جمال زرن – Jamel Zran *

عبد الله بخاش – Abdullah Bakhash **

ملخص:

تتبَّع الدراسة التأثيرات المحتملة لبيئة الاتصال الجديدة في اشتغال آليات دوامة الصمت، وذلك بالتطبيق على ثلاث قضايا خلافية تتعلق بالأزمة اليمنية، وهي: دور التحالف العربي في اليمن، وشرعية الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، والدعوة لفك ارتباط المحافظات الجنوبية عن دولة الوحدة اليمنية. وأظهرت نتائج الدراسة، باعتماد المنهج المسحي واستخدام طريقة عينة كرة الثلج التي تألَّفت من 438 مبحوثًا، وجود آثار محدودة لبيئة الاتصال الجديدة في اشتغال آليات دوامة الصمت. على مستوى الآلية النفسية، أكد المبحوثون شعورهم بالخوف من العزلة في اتصالاتهم الافتراضية بشكل أقل من اتصالاتهم المباشرة، رغم ارتفاع توقعاتهم بعدائية الآخر في تعاطيه مع الآراء المخالفة له. في الجانب الآخر، تُقدِّم نتائج الدراسة دليلًا على تأثر اشتغال الآلية الاجتماعية لدوامة الصمت في البيئة الجديدة للاتصال؛ إذ تراجعت نسبة التطابق مع الرأي السائد وتقلص نسبة الفارق بين المتطابقين وغير المتطابقين مع مناخ الرأي الافتراضي؛ ما يعني اهتزازًا لفكرة الاتجاه السائد، ومن ثم انخفاض تأثير الضغط لأجل التوافق الاجتماعي. وبالرغم من نجاعة البيئة الاتصالية الجديدة في تخفيض الشعور بالخوف من العزلة وتخفيف الضغط الاجتماعي، إلا أن ذلك لم يكن حافزًا كافيًا لتشجيع المبحوثين على إبداء آرائهم في نقاش عام عبر قنوات البيئة الجديدة للاتصال بشكل أفضل من ظروف بيئة الاتصال التقليدية.

كلمات مفتاحية: نظرية دوامة الصمت، البيئة الاتصالية الجديدة، اليمن، الرأي العام، الاتصال السياسي.

Abstract:

This study explores the potential effects of the new communication environment on the function of the mechanisms of the spiral of silence using three controversial issues relating to the Yemeni crisis: the role of the Arab coalition in Yemen, the legitimacy of former President Abdu Rabu Mansour Hadi, and the call to disengage the Yemeni southern governorates from the unified Yemeni state. By adopting the survey method and using the snowball sample method, which consisted of 438 respondents, the study finds that the effects of the new communication environment on the function of the mechanisms of the spiral of silence are limited. At the psychological level, respondents confirmed that they felt less fear of isolation in their virtual communications than in direct communications, despite their high expectations of hostility from others in response to opposing opinions. On the other hand, study findings provide evidence of the impact of the spiral of silence in the new communication environment on the function of the social mechanism, as the percentage of conformity with mainstream views and the difference between those who conform to the climate of hypothetical opinion and those who do not have declined. This means that the idea of the mainstream trend is shaky; and thus, the effect of pressure for social harmony is diminished. Despite the effectiveness of the new communication environment in alleviating the fear of isolation and relieving social pressure, it was not a sufficient incentive to encourage respondents to express their views in a public debate through the platforms of the new communication environment in a way that is better than the circumstances of the traditional communication environment.

Keywords: Spiral of Silence, New Communication Environment, Yemen, Public Opinion, Political Communication.

 

مقدمة

أظهر الاندماج العميق بين تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تبلور بيئة جديدة للاتصال، يمثِّل الإنترنت وسيطها الاتصالي الجديد. وارتبطت هذه البيئة بالوسائط الرقمية، فائقة السرعة والتجدد، والتي أثرت على نحو ظاهر في شتى مناحي الحياة الإنسانية، وكانت ذات صلة بالعديد من التحولات والظواهر السياسية والثقافية والاجتماعية المتعددة في المجتمع. أحد تلك المظاهر الفريدة هو دور الوسائط الحديثة في تمكين أفراد المجتمع والجماعات والأصوات المهمشة من إنتاج المعلومات وتوزيعها عبر الشبكات الاجتماعية واستهلاكها، وأيضًا حرية الاختيار من بين كل تلك المصادر المتعددة للمعلومات. وقد أفضى ذلك للتساؤل عما إذا كان كل تلك الوفرة قد أحدثت تغييرًا ما في آليات تشكيل الرأي العام على نحو يتجاوز هندسة التوافق والإجماع الشعبي واحتكار قيادة الرأي العام تاريخيًّا من قِبَل النخب ووسائل الإعلام التقليدية.

تتمثل أهمية الدراسة* الموسومة بـ”دوامة الصمت في سياقات البيئة الاتصالية الجديدة: دراسة في تشكل الرأي العام نحو الأزمة السياسية في اليمن” في عنصرين: الأول: توسيع نطاق البحث والانتقال به من طوري الاتصال الشخصي والجماهيري إلى الاتصال الشبكي/الفردي، بما يعكس المنظور التكاملي لبيئة الاتصال الجديدة. والثاني: نقل محور الاهتمام البحثي من دراسة ظاهرة دوامة الصمت في شكلها العام من حيث تحقق حدوثها من عدمه إلى الغوص في عمق الظاهرة في محاولة لتفكيك آليات اشتغالها وإخضاعها للاختبار العلمي، وهما: “الخوف من العزلة الاجتماعية، ومناخ الرأي السائد الذي يطلق حرية التعبير أو يقيدها”(1). وسيتيح ذلك فهمًا أعمق لمعرفة ما إذا كان قد طرأ تغيير في كفاءة تلك الآليات نحو انفتاح فضاءات التواصل لمختلف الأصوات، أم زيادة ديناميكيتها نحو قمع الأصوات المخالفة وإفساد نقاشات الفضاء العام وإعادة ضبط بوصلة الرأي العام. ويمثِّل اختيار الأزمة اليمنية الراهنة مجالًا تطبيقيًّا وعينة لاختبار نظرية دوامة الصمت؛ إذ تتسم قضاياها بدرجة عالية من حدة الجدل والاختلاف، في ظل انقسام الاتجاهات والمواقف السياسية اليمنية على كل المستويات منذ حراك ما بعد 2011.

  1. اعتبارات منهجية

إشكالية الدراسة

تتولد إشكالية هذه الدراسة انطلاقًا من شرطين أساسيين، هما:

– الأول: إذا كان الخوف من العزلة الاجتماعية هو الآلية المحركة لدوامة الصمت، التي تدفع الناس للتنازل عن آرائهم الشخصية في سبيل مسايرة اتجاه الأغلبية. هل نجحت بيئة الاتصال الجديدة في تمكين الجماهير من التعبير عن آرائها بحرية دون القلق من عواقب مخالفة الاتجاه العام في المجتمع؟

– الثاني: إن كان الناس يجدون في ملاحظاتهم اليومية للمحيط الاجتماعي من خلال قنوات اتصالاتهم الشخصية ووسائل الإعلام مؤشرات لاتجاه رأي الأغلبية من القضايا المثارة، ويبنون عليها اتجاهاتهم ومواقفهم، هل يمكن القول: إن بيئة الاتصال الجديدة تقدم اليوم مؤشرًا بديلًا لمناخ الرأي السائد، يساعد الجمهور في تجاوز دائرة الشعور بالانتماء لرأي الأقلية، والحصول على فرص التطابق مع اتجاه رأي له وزنه وثقله في مناخ متعدد الآراء ومتعدٍ لأحادية الاتجاه؟ تأسيسًا على ما سبق، يمكن صياغة إشكالية الدراسة على النحو الآتي: إلى أي مدى تؤثر البيئة الاتصالية الجديدة في آليات دوامة الصمت، بالتطبيق على قضايا الأزمة اليمنية؟

فرضيات الدراسة

تسعى الدراسة لاختبار آليات دوامة الصمت في ظل تحولات البيئة الاتصالية الجديدة، من خلال ثلاث فرضيات علمية تتكامل مع بعضها، للتحقق من اشتغال آليات دوامة الصمت في السياق الاتصالي الجديد، وذلك على النحو الآتي:

– الفرضية الأولى: تساعد البيئة الاتصالية الجديدة في تخفيض حدة الخوف من العزلة لدى المبحوثين في نقاشاتهم بشأن قضايا الأزمة اليمنية بشكل أفضل من بيئة الاتصال التقليدية.

– الفرضية الثانية: تنجح البيئة الاتصالية الجديدة في تخفيض الضغط الاجتماعي على المبحوثين للتوافق مع رأي الأغلبية في قضايا الأزمة اليمنية بشكل أفضل من بيئة الاتصال التقليدية.

– الفرضية الثالثة: تنجح بيئة الاتصال الجديدة في تشجع المبحوثين على إبداء آرائهم نحو قضايا الأزمة اليمنية عبر الوسائط الجديدة بشكل أفضل من بيئة الاتصال التقليدية.

أهداف الدراسة

– تحديد أثر البيئة الاتصالية الجديدة في آلية الخوف من العزلة الاجتماعية بالتطبيق على قضايا الأزمة اليمنية.

– معرفة أثر البيئة الاتصالية الجديدة في آلية مراقبة مناخ الرأي السائد بالتطبيق على قضايا الأزمة اليمنية.

– استقصاء أثر البيئة الاتصالية الجديدة في رغبة الأفراد في التعبير عن الرأي نحو قضايا الأزمة اليمنية في وضع تنافسي ومع ووجود وجهات نظر متباينة.

دوامة الصمت: نظرية في الرأي العام

في مدونة بحوث علوم الإعلام والاتصال تعترضنا نظرية دوامة الصمت لتفرض نفسها بحثيًّا مختبرًا لا يمكن تجاوزه في كل مشروع لدراسة علاقة الرأي بوسائل الإعلام ومسارات تشكُّله. وتُعد هذه النظرية “من بين أهم نظريات الاتصال والأكثر استخدامًا في بحوث الرأي العام”(2)، وتوصف أيضًا بـ”النظرية الأكثر أصالة وشمولية وإفادة للرأي العام”(3)؛ إذ توجد في مفترق تخصصات متنافذة بين علم الاجتماع والعلوم السياسية وعلوم الإعلام والاتصال والكل يدعي نسبتها له. وتكمن أهميتها في أنها توفر نوعًا من العلاقة المركبة بين الفرد ووسائل الإعلام والرأي العام(4). و”تقدم مساهمات علمية مهمة في تفسير السلوك الفردي والمواقف الناشئة عن استهلاك الوسائط”(5) لفهم كيف يجمع الناس المعلومات عن القضايا المثارة وكيف يفسرونها، وكيف تمثِّل عاملًا محفزًا لإبداء الرأي أو إخفائه، والكيفية التي تؤثر بها وسائط الاتصال والإعلام في تشكيل الرأي العام. ويكمن تحدي البيئة الاتصالية الجديدة لنظرية دوامة الصمت فيما أفرزته الثورة الرقمية من تمكين إلكتروني للجماهير، يستهدف إخراج دوامة الصمت عن مسار الحركة، مما يسمح بكسر عزلة الأقليات، وارتفاع الأصوات، واتساع دائرة التعبير عن الرأي.

لقد وضعت الباحثة الألمانية، إليزابيث نويل نيومان (Elisabeth Noelle-Neumann)، نظرية “دوامة الصمت (Spiral of Silence) عام 1974، للإشارة إلى ميل الناس للبقاء صامتين عندما يشعرون أن وجهات نظرهم بشأن قضية ما تتعارض مع رأي أغلبية المجتمع، أو تنتمي لرأي الأقلية فيه. وتصف النظرية حالة الضغط الزائد على مشاعر الناس، التي تدفعهم لإخفاء وجهات نظرهم عندما يعتقدون أنهم ينتمون لرأي الأقلية(6)، وتعكس أيضًا دور “الآلية النفسية الاجتماعية”(7) التي تقود لسيطرة اتجاه رأي معين وخفوت آخر(8). ويُقصد بآليات دوامة الصمت في هذه الدراسة الدوافع النفسية الاجتماعية التي تكبح رغبة الفرد في إبداء رأيه نحو قضية ما في وضع جدلي استقطابي، وتشمل:

– الخوف من العزلة الاجتماعية، وهو شعور نفسي داخلي بقمع المجتمع للمخالفين لاتجاهه نحو قضية ما.

– ضغط مناخ الرأي، وهو هيمنة اتجاه رأي معين في المجتمع نحو قضية ما، ودفع الجمهور نحو مسايرته والتوافق معه.

تواضع الباحثون على مصطلح “دوامة الصمت” بوصفه أقرب المعاني وأكثرها توافقًا لترجمة المصطلح باللغة الإنجليزية (Spiral of Silence)؛ وذلك لقدرته على نقل المعاني المتضمنة في النظرية الخاصة بالأبعاد الاجتماعية والنفسية والاتصالية التي تؤثر في الأفراد عند تكوين آرائهم والتعبير عنها علانية أمام الآخرين(9). ورغم اجتهادات البعض في ترجمة المصطلح مثلًا إلى “تدعيم الصمت”(10)، وترجمها آخرون إلى “دورة الصمت”(11)، وإلى “لولب الصمت”(12)، إلا أن مصطلح “دوامة الصمت”(13) يبقى الأكثر شيوعًا واستخدامًا في أغلب بحوث الاتصال العربية وتنظيراته العلمية. ويُعد مصطلح دوامة الصمت من المصطلحات المميزة في بحوث الاتصال، وإضافة علمية جديدة لم يكتمل قبولها بشكل أشمل بعد(14). وقد يرجع سبب هذا العزوف في البحث في نظرية دوامة الصمت عربيًّا إلى ما يشهده البحث في الرأي العام من تهميش يعود بالأساس إلى تهميش الرأي العام ذاته بحكم السياقات القمعية التي كانت تلفه قبل حراك الربيع العربي في عام 2011.

أدبيات الدراسة: دوامة الصمت بين الأفول والانبعاث

يأخذ موضوع البحث انطلاقته من انقسام الباحثين بشأن كتابة نهاية دوامة الصمت، وتباين تنظيراتهم بين سقوطها بظهور الإعلام الاجتماعي والتأكيد على انبعاثها واشتغالها حتى في البيئة الجديدة للاتصال. اتساقًا مع خطاب النهايات، كتب الأكاديمي أشيوت أريال (Achyut Aryal) عن نهاية نظرية دوامة الصمت بصعود دوامة العنف نمطَ تعبيرٍ في مجتمع الأقليات الصامتة تاريخيًّا، بالتطبيق على قضية اللاجئين التبت في الهند(15). فيما تنبأ الباحثان، إلياهو كاتز (Elihu Katz) ويوناتن فيالكوف (Yonatan Fialkoff)، في دراستهما عن “تقاعد المفاهيم”، بأن دوامة الصمت ستكون واحدة من ستة مفاهيم نظرية قد يتخلى عنها علماء الاتصال في المستقبل(16). ويمكن فهم حيثيات ذلك التنبؤ في ضوء ما يعنيه تعدد المحامل الاتصالية وتنوع مضامينها، وتنامي وسائل الاتصال والإعلام عبر الإنترنت بشكل يتيح المجال أمام آراء الأقليات للبروز، ويدفع إلى انخفاض الضغوط التي كانت تتعرض لها في سبيل قمعها وإسكاتها، وهذا يمثل تحديًا للنظرية. وذهب الأكاديمي كمال حميدو(17) إلى تأكيد أن الإعلام البديل والشبكات الاجتماعية يدفعان الفرد في سياق الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بالحراك السياسي الجزائري نحو التعبير أكثر مما يدفعانه نحو الصمت. ولذلك طرح ما أسماه بـ”دوامة التعبير”.

رغم أهمية تلك التنظيرات العلمية إلا أنها لا تمثِّل دليلًا قطعيًّا كافيًا على نهاية دوامة الصمت؛ إذ يجد عدد آخر من الباحثين، مثل شيريس غيرهارت (Sherice Gearhart) وويوو زهانج (Weiwu Zhang)(18) وساي هيل كيم (Sei-Hill Kim) وزملاؤه(19) ومي علام(20)، وباتريك مكوردي (Patrick McCurdy)(21)، أن دوامة الصمت تحدث أيضًا في سياق الاتصال عبر الإنترنت، وأن الإنترنت لم يساعد في تقليل الضغط الاجتماعي الذي يمنع المواطنين من التعبير عن رأي الأقلية. وخلصت دراسة دانييل ليمين (Daniel Lemin)(22) إلى عدم ثبوت دليل على وجود تأثيرات لأدوات النشر الاجتماعي، مثل تويتر، في إبداء رأي الأقلية أو أنها تتحدى تركيبة دوامة الصمت.

وأجرى الأكاديمي يورغ ماتيس (Jörg Matthes) وزملاؤه(23) مراجعة لعيِّنة من الدراسات التي اختبرت نظرية دوامة الصمت بلغت 66 دراسة علمية، وأثبتت نتائجها وجود علاقة موجبة بين مناخ الرأي والتعبير عن الرأي، ولم تكن هذه العلاقة أضعف في بيئة الاتصال عبر وساطة الإنترنت مقارنة ببيئات التعبير عن الرأي التقليدية الأخرى. فيما أظهرت نتائج اختبار ماثيو كوشين (Matthew Kushin) وزملائه(24) لنظرية دوامة الصمت في سياق انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، أن استعداد المبحوثين للتعبير عن دعمهم لمرشح معين كان مرتبطًا بمدى تطابق آرائهم الشخصية مع الاتجاه المؤيد للمرشح سواء في اتصالاتهم المباشرة أو الافتراضية.

في الصين، توصلت دراسة زهيبو شياو (Zhibo Xiao)(25) إلى أن مناخ الرأي المتضارب والخوف من العزلة الاجتماعية يتسببان في تقليل احتمالية التحدث علانية على الشبكات الاجتماعية بشأن زواج المثليين، بينما يميل المبحوثون إلى تبني إستراتيجيات تجنب التعبير والتلاعب بإعداد الخصوصية، مما يؤدي إلى دوامة معتدلة. وخلصت دراسة أورين سوفر (Oren Soffer) وغاليت غوردوني (Galit Gordoni)(26) إلى أن الخوف من العزلة له دور أكثر أهمية في الاتصال عبر الإنترنت منه في سياق الاتصال الشخصي وجهًا لوجه. وعلى نحو مماثل، وجدت دراسة بينغت جوهانسون (Bengt Johansson)(27) أن المبحوثين الذين يدعمون سياسة دعم اللاجئين الأكثر سخاء في السويد أصبحوا أكثر حذرًا في التعبير عن آرائهم بشأن أزمة اللاجئين بعد تغيير السياسة، ومن يدعمون سياسة الحكومة السويدية الأكثر تقييدًا كانوا أقل ميلًا للتحدث عن آرائهم الحقيقية بشأن أزمة اللاجئين، حتى مع تغير السياسة لصالحهم.

فيما قدمت نتائج دراسة الباحثة إنجي أبو العز(28) دعمًا لنظرية دوامة الصمت في بيئة الاتصال الجديدة، من خلال تأكيد بروز السلوكيات العدائية عبر وسائل الإعلام الجديد مع استخدام الألفاظ غير اللائقة في المناقشات السياسية، مما يؤثر سلبًا في رغبة التعبير عن الرأي في الفضاء الافتراضي. وبيَّنت دراسة علي دشتي وزملائه(29) أن النوع الاجتماعي ومعرفة الناس يؤثران في مشاركة النساء الكويتيات لآرائهن في النقاش السياسي على منصات التواصل الاجتماعي عندما تتعارض وجهة نظرهن مع الأغلبية، مما يجبرهن على الدخول في دوامة الصمت.

يتضح مما سبق أن نتائج الدراسات والأبحاث العلمية التي اختبرت نظرية دوامة الصمت في سياق الاتصال عبر الإنترنت أفرزت نتائج متباينة، وهو ما يدعو إلى إعادة اختبار نظرية دوامة الصمت في قضايا متنوعة، وفي ظروف اتصالية، وعبر سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة أيضًا. وقد أفاد عرض الدراسات السابقة الباحثيْن كثيرًا في بلورة المشكلة البحثية، وصياغة الفرضيات العلمية، وتصميم الأدوات والمقاييس العلمية المستخدمة، وأتاحت لهما أيضًا إمكانية الاستفادة من نتائجها في عقد المقارنات بنتائج هذه الدراسة.

مجتمع الدراسة وعيِّنته

تنتمي هذه الدراسة إلى الدراسات الوصفية، التي يرتبط مفهوم البحث فيهـا بـ”دراسـة واقـع الأحداث والظواهر والمواقف والآراء وتحليلها وتفسيرها، بغرض الوصول إلى استنتاجات مفيدة، إمـا لتصحيح هذا الواقع أو تحديثه أو استكماله أو تطويره”(30). وتعتمد على منهج المسح الإعلامي، الذي يُعد من أنسب الأساليب المنهجية المستخدمة في الدراسات الوصفية في الحقل الإعلامي؛ حيث “يستخدم في وصف الوضع القائم للظاهرة بشكل تفصيلي ودقيق”(31). وجرى الاعتماد عليه لمحاولة فهم عمل آليات دوامة الصمت في البيئة الاتصالية الجديدة وعلاقتها بمدى استعداد المبحوثين ورغبتهم لإبداء الرأي بشأن قضايا الأزمة اليمنية وقد كان ذلك من خلال توظيف واستعمال برنامج التحليل الإحصائي (SPSS) الخاص بالدراسات المسحية الكمية في العلوم الاجتماعية.

يتمثَّل مجتمع الدراسة في الجمهور العام باليمن، وتألَّفت عينة الدراسة من 438 مبحوثًا من خمس محافظات، جرى اختيارهم خلال الفترة الممتدة من 6 أبريل/نيسان إلى 18 مايو/أيار 2018، باستخدام طريقة عينة كرة الثلج، التي طوَّرها كولمان جيمس (Coleman James) وغودمان ليو (Goodman Leo) كوسيلة لدراسة بنية الشبكات الاجتماعية(32). وتُعد هذه الطريقة الأكثر مواءمة للبحوث التي تجري في بيئات النزاع، وذلك بسبب انعدام الثقة والشكوك التي تواجه الباحث(33). وقد بدأ تنفيذها باختيار المفردة الأولى من المبحوثين في كل محافظة، والتنسيق من خلالها للوصول إلى مبحوثين آخرين في المرحلة الأولى، ثم طُلِب من كل واحد منهم المساعدة في الوصول إلى عدد آخر من المبحوثين في المرحلة الثانية، وهكذا حتى تم التوصل إلى بقية المفردات المستهدفة في العينة. ويأتي اختيار هذه الطريقة بالنظر لطبيعة دراسات دوامة الصمت وحساسية موضوع الدراسة والقضايا التي يتناولها، وبالنظر لطبيعة الظروف الأمنية واحتقان الأوضاع المتأزمة في المحافظات اليمنية.

أدوات الدراسة وإجراءاتها

اعتمدت الدراسة استمارة الاستبيان أداة لجمع البيانات المطلوبة من المبحوثين، والتي جرى تصميمها وفقًا للإجراءات المنهجية الآتية:

– أولًا: قضايا الأزمة اليمنية

أخذت الدراسة في الاعتبار عند اختيار قضايا الأزمة اليمنية (موضع الدراسة) أن تكون ذات طبيعة خلافية جدلية في المجتمع اليمني، بالقدر الذي يبعث قلق الناس من الإفصاح عن آرائهم بشأنها بشكل علني. وفي ضوء نتائج دراسة استطلاعية أجراها الباحثان لتحديد قضايا الأزمة اليمنية الأكثر جدلًا خلال فترة الدراسة فقد تصدرت ثلاث قضايا على الترتيب:

– القضية الأولى: شرعية الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، التي ينقسم بشأنها الرأي العام المحلي بين مؤيد ومعارض؛ إذ يرى البعض أن فترة ولايته الدستورية التي انتخب فيها رئيسًا توافقيًّا لمدة عامين في 21 فبراير/شباط 2012 انتهت، وهو عاجز عن إدارة سلطة القرار السياسي في اليمن. في حين يرى البعض الآخر أنه لا يزال يمثِّل رمزًا للشرعية اليمنية، والقاسم المشترك الذي يلتف حوله اليمنيون في مواجهة “الانقلاب الحوثي”.

– القضية الثانية: الدعوة لفك ارتباط الجنوب عن دولة الوحدة اليمنية؛ إذ يعبِّر أنصار الحراك الجنوبي منذ عام 2007 عن رفضهم للوحدة اليمنية ورغبتهم في فك الارتباط وتقرير المصير، ويرون أن حرب صيف 1994 ألغت الوحدة التوافقية بالوسائل العسكرية، وحولت الوحدة إلى احتلال(34). فيما يرى الاتجاه الآخر أن الوحدة اليمنية بحاجة لإعادة صياغة تحقق العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية، وتقدم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني صيغة جديدة لدولة اتحادية من ستة أقاليم، تتيح حكمًا ذاتيًّا لكل إقليم وليس استقلالًا عن دولة الوحدة اليمنية.

– القضية الثالثة: دور التحالف العربي في اليمن؛ إذ تتباين وجهات النظر بشأنه، خصوصًا مع إطالة أمد الحرب دون حسم. يرى البعض أن التدخل العسكري للتحالف العربي جاء نصرةً للشعب اليمني ودعمًا للحكومة الشرعية وردعًا لـ”لانقلاب الحوثي”. وبالمقابل، يلاحظ الجانب الآخر كيف تحول التدخل السعودي/الإماراتي من مشروع دعم وإنقاذ إلى سيطرة واستحواذ على المدن والموانئ والمنافذ اليمنية، وتقويض سلطة الشرعية اليمنية بتغذية أعمال التمرد والخروج عن سلطتها. علاوة على ما خلَّفه التدخل العسكري في اليمن من دمار وبؤس وكوارث إنسانية مخيفة، دفعت منظمة الأمم المتحدة لإدراج التحالف العربي في قائمة “العار” لمنتهكي حقوق الأطفال في مناطق النزاع(35)، قبل أن تنجح السعودية لاحقًا في رفع اسم التحالف من القائمة السوداء.

– ثانيًا: محاور الاستمارة

توزعت أسئلة الاستمارة على خمسة محاور: يتناول الأول علاقة المبحوثين بالبيئة الجديدة للاتصال، متضمنًا الآتي: استخدام منافذ المعلومات وقنوات الاتصال، وأهمية القضية، ومصادر المعلومات. فيما يهدف المحور الثاني إلى التعرف على متغيرات مناخ الرأي السائد، من خلال سبعة أسئلة مغلقة، تسعى لتحديد: اتجاه الرأي الشخصي للمبحوث نحو قضايا الأزمة السياسية، وتقدير المبحوث لموقع الاتجاه الذي يتبناه نحو القضية وشعبيته في المجتمع، وما إذا كان ينتمي لاتجاه رأي الأغلبية أم الأقلية. بالإضافة إلى تقديره لاتجاه مناخ الرأي السائد في الوقت الراهن من خلال جماعته المرجعية وفي المجتمع وعبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وأيضًا الاحتمال المتوقع لدى المبحوث عن مستقبل القضية، وما إذا كان أغلبية الجمهور سيؤيدها أم سيعارضها بعد عام من الآن.

ويهدف المحور الثالث إلى قياس متغير الخوف من العزلة لدى المبحوثين، باعتباره الآلية المحفزة التي تفضي إلى حدوث دوامة الصمت، ويضم: ردة الفعل العدائية المتوقعة في حال إبداء الرأي في القضية أمام أنصار الطرف الآخر المعارض لها. بالإضافة الى مقياس الخوف من العزلة الذي تكون من 15 عبارة، موزعة على النحو الآتي: 7 عبارات تقيس الرقابة الذاتية، و4 عبارات تقيس الخوف من التقييمات السلبية، فيما تقيس 4 عبارات الخوف من العزلة الاجتماعية. وطُلِب من المبحوثين التعبير عن درجة موافقتهم على العبارات باختيار إحدى درجات مقياس ليكرت ثلاثي الدرجة بحيث ترمز درجات الموافقة على النحو الآتي: أوافق (3)، محايد (2)، لا أوافق (1). ومن خلال حساب متوسط عبارات المقياس أمكن توزيع استجابات المبحوثين على ثلاثة مستويات للخوف، هي: المستوى المنخفض (1 – 1.66)، والمستوى المتوسط (1.67 – 2.33)، والمستوى المرتفع (2.34 – 3).

ويبحث المحور الرابع مدى استعداد المبحوث لإبداء رأيه في القضية بشكل علني أمام الآخرين، ولقياس هذا المتغير جرى تصميم ستة سيناريوهات مفترضة للإفصاح عن الرأي، تجسد البيئتين الاتصاليتين، التقليدية والجديدة، وتتدرج فيها درجات علانية التعبير، باستخدام طريقة اختبار القطار أو الطائرة (Train/Plane Test) التي اقترحتها نيومان وطورها المركز الألماني لأبحاث الرأي العام(36)، مع ابتكار أوضاع مفترضة أخرى على النحو الآتي: الدخول في نقاش بشأن القضية مع شخص معارض في لقاء عابر، القبول بوضع ملصق أو شعار مؤيد للرأي على السيارة أو الحائط، الموافقة على الإدلاء بالرأي بشأن القضية في برنامج تليفزيوني، المشاركة في نقاش على شبكات التواصل الاجتماعي عن القضية، مشاركة منشور على صفحتك يؤيد رأيك في القضية، المشاركة في حملة إلكترونية ووضع شعارها على صفحتك. وتساعد هذه الطريقة في تحديد ما إذا كان المبحوثون يرغبون في إبداء آرائهم بشكل علني أم لا في حال مواجهتهم أوضاعًا مفترضة. أما الجزء الأخير من الاستمارة فيتعلق بالسمات الديمغرافية للمبحوثين، ويشمل: الجنس، والعمر، والمستوى التعليمي، والانتماء الجغرافي.

– ثالثًا: اختبارات الصدق والثبات

جرى اختبار صلاحية الأداة البحثية (استمارة الاستبيان) بإخضاعها أولًا للتحكيم العلمي، من خلال عرضها على عدد من أساتذة الإعلام والإحصاء والعلوم الاجتماعية في عدد من الجامعات اليمنية والعربية** للتأكد من كفاءتها وصلاحيتها للتطبيق العلمي. بالإضافة إلى إجراء الاختبار القبلي للاستمارة من خلال تجريب تطبيقها على عينة من المبحوثين قوامها 10% مـن إجمالي المبحوثين لقياس مستوى وضوح الصياغة ومدى سهولة فهم المبحوثين لمحتواها واستيعابهم لطريقة الإجابة عن تساؤلاتها. كما جرى اختبار ثبات الأداة عبر إعـادة الاختبار على نفس العينـة بعد مرور فترة زمنية، وتقدير قيمة الثبات للأداة من خلال حساب معامل التوافق بين نتائج الاختبارين؛ حيث أثبت الاختبار ثبات الأداة بنسبة 83%.

  1. تشابك البيئة الجديدة للاتصال مع الإعلام التقليدي

سمات العينة: حضور الاتصال 

تألَّفت عينة الدراسة من 438 مبحوثًا، يشكِّل الذكور فيها 84.5%، والإناث 15.5%. وتتراوح أعمارهم بين (15-54) عامًا، وينتمي ما نسبته 45.2% للفئة العمرية (25-34) عامًا، وما نسبته 31.1% للفئة (35-44) عامًا، وما نسبته 13.7% للفئة (15-24) عامًا، ويأتي أخيرًا ما نسبته 10% من الفئة (45-54) عامًا. تتسم العينة بطابعها النخبوي؛ إذ يحمل ما نسبته 61.6% مؤهلات جامعية، كما أن 32% منهم حاصل على مؤهلات علمية عليا (ماجستير/دكتوراه)، فيما تحصَّل ما نسبته 6.4% على شهادة الثانوية العامة.

جدول (1): توزيع عينة المبحوثين وفقًا للسمات الديمغرافية

م السمات الديمغرافية ك %
1 النوع الاجتماعي ذكر 370 84.5
2 أنثى 68 15.5
1 العمر 24-15 60 13.7
2 34-25 198 45.2
3 44-35 136 31.1
4 54-45 44 10.0
1 المؤهل

العلمي

ثانوية 28 6.4
2 جامعي 270 61.6
3 دراسات عليا

(ماجستير/دكتوراه)

140 32.0

أكد أغلب المبحوثين استخدامهم للإنترنت، ويعتمد 99.3% على الهواتف النقالة والأجهزة الذكية للوصول إلى خدمات شبكة الإنترنت. يمتلك جميع المبحوثين حسابًا أو أكثر على شبكات التواصل الاجتماعي. ويتصدر فيسبوك شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا واعتمادًا بنسبة 95.7%، يليه بفارق كبير موقع التدوين المصغر (تويتر) بنسبة 59.8%، ثم يوتيوب بنسبة 49.3%، وغوغل بلس بنسبة 40.6%، وإنستغرام بنسبة 37.9%، وجاء لينكد إن في المرتبة الأخيرة؛ إذ لم يسجل سوى 12.3% من المبحوثين.

جدول (2): خصوصية علاقة المبحوثين بالبيئة الاتصالية الجديدة

م علاقة المبحوثين بالبيئة الاتصالية الجديدة ك %
1 استخدام الهواتف الذكية

للولوج إلى الإنترنت

نعم 435 99.3
2 لا 3 0.7
1 استخدام شبكات

التواصل الاجتماعي

 

فيسبوك نعم 419 95.7
لا 19 4.3
2 تويتر نعم 262 59.8
لا 176 40.2
3 غوغل بلس نعم 178 40.6
لا 260 59.4
4 إنستغرام نعم 166 37.9
لا 272 62.1
5 لينكد إن نعم 54 12.3
لا 384 87.7
6 يوتيوب نعم 216 49.3
لا 222 50.7

 

ردة فعل الآخر: عدائية متوقعة تنسف دمقرطة الوسيط الاتصالي

يشير مفهوم ردة الفعل العدائية المتوقعة توقع المبحوث مواجهة ردود فعل عدوانية محتملة في حال أبدى وجهة نظره في القضية أمام أنصار الاتجاه الآخر المعارض لها. وترى نيومان أن الأشخاص في حالات الاستقطاب عادة ما يتحاشون الأشخاص الذين يعتنقون آراء مخالفة لآرائهم أو يناصرونها(37)، وهو ما يمكن تفسيره في سياق الخوف من التهديد والإيذاء النفسي والجسدي المتوقع خلافًا لما يُطرح بشأن دَمَقْرَطَة الاتصال في البيئة الرقمية. فقد أشارت نتائج الدراسة إلى عدائية متوقعة من الآخر في حال أبدى المبحوثون آراءهم عبر قنوات الاتصال في الفضاء الافتراضي؛ إذ إن 53.4% من المبحوثين يتوقعون تلقي ردة فعل عدائية من أنصار الاتجاه الآخر بشأن قضايا الأزمة اليمنية إجمالًا، مقابل تراجع نسبة من ذكروا أنهم يتوقعون ردة فعل غير عدائية (21.5%). وهي نسبة تفوق مثيلتها فيما يتعلق بتوقع المبحوثين ردة فعل عدائية من الآخر عبر قنوات بيئة الاتصال التقليدية (48.9%)، وأقل منها فيما يتعلق بتوقعهم عدم عدائيته (23.3%).

 

جدول (3): اختبار الفروق بين توقعات المبحوثين

لعدائية الآخر في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

 

ردة الفعل المتوقعة ك % المتوسط الفرق بين المتوسطات درجة الحرية الدلالة
في بيئة الاتصال التقليدية عدائية 214 48.9 1.74  .060 437 .1040
لا أعلم 122 27.8
غير عدائية 102 23.3
في بيئة الاتصال الجديدة عدائية 234 53.4 1.68
لا أعلم 110 25.1
غير عدائية 94 21.5

بمقارنة توقعات المبحوثين بشأن عدائية الآخر في حال إبداء رأي مخالف له، وباستخدام اختبار (T-Test) لحساب الفروق بين المتوسطات، يتضح عدم وجود فروق دالة إحصائيًّا بين توقعات المبحوثين بعدائية رد فعل الآخر عبر قنوات بيئتي الاتصال. تشير نتائج الاختبار الإحصائي إلى أن الفرق بين المتوسطين كان ضئيلًا، لم يتجاوز (0.06) ولم يكن ذا دلالة إحصائية؛ مما يعني عدم وجود اختلافات بين توقعات المبحوثين بتلقي ردود فعل عدائية من أنصار الطرف الآخر باختلاف بيئة الاتصال، سواء في اتصالاتهم المباشرة أو عبر قنوات الاتصال الافتراضية. وهو الأمر الذي يعكس تشابه السلوك الاتصالي المحتمل في حال الاختلاف مع رأي الآخر، بغض النظر عن طبيعة البيئة الاتصالية التي تستضيف موضوع النقاش والجدل. لذلك، يمكن القول: إن بيئة الاتصال الجديدة لم تتمكن من تخفيض توقعات المبحوثين بعدائية الآخر في نقاشات الفضاء الافتراضي بشكل أكبر من النقاش المباشر عبر قنوات الاتصال التقليدية ويعبِّر عن ذلك بشكل جلي الشكل رقم (1).

شكل (1): توزيع المبحوثين وفقًا لتوقعاتهم

ردة فعل الآخر في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

إن ارتفاع توقعات المبحوثين بعدائية الآخر في نقاشات الفضاء الافتراضي إلى أكثر من النصف تضع التفاؤل بديمقراطية الفضاء الافتراضي في زاوية حرجة؛ إذ ينتقل الناس بثقافاتهم وسلوكياتهم الاجتماعية إلى الفضاء الافتراضي، بعيدًا عن ثقافة الحوار والنقاش العقلاني، ليجعلوا منه ساحةً أخرى لممارسة الهيمنة والتسلط والإرهاب الفكري، كما لو كان نسخة أخرى من تفاعلات الواقع، أو محاولة اجترار للواقع إلى العالم الافتراضي. ولا شك أن مستوى العنف والكراهية والتنمر الإلكتروني ضد الآخر على منصات التواصل الاجتماعي هو محصلة في الأخير لدوامات العنف والصراع السياسي في اليمن، والتي سيكون لها انعكاسات على مستوى توقعات المستخدمين بعدائية الآخر، وتصوراتهم لمناخ الرأي العام وتأثيره على مسار النقاش العام.

مؤشرات القلق النفسي بين بيئتين اتصاليتين

يتشكَّل قلق الفرد في الموقف الاتصالي من خوفه من التعرض للنقد، أو من نظرة الآخرين له وتقييماتهم في أعقاب ما ستثيره وجهات نظره من تصورات لديهم عنه، كما يخشى أيضًا من ردود فعلهم العدوانية المحتملة التي قد تعرِّضه إلى الإساءة والإيذاء أو تعرض حياته للخطر. ورغم أن ذلك له علاقة بشخصية الفرد إلا أن طبيعة الموقف الاتصالي وبيئة الاتصال يفرضان بعض التأثير على ذلك، فالخوف من العزلة الاجتماعية هو انعكاس لتهديدات المجتمع للمخالفين من الأفراد. في ظروف الصراع في اليمن، أظهرت نتائج الاختبارات الإحصائية باستخدام اختبار (T-Test) لحساب الفروق بين المتوسطات في الجدول رقم (4) وجود فروق دالة إحصائيًّا عند مستوى الدلالة (0.000) بين مستوى إحساس المبحوثين بالخوف من العزلة الاجتماعية في اتصالاتهم المباشرة وعبر الفضاء الافتراضي، لصالح الاتصال المباشر.

جدول (4): اختبار الفروق بين متوسطات خوف المبحوثين

من العزلة في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

مستوى الشعور

بالخوف من العزلة

ك % المتوسط الفرق بين المتوسطات درجة الحرية الدلالة
في بيئة الاتصال التقليدية منخفض 50 11.4 2.19 .105 437 .000
متوسط 254 58
مرتفع 134 30.6
في بيئة الاتصال الجديدة منخفض 40 9.1 2.09
متوسط 320 73.1
مرتفع 78 17.8

تشير نتيجة الاختبار الإحصائي إلى أن متوسط شعور المبحوثين بالخوف من العزلة الاجتماعية في اتصالاتهم الافتراضية (2.09) أقل من متوسط شعورهم بالخوف في اتصالاتهم المباشرة (2.19)؛ مما يعني إحساس المبحوثين بالخوف من العزلة أعلى في شبكة اتصالاتهم التقليدية من اتصالاتهم الافتراضية. وتتأكد هذه النتيجة أيضًا بالنظر لنسبة المبحوثين الذين أكدوا ارتفاع مخاوفهم من العزلة في شبكة اتصالاتهم المباشرة بدرجة مرتفعة 30.6% مقابل تراجعها إلى ما نسبته 17.8% فقط في اتصالاتهم الافتراضية. وحتى عندما أشارت المعطيات إلى ارتفاع نسبة المبحوثين الذين أكدوا شعورًا بالخوف في بيئة الاتصال الجديدة بدرجة متوسطة إلى ما نسبته 73.1%، فإن ذلك لم يلغ قيمة الفارق الذي أحرزته بيئة الاتصال الجديدة لصالح التمكين الجماهيري، وهو تخفيض مستوى الشعور بالخوف. كما يلاحظ ذلك أيضًا من تراجع نسبة المبحوثين الذين أكدوا خوفهم فيها بدرجة مرتفعة إلى نحو نصف المبحوثين الذين أكدوا ذلك في بيئة الاتصال التقليدية. ويمكن تبرير ذلك الفارق بالنظر لطبيعة الاتصال في ظروف البيئتين التقليدية والجديدة، حيث تُؤمِّن الأخيرة للمستخدمين ظرفًا اتصاليًّا أكثر أمانًا بغياب الضغوط الاجتماعية التي تمارسها المرجعيات المختلفة في المجتمع بحق المخالفين والمعارضين، وما قد ينشأ عنها من صور العنف المباشر المهدد للحياة.

شكل (2): توزيع المبحوثين وفقًا لمستوى خوفهم من العزلة

في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

رغم ظروف الحرب في اليمن والتهديدات المحتملة من كل الأطراف إلا أن المخاوف التي قد تعتري المستخدمين في حال نقاشاتهم الافتراضية تظل أقل من مثيلاتها في اتصالاتهم المباشرة في بيئة الاتصال التقليدية. لذلك يمكن تأكيد ثبوت صحة الفرضية القائلة: “تساعد البيئة الجديدة للاتصال على تخفيض حدة الخوف من العزلة لدى المبحوثين في اتصالاتهم الافتراضية بشكل أفضل من اتصالاتهم المباشرة”.

مؤشرات التطابق الاجتماعي: الجماعة المرجعية مقابل الافتراضية

تفترض نظرية دوامة الصمت أن إدراك التطابق مع اتجاه الرأي السائد يعمل محفزًا لإبداء الرأي، ويعرَّف التطابق مع مناخ الرأي السائد بـ”الوضع الذي يكون فيه الاتجاه الشخصي للمبحوث متوافقًا مع إدراكه لاتجاه الرأي السائد”(38). وتقدم آلية مراقبة مناخ الرأي السائد قدرة للفرد على معرفة موقع رأيه، وتقدير ما إذا كان يحظى بالدعم والتأييد أم لا. وقد مكَّنت البيئة الاتصالية الجديدة الجمهور من إعادة تشكيل منافذه الاتصالية بما يتناسب مع اتجاهاته، مما يتيح له الإحساس بعدم الانتماء إلى رأي الأقلية. كما أن تعددية المنافذ الاتصالية والإعلامية في البيئة الجديدة للاتصال ستعمل على إضعاف سيطرة اتجاه واحد على مناخ الرأي، ومن ثم التقليل من تأثير ضغط المجتمع للتوافق معه.

بمقارنة متوسطات تطابق اتجاهات المبحوثين مع مناخ الرأي السائد في الجدول رقم (5)، بيَّنت نتائج اختبار (T-Test) وجود اختلافات دالة إحصائيًّا بين التطابق مع الاتجاه السائد في اتصالاتهم الافتراضية والشخصية ضمن الجماعة المرجعية الأولية (الأسرة والأصدقاء والزملاء)؛ حيث جاء الفرق بين المتوسطين (0.11) دالًّا إحصائيًّا عند مستوى الدلالة (0.000) لصالح التطابق مع اتجاه الجماعة الافتراضية.

يعني ذلك أن المبحوثين كانوا أكثر تطابقًا مع اتجاه الجماعة المرجعية؛ إذ يتضح تطابق اتجاهات أكثر من ثلثي المبحوثين مع اتجاه الرأي في جماعاتهم الأولية بنسبة 69.9% مقابل التطابق مع اتجاه الرأي في الجماعة الافتراضية بنسبة 58.9%. وتحيل هذه النتيجة إلى مؤشر مهم، وهو تفوق الاتصالات الشخصية في محيط الأسرة والأصدقاء على بقية الأنماط الاتصالية، من حيث تطابق اتجاهات المبحوثين مع الاتجاه السائد فيها؛ الأمر الذي يعكس “أهمية الاتصالات الشخصية بين أفراد المجتمع وقوة تأثيرها في تشكيل اتجاهاتهم وأحكامهم بشأن القضايا وفي حركة الرأي العام، حيث تكون عمليات التأثير من خلال الجماعة أكثر قوة من غيرها من المؤثرات”(39).

إن فعالية الاتصالات الشخصية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع اليمني تأتي امتدادًا لطبيعة تكوين المجتمع اليمني، الذي تتجذر فيه الانتماءات الأسرية والطائفية والقبلية عميقًا، وتهيمن على طبيعة العلاقات الاجتماعية فيه؛ إذ لا تزال الأسرة والقبيلة والطائفة من أهم الأطر الفاعلة التي تصوغ الوعي الجمعي للمجتمع. ويرى الأكاديمي فؤاد الصلاحي أن القبيلة والعشيرة في اليمن تبرز كبنى اجتماعية فاعلة، لا ترتبط فاعليتها بالسلوك الفردي فحسب بل والجمعي أيضًا، وضمن مجالات الفعل السياسي والاجتماعي(40).

جدول (5): الفروق بين تطابق اتجاهات المبحوثين مع اتجاهات

الرأي السائد في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

التطابق مع الاتجاه السائد في اتصالات المبحوثين الافتراضية والشخصية
التطابق اتجاه الجماعة الافتراضية اتجاه الجماعة الأولية
ك % ك %
1 متطابق 258 58.9 306 69.9
غير متطابق 180 41.1 132 30.1
المجموع 438 100 438 100
المتوسط الحسابي 1.41 1.30
الفرق بين المتوسطات .11
الدلالة .000
التطابق مع الاتجاه السائد في اتصالات المبحوثين الافتراضية ووسائل الإعلام
اتجاه الجماعة الافتراضية اتجاه وسائل الإعلام
2 متطابق 258 58.9 264 60.3
غير متطابق 180 41.1 174 39.7
المجموع 438 100 438 100
المتوسط الحسابي 1.41 1.40
الفرق بين المتوسطات .01
الدلالة .629

بالمقابل، تُظهر النتائج أيضًا عدم وجود اختلافات دالة إحصائيًّا بين التطابق مع الاتجاه السائد في اتصالاتهم الافتراضية وفي وسائل الإعلام، إذ لم يكن الفرق بين المتوسطين ذا دلالة إحصائية. ويعني ذلك تماثل مستوى تطابق اتجاهات المبحوثين مع الاتجاه السائد في اتصالاتهم الافتراضية وفي وسائل الإعلام إلى حدٍّ كبير، ويعكس ذلك تقارب المتوسطات الحسابية والنسب المئوية بينهما. ويمكن تبرير ذلك في ضوء تنوع الآراء والاتجاهات في وسائل الإعلام والفضاء الافتراضي، مما يسمح بالتباين فيهما خلافًا لاتجاهات الجماعة المرجعية الأولية التي لا تتسم في المعتاد بالتنوع.

وفي ضوء ما سبق، يتضح أن تعددية الآراء وتنوعها في بيئة الاتصال الجديدة لم تفض إلى تطابق أفضل مع اتجاهات الرأي في الفضاء الافتراضي، قياسًا بالاتصالات المباشرة. ويعود ذلك إلى السمة الأساسية للبيئة الجديدة للاتصال، وهي التعددية والتنوع. فالشبكات الاجتماعية تعمل على كسر سمة التشابه والتجانس لصالح الحضور المتنوع والمتوازن لكل الأصوات. وليس هناك شك في أن التفاعلات غير المتجانسة ستزيد من تنوع دوائر المتابعين على مواقع الشبكات الاجتماعية(41).

إن تراجع نسبة التطابق مع اتجاه الرأي على الشبكات الاجتماعية وتقلص الفارق بين نسبتي المتطابقين (58.9%) وغير المتطابقين (41.1%) يشي باختلال وظيفي في اشتغال الآلية الاجتماعية؛ إذ انعكس ضعف المجتمع في ممارسة الضغط الاجتماعي على المبحوثين في البيئة الجديدة للاتصال في صورة ارتفاع تباين الاتجاهات وتراجع نسبة التوافق. وكما تُظهر النتائج، فإن المبحوثين كانوا أكثر تطابقًا مع اتجاه الرأي السائد نحو قضايا الأزمة اليمنية عبر اتصالاتهم الشخصية أكثر من اتصالاتهم الافتراضية. ولذلك، يمكن تأكيد قبول الفرض القائل: “تنجح بيئة الاتصال الجديدة في تخفيض الضغط الاجتماعي على المبحوثين للتوافق مع اتجاه رأي الأغلبية”.

مؤشرات التعبير عن الرأي: البيئة التقليدية مقابل البيئة الرقمية  

تمثِّل علانية التعبير عن الرأي محور التحدي في نظرية دوامة الصمت؛ إذ يعمل الخوف من تهديد المجتمع على كبح رغبة الأفراد في الإفصاح عن آرائهم المخالفة لرأي الأغلبية. ويحقق الاتصال عبر وساطة الإنترنت فرصًا فريدة للتعبير عن الرأي تتحدى آليات اشتغال دوامة الصمت؛ حيث يتحرر المستخدم كثيرًا من التسلسلات الهرمية الاجتماعية التي يراعيها، ومن علاقات الهيمنة والسيطرة في الأنماط الاتصالية الشخصية والجمعية والجماهيرية. ويعرض الجدول رقم (6) نتائج اختبار (T-Test) لقياس الفروق بين المتوسطات، والتي أظهرت وجود اختلافات دالة إحصائيًّا بين متوسطات التعبير عن الرأي بالمقارنة بين سيناريوهات الاعتماد على شبكتي الاتصال التقليدية والافتراضية.

وتظهر نتائج الاختبار أن المبحوثين كانوا أكثر استعدادًا لإبداء آرائهم السياسية نحو قضايا الأزمة اليمنية عبر خيارات الاتصال التقليدي أكثر من بدائل الاتصال الافتراضي، وذلك في حالتي القبول بالنقاش مع شخص آخر أو الحديث إلى مراسل تليفزيوني. ولم تسجل خيارات الاتصال الافتراضي تفوقًا على قنوات الاتصال التقليدي إلا في حالة واحدة؛ إذ أظهرت النتائج أن المبحوثين أكدوا تفضيلهم التعبير عن آرائهم بالتعليق على منشور مخالف، ومن خلال مشاركة منشور على صفحاتهم، والمشاركة في حملة إلكترونية أكثر من القبول بوضع ملصق على السيارة أو الحائط مؤيد لاتجاهاتهم ومواقفهم. ومن ثم، تذهب النتائج إلى نفي ما افترضته الدراسة من أن “البيئة الجديدة للاتصال ستشجع المبحوثين على التعبير عن آرائهم في قضايا الأزمة اليمنية عبر الوسائط الجديدة بشكل أفضل من قنوات البيئة التقليدية للاتصال”؛ إذ أثبتت الاختبارات الإحصائية عكس ذلك تمامًا، فالمبحوثون كانوا أكثر استعدادًا للتعبير عن آرائهم نحو قضايا الأزمة اليمنية عبر شبكة اتصالاتهم التقليدية أكثر من قنوات اتصالاتهم الجديدة.

جدول (6): الفروق بين متوسطات استعداد المبحوثين

للتعبير عن آرائهم في بيئتي الاتصال التقليدية والجديدة

خيارات وأساليب التعبير عن الرأي المتوسط الفرق بين المتوسطات الانحراف المعياري الدلالة
1 كتابة تعليق 2.18 .046- .946 .313
الحديث لمراسل 2.22
2 كتابة تعليق 2.18 .557 .913 .000
وضع ملصق 1.62
3 كتابة تعليق 2.18 .100- .951 .028
الدخول في نقاش 2.28
4 مشاركة منشور 1.94 .283- .909 .000
الحديث لمراسل 2.22
5 مشاركة منشور 1.94 .320 .794 .000
وضع ملصق 1.62
6 مشاركة منشور 1.94 .338- .978 .000
الدخول في نقاش 2.28
7 المشاركة في حملة إلكترونية 1.92 .301- .933 .000
الحديث لمراسل 2.22
8 المشاركة في حملة إلكترونية 1.92 .301 .834 .000
وضع ملصق 1.62
9 المشاركة في حملة إلكترونية 1.92 .356- .976 .000
الدخول في نقاش 2.28

 

خاتمة: بيئة جديدة واتصال قديم

سعت الدراسة إلى استكشاف مدى كفاءة اشتغال آليات دوامة الصمت في سياق البيئة الجديدة للاتصال، تطبيقًا على ثلاث من قضايا الأزمة اليمنية، تتسم بالطبيعة الخلافية وينقسم المجتمع اليمني بشأنها، وهي: دور التحالف العربي في اليمن، وشرعية الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، والدعوة لفك ارتباط المحافظات الجنوبية عن دولة الوحدة اليمنية. واستهدفت الدراسة البحث في عوامل التمكين الإلكتروني التي تقدمها بيئة الاتصال الجديدة لعزل عوامل عزلة الفرد، والتعبير عن الرأي دون الحاجة للتوافق مع رأي الأغلبية.

وعلى الرغم مما توفره بيئة الاتصال الجديدة من بدائل وإمكانات للتعبير عن الرأي بحرية إلا أن النتائج تُظهر تفضيل المبحوثين إبداء آرائهم في قضايا الأزمة اليمنية عبر خيارات الاتصال التقليدي أكثر من بدائل الاتصال الافتراضي. وكانت خيارات المبحوثين الأعلى خوفًا من العزلة في البيئة الجديدة للاتصال تتجه نحو استبعاد إبداء الرأي عبر سيناريوهات التعبير المختلفة أو التزام الحياد. كما أشارت النتائج إلى تأثر رغبة التعبير عن الرأي بمدى تطابق اتجاه الرأي الشخصي مع مناخ الرأي العام بغض النظر عن طريقة التعبير والفضاء الاتصالي المستخدم. وكان المبحوثون الأكثر تطابقًا مع اتجاه الرأي الأكثر استعدادًا لإبداء آرائهم نحو قضايا الأزمة اليمنية؛ ما يعني أن التطابق مع اتجاه رأي الأغلبية في المجتمع يبقى حافزًا للإفصاح عن الرأي.

تذهب نتائج الدراسة إلى تأكيد أن ما يعوق الإفصاح عن الرأي في بيئات النزاع ليس عدم مقدرة الأفراد على الوصول إلى المنابر الإعلامية وقنوات النشر، وإنما ذات الآليات النفسية الاجتماعية لدوامة الصمت -كما حددتها إليزابيث نيومان- التي يراعيها الأفراد وتدفعهم لممارسة الرقابة الذاتية في تواصلهم بالآخرين. ولئن كانت ظروف الاتصال قد تغيرت اليوم فإن آليات دوامة الصمت لا تزال فاعلة في بيئة الاتصال الجديدة، وبذلك تكون قد اكتسبت قنوات وظروف اشتغال جديدة.

تجاوزًا لأهمية النتائج العلمية التي توصلت لها الدراسة وصدقيتها فإن الأهم في كل ذلك هو ما توفره من زعزعة فكرية وقطع مع الأحكام المسبقة والعاطفية حول ما يحتمل أن توفره الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من قدرة حتمية على إعادة تشكيل الرأي العام، وأن وفرة المعلومة ومجانيتها ستوفر أيضًا مقدرة مضاعفة في عملية صناعة الرأي العام بكل حرية واستقلالية. وهي مقاربات احتفائية بشبكة الإنترنت في حاجة إلى مزيد المراجعة العلمية، وذلك بحكم التغاضي عن أثر السياقات والبيئة ليس فقط في شقها التقني بل أيضًا السوسيوثقافي كما ذهبت إلى ذلك نيومان صاحبة نظرية دوامة الصمت.

المراجع

* تُعد مادة هذا البحث جزءًا مطورًا من رسالة دكتوراه ناقشها الباحث عبد الله بخاش تحت إشراف الدكتور جمال زرن بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة في تونس سنة 2022، كان عنوانها “آليات دوامة الصمت في سياق البيئة الاتصالية الجديدة: دراسة في تشكيل الرأي العام اليمني نحو الأزمة السياسية”.

(1) محمد سعود البشر، الرأي العام: الأسس ومقاربات الواقع، (الرياض، العبيكان للنشر والتوزيع، 2014)، ص 44.

(2) Daniel G. McDonald et al., “The Spiral of Silence in the 1948 Presidential Election,” Communication Research, Vol. 28, No. 2, (2001): 139.

(3) Mihaly Csikszentmihalyi, “Reflections on the ‘Spiral of Silence.’” in Communication Yearbook: Volume 14, ed. James Anderson, (Sage Publications, Inc,1990), 297.

(4) جوديت لاوار، سوسيولوجيا الاتصال الجماهيري، ترجمة علي أسعد وطفة، هيثم سطايحي، (دمشق، دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، 1994)، ص 66.

(5) Dietram Scheufele, Patricia Moy, “Twenty- five Years of the Spiral of Silence: A Conceptual Review and Empirical Outlook,” International Journal of Public Opinion Research, Vol. 12, No. 1, (2000): 8.

(6) Andrew Ledbetter et al., A First look at Communication Theory, 7th ed. (New York: McGraw-Hill Companies, Inc, 2008), 372.

(7) Elisabeth Noelle-Neumann, “Turbulences in the Climate of Opinion: Methodological Applications of the Spiral of Silence Theory,” Public Opinion Quarterly, Vol. 41, No. 2, (1977): 144.

(8) Elisabeth Noelle-Neumann, “The Spiral of Silence: A Theory of Public Opinion,” Journal of Communication, Vol. 24, No. 2, (1974): 44.

(9) عادل عبد الغفار، الإعلام والرأي العام: دراسة حول تطبيع العلاقات المصرية-الاسرائيلية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (43)، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2003)، ص 74.

(10) محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، ط 3 (القاهرة، عالم الكتب، 2004)، ص 355.

(11) محمد شومان، دور الإعلام في تكوين الرأي العام: حرب الخليج نموذجًا، (القاهرة، المنتدى العربي للدراسات والنشر، 1998)، ص 178.

(12) إريك ميغري، سوسيولوجيا الاتصال والميديا، ترجمة نصر الدين لعياضي، (المنامة، هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2018)، ص 416.

(13) حسن عماد مكاوي، ليلى السيد حسين، الاتصال ونظرياته المعاصرة، (القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1998)، ص 279.

(14) ميخائيل سينجليترى، جيرالد ستون، نظرية الاتصال والبحوث التطبيقية، ترجمة عبد الله بن أهنية، سعد القحطاني، (الرياض، معهد الإدارة العامة، مركز البحوث والدراسات، 1999)، ص 170.

(15) Achyut Aryal, “Theorizing Spiral of Violence: Death of Spiral of Silence Theory,” Mass Communication and Journalism, Vol. 4, No. 2, (2014): 1-8.

(16) Elihu Katz, Yonatan Fialkoff, “Six Concepts in Search of Retirement,” Annals of the International Communication Association, Vol. 41, No. 1, (2017): 86-91.

(17) كمال حميدو، “التواصل الاجتماعي والنشاط السياسي في الحراك الجزائري: من دوامة الصمت إلى دوامة التعبير”، مجلة لباب (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 3، 2019)، ص 49-100.

(18) Sherice Gearhart, Weiwu Zhang, “Same Spiral, Different Day? Testing the Spiral of Silence Across Issue Types,” Communication Research, Vol. 45, No. 1, (2018): 34-54.

(19) Sei-Hill Kim et al., “Talking About Genetically Modified (GM) Foods in South Korea: The Role of the Internet in the Spiral of Silence Process,” Mass Communication and Society, Vol. 17, No. 5, (2014): 713-732.

(20) Mai Allam, “The Role and Impact of Social Media on Arab Networks on Arab Spring: A Case Study on the Egyptian Revolution, (unpublished Master Thesis, Department of Journalism and Mass Communication, The American University in Cairo, 2014).

(21) Patrick McCurdy, Breaking the Spiral of Silence: Unpacking the “Media Debate” within Global Justice Movements: A case study of Dissent and the 2005 Gleneagles G8 Summit,” Interface, Vol. 2, No. 2, (2010): 42-67.

(22) Daniel Lemin, Public Opinion in the Social Media Era: Toward a New Understanding of the Spiral of Silence, (Unpublished Master Thesis, Faculty in Communication and Leadership Studies, School of Professional Studies, Gonzaga University, 2010).

(23) Jorg Matthes et al., “The Spiral of Silence Revisited: A Meta-Analysis on the Relationship Between Perceptions of Opinion Support and Political Opinion Expression,” Communication Research, Vol. 45, No.1, (2018): 3-33.

(24) Matthew J. Kushin et al., “Societal Majority, Facebook, and the Spiral of Silence in the 2016 US Presidential Election,” Social Media + Society, Vol. 5, No. 2, (2019): 1-11.

(25) Zhibo Xiao, The spiral of silence on WeChat Moments: Analyzing the influence of reference groups and expression avoidance strategies regarding the legalization of same-sex marriage, (Master Thesis, Department of Media and Communication, University of Leicester, 2020).

(26) Oren Soffer, Galit Gordoni, “Opinion Expression via User Comments on News Websites: Analysis Through the Perspective of the Spiral of Silence, Information,” Communication & Society, Vol. 21, No. 3, (2017): 388-403.

(27) Bengt Johansson, “Expressing Opinions about the Refugee Crisis in Europe: The spiral of Silence and Crisis Communication,” Journal of International Crisis and Risk Communication Research, Vol. 1, No. 1, (2018): 57-82.

(28) إنجي أبو العز، دور الإعلام الجديد في التأثير على سلوك الجمهور المصري في إطار نظرية دوامة الصمت، (أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، 2016).

(29) Ali Dashti et al., “Social Media and the Spiral of Silence: The Case of Kuwaiti Female Students Political Discourse on Twitter,” Journal of International Women’s Studies, Vol. 16, No. 3, (2015): 42-53.

(30) محمد منير حجاب، أساسيات البحوث الإعلامية والاجتماعية، ط 2 (القاهرة، دار الفجر، 2003)، ص 78.

(31) ربحي علیان، عثمان غنیم، أساليب البحث العلمي، ط 2 (عمان، دار صفا للنشر والتوزيع، 2008)، ص 54.

(32) سعد الحاج جخدل، العينة والمعاينة: مقدمة منهجية قصيرة جدًّا، (عمان، دار البداية ناشرون وموزعون، 2019)، ص 66.

(33) Nissim Cohen, Tamar Arieli, “Field research in Conflict environments: Methodological Challenges and Snowball Sampling,” Journal of Peace Research, Vol. 48, No. 4, (2011): 423-435.

(34) محمد علي السقاف، “الحراك الجنوبي فاعل غير رسمي”، في شفيق شقير، الفاعلون غير الرسميين في اليمن: أسباب التشكل وسبل المعالجة، (الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، 2010)، ص 70.

(35) جو بيكر، “التحالف بقيادة السعودية على “قائمة العار” الأممية بسبب الانتهاكات ضد الأطفال”، هيومن رايتس ووتش، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/3KIPqtK.

(36) Ledbetter et al., A First look at Communication Theory, 376.

** أسماء الأساتذة المحكمين مرتبة وفقًا للترتيب الأبجدي:

– الدكتور جمال زرن، أستاذ الاتصال والإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة في تونس.

– الدكتور حسن منصور، أستاذ الإعلام بكلية الإعلام، جامعة الملك سعود في الرياض.

– الدكتور عادل العياري، أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس.

– الدكتور عبد الباسط الحطامي، أستاذ الإعلام المشارك بكلية الإعلام، جامعة صنعاء.

– الدكتور عبد الرحمن الشامي، أستاذ الإعلام بقسم الإعلام، جامعتي صنعاء وقطر.

– الدكتور عبد الله الحيدري، أستاذ الإعلام بقسم الإعلام جامعة قطر ومعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس.

– الدكتور علي العمار، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام، جامعة صنعاء.

– الدكتور مصطفى النمر، أستاذ الإعلام المشارك بكلية الإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.

– الدكتور مهدي مبروك، أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس.

– الدكتور نواف التميمي، أستاذ الإعلام المساعد بمعهد الدوحة للدراسات العليا في قطر.

– الدكتور وديع العزعزي، أستاذ الإعلام بكلية الإعلام، جامعتي صنعاء والملك سعود بالرياض.

– الدكتور يوسف سلمان، أستاذ الإعلام المساعد بكلية العلوم الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء.

(37) Elisabeth Noelle-Neumann, The spiral of silence: Public opinion – our social skin, 2nd ed. (Chicago: University of Chicago Press, 1993), 6.

(38) Kyoungtae Nam, The Effect of Personality on the Spiral of Silence Process, (PhD dissertation, University of Tennessee, 2002), 61.

(39) عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، مرجع سابق، ص 18.

(40) فؤاد الصلاحي، “المجتمع والنظام السياسي في اليمن”، في شفيق شقير، الفاعلون غير الرسميين في اليمن: أسباب التشكل وسبل المعالجة، (الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، 2011)، ص 9.

(41) ديراج ميرثي، تويتر: التواصل الاجتماعي في عصر تويتر، ترجمة محمد عبد الحميد، (القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2014)، ص 58.

* د. جمال زرن، أستاذ الإعلام المشارك بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في جامعة منوبة، تونس.

Dr. Jamel Zran, Professor at the Institute of Journalism and Information Sciences, University of Manouba, Tunisia.

** د. عبد الله بخاش، باحث في علوم الإعلام والاتصال.

Dr. Abdullah Bakhash, Researcher Specialising in Mass Communication and Media Studies.