثقافية معينة، مما يزيد من التجزؤ ويعزز من التباعد بين الأفراد.
- 1. اعتبارات منهجية ونظرية
مشكلة الدراسة
انتشرت الأخبار الزائفة في السنوات الماضية على مستوى جميع مجالات الاتصال، الأمر الذي خلق تحديات أكبر بشأن تمييز الأخبار الحقيقية من الزائفة، ولم يقتصر انتشارها على مستوى الشبكات الاجتماعية، بل انتقل إلى المؤسسات الصحفية الرسمية، وأصبحت إعادة مشاركة الأخبار الكاذبة سمة أساسية للمجتمع المعاصر. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الأخبار الزائفة يتم إعادة مشاركتها أكثر من الأخبار الحقيقية بنسبة 70%، كما تحتاج الأخبار الحقيقية ستة أضعاف الوقت الذي تحتاجه الأخبار الكاذبة لتصل إلى 1500 شخص على تويتر مثلًا(7)؛ وهو ما يعزز من فرص تصديقها من قِبَل المستخدمين، وقد يكون الصحفيون المحترفون أيضًا عرضة لتصديقها، خاصة لما يكونون أمام رهان إنتاج أخبار ومعلومات سريعة وآنية؛ إذ لا يأخذون الوقت اللازم للتحري من مصادر أخرى عن دقة وصدق المعلومات التي وصلتهم، فيجدون أنفسهم نشروا المعلومات التي وصلتهم دون تدقيق، فيقعوا في شرك الأخبار الزائفة والمغلوطة دون قصد.
صدر بعض التشريعات والمواثيق الأخلاقية المتعلقة بنشر المعلومات المغلوطة والزائفة في عدد من الدول للحد من هذه الظاهرة ومواجهتها، وتُعد الجزائر من الدول التي أقرت بعض النصوص التشريعية التي نصت على تجريم نشر وتداول الأخبار الكاذبة في جميع المنصات الإخبارية، سواء الرسمية والمهنية، أو الاجتماعية، مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام. ففي أبريل/نيسان 2020، صدر قانون العقوبات المعدل رقم 20-06، والذي تضمَّن المادة 196 مكرر، التي خُصِّصت لتجريم “نشر وترويج أنباء كاذبة” تهدف إلى المساس بـ”النظام والأمن العموميين”. وتتمثَّل العقوبات في السجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وغرامة مالية من 100.000 دج إلى 300.000 دج تمس كل من ينشر أو يروج عمدًا بأية وسيلة كانت أخبارًا أو أنباء كاذبة مغرضة بين الجمهور، يكون من شأنها المساس بالأمن العمومي أو النظام العام، وتضاعف العقوبة في حال العود(8).
إن تداعيات نشر الأخبار الكاذبة لا تقع على مسؤولية الصحفي الذي نشر الخبر المُضَلِّل أو أعاد تداوله، فيتم تجريمه أو معاقبته فقط، بل تقع المسؤولية أيضًا على المؤسسة الإعلامية ذاتها فيتم توصيفها بأنها غير محترفة وغير مهنية، ولا تلتزم بمسؤولياتها المجتمعية والأخلاقية، وذلك ما سيؤثر في الهوية المهنية للمؤسسة، وسمعتها بصورة عامة. وتُعد الأخبار الزائفة من التحديات الرئيسية التي تواجه مؤسسات الإعلام في الجزائر، وتهدد هويتها المهنية.
يتطلب البحث في هذا الموضوع التعمق في فهم تأثير الأخبار الزائفة في هوية المؤسسات الإعلامية بالجزائر، ومصداقيتها وصورتها في وعي الجمهور، وأنها قد تكون سببًا لتعاظم الاستقطاب الأيديولوجي وبروز الانقسامات والاصطفاف الأيديولوجي، خاصة مع توجه كل الصحف والإذاعات والقنوات التليفزيونية للاعتماد على المنصات الرقمية، وبث الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي. ويمكن صياغة الإشكالية التي تبحثها الدراسة في هذا السؤال المركب من ثلاثة أبعاد: ما تأثير نشر الأخبار الزائفة على الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام بالجزائر، وعلى مصداقيتها وصورتها في وعي الجمهور بصورة خاصة؟ وكيف يؤثر ذلك على إحداث الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي في البلاد؟
تستمد الدراسة أهميتها من تعاظم انتشار الأخبار الزائفة والمضللة التي يجري إنشاؤها أو نشرها، سواء من دون وجود نوايا خبيثة، أو قد تكون متعمدة ومخططًا لها، تهدف إلى الإرباك وتشويه السمعة. ويؤثر الوقوع في كلا النوعين من الأخبار الزائفة سلبيًّا على الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام في الجزائر، فتبدو غير محترفة ولا تراعي الأخلاقيات المهنية وتتحول لأدوات مروجة للاستقطاب الأيديولوجي والسياسي. كما أن الجدة التي يتسم بها الموضوع في الأدبيات البحثية ضمن السياقات العربية تضفي أهمية على الدراسة، وتجعل مخرجاتها تهم المشتغلين في حقل الإعلام والمهنيين على حدٍّ سواء.
أهداف الدراسة
يتمثَّل الهدف الرئيس للدراسة في تحديد تأثير الأخبار الزائفة التي تُنشر عبر مختلف المنصات الإخبارية في هوية مؤسسات الإعلام، من وجهة نظر الصحفيين الجزائريين، ورصد تداعيات هذه الأخبار على مصداقية العمل الصحفي. ويتفرع عن هذا الهدف الرئيسي جملة من الأهداف التي تتمثَّل في:
– تحديد مفهوم الأخبار الزائفة ومخاطرها، وتداعياتها على عمل الصحفيين ومستخدمي الإعلام الاجتماعي في الجزائر.
– تحديد مفهوم الهوية المهنية للمؤسسات الإعلامية وآليات صناعتها وتعزيزها.
– التعرف على الكيفية التي تسهم بها الأخبار الزائفة في تعزيز الاستقطاب الأيديولوجي وإحداث الانقسام السياسي والاجتماعي.
– التعرف على حجم تأثير الأخبار الزائفة في الهوية المهنية للمؤسسات الإعلامية في الجزائر.
– معرفة الكيفية التي تؤثر بها الأخبار الزائفة في مصداقية أخبار المؤسسات الإعلامية.
– التعرف على التحديات التي تواجه مؤسسات الإعلام للحفاظ على هويتها المهنية وترسيخها في أذهان جمهورها.
– التعرف على الإجراءات العملية التي تتخذها المؤسسات الإعلامية لمواجهة أخطار الأخبار الزائفة.
الدراسات السابقة
اطَّلع الباحث على عدد من الدراسات في السياقات البحثية المحلية العربية والأجنبية التي اهتمت بشكل أساسي بتأثير الأخبار الكاذبة في الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام، وكان من أبرزها دراسة بعنوان: “الهوية المهنية للصحفيين في سياق التحول الرقمي: دراسة تحليلية لخطاب ما وراء الصحافة إزاء وقف طباعة الصحف المسائية بمصر”(9). وقد هدفت إلى تحليـل تصـورات الهويـة المهنيـة للصحفييـن فـي سـياق التحـول الرقمـي كمـا تعكسـها نصـوص خطـاب مـا وراء الصحافـة إزاء وقـف طباعـة الصحـف المسـائية وتحويلهـا لإصدارات إلكترونيـة. وكشفت الدراسة مجموعـة مـن الجدليـات المتصلـة بالهويـة المهنيـة للصحفييـن فــي ســياق التحــول الرقمــي، تتصــل بتصوراتهــم إزاء ماهيــة الصحافــة والصحفــي، ومحــددات الجــدارة، والممارسات المقبولة. وعلى الرغم من تقديرها لأهمية الجدارات الرقمية متطلبًا أساسيًّا للاستمرار، إلا أن قلقًا واضحًا من الأخطاء وانحرافات الممارسـات في الصحافـة الإلكترونية (تراجـع المهنيـة لصالـح زيـادة المشـاهدات والزيـارات) زاد مـن مخـاوف التحـول. كما أن التقييمـات السـلبية إزاء الذات والآخر سيطرت على الصحفيين، لاسيما مع سـيادة مشـاعر العجـز وانعـدام قـدرتهم علـى التغييـر، فـي ظـل سـيطرة قوى أكبـر تتحكَّـم فـي مصائرهـم وينبغـي عليهـم الخضـوع لهـا لضمـان البقـاء والاستمرار.
وفي دراسة بعنوان “إشكالية الأخبار المفبركة وتأثيرها في تشكيل الرأي العام”(10)، حاول الأكاديمي، عبد الرزاق الدليمي، أن يجيب عن السؤال الإشكالي: ما تأثير الأخبار المفبركة في الرأي العام؟ وما أبعاده ومجالاته ومخاطره؟ واعتمد في مقاربة هذه القضايا على المنهج الوصفي، ولاحظ فيما يتعلق بمتغير إدراك الصحفيين للأخبار المفبركة من حيث المفهوم أن درجته كانت مرتفعة. كما أن معدل إدراك مدرسي الإعلام للأخبار المفبركة من حيث المفهوم والأهداف والمخاطر كان ذا درجة مرتفعة. أما الدرجة الكلية لكيفية تعامل الصحفيين مع الأخبار المفبركة فكانت متوسطة، وهي ذات الدرجة فيما يخص كيفية تعامل مدرسي الإعلام مع الأخبار المفبركة.
واستقصت الباحثة فتيحـة بوغـاز “تصــورات الصحفييــن الجزائرييــن لهويتهـم المهنيـة”(11)، من خلال دراسة ميدانية على عينة من الصحفيين في الجزائر شملت 182 صحفيًّا. وكشفت نتائج البحث شـعور الصحفيين بالتميـز مهنيًّا مقابل الصحفيين المواطنين الذين يفتقدون الإطار المعرفي والمهاري والتنظيمي، وبيَّنت مسألة التغيرات التي حدثت على مستوى الأدوار التي يمارسها الصحفيون، ومدى نجاح الإعلام الاجتماعي تحديدًا في كسب جمهور ينافس في كثافته جمهور وسائل الإعلام التقليدية، وبروز ما اصطلح عليه بصحافة المواطن الذي يعرِّض الهوية الصحفية للمساءلة.
وحاول الأكاديمي، سروش فوسوغي (Soroush Vosoughi)، وزملاؤه، في دراسة تتناول انتشار الأخبار الزائفة والحقيقية عبر المنصات الرقمية(12)، فهمَ تأثير الأخبار الزائفة في شبكات التواصل الاجتماعي بالتركيز على منصة تويتر، وكيفية انتشارها وتأثيرها في المستخدمين؛ إذ تم تحليل عينة ضخمة من الرسائل بلغت مئات الآلاف خلال فترة زمنية محددة. وأظهرت الدراسة أن الأخبار الزائفة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية على شبكات التواصل الاجتماعي، ووجد الباحثون أن الخبر الزائف ينتشر في المتوسط أربع مرات أسرع من الخبر الحقيقي. وعزت الدراسة ذلك إلى عوامل منها العناوين الجذابة والشيقة والتفاعلية. وكشفت أن الأخبار الزائفة تحظى بمزيد من التفاعلات من قِبَل المستخدمين، مثل إعادة التغريد والتعليقات، مقارنة بالأخبار الحقيقية. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى طبيعة الأخبار الزائفة التي تميل إلى الاستفزاز وإثارة الجدل.
وركزت دراسة ليون غو (Lion Gu) وزملاؤه على “آلة الأخبار الزائفة: كيف يسيء المروجون استخدام الإنترنت ويتلاعبون بالرأي؟”(13) من خلال الإعلام الاجتماعي، وسلَّطت الضوء على أساليب استخدام المروجين للأخبار الزائفة وتأثيرها في الرأي العام. وتناولت الدراسة أيضًا تقنيات التلاعب التي يستخدمها المروجون للأخبار الزائفة، وأوضحت كيفية استغلالهم للوسائل الرقمية والشبكات الاجتماعية لتعزيز رسائلهم الكاذبة ونشرها على نطاق واسع من خلال إنشاء مواقع وهمية وحسابات مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولاحظ الباحث أن الدراسات السابقة لم تتناول موضوع تأثير الأخبار المفبركة في تشكيل الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام بالجزائر. ولئن كان بعض هذه الدراسات تعرض لمسألة الأخبار الكاذبة، فإن أغلب ما نُشر حول هذا الموضوع بحث تأثير هذه الأخبار في الرأي العام وتوجهات الجمهور، ولم تكن لها علاقة مباشرة بمسألة الهوية المهنية ولا مسألة مصداقية وسائل الإعلام. وينطبق نفس الأمر على الدراسات التي عالجت موضوع الهوية المهنية للصحفيين، فأغلبها تناول التغيرات التي طرأت على مهنة الصحفي، وحاولت تفكيك علاقات التقارب والتضارب مع مفهوم صحافة المواطن. وتناول البعض الآخر من الدراسات المتعلقة بالهوية الصحفية مسألة الوضعية المهنية والاجتماعية للصحفيين وتطوراتها، وانعكاساتها على تمثلات الصحفيين أنفسهم لهويتهم المهنية، أو انعكاساتها على تمثلات الآخرين نحو مهنة الصحافة وعلى تقييماتهم لأداء الصحفيين، لكن كل ذلك بمعزل عن مسألة تأثير الأخبار الكاذبة في تشكيل أو إعادة تشكيل الصحفيين أنفسهم لهوياتهم المهنية داخل مؤسساتهم الصحفية، وهو ما تركز عليه هذه الدراسة.
منهج الدراسة وأدواتها
اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لمقاربة ظاهرة الأخبار المفبركة وتأثيراتها في تشكيل الهوية المهنية للصحفيين بالجزائر في سياقات مختلفة، ووصف أبعادها وصفًا دقيقًا وشاملًا، وتفسير جميع الظروف المحيطة بها للوصول إلى دلائل وبراهين تضع أطرًا محددة للمشكلة. وتندرج هذه الدراسة في إطار دراسات الرأي العام الوصفية التي تهدف إلى وصف الظاهرة محل الدراسة وتشخيصها وتحليلها وجمع البيانات حولها وتقرير حالتها في الوضع الراهن(14). أما الأدوات والوسائل التي استعان بها الباحث في دراسة أبعاد المشكلة البحثية فتتمثل في استمارة الاستبيان والمقابلة.
مفاهيم الدراسة
– التأثير: وهو إحساس يُحْدِثُه عامِلٌ بشِدَّة الوَقْع المُؤثِّر، وكذلك قياس لتأثير حادثة أو مشكلة أو تغيير على مواقف الأفراد، وينبني التأثير عادة على كيف ستتأثر مستويات الخدمة. إجرائيًّا، فإن التأثير هو ما يمكن أن تحدثه الوسيلة الإعلامية أيًّا كانت من تبديل، وتحويل، أو تعديل وتغيير، أو حتى تثبيت في مواقف الجمهور وسلوكياته على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد(15).
– الأخبار الكاذبة: ونقصد بها إجرائيًّا تلك الأخبار المختلقة عمدًا، ويتم نشرها بقصد خداع طرف آخر وحثه على تصديق الأكاذيب أو التشكيك في الحقائق التي يمكن إثباتها. ووفقًا لما حدَّده الصحفي، غاي كامبانيلي (Guy Campanile)، تُعد الأخبار الكاذبة قصصًا مصنَّعة من العدم، وبمعظم التدابير، عمدًا، وفي تعريفها، هي عبارة عن أكاذيب(16).
– الهوية المهنية: يقصد بالهوية مجموعة من التمثيلات العقلية التي تسمح للأفراد بإيجاد تماسك واستمرارية بين التجارب الحالية والسابقة. وهي بالنسبة للفرد حاجة إلى الاندماج الاجتماعي من أجل تحقيق اعتراف معين بالذات. وستكون الهوية المهنية في هذه الحالة شعورًا بالانتماء إلى مهنة ناتجة عن التنشئة الاجتماعية، والتي تكون نتيجتها التوافق مع المعايير الجماعية(17).
إجرائيًّا، تشـير الهويـة المهنيـة إلـى كيفيـة تعريـف المحترفيـن لأنفسهم مـن حيـث أدوار عملهـم ومـا يقدمونـه إجابـة لسـؤال: (مـن أنـا؟)؛ مـا يجعلهـا مزيـجًا مـن الهويـة الاجتماعية، والعضويـة فـي جماعـة المهنييـن، والهويـة الشـخصية، والتصـور الفـردي للأدوار المهنيـة(18).
الإطار النظري للدراسة
تستند الدراسة في إطارها النظري إلى نظرية ترتيب الأولويات أو نظرية الأجندة (Agenda Setting Theory)، التي ترى أن وسائل الإعلام تقوم بترتيب اهتمامات الجمهور من خلال إبراز بعض القضايا، وإهمال قضايا أخرى، فيبدي الجمهور اهتمامه بهذه القضايا دون غيرها(19).
وتحظى دراسات وضع الأجندة بأهمية بالغة، لاسيما في الدول الديمقراطية التي تولي عناية خاصة لاهتمامات الرأي العام واتجاهاته كعوامل أساسية في صنع القرار السياسي. ومن ثم، فإن وسائل الإعلام تخبر أفراد المجتمع بالشؤون السياسية، وتؤثر في إدراكهم بالأهمية النسبية التي تمنحها لهذه القضايا. وقد حدد ماكسويل ماكومبس (Maxwell McCombs) ودونالد شو (Donald Shaw) العوامل التي تؤثر في وضع الأجندة على مستوى الفرد وعلى مستوى وسائل الاتصال؛ إذ توجد على مستوى الفرد عدة عوامل تؤثر في الأفراد أثناء تعرضهم لوسائل الإعلام، مثل حاجة الفرد إلى التكيف مع الظروف المحيطة، وطريقة المناقشات الشخصية، ومستوى التعرض لوسائل الاتصال ثم اتجاهات الفرد المسبقة(20). أما على مستوى وسائل الاتصال، فهناك عدة عوامل تتحكم فيها، مثل طبيعة النظام السياسي، ونوع القضايا المطروحة، ومستوى تغطية وسائل الاتصال ثم نوع هذه الوسائل. وتؤثر هذه المتغيرات في شروط وضع الأجندة، والتي من أهمها أن وسائل الاتصال تقوم بانتقاء واختيار دائم للمحتويات التي تقدمها للجمهور.
- الأخبار الكاذبة وإشكالية حماية مبدأ مصداقية الأخبار
إن تراجع مصداقية أية وسيلة إعلام يؤثر سلبيًّا في ثقة الجمهور بمحتواها، وعندما لا يثق الجمهور بوسائل الإعلام ولا يقتنع بالأخبار التي تقدمها، لأنها تشوه أو تحرف الحقيقة، فإنه يلجأ إلى مصادر أخرى غير رسمية للمعلومات قد تكون منصات الإعلام الاجتماعي، والأصدقاء، أو بعض المصادر غير الموضوعية. والأسوأ قد يصنعون الأخبار والمعلومات من مخيلتهم الخاصة(21)، أو قد يستلون أخبارًا غير موثوقة ولم يتحروا عنها مسبقًا، فينشرونها كأنها أخبار حقيقية وموضوعية.
يمكن لهذه الأخبار غير الموثوقة أيضًا أن تُشوِّه سمعة المؤسسة الإعلامية بشكل مباشر من خلال اتهامها بالتحيز والتواطؤ وعدم الكفاءة، علاوة على ذلك، فإن وجود هذه الأخبار والمعلومات المضللة في الفضاءات العامة، الرقمية وغير الرقمية، يمكن أن يُقلِّل من مصداقية الأخبار المشروعة ذاتها، فتكون عرضة للتشكيك والمساءلة. وقد يصل الأمر لحد السخرية وعدم المبالاة تجاه أخبار المؤسسة كلها، ويتعدى الأمر ذلك لتقع بعض المؤسسات الإعلامية في الفظاظة في تغطية الشؤون الجارية بدافع إثارة المتابعين والجمهور، وتقديم الاستثناء في الأخبار والصور والفيديوهات. لكن في حقيقة الأمر تعرِّض نفسها تدريجيًّا لما يسمى بتآكل الثقة الجماهيرية، ومع الوقت تتفكك علاقة الثقة بين المؤسسة وجمهورها(22)، وتفقد هويتها الأصيلة باعتبارها مؤسسة تنشر الأخبار الصادقة والحقيقية. وسيحدث تحول على مستوى مركز الثقة من المؤسسة الإعلامية التقليدية إلى فضاءات الإعلام الاجتماعي التي ستتحول إلى ملاذ للمستخدمين الذين يبحثون عن الأخبار والمعلومات.
كما أن مسار اكتساب مؤسسات الإعلام للثقة مرتبط بمستوى إدراكها العام لبعض المعايير والمبادئ ومدى تنفيذها عمليًّا أيضًا، مثل الدقة والإنصاف والتوازن في مقابل الانحياز، والتعددية في مقابل الأحادية، والثقة في مقابل التشكيك، والتكامل والشمولية في مقابل التجزئة، فضلًا عن الكفاءة المهنية والوضوح وحرية الممارسة الإعلامية ومراعاة اهتمام الجمهور. هذه المعايير مجتمعة تبني منظومة الثقة في مؤسسات الإعلام، وهو ما يصنع هويتها المهنية، ويجعلها مستعصية على التفكك والتصدع.
إن العلاقة الارتباطية الموجودة بين الهوية المؤسساتية والثقة متينة، وتشتد كلما زاد منسوب الثقة والمصداقية في مؤسسات الإعلام، وتنخفض كلما تفككت منظومة الثقة مع وقوع مؤسسات الإعلام في فخ التضليل والتزييف، وكذا الابتذال والإسفاف، ضمن هذه الحركية تتموقع الهوية المؤسساتية لوسائل الإعلام.
إن انتشار ظاهرة الأخبار الزائفة لا يقتصر على سياق اجتماعي أو جغرافي أو ثقافي معين، بل تُعد ظاهرة عامة يشترك فيها مستخدمو الإعلام الاجتماعي كما الصحفيون المحترفون، لذلك اعتمد الكثير من المؤسسات الإعلامية آليات متعددة للكشف والتحري عن الأخبار الزائفة وتحليل الصور والفيديوهات، مثل قناة الجزيرة التي أسست وحدة الرصد والتحقق، ثم لاحقًا وكالة سند داخل غرف الأخبار. وكان من أبرز مهام هذه الوحدة التحقق من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون على اعتبار أن هذا المحتوى قد بات مصدرًا مهمًّا من مصادر الأخبار يوازي في أهميته مصادر الأخبار التقليدية داخل غرفة الأخبار (المراسلون ووكالات الأنباء)(23). وخصصت قناة “بي بي سي” (BBC) أيضًا وحدة للتحقق من الأخبار الكاذبة، ووضعت برنامجًا لتدريب الإعلاميين الشباب لكشف الأخبار الوهمية على الإنترنت باسم برنامج “بايت سايز” (Bitesize)(24)، وأسس عدد من المؤسسات الإعلامية وحدات مماثلة لتدريب وتمكين الصحفيين من التعامل مع القصص الإخبارية والمعلومات التي تصلهم بصورة احترافية دون الوقوع في فخ المزيف منها والمضلل.
- تمثلات الإعلاميين ومؤسسات الإعلام لمسألة الهوية المهنية وعلاقتها بالأخبار الزائفة
يرتبط مفهوم الهوية المهنية المؤسساتية بمسألة الأدوار الاجتماعية التي يمارسها الصحفيون أنفسهم، أي بتوقعات المجتمع والجمهور بما يفعله وينتجه هؤلاء الصحفيون، استنادًا لما هو متوقع منهم ومما يمارسونه فعليًّا في أرض الواقع، كما يرتبط بإضفاء أو نزع الشرعية عنهم مثلما بيَّن الأكاديميان توماس هانيتش (Thomas Hanitzsch) وهنريك أورنيبرينغ (Henrik Örnebring)(25)، فـي مجـال يتصـارع فيـه الصحفيـون حــول هويــة المهنة التي يمارسونها ومكانهــا فــي المجتمــع؛ إذ عادة ما يتوقع المجتمع من الصحفيين معايير عالية من النزاهة، والموضوعية، والصدق، والكفاءة، وعدم الوقوع في الخطأ…إلخ، أو ما يتوقعه الصحفيون لأنفسهم أن يمارسوا مهنتهم في ظل الحرية، والوصول إلى مصادر الأخبار، وعدم خضوعهم لأية ضغوط، وتوفر الإمكانيات المادية والبشرية. وتتسم تمثلات الصحفيين عن أنفسهم في الغالب بالتقدير الإيجابي لما يجب أن يكون عليه وضعهم المهني، فهم يتوقعون أن يتموضعوا اجتماعيًّا في المؤسسة كجماعة انتماء عضوي، على حد تعبير الباحث في علم النفس الاجتماعي، سيرجي موسكوفيتشي (Serge Moscovici)(26)، أي تتولد لديهم مشاعر الارتباط بمكان العمل، إلا أن ممارسة المهنة واقعيًّا تفرض عليهم تمثلات أخرى تختلف عن توقعاتهم أو توقعات المجتمع عنهم. فتحقيق مبادئ الحرية، والحياد، والالتزام، والسلطة، يكون نسبيًّا، وتكاد تشكل مبادئ مثالية مصادرة يناضل الكثير من الصحفيين لاستردادها.
ترتبط الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام أيضًا بمبدأ الاختلاف والتنوع، فلكل مؤسسة هويتها التي تميزها عن غيرها، وحتى مصطلح الهوية نفسه يحيل إلى التميز، فهي تُعرَّف بأنها “ماهية الشيء”، وعلى أساسها يمكن التمييز بين فرد وآخر ومجموعة وأخرى. كما تعرف بمجموعة الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد وتحدد سلوكه، أو كيفية إدراكه لنفسه(27)، وتتشكَّل الهوية المهنية لوسائل الإعلام عبر مسارات متفاعلة، لأنها تشير في البداية إلى الصورة التي تبنيها المؤسسة عن نفسها، ثم الصورة التي تسعى إلى إيصالها للآخرين. وأخيرًا، يتم بناء الهوية من خلال الصورة التي يرسلها الآخرون إلى المؤسسات نفسها، وكذلك التعبير عن توجهاتهم وتفاعلاتهم المختلفة عبر مختلف الوسائط. ومن ثم فإن الهوية نتيجة لعملية البناء، وتفاعل هذه المسارات الثلاثة(28).
لقد عرف مفهوم الهوية المهنية في مجال الإعلام تحولات كبيرة مع التغيرات الرقمية، فقد أثرت هذه التحولات على مسارات بناء الهوية؛ إذ تجرد الصحفي في الوقت الحالي من بعض الأدوار والوظائف التقليدية، فلم يعد منتجًا وحيدًا للأخبار وشاهدًا فريدًا على ما يجري لينقله إلى الجمهور، لقد أصبح العديد من المؤسسات غير الصحفية ينتج الأخبار ويوزعها، ويشترك في ذلك العديد من الأفراد خارج دائرة مهنة الصحافة.
أنتج هذا التغير في مفهوم الهوية ذاته مشتغلين في مهنة الصحافة لا يتوافر لديهم “البروفايل” أو الملمح الصحفي، على حد تعبير الباحث مراح عيسى(29)، فتسلل للمجال مؤثرون وناشطون اجتماعيون، وفنانون…إلخ، فتقمصوا هوية الصحفي بنشر أخبار، وإجراء تغطيات إعلامية، وتصوير برامج وحصص، ونقل مضامين إخبارية، وتبنى الكثير منهم صفة إعلامي، وصحفي، ومذيع…إلخ، دون أن تكون لديهم أية خلفية مهنية صحفية ولا تكوين أكاديمي في المجال، ولا دراية بالمواثيق والأخلاقيات الصحفية. ولم يسبق لهم الانضمام لنقابات واتحادات الصحفيين، ولم تربطهم علاقة مهنية مسبقًا بأية مؤسسة إعلامية، لكن لهم المقدرة على استقطاب المتابعين والمهتمين، وإنشاء صفحات وقنوات على شبكات التواصل الاجتماعي، فقرروا تقمص هذا الدور الاجتماعي، والانتماء لجماعة مرجعية (الصحفيين) ليست من مجموعة انتماءاتهم الأصلية(30). فحين لم يستطيعوا امتلاك هوية صحفية بالمسارات الطبيعية (التعليم، والتكوين، والتوظيف والانتماء للمؤسسة) لجؤوا إلى الأساليب السريعة (صحفي مواطن، مؤثر اجتماعي، صحفي في الإعلام الاجتماعي…إلخ).
إن التحولات التي حدثت على مستوى مفهوم هوية الصحفي لم تنتج فقط جماعات دخيلة على المهنة، بل أنتجت تحديات كثيرة، بدءًا بتحدي حماية هذه الهوية ضمن البيئة الرقمية؛ إذ تتعرض المضامين الرقمية التي ينتجها الصحفيون للسطو والسرقة والانتحال بصورة متواصلة، ويُعاد نشرها دون مراعاة لأية أخلاقيات معينة، ومن الصعب إجرائيًّا تتبع وملاحقة جميع المنتحلين، فتتعرض حقوق الصحفيين للسطو، خاصة في ظل غياب تشريعات محلية ودولية في مجال حماية الممتلكات الفكرية والمعنوية، وحتى إن توافرت دوليًّا إلا أن آليات تنفيذها معقدة وتقريبًا مستحيلة.
وهناك تحدٍّ آخر يهدد الهوية المهنية للصحفيين وهو تحد أخلاقي(31) يرتبط بمستوى السطحية والغوغائية التي يقع فيها عدد من الصحفيين، بسبب تهافتهم على الإثارة بدافع استمالة أكبر عدد من المتابعين والقراء والمشاهدين، فتحوَّل الدور الاجتماعي للصحفي من الجدية والتثبت من صدقية الأخبار إلى التسرع والسطحية في المتابعة.
وتواجه الهوية المهنية للصحفي تحديًا آخر هو تشاركية الجمهور؛ إذ حدث تحوُّل على مستوى العلاقة التفاعلية للصحافة بالجمهور، فأصبحت الحدود بين الجمهور والصحفي وهمية وشفافة، منفتحة من الطرفين، كما أن المؤسسة الإعلامية أو الصحفي الذي لا يساير هذا المنطق المفروض يجد نفسه منعزلًا ووحيدًا. فقد تغيرت بنية الجمهور ولم يُعد ذلك الجمهور التقليدي الذي يكتفي بالتلقي، بل يقحم نفسه ويشارك ويتفاعل ويسهم حتى في صنع المضامين والأخبار.
ويرتبط التحدي الرابع الذي يواجه الهوية المهنية للصحفي بالتحوُّل على مستوى المهارات؛ إذ تغيَّر شكل المهنة الصحفية في الفترة الأخيرة، فاختفت أو تراجعت أهمية العديد من المهن المرتبطة بالصحافة، خاصة ما يتعلق بالنشر والطباعة، في مقابل بروز مهنة الصحافة الإلكترونية. كما ظهرت وظائف جديدة، مثل محرر رقمي، ومصمم الوسائط المتعددة، والتصميم الجرافيكي…إلخ. وقد غيَّرت هذه المهن الجديدة بشكل جذري من هوية الصحفي، وأدواره الاجتماعية داخل مؤسسته الإعلامية وخارجها.
من خلال التعرض لأبرز التحولات التي عرفتها مهن الإعلام، وما نتج من تغير أيضًا على مستوى هوية الصحفي ذاته، سيتناول الباحث في الجانب الميداني للدراسة قياس وتحليل اتجاهات بعض الصحفيين، من خلال عينة من المؤسسات الإعلامية الجزائرية، للتعرف على مواقفهم تجاه مسألة الهوية المهنية وارتباطها بشكل خاص بقضية الأخبار الكاذبة، وهل يغيِّر نشر هذا النوع من الأخبار من بنية الهوية المهنية ومن توقعات الجمهور نحوها، وهل يسهم نشر هذا النوع من الأخبار في تصاعد حدة الاستقطاب الأيديولوجي لدى الجمهور المتلقي لتلك الأخبار.
- تأثير الأخبار الكاذبة على الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام في الجزائر
لاستقصاء تأثير الأخبار الكاذبة في تشكيل أو تغيير الهوية المهنية لمؤسسات الإعلام بالجزائر، أجرى الباحث استطلاعًا للرأي على عينة من مسؤولي مؤسسات الإعلام باختلاف تصنيفاتها: العمومية والخاصة، والتقليدية والرقمية، والإخبارية والموضوعاتية. وفي ظل ما يميز قطاع الإعلام الواسع جدًّا والمتنوع من حيث الملكية والتوجهات التحريرية؛ إذ توجد في الجزائر أكثر من 180 جريدة (يومية، وغير يومية، رقمية وغير رقمية)، ثم هناك 55 إذاعة (5 إذاعات وطنية، وأخرى جهوية وموضوعاتية)، وعشرات القنوات التليفزيونية الحكومية والخاصة(32)، اعتمد الباحث عينة عشوائية قوامها 30 مفردة من مؤسسات الإعلام، وأجرى استطلاعًا للرأي عبر استبيان إلكتروني أُرسِل لأكثر من 50 مسؤولًا في هذه المؤسسات (مديري تحرير، رؤساء تحرير، رؤساء أقسام)، لكن استجاب منهم 30 فقط خلال الفترة الممتدة من مايو/أيار إلى 25 سبتمبر/أيلول 2022.
جدول (1): المؤسسات الإعلامية المعنية بالدراسة
م | اسم المؤسسة الإعلامية | تصنيفها |
1 | الشروق | جريدة وطنية خاصة |
2 | InfoSoir | جريدة إلكترونية |
3 | Sétif Info | موقع إخباري |
4 | Algérie Focus | موقع إخباري |
5 | الخبر | جريدة وطنية خاصة |
6 | النصر | جريدة حكومية |
7 | المساء | جريدة حكومية |
8 | الشعب | جريدة حكومية |
9 | Horizons | جريدة حكومية |
10 | صوت سطيف | موقع إخباري |
11 | الوطنية نيوز | موقع إخباري |
12 | El Watan | جريدة وطنية خاصة |
13 | إذاعة سطيف | إذاعة محلية |
14 | إذاعة بجاية | إذاعة محلية |
15 | قناة النهار | قناة تليفزيونية خاصة |
16 | قناة البلاد | قناة تليفزيونية خاصة |
17 | قناة الحياة | قناة تليفزيونية خاصة |
18 | Maghreb Emergent | موقع إخباري |
19 | Algérie 360 | موقع إخباري |
20 | Algérie-focus | موقع إخباري |
21 | Impact24 | موقع إخباري |
22 | Sabqpress | موقع إخباري |
23 | الجزائر نيوز | جريدة وطنية خاصة |
24 | آخر ساعة | جريدة وطنية خاصة |
25 | البلاد | جريدة وطنية خاصة |
26 | المحور | جريدة وطنية خاصة |
27 | المجاهد الأسبوعي | جريدة حكومية |
28 | الجمهورية | جريدة وطنية خاصة |
29 | الجزائر تايمز | موقع إخباري |
30 | أخبار دزاير | موقع إخباري |
توزيع متغيرات عينة الدراسة (مسؤولي المؤسسات الإعلامية)
بحث استطلاع الرأي الذي أُجري على عينة من مسؤولي المؤسسات الإعلامية بالجزائر في عدد من المتغيرات التي تحدد سمات وخصائص هذه الفئة، ومما توصلت إليه الدراسة:
– الجنس: بلغت نسبة الذكور الصحفيين 53.6%، ونسبة الإناث 46.4%، ويؤشر ذلك إلى وجود توازن نسبي بين الذكور والإناث الذين يشتغلون في قاعات التحرير، وفي المناصب الإعلامية القيادية في الإعلام الجزائري؛ الأمر الذي يؤكد أن عامل الجنس غير مؤثر بصورة حاسمة، سواء على مستوى تشغيل الصحفيين وتوظيفهم، أو على مستوى أدائهم داخل قاعات التحرير.
– السن: معظم أفراد عينة الدراسة تزيد أعمارهم عن 35 عامًا بنسبة 88.5%، وهو ما يشير إلى أن المناصب القيادية في الإعلام الجزائري لا تزال تُسنَد لذوي الخبرة، لكن هناك بعض المناصب الأخرى، مثل مسؤولي أقسام، أصبحت تُسنَد للصحفيين الشباب، خاصة على مستوى المواقع الإخبارية.
– سنوات الخبرة: نسبة كبيرة من الصحفيين لديهم خبرة في العمل الصحفي تزيد عن 15 عامًا؛ إذ بلغت نسبتهم 85.9%، وتطابق هذه النتيجة ما توصلت إليه الدراسة على مستوى متغير السن، فأغلبية المسؤولين في مؤسسات الإعلام ذوو خبرة تزيد عن 15 عامًا.
– الدرجة الأكاديمية: بلغت نسبة أفراد عينة الدراسة من الحاصلين على شهادة الإجازة 65.6%، أما الذين تابعوا “الدراسات العليا” (الماجستير والدكتوراه) فبلغت نسبتهم 34.4%. وقد لاحظ الباحث أن جميع أفراد العينة الذين تواصل معهم يملكون تكوينًا جامعيًّا لا يقل عن شهادة الإجازة.
– المنصب الوظيفي: معظم أفراد العينة من الصحفيين يتولون منصب “رئيس تحرير” بنسبة 46.4%، ثم “مدير تحرير” بنسبة 22.5%، ثم “رئيس قسم” بنسبة 17.6%، ثم “محرر صحفي” بنسبة 13.5%.
حجم تأثير الأخبار الكاذبة في الهوية المهنية لعينة الدراسة
– ركز السؤال الأول للدراسة على: “ما مدى إدراك الصحفيين للأخبار الكاذبة من حيث التوصيف والتحديات؟”، وقد لاحظ الباحث من خلال إجابات الصحفيين حول فقرة: “مدى إدراك وتمييز الصحفيين للأخبار الزائفة عن الصحيحة”، أن إدراك الصحفيين قد حصل على درجة متوسطة؛ إذ بلغ المتوسط الحسابي (3.52)، بينما حصلت الفقرة المرتبطة بإدراك المعضلات الأخلاقية التي ينبغي الانتباه لها أثناء نشر الأخبار الكاذبة على درجة مرتفعة (4.48). وحصلت الفقرة: “يدرك الصحفي أن الأخبار الزائفة تؤدي إلى هدم جسور الثقة مع الجماهير” على أعلى نسبة (5.35)، وحصلت الفقرة: “يدرك الصحفي أن الأخبار الكاذبة تدفع الجمهور إلى التردد بين التكذيب والتصديق؛ ما يؤثر في صورة ومصداقية المؤسسة الإعلامية” على أدنى الدرجات (3.17).
وتبيِّن الدرجات السابقة أن أغلب الصحفيين لديهم إدراك تجاه مخاطر الأخبار الكاذبة، ووعي بتحديات التأثير في مصداقية الأخبار، وقدرتها على زرع الشك والتردد في نفوس الجماهير حين يتعاملون مع مضامين الرسائل الإعلامية التي يتلقونها. وقد أظهر الصحفيون في الإعلام العمومي وعيًا أكبر تجاه ضرورة التقيد بأخلاقيات نشر الأخبار أكثر من زملائهم من الإعلام الخاص، لاسيما الإعلام الرقمي. وهذا مرده إلى السياسات الصارمة التي تضعها المؤسسات الإعلامية العمومية أثناء التعامل مع الأخبار، مقارنة بالمواقع الإخبارية التي تفسح في المجال للصحفيين المتعاونين والمستقلين، ولا تربط أغلبهم علاقات مهنية رسمية مع المؤسسة. لذلك يكونون أقل التزامًا مهنيًّا أثناء التعامل مع نشر الأخبار.
– ركز السؤال الثاني للدراسة على أساليب تعامل الصحفيين مع الأخبار الكاذبة: “كيف يتعامل الصحفيون الجزائريون مع الأخبار الكاذبة أثناء ممارساتهم المهنية؟”، وحصلت الفقرات التالية: “التحقق من الأخبار ونبذ التضليل والمعلومات المغلوطة، النزول إلى موقع الحدث للتحقق من صدقية الأخبار، التحقق من الأخبار من مصادر مختلفة، استشارة الصحفيين ذوي الخبرة عند مناقشة أخبار كاذبة للتحقق منها”، على درجات مرتفعة تراوحت بين (3.55-3.87). أما الفقرات: “أنشر الأخبار الزائفة دون تحقق، بدافع البحث عن السبق الصحفي، أنشر أخبار قد تكون كاذبة حين يحدث تضارب في الأخبار من مصادر مختلفة، ولا يكون لدى الوقت الكافي للتحقق منها، أنشر الأخبار الكاذبة بحثًا عن الإثارة ورغبة في استثارة الجماهير”، فحصلت على درجات متوسطة وتراوحت بين (3.05-3.65). ويبدو من هذه المؤشرات أن أغلب الصحفيين لا يقصدون نشر الأخبار الكاذبة من منطلق مهني أخلاقي، ويحاولون التحري عن الأخبار الصادقة، لكن فئة أخرى منهم قد تنشر الأخبار الكاذبة عن قصد، بحثًا عن الإثارة أو اقتصادًا للوقت والجهد، وسعيًا وراء السبق والسرعة في الوصول للخبر، واتضح أن أغلبهم يشتغلون في المواقع الإخبارية.
فتستغل الأخبار الزائفة طموحات ومعتقدات الجمهور من خلال تقديم محتوى مثير ومتناقض مع مصادر موثوقة، ويسهم ذلك في تعميق حدة الاستقطاب الأيديولوجي. فعندما تركز أخبار الإثارة على القضايا المثيرة، يمكن أن تؤثر في تعميق الانقسامات القائمة بين فئات الجمهور المختلفة، وهو ما يؤدي إلى تعزيز التمايز السياسي والثقافي والأيديولوجي بين أفراد الجمهور.
– كان محور سؤال الدراسة الثالث: “هل يتحرى الصحفيون أثناء عملهم معايير عالية من الصدق والنزاهة، كما يتوقع منهم الآخرون؟”، ولاحظ الباحث أن فقرة: “أحاول أن أجعل مهنتي كصحفي في مستوى تطلعات الجمهور” حصلت على درجة مرتفعة (4.49)، بينما حصلت فقرة: “ألتزم الصدق والنزاهة مبدأ أخلاقيًّا وقيميًّا دون النظر في توقعات الآخرين تجاهي” على درجة أقل (3.15). وحصلت فقرة: “ألتزم الصدق والنزاهة لأكون عند مستوى توقعات المسؤولين عني في العمل” على درجة متوسطة (3.63).
ويتضح من خلال مؤشر المتوسط الحسابي أن أغلب الصحفيين يسعون إلى أن تكون مهنتهم كصحفي في مستوى توقعات الجمهور فيما يتعلق الالتزام المهني بأخلاقيات الحياد والصدق في تغطياتهم الإخبارية، والابتعاد عن مظاهر التضليل أو التزييف. وظهر جليًّا أن الصحفيين المشتغلين في قطاع الإذاعة والتليفزيون ينتمون لهذه الفئة. وكما أشار الباحث في الجانب النظري للدراسة فإن هوية الصحفي ومؤسسته مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بما يتوقعه الجمهور.
– وفي سؤال الدراسة الرابع: “هل يتوافر للصحفيين ما يتوقعونه من معايير لممارسة مهنتهم بكفاءة وبكل حرية؟”، لاحظ الباحث أن فقرة: “ما يتم توفيره من آليات وشروط لأداء المهنة لا يتوافق مع مستوى توقعاتي” حصلت على أعلى درجة (5.20)، بينما حصلت الفقرات التالية: “مناخ الحرية المتاح لممارسة المهنة لا يتواءم مع توقعاتي المسبقة تجاه ممارسة حرية الإعلام، ما يتم توفيره من آليات لممارسة المهنة داخل قاعات التحرير يتوافق مع توقعاتي، الضغوط المهنية أثناء ممارسة العمل لم تكون متوقعة بالنسبة إليَّ”، على درجات أقل تراوحت بين (3.05-3.60).
ويبدو من خلال المؤشرات السابقة أن النسبة الغالبة من الصحفيين المستجوبين كانت توقعاتهم مرتفعة تجاه ما سيتم توفيره من مناخ عمل، سواء فيما يتعلق بالجانب غير المادي، لاسيما مستوى الحريات والدعم المعنوي، أو ما يتعلق بالجانب المادي، مثل توفير الظروف الاجتماعية المهنية الملائمة. لكن توقعاتهم المسبقة اصطدمت بواقع آخر، حيث إن بيئة العمل الصحفي، سواء داخل قاعات التحرير أو خارجها، لم تضمن لهم فضاءات مهنية مناسبة لأداء عملهم كما يجب.
واتضح أن من ينتمي لهذه الفئة هم المشتغلون في الصحافة الوطنية الخاصة، باللغتين العربية والفرنسية، لاسيما في ظل تدهور المكانة الاجتماعية والاقتصادية للكثير من المشتغلين في هذا القطاع، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها أغلب الصحف، نتيجة تراجع المبيعات وانخفاض الموارد المالية التي كانت تأتي من الإعلانات. فقد أفلس عدد من الصـــــــحف وأغلق أبوابه على غرار “ليبرتي” (Liberté) و”لاتربين (La Tribune)، وجريدة “الوطن” (El-Watan) العريقة أيضًا تعاني لغاية الآن من أزمات مالية خانقة تدفعها للاستمرار بشق الأنفس.
– وفي سؤال الدراسة الخامس: ” كيف يتمثل الصحفيون القيم المهنية في مهنة الصحافة وممارستها؟”، لاحظ الباحث أن فقرة: “أسعى لتوجيه الجمهور لقضايا معينة وفق توجهات مسبقة”، حصلت على نسبة مرتفعة (4.65)؛ إذ يظهر أن هناك نزوعًا واضحًا لدى الصحفيين الجزائريين للمشاركة والانخراط وعدم الاكتفاء بالحياد. ويبدو أن دور أغلب الصحفيين لا ينحصر فقط في نقل الأخبار بل توجيهها والتعليق عليها، وهذا ما تؤكده نظرية ترتيب الأولويات التي أشرنا إليها سابقًا. أما الفقرات التالية: “قد ألجأ إلى إبداء مواقفي عبر أساليب ملتوية كاللجوء إلى خبراء أعرفهم مسبقًا كي يقدموا الرأي الذي أرغب في نشره، أوظف صورًا وفيديوهات منتقاة لأُظهرها على أنها رأي الجمهور، أنشر مواقف رأي وأنسبها لخبراء ومحللين وهي ليست كذلك”، فقد حصلت على درجات أقل، وتراوحت بين (3.75-3.10).
ويبدو من المؤشرات السابقة أن هناك من الصحفيين من يمارس التضليل والالتواء في التعامل مع الجمهور، ولا يلتزم بالحياد والموضوعية في ممارسة مهنته، فيلجأ إلى تدليس الحقائق واقتباس شهادات غير صحيحة لخبراء ومحللين، وانتقاء مقاطع وصور وفيديوهات تخدم أجندات معينة. واتضح أن أغلب من ينتمي لهذه الفئة هم الصحفيون المشتغلون في المواقع الإخبارية، وذلك نتيجة للمعايير المتساهلة في التعامل مع نشر وبث الأخبار، وعدم الالتزام بضوابط مهنية وأخلاقية صارمة. كما أن أغلب من يشتغل في هذه المواقع لا تربطهم علاقة مهنية مؤسساتية واضحة مع هذه المواقع، ولا ينتمون وظيفيًّا لنقابات واتحادات صحفية، ولم يسبق لهم أن حظوا بتدريب مهني في مسألة التعامل مع الأخبار الكاذبة، أو في مسألة تمثيلهم لهوية المؤسسة التي يشتغلون بها؛ لذلك يستسهلون الوقوع في التضليل ولا يعون عواقبه على مؤسساتهم وجمهورهم بصورة عامة.
وليس هناك شك في أن ذلك سيؤثر سلبًا على الهوية المهنية للصحفيين، فتتحوَّل من هوية ملتزمة أخلاقيًّا بقيم الحياد والنزاهة والموضوعية، إلى هوية تتصف بالتضليل والتحيز، فيحدث هناك نزاع وظيفي في مسؤولية الصحفي المجتمعية بين الحياد والموضوعية أو التضليل والتدليس.
بشكل عام، يمكن أن يؤدي تحول هويات الصحفيين من مصادر موثوقة ومحايدة إلى مصادر منحازة إلى تعميق الانقسامات السياسية والاستقطاب الأيديولوجي، وذلك من خلال تأثيرهم في ثقة الجمهور ومشاركتهم في النقاشات وتشكيل الرؤى والآراء، ويتضح ذلك من خلال عدة مؤشرات:
أولًا: عندما يتغير دور الصحفيين من كونهم معلقين محايدين إلى أفراد ينتمون إلى اتجاه معين من الأفكار؛ إذ يمكن لهذا التحول أن يعزز من استقطاب الجمهور، وتكون هوياتهم المهنية جزءًا من المشهد السياسي والأيديولوجي، ومن ثم تؤثر في تعميق الانقسامات والاختلافات بين المجتمعات.
ثانيًا: عندما يشعر الجمهور أن الصحفيين لم يعودوا مصدرًا موثوقًا يمتلكون هوية مهنية قائمة على النزاهة والموضوعية، يمكن أن ينتج عن ذلك تدهور في مستوى الثقة، كما أن تراجع الثقة في وسائط الإعلام يزيد من الاستجابة للأخبار المتطرفة والتي تتوافق مع الآراء المسبقة للجمهور.
ثالثًا: عندما يصبح لدى الجمهور تصوُّر بأن وسائل الإعلام تميل نحو أوجه معينة من الاعتقادات والآراء، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعميق الانقسامات السياسية. فالأخبار المحسوبة على جهة معينة يمكن أن تدفع الجمهور إلى الارتباط بتلك الأخبار، وتكوين مجتمعات رقمية تؤيد تلك الجهة وتنتقد الجانب المعارض.
- نتائج الدراسة
بعد إجراء المقابلات مع بعض الصحفيين المشتغلين في الإعلام الجزائري، ودراسة نتائج استطلاع الرأي، في سياق نظرية ترتيب الأولويات، خلصت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات:
– معدل وعي وإدراك الصحفيين للأخبار الكاذبة وتوصيفها وفهم تحدياتها ذو درجة مرتفعة.
– أظهر الصحفيون المشتغلون في الإعلام العمومي وعيًا أكبر تجاه ضرورة التقيد بأخلاقيات نشر الأخبار.
– الصحفيون المشتغلون في قطاع الإذاعة والتليفزيون أكثر وعيًا فيما يتعلق بالالتزام المهني بأخلاقيات الحياد والصدق في تغطياتهم الإخبارية.
– أظهرت الدراسة أن أغلب الصحفيين يسعون إلى أن تكون مهنتهم كصحفي في مستوى توقعات الجماهير، فيما يتعلق بتجنب الأخبار الزائفة والالتزام بالصدق والنزاهة.
– بيَّنت الدراسة أن أغلب الصحفيين المشتغلين في المواقع الإخبارية هم من يقع في فخ نشر الأخبار الزائفة نتيجة المعايير المتساهلة التي يتعاملون بها أثناء نشر وبث الأخبار، فعندما يتم نشر الأخبار بدون التحقق الكافي من مصادرها وصحتها، يمكن أن يحدث تمييز فيما يتم اختياره للنشر. فإذا كانت الأخبار متسقة مع توجه أو اتجاه معين، فإنها قد تتسبب في تعزيز التحيز الأيديولوجي للجمهور المعني.
– أظهرت الدراسة أن انتشار الأخبار الزائفة على نطاق واسع عبر المواقع الإخبارية يمكن أن يؤدي إلى تكوين بيئات رقمية متشددة؛ حيث يتجمع الأفراد الذين يؤمنون بنفس الآراء والمعتقدات. هذه البيئات تعزز التفاعل بين الأفراد الذين يتفقون على آراء مشابهة، مما يزيد من حدة الاستقطاب الأيديولوجي.
– أظهرت الدراسة أن الصحفيين يتمثلون قيم المهنية في العمل الصحفي حين يقتنعون أنهم يمتلكون الحقائق وقادرون على توجيه الجمهور نحو الحقائق والأحداث، فقد يسهم ذلك في توجيهه نحو اتجاهات معينة وتعزيز الاستقطاب الأيديولوجي. وهذا ما يتوافق مع افتراضات نظرية ترتيب الأولويات.
– بيَّنت الدراسة أن نسبة كبيرة من الصحفيين الجزائريين يعيشون صراعًا وظيفيًّا على مستوى الهوية بين الالتزام بمبادئ الحياد والنزاهة وبين النزوع للتضليل والتوجيه في معالجة الأخبار. فالتوتر الوظيفي الذي يعيشه الصحفيون بين الالتزام بالحياد والنزاهة وبين التوجيه والتضليل يمكن أن يكون له علاقة وثيقة بالاستقطاب الأيديولوجي والسياسي من خلال توجيه الأخبار لصالح آراء محددة، ومن ثم التأثير في تشكيل وجهات نظر الجمهور وتوجيهه نحو معتقدات معينة. هذا التأثير الإعلامي يزيد من التوترات السياسية والانقسامات بين الجمهور، ويمكن أن يؤثر في تشويه الصورة العامة للأحزاب والجماعات. وبذلك يصبح التوتر الوظيفي لدى الصحفيين في معالجة الأخبار عاملًا مهمًّا في تكريس الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي.
– اتضح من خلال الدراسة أن نسبة كبيرة من الصحفيين الجزائريين يجدون أنفسهم في مسافة فاصلة بين السعي لممارسة الحرية والحق في نقل الأخبار كما هي، وبين الضغوطات السياسية والاقتصادية والمهنية التي تواجههم يوميًّا، وتجعلهم يحيدون عن واجبهم الأخلاقي في تكريس الحرية، وحقهم في الوصول للأخبار ونقلها دون قيود.
خاتمـــة
تُعد الثقة ركيزة أساسية لأية علاقة صحية بين الإعلام والمجتمع، خاصة عندما تعتمد المجتمعات على المحتوى الرقمي للحصول على المعلومات واتخاذ القرارات؛ إذ يجب أن تكون هناك ثقة قوية في صحة ودقة هذا المحتوى. فإذا انتشرت الأخبار الزائفة دون تحقق أو تدقيق، فإنها تهدد الثقة وتزعزع الأسس الأساسية للمعرفة والتواصل. كما أن للمؤسسات الإعلامية مسؤولية مهنية ومجتمعية في مكافحة الأخبار الزائفة؛ إذ يجب أن تلتزم بمعايير النزاهة والشفافية والأخلاق المهنية في عملها، ويتعيَّن على الصحفيين أن يتبعوا ممارسات صحافة الحقيقة والتحقق من الأخبار قبل نشرها.
ويرتبط انتشار الأخبار الزائفة كذلك بشكل وثيق بالاستقطاب الأيديولوجي والسياسي؛ إذ تعمل هذه الأخبار على تعزيز المعتقدات القائمة وتوجيه الجمهور نحو آراء محددة تتوافق معها، وتسهم هذه الظاهرة في تشويه الحقائق وإضعاف الجدية والموثوقية في المحتوى الإعلامي؛ مما يعزز التصاعد في التوترات السياسية والاستقطاب بين مختلف الفئات في المجتمع(33). وهنا، تأتي مسؤولية المؤسسات الإعلامية والصحفيين في تبني معايير النزاهة والشفافية والتحقق من الأخبار قبل نشرها للحفاظ على الثقة وتقليل تأثير الأخبار الزائفة في الاستقطاب والتوتر السياسي والأيديولوجي.
فلا يزال بعض الإعلاميين في الجزائر يعيشون صراعًا وظيفيًّا في مؤسساتهم الإعلامية بين السبق لنشر الأخبار -ولو تطلب ذلك تجاوز القيم الصحفية مثل قيم الحقيقة والموضوعية- وبين الضغوط الإدارية الكبيرة التي تمارَس عليهم من قِبَل مديري ورؤساء التحرير، أو من قِبَل السلطات الحكومية التي تمارس عليهم رقابة وتوجيهًا يصل لحد المتابعة القضائية والسجن؛ وهو ما يدفعهم للبحث عن تموقع آمن، يجنِّبهم المساءلة والضغط، ويمكِّنهم من نشر ما يريدون، إلا أن سعيهم الحثيث للتموقع ضمن مسافات آمنة يدفعهم في كثير من الحالات إلى الوقوع في محاذير غير متوقعة أهمها عدم منح أنفسهم الوقت الكافي للتحري عن مصداقية الأخبار فيقعون في فخ نشر الأخبار المزيفة.
علاوة على ذلك، فاستغلال الأخبار الزائفة لتشكيل الرأي العام وتوجيهه باتجاه محدد يؤدي إلى زيادة الاستقطاب بين مختلف الفئات في المجتمع، فتزيد الأخبار الزائفة من عدم الثقة في المصادر الإعلامية، مما يعزز من استمرار الاستقطاب والتوترات السياسية والأيديولوجية، جراء استغلال مشاعر الغضب والانزعاج؛ فيتم تحفيز الردود العاطفية المتشددة وتصاعد التوترات لدى الأفراد، ويسهم ذلك في تفاقم الاستقطاب وتعميق الخلافات لديهم، مما يعزز من التشدد السياسي والأيديولوجي ويعقِّد من فرص التواصل والحوار المثمر.
لا يواجه هذه التحديات الصحفيون فقط كأفراد، بل باتت مؤسساتهم الإعلامية أيضًا تواجه ضغوطًا غير طبيعية في السنوات الأخيرة بين تسارع الأخبار وهجرة الجمهور للإعلام الاجتماعي وتراجع المداخيل المالية، وبين تدخلات أجهزة الحكومة وقيودها على حرية التعبير والصحافة والتضييق على مؤسسات الإعلام، التي أغلق عدد منها أبوابه.
إن وجود هذه التحديات لا يُعد مبررًا طبعًا لنشر الأخبار الزائفة، فعندما يُتهم الصحفيون والمؤسسات الإعلامية بنشر أخبار زائفة، فإن ذلك يؤثر في مصداقيتهم وسمعتهم، ويؤثر أيضًا سلبيًّا في ثقة الجمهور فيما يقدمونه من محتويات، مما يضر بهوية المؤسسات الإعلامية وقدرتها على تقديم المعلومات الموثوقة.
لذا، يجب على مؤسسات الإعلام في الجزائر إذا أرادت الاشتغال على تعزيز هويتها المهنية، واستعادة مصداقيتها الإعلامية أن تسعى لتحقيق ما يلي:
– تعزيز الاستقلالية الصحفية: يجب أن تتمتع مؤسسات الإعلام بالاستقلالية في تحرير المحتوى واتخاذ القرارات الصحفية، وأن يكون الصحفيون قادرين على تقديم تغطية مستقلة وحيادية للأحداث والقضايا بدون تدخل أو ضغوط سياسية أو مالية.
– تنمية الثقة وبناء علاقة وثيقة مع الجمهور: يجب على مؤسسات الإعلام العمل على بناء الثقة والتواصل الفعال مع الجمهور، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم محتوى ذي جودة عالية ودقة، وتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة المجتمعية.
– تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب أن تكون مؤسسات الإعلام شفافة فيما يتعلق بمصادر تمويلها وهياكلها التنظيمية، وأن يكون هناك نظام للمساءلة يضمن تفعيل معايير النزاهة ومكافحة الفساد في المجال الإعلامي.
– الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار: يجب على مؤسسات الإعلام الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار في مجال الإعلام لمواكبة التطورات السريعة في العصر الرقمي، ويمكن استخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحسين جودة المحتوى وتوجيهه بشكل أفضل لاحتياجات الجمهور.
– تعزيز التدريب والتطوير المهني: يجب على المؤسسات الإعلامية توفير فرص التدريب المستمر للصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، بما في ذلك تطوير المهارات التقنية والصحفية، وهو ما يساعد على رفع مستوى الكفاءة والاحترافية وتعزيز جودة العمل الصحفي.
المراجع
(1) Andrew M. Guess et al., “A digital media literacy intervention increases discernment between mainstream and false news in the United States and India,” Proceedings of the National Academy of Sciences, Vol. 117, No. 27, (June 22, 2020): 15536-15545.
(2) Marc Hooghe, “Trust and Elections,” in The Oxford Handbook of Social and Political Trust, ed. Eric M. Uslaner, (Oxford University Press, 2017), “accessed 8 September 2022”. bit.ly/3IwyPJj.
(3) محمد الراجي، “صناعة الأخبار الكاذبة ولولب الحصار المعلوماتي للرأي العام”، مركز الجزيرة للدراسات ،27 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 9 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3ormsaI.
(4) Philippe Wodka-Gallien, “François Géré : Sous l’empire de la désinformation – La parole masquée,” Revue Défense Nationale, Vol. 1. No. 816, no. 1, (2019), “accessed septembre 10, 2022”. https://bit.ly/3q142hs
(5) يامين بودهان، “تعامل المراسلين المحليين مع نشر الأخبار الكاذبة في الشبكات الاجتماعية: دراسة ميدانية بولاية سطيف”، مجلة المعيار (جامعة الأمير عبد القادر، الجزائر، المجلد 23، العدد 2، مارس/آذار 2019)، ص 466-482.
(6) Peter Dizikes, “Study: On Twitter, false news travels faster than true stories,” Massachusetts Institute of Technology, March 8, 2018, “accessed September 10, 2022”. https://bit.ly/3WsYEQc.
(7) Tucker Joshua and Al, “Social Media, Political Polarization, and Political Disinformation: A Review of the Scientific Literature”, March 19, 2018, accessed August, 22, 2023″: https://bit.ly/47LqPPA
(8) قانون رقم 06/20 المؤرخ في 28 أبريل/نيسان 2020، المعدل والمتمم للأمر رقم 66-156 المؤرخ في 8 يونيو/حزيران 1966 والمتضمن قانون العقوبات. انظر: الجريدة الرسمية، العدد 25، 29 أبريل/نيسان 2020.
(9) فاطمة الزهراء عبد الفتاح، “الهوية المهنية للصحفيين في سياق التحول الرقمي: دراسة تحليلية لخطاب ما وراء الصحافة إزاء وقف طباعة الصحف المسائية بمصر”، المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال (جامعة الأهرام الكندية- كلية الإعلام، القاهرة، العدد 36، مارس/آذار 2022)، ص 92-128.
(10) عبد الرزاق الدليمي، “إشكاليات الأخبار المفبركة وتأثيرها في تشكيل الرأي العام”، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 25سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3MudWzJ.
(11) فتيحـة بوغـازي، “صحافـة المواطـن والهويـة المهنيـة للصحفـي: دراسـة ميدانيـة لتمثـل الصحفييـن الجزائرييـن لهويتهـم المهنيـة”، رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة (جامعـة الجزائـر، كليـة العلـوم السياسـية والإعلام، 2010-2011).
(12) Soroush Vosoughi et al., “The spread of true and false news online,” Science, Vol. 359, Issue. 6380, Mar 9, 2018, “accessed November 13, 2022”. https://bit.ly/3YPqh7f
(13) Lion Gu et al., “The fake News Machine: How Propagandists Abuse the Internet and Manipulate the Public,” Trend Micro, (2017), “accessed November 11, 2022”. bit.ly/3Iwwm1q.
(14) موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية: تدريبات علمية، ترجمة بوزيد صحراوي وآخرون، ط 2 (الجزائر، دار القصبة للنشر، 2006)، ص 20.
(15) رون بوريك، المعجم النقدي (الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية،1987)، ص 116.
(16) آيدن وايت، “الأخبار الزائفة: ما رأي الصحفيين؟”، في تطهير وسائل الإعلام من التلوث، رسالة اليونسكو، سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2022)، https://rb.gy/041oq.
(17) Florence Osty, Le désir de métier: Engagement, identité et reconnaissance au travail, (France: Presse universitaire de Rennes, 2008), 117.
(18) Samia Chreim et al., “Interlevel Influences on the Reconstruction of Professional Role Identity,” The Academy Journal of Management, Vol. 50, No. 6, (2007): 1515-1539.
(19) Judith Lazar, Sociologie de la communication de masse, (Paris: Armand colin, 1997), p149.
(20) Ibid, 150.
(21) مصطفى رويدة، “مصداقية وسائل الإعلام كما تراها النخبة في مصر: دراسة حالة للتغطية الإعلامية للحرب على العراق”، المجلة المصرية لبحوث الإعلام (جامعة القاهرة، مصر، العدد 21، 2003)، ص 36.
(22) Shaun Bowler, Jeffrey A. Karp, “Politicians, Scandals, and Trust in Government,” Political Behavior, Springer, Vol, 26, (2004): 271–287.
(23) منتصر مرعي، “في غرف الأخبار.. الأخطاء ستقع دائمًا”، 22 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 11 سبتمبر/أيلول 2022)، bit.ly/3BRmXxS.
(24) “News and Journalism – Fake News with BBC Young Reporter,” BBC, “accessed September 11, 2022″. https://rb.gy/a0a5f.
(25) Thomas Hanitzsch, Henrik Örnebring, Professionalism, Professional Identity, and Journalistic Roles, (London: Routledge, 2ed Edition, 2019), 17.
(26) Serge Moscovici, Psychologie sociale, (Paris: Puf, 1984), 367.
(27) Leen Aghabi et al., Social identity and radicalization: A Review of Key Concepts,” Wana Institute , Jan 09 ,2018, “accessed December 14, 2022” https://bit.ly/3YVQvoOp4.
(28) Christiane Gohier, Christian Alin, La construction de l’identité professionnelle: Recherche et formation, (Paris: L’Harmattan, 2000), 79.
(29) Aissa Merah, “La quête d’identité professionnelle des journalistes de la presse en ligne en Algérie: Pratiques, compétences et profils,” L’Année du Maghreb, Vol. 15, (décembre 21, 2016): 159-174.
(30) Claude Dubar, La crise des identités, interprétation d’une mutation, (Paris: Presses Universitaires de France), 3.
(31) خديم خيرة، “انعكاسات الاندماج الإعلامي على الهوية المهنية للصحفي”، مجلة المعيار (جامعة الأمير عبد القادر، الجزائر، المجلد 24، العدد 1، 2020)، ص 493.
(32) Riyad Hamadi , “Presse écrite algérienne : les chiffres du déclin”, March 20, 2018,”accessed November 11, 2022″. https://bit.ly/3OVRPDu
(33) Gordon Pennycook et al., “The implied Truth Effect: Attaching Warnings to a Subset of Fake News Headlines Increases Perceived Accuracy of Headlines Without Warnings,” Management Science, Vol. 66, Issue. 11, (February 21, 2020): 4955.
*د. يامين بودهان، أستاذ بقسم الإعلام، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر.
Dr. Yamine Boudhane, Professor of Public Relations and Strategic Communication at Qatar University.