ملخص:

تبحث الدراسة تحولات خريطة المنظومة الإعلامية في الأردن بعد أحداث ما سُمِّي بـ”الربيع العربي” (2011-2023). وتعتمد منهج التحليل الوثائقي ومدخل إيكولوجيا الإعلام لمقاربة سمات النموذج الذي تمثِّله المنظومة الإعلامية الأردنية في سياق التحولات السياسية التي عرفتها البلاد خلال الفترة المذكورة، وتحديد تأثير التحولات السياسية والمنظومة التشريعية والبنية الاقتصادية لوسائل الإعلام في مستوى حرية الصحافة. خلصت الدراسة إلى أن البيئة الإعلامية في الأردن لا تزال تواجه بعض التحديات ممثلة في حالة عدم استقرار المنظومة التشريعية، وكثرة القوانين ذات الصلة بالعمل الإعلامي. وترى أن المنظومة الإعلامية ولئن كانت تتميز بتنوع وتعدد وسائلها، فإنها لا تعكس تنوع وتعدد المحتوى وتعبيره عن مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، بينما ظلت حالة حرية الصحافة خلال فترة الدراسة تراوح بين “حرَّة جزئيًّا” في أغلب السنوات، و”غير حرة” أحيانًا، أو “مقيدة”. وبيَّنت الدراسة أن المنظومة الإعلامية تتسم بسمات “الصحافة الانتقالية”؛ إذ يظل الإعلام في موقع التابع للسياسي، الذي يركز على التفسير والتبرير أكثر من دوره في المساءلة والرقابة، ويفقد بذلك جزءًا كبيرًا من سلطته وتأثيره، وهو يتماهى مع السياسات الحكومية.

كلمات مفتاحية: المنظومة الإعلامية، التحولات السياسية، حرية الصحافة، الأردن.

Abstract:

The study examines the changes in the media system in Jordan after the “Arab Spring” (2011-2023). It employs the document analysis method and an ecological media approach to tackle the characteristics of the model represented by the Jordanian media system in the context of the political transformations that the country witnessed during the abovementioned period. It also aims to determine the impact of political changes, legislative regulations and the economic structure of the media on the level of press freedom. The study concludes that the media environment in Jordan still faces some challenges, represented by the instability of the legislative system and the abundance of laws related to media work. It suggests that although the media system in Jordan is diverse and has various outlets, it does not reflect the diversity of content and expression for different social segments and categories. The state of press freedom during the study period ranged from “partially free” in most years to “not free” or “restricted” at different times. The study reveals that the media system exhibits characteristics of “transitional journalism” as remains subservient to political interests, focusing more on interpretation and justification than on its role in accountability and oversight, thus losing a significant portion of its authority and influence and aligning with government policies.

Keywords: Media System, Political Transformations, Freedom of Press, Jordan.

مقدمة

بعد أحداث ما سُمِّي بـ”الربيع العربي”، التي انطلقت في تونس ثم دول عربية أخرى، بدأت ملامح العلاقة بين مكونات البيئة الإعلامية والسياسية في التشكُّل؛ إذ ظلت المنظومة التشريعية طوال الحقبة السابقة في حالة من عدم الاستقرار والتطور مع سيطرة واضحة للنظم السياسية على المنظومات الإعلامية. وفي هذه الحقبة (2011-2023)، كان لتحولات المشهد السياسي الأردني (الحراك الاجتماعي…) والمتغيرات السياسية المتواترة (تعديلات دستورية وتشريعية، خطط التحديث السياسي والإداري) أثر في حرية الصحافة وصيرورة الحالة الإعلامية الأردنية. وظلت وسائل الإعلام تواجه تحديات مختلفة بعضها تقليدي وأخرى مستجدة، ففي الصحافة التقليدية كان هناك تحدي الاستقلالية عن مراكز النفوذ السياسي والمالي، ثم إشكالية سياسة العقاب في المنظومة التشريعية، ومستوى حرية الصحافة، ثم ارتفاع كُلَف إنتاج هذه الصحافة ما انعكس على أدائها المهني، وإبقائها تحت ضغط الحاجة إلى الدعم المباشر وغير المباشر من الحكومات. ورافقت الصحافة الرقمية تحديات أخرى كان لها تأثير واضح في بعض وسائل الإعلام التقليدية، مع أن بعضها، خصوصًا المرئي والمسموع، استطاع التكيُّف مع الواقع الرقمي الجديد، ومن ثم الحفاظ على وجوده والاستمرار في دورة الحياة الإعلامية.

تُعنى هذه الدراسة بتحديد العوامل المؤثرة في المنظومة الإعلامية، انطلاقًا من مفهوم البيئة الرقمية، والمدخل الإيكولوجي في دراسة الاتصال والإعلام، وهو مدخل يلتقي مع المنهج النظمي الذي يأخذ بعين الاعتبار كافة العناصر المكونة للنظام والعلاقات النشطة بينها وما يتخلَّلها من عمليات إدخال وعمليات معالجة، وما ينتج عن ذلك من مخرجات. ويعني ذلك دراسة أهم مكونات النظام الإعلامي متمثلًا في البنية التشريعية أولًا، وهي وإن كانت نتاجًا لجهد النظم السياسية فإنها أيضًا تعبير عنها وعن طبيعة المنظومة الاجتماعية والثقافية. وفي جانب آخر، توفر مقياسًا لتحديد مدى الهامش المتاح لتطور الإعلام وحريات التعبير وحق الحصول على المعلومات. بينما تظل الممارسة السياسية مقياسًا لمدى التزام الحكومات بالتشريعات، وقبل ذلك مدى التزامها بروح الدساتير الوطنية والشرائع الدولية الخاصة بحريات التعبير والنشر. أما النظم الفرعية الأخرى، كالنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي الثقافي، فتمثِّل أركانًا أساسية لبيئة الاتصال والإعلام ليس في الإسهام في صياغة التشريعات الخاصة بالنظام الإعلامي فحسب، بل تؤثر في خصائص التنوع، وتسهم في تطوره وصياغة روحه ومدى قدرته على ممارسة مهماته الأساسية في التنمية والرقابة والمساءلة.

ولأن الدول الانتقالية (والأردن واحد منها)، لا تزال بحاجة إلى الاستقرار التشريعي والسياسي، فإن النقاش فيها لا يزال قائمًا حول النظام الملائم للصحافة، والتشريعات الضابطة لها، ولا يوجد إجماع حول دور الصحافة في المجتمع. ورغم وصف الباحث الأميركي، وليم روو (William Rugh)، لتلك الأنظمة بـ”الانتقالية”، أي في طريقها إلى الديمقراطية الناجزة، فإنه لا يوجد يقين بشأن أي الطرق ستتجه إليها هذه الأنظمة، وأي نظام سوف يستقر لفترة طويلة من الزمن(1). ويرى رو أيضًا أن الصحافة الانتقالية تتصف بأنها نظام خليط؛ إذ تحاول الحكومات فرض القيود على الصحف من خلال القوانين والمحاكم المحلية؛ إذ يوجد قدر من الرقابة الذاتية، ويجري بانتظام مناقشة حرية الصحافة. وبالرغم من ذلك، فإن اتجاه التغييرات في الأنظمة الانتقالية ليس واضحًا تمامًا(2).

ولتحديد طبيعة البيئة الإعلامية وتحولاتها، وخريطة المنظومة الإعلامية خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2023، فإن ذلك يتطلب استعراض وتحليل محاور أو نظم متداخلة، لاسيما، المنظومة التشريعية التي تُعد أساسًا للنظامين السياسي والإعلامي والعلاقة بينهما، وتشكِّل السياج الذي يمكن أن يحدَّ من عمل الصحافة ويُكبِّلها أو يطلق طاقاتها. ويرتبط بهذا المتغير هامش الحريات المتاح أمام عمل الصحافة من الناحية القانونية. كما تركز الدراسة على بحث أشكال العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي.

 

  1. اعتبارات منهجية ونظرية

إشكالية الدراسة وفرضياتها

تفترض الدراسة أن موجات الاحتجاجات والثورات، التي نشأت في عدد من البلدان العربية في أواخر العام 2010 وأوائل 2011، نبَّهت صنَّاع السياسات في الدول العربية إلى ضرورة إجراء إصلاحات جوهرية في النظام السياسي والمنظومة التشريعية، وهو ما أدى إلى توسيع هوامش الحريات، بما في ذلك حريات التعبير والنشر. واستنادًا إلى ما تم رصده في البيئة الإعلامية الأردنية بشأن بعض التحولات والتحديات في المنظومة التشريعية، والسياسية، والإعلامية، تفترض الدراسة أن العقد الماضي شهد تحولات ملحوظة في خريطة المنظومة الإعلامية ومستوى الحريات الذي تتمتع به خلال الفترة بين 2011 و2023. ولعل أبرز هذه التحولات ما جرى في المنظومة التشريعية والقوانين التي تنظم حقل الإعلام والممارسة المهنية، وتأثيرها في مستوى الحريات الإعلامية. وقد تم تحديد سنة 2011 باعتبارها لحظة سياسية مهمة في سياق حركات التغيير في العالم العربي، خصوصًا في تونس ثم مصر، ولم يكن الأردن بمعزل عن هذا التغيير، وتغطي الدراسة حقبة تزيد بقليل عن عقد من الزمن حتى نهاية العام 2023. وتتمثل إشكالية الدراسة في سؤال مركزي: ما النموذج الذي تمثِّله المنظومة الإعلامية في سياق التحولات السياسية التي عرفها الأردن بين 2011 و2023؟ وكيف أثَّرت التحولات السياسية والمنظومة التشريعية والبنية الاقتصادية لوسائل الإعلام في مستوى حرية الصحافة؟

وتحاول الدراسة أيضًا التحقق من فرضيتين تربطان تراجع أو تحسن ترتيب الأردن على مستوى حرية الصحافة بتطور المنظومة التشريعية:

– الفرضية الأولى: إن المنظومة التشريعية للإعلام لا تزال غير ضامنة لحرية الصحافة وغير مستقرة ما يؤدي إلى تراجع في ترتيب الأردن ضمن مؤشر حرية الصحافة العالمية.

– الفرضية الثانية: تتميز منظومة الإعلام الأردنية بالتعدد والتنوع ما يؤدي إلى تحسن ترتيب الأردن في مؤشر حرية الصحافة العالمية.

الإستراتيجية البحثية

تنتمي الدراسة إلى نمط البحوث النوعية التحليلية، وتعتمد منهج التحليل الوثائقي الذي يقوم على قراءة الوثائق المختلفة من مصادرها الأصلية، ثم تقييم المعلومات الواردة فيها وتحليلها بهدف البحث عن مؤشرات للإجابة عن أسئلة وفرضيات الدراسة. وهذا المنهج لا يمنع الباحث من الاستعانة بأدوات أخرى لجمع البيانات والمعلومات ما تطلبت الحاجة إلى ذلك.

ولجمع المعلومات، قام الباحث بالاعتماد على مصادرها الأولية، لاسيما الهيئات الحكومية الأردنية، ثم المؤسسات أو الهيئات الدولية التي تعنى بحرية الصحافة، واستعان بالمقابلات التكميلية مع بعض الفاعلين، وهدفت هذه المقابلات إلى استكمال بعض المعلومات والحصول على آراء إزاء بعض محاور البحث. هذا إضافة إلى الافادة من الأدب النظري السابق في هذا المجال. وأُجريت الدراسة في الفترة التي امتدت من الأول من يونيو/حزيران إلى نهاية سبتمبر/أيلول 2023.

مدخل نظري

تستعين الدراسة بالمدخل الإيكولوجي في الاتصال والاعلام، الذي يعنى بدراسة البيئات الإعلامية؛ حيث تلعب التكنولوجيا والتقنيات ونموذج المعلومات ورموز الاتصال دورًا أساسيًّا في الشؤون الإنسانية، أي البحث في العلاقات بين الفاعلين ومعالجات المنظومات الإعلامية في مستويات مختلفة؛ لاسيما أن دراسة وسائل الإعلام تستدعي التفكير في المحتوى والكيفية التي يؤثر بها في الناس، وكيف يمكن لهؤلاء الذين تعرضوا لوسائل الإعلام اتخاذ إجراءات للتأثير في المنظومات الاجتماعية(3). ويساعد هذا المدخل النظري في دراسة البيئات الفرعية المختلفة للإعلام، والتي تشمل المحتوى والبنية، والوظيفة، والتأثير الاجتماعي، وعلاقاتها التبادلية من جهة، ثم تفاعلات هذه البيئات مع السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جهة ثانية.

تُعرِّف الأكاديمية أندريا بريس (Andrea Press)، رئيسة قسم الدراسات الإعلامية بجامعة فرجينيا، والأكاديمي بروس وليامز (Bruce Williams)، أستاذ الإعلام بجامعة فرجينيا، بيئة الإعلام في بُعدين عريضين: الأول يتمثَّل في تكنولوجيا الاتصالات الخاصة (الكمبيوتر الشخصي، ووسائل الإعلام)، والثاني يتمثَّل في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي تُستخدم خلالها هذه التقنيات، مثل كيفية توزيع ملكية المنافذ الإعلامية، وكيفية استخدام الأفراد لها، والنظم الحكومية التي تؤثر فيها(4).

ويشير الأكاديمي جمال زرن، أستاذ الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، إلى أن البيئة الإعلامية وملامحها لا تختلف عن البيئة في شقها الفيزيائي الطبيعي. ومثلما توجد بيئة خاصة بالطبيعة، فثمة بيئة أخرى موازية هي بيئة الأفكار والأخبار ووسائطها وطرق تداولها، “ونصطلح على تسميتها بالإيكوميديا أو البيئة الجديدة للإعلام والاتصال”(5)، والتي باتت تُعرف أكثر فيما بعد بالبيئة الرقمية.

في الواقع، لا تعتبر دراسات البيئة الإعلامية بالأمر الجديد في الإنتاج الفكري/الإعلامي بالغرب والولايات المتحدة وكندا على وجه الخصوص؛ إذ كان الأكاديمي، هارولد إينيس (Harold Innis)، من أوائل رواد هذا الاتجاه من خلال دراساته الثقافية كما ورد في كتابه: “الإمبراطورية والاتصال” (1950)، ثم الدراسات المتعددة للمفكر مارشال ماكلوهان (Marshall McLuhan)، خصوصًا كتابه: “فهم وسائل الإعلام” (1964). وعلى الرغم من أن إينيس ثم ماكلوهان من بعده لم يستخدما مصطلح البيئة الإعلامية، سواء مصطلح “الإيكولوجي” (Ecology) أو “البيئة” (Environment)، فإنهما كانا من أشد المتحمسين لتأثيرات تقنيات الاتصال في الثقافة والبنية الفكرية والسيكولوجية لإنسان مرحلة الإعلام الإلكتروني التي بدأت مع نهاية القرن العشرين، لكن حماسهما الكبير لتأثير تكنولوجيا الاتصال والإعلام في الثقافة والفكر وتوزيع السلطة كان على حساب دور العوامل الأخرى، كما يؤكد الباحث والأكاديمي محمد جاسم فلحي؛ إذ تسهم في تلك التحولات عوامل ومتغيرات متعددة، منها: الاختراعات التكنولوجية، مثل: وسائل المواصلات السريعة ومصادر الطاقة الجديدة والمعدات الآلية والإلكترونيات، ثم عوامل اجتماعية/ثقافية، مثل: إحياء التعلم ونمو الديمقراطية، ونمو الطبقة المتوسطة، وتقسيم العمل، وإثارة مثاليات اجتماعية جديدة(6).

أصبحت فرضية إينيس وماكلوهان تعرف بالحتمية التكنولوجية، ويناقش الأكاديميان أندريا بريس وبروس وليامز هذه الفرضية وينقضانها بالقول: إن وسائل الإعلام لم تكن سببًا مباشرًا للتطورات في المجتمع، أو في الثقافة أو حتى في الشخصيات، ومع الاعتراف بتأثير وسائل الإعلام، فإن هناك تفاعلًا معقدًا بين وسائل الإعلام والأبعاد الأخرى في حياتنا(7).

وفي دراسته عن الصحافة في العالم العربي، أشار وليم روو، في كتابيه (1987-2004)، إلى أهمية العامل السياسي في بقاء مؤسسة الإعلام الإخباري مستقلة عن البيئة المحيطة بها، ورغم ذلك لا تستطيع إلا أن تأخذ -إلى حدٍّ ما- “شكل ولون الهيكل الاجتماعي والسياسي” الذي تعمل من خلاله(8). وبهذا الربط، فإن رو جعل من العامل السياسي متغيرًا مستقلًّا (ولو كان ضمن حزمة من المتغيرات)، في حين أن المنظومة الإعلامية برزت عاملًا تابعًا في هذه المعادلة بخلاف فرضية الحتمية التكنولوجية.

وعلاوة على اهتمام المدخل الإيكولوجي بالأنظمة أو الأنساق الفرعية في البيئة، فهو يوفر فهمًا أكثر اتساعًا لأنظمة الوسائط؛ إذ يجري من خلاله تتبع الشبكات المعقدة التي توجد بداخلها، والتي غالبًا ما تأخذنا بعيدًا عن الأساليب التقليدية للدراسات الإعلامية التي تؤكد أن محتوى الوسائط وتأثير ذلك في الجمهور هو المهم(9). ويدرس المدخل النظري لإيكولوجيا الإعلام كيفية تأثير الإعلام في الإدراك الإنساني، والفهم والشعور، والقيمة، وكيف أن تفاعل الإنسان مع الإعلام يُسهِّل أو يُعقِّد فرصه في البقاء، وهو ما يقتضي أيضًا دراسة البيئات، أي هياكلها ومحتواها وتأثيرها في الناس(10).

ويلاحظ هنا التماثل الكبير بين منهج التحليل الذي يقتضيه المدخل الإيكولوجي وبين منهج تحليل النظم الذي ينظر للوحدات الكبيرة أو الأنساق الفرعية باعتبارها أنظمة متداخلة ومتبادلة التأثير تتخلَّلها عمليات معالجة للمدخلات والمخرجات، ولها حدود ويتخلَّلها عمليات تغذية راجعة.

والواقع أن أبحاث البيئة الإعلامية أدركت أهمية منهج النظم في دراسات البيئة، ويشترك المدخلان النظريان في رؤيتهما بأن لكل نظام معين بيئة ذات سمات خاصة. وتُعد بيئة النظام مجموعة عناصر ومكونات تربطها علاقات، وأيُّ تغيير في أي عنصر من عناصرها ينتج عنه تغيير في حالة النظام. وبذلك، فإن بيئة النظام تتألَّف من جميع المتغيرات التي تؤثر في الحالة(11). ويساعد هذا المنهج في التحقق من الفرضية الرئيسة للدراسة التي ترى أن النظام السياسي والمنظومات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية تمارس تأثيرًا مباشرًا في المنظومة الإعلامية وفي مستوى حرية الصحافة.

ويُعد تحليل النظم مهمًّا؛ لأنه يوفر الحلول للمشكلات التي تقع في النظام؛ إذ يمكن تعديل أو تحسين الجودة الشاملة للنظام بسهولة، وأيضًا تقليل حدوث الأخطاء في النهاية. وفي هذا السياق، يؤكد الباحثان، بريس ووليامز، ضرورة تسليط الأضواء على التغيرات في البيئة الإعلامية التي يمكن أن تُفسِّر المشكلات الحالية بطريقة أفضل(12). غير أن نظام الاتصال والإعلام، كأي نظام آخر، يبقى معرضًا للتحديات المستمرة بسبب التغير أو الاختلال في الأنظمة الأخرى ذات الصلة، مثل الاختلال الوظيفي، وهو ما يعني أن ثمة نشاطًا اجتماعيًّا يُعطِّل أداء نشاط اجتماعي آخر أو يُوهِن الأداء الأشمل للنظام(13). وفي إطار هذه الرؤية الإيكولوجية، فإن صحافة المواطن، مثلًا، برزت كإحدى إفرازات الخلل الإيكولوجي الذي تعيشه مهنة الصحافة المهنية، كما تُعد أحد مظاهر تصحيح بيئة هذا المشهد، وتمثِّل شكلًا من أشكال الممانعة لكل محاولات تحوُّل المشهد الصحفي إلى مجال يهيمن على بقية المجالات أو مجال خاضع للهيمنة(14). ويبرز هذا المنطق التحليلي أكثر في التشريعات الناظمة للإعلام والاتصال؛ إذ ما إن ينشأ شكل جديد من التعبير حتى يتم اكتشاف نقص في هذه التشريعات، وقد يتبيَّن أن بعض الخلل في المنظومة الإعلامية عائد لخلل أو نقص في التشريعات أيضًا. وبالمقابل، فإن النسق السياسي في الدول غير الديمقراطية يسارع إلى سنِّ قوانين أو تعديل القوانين وتغليظ العقوبات إذا ما قدَّر أن الإعلام بات يهدد بعض مرتكزاته.

إجمالًا، فإن مدخل إيكولوجيا الإعلام لا ينظر للعمليات التي تجري في المنظومة الإعلامية بمعزل عما يجري في الأنساق الفرعية الأخرى وأولها النسق السياسي. فالبيئة السياسية تحكم طبيعة وعمل ووظائف وسائل الإعلام، خاصة الوظيفة السياسية، من خلال مجموعة التشريعات القانونية التي تنظم نشاطها. ومن ثم تعكس أيضًا هذه العلاقة التبادلية بين البيئة السياسية والتشريعات القانونية طبيعة النظام السياسي(15). كما أن المدخل الإيكولوجي يوفر المفاهيم والأدوات والإطار العام الذي يسمح بالنظر إلى الترابطات في أجزاء وعناصر النظام (البيئة الإعلامية). وهو بذلك يفترض أن هذا النظام في غاية التعقيد، لأنه يتمتع بسمات النظام المفتوح حيث يتم استقبال المدخلات، ويجري عليها عمليات، ومنه يصدر أو يتولد المخرجات التي غالبًا ما تتجسد في الخطاب الإعلامي والثقافي والسياسي.

 

  1. خريطة المنظومة الإعلامية وهكيلها الإشرافي

كانت وزارة الإعلام في الحكومات الأردنية المتعاقبة تمثِّل المرجعية الرئيسة والمظلة المشرفة على وسائل الإعلام حتى تاريخ إلغائها، في أكتوبر/تشرين الأول 2003، وأُنْشِئ المجلس الأعلى للإعلام ليقوم بمهام وزارة الإعلام. وبموجب هذا التعديل تم تطوير إدارة المؤسسة، ولم يعد وزير الإعلام هو من يدير مجلس الإدارة، ولكن لم تستمر التجربة طويلًا وعاد وزير الإعلام ليترأس مجلس الإدارة من جديد(16)، ثم عادت الحكومة لاستحداث ما سُمِّي وزارة الاتصال الحكومي بعد إصدار نظام التنظيم الإداري لوزارة الاتصال الحكومي رقم (65) لسنة 2020. وأعلنت الحكومة “أن وزارة الاتصال الحكومي ليست عودة إلى وزارة الإعلام التي ألغيت عام 2003، بل ستكون معنية بوضع سياسة عامة للإعلام والاتصال على المستوى الوطني، مع متابعة تنفيذ هذه السياسة، وضمان قيام مؤسسات الإعلام الرسمي، لاسيما الحكومية منها، بحمل رسالة الدولة”(17). وفي سياق إعادة هيكلة المؤسسات المخولة بتنظيم الإعلام، ألغيت، في بداية 2013، دائرة المطبوعات والنشر التي كانت موكلة بالإشراف على الصحف المطبوعة، وتم إلغاء هيئة المرئي والمسموع التي كانت مخولة بالإشراف على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتم إثر ذلك دمج الدائرتين في هيئة جديدة تُسمَّى “هيئة الإعلام” التي ورثت مهام كلتا الهيئتين السابقتين. وللتعرف على خريطة منظومة الإعلام الأردني، يُبيِّن الجدول رقم (1) توزيع وسائل الإعلام بمختلف أنواعها مع بيان النسبة قياسًا على المجموع العام.

جدول (1): توزيع وسائل المنظومة الإعلامية في الأردن

 

النسبة (%) العدد نوع الوسيلة م
4.13 11 صحف مطبوعة يومية 1
2.63 7 صحف مطبوعة أسبوعية وشهرية 2
15.03 40 إذاعات 3
8.64 23 فضائيات تليفزيونية 4
48.12 128 صحف ومواقع إلكترونية إخبارية 5
21.42 57 دوريات متخصصة في شؤون مختلفة 6
100 266 المجموع

تُظهِر بيانات الجدول رقم (1) أن الصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية تستحوذ على ما يقارب نصف وسائل المنظومة الإعلامية بنسبة 48.12%، في حين جاءت أقل النسب للدوريات المطبوعة الأسبوعية والشهرية بنسبة 2.63%، بينما تُشكِّل الإذاعات نسبة جيدة في خريطة المنظومة الإعلامية الأردنية؛ إذ بلغت 15.03%، أما الفضائيات التليفزيونية فكانت بنسبة 8.64%.

2.1. مرتكزات المنظومة الإعلامية  

الصحف الورقية   

يُشير موقع هيئة الإعلام الأردني في العام 2023 إلى أن هناك 18 عنوانًا من الصحف الورقية اليومية والأسبوعية، منها 11 صحيفة يومية، و6 أسبوعية، وواحدة فقط نصف شهرية، لكن في الواقع ليس هناك سوى ثلاث صحف يومية رئيسة أو سائدة، وهي: “الدستور” (1967)، و”الرأي” (1970)، و”الغد” (2003)، ثم هناك صحف أقل شهرة، وهي: “الجوردن تايمز” (Jordan Times) (1975)، و”الأنباط” (2005)، و”صدى الشعب” (2014).

الفضائيات

ثمة 23 فضائية، منها 20 قناة خاصة، وواحدة مصنفة فضائية مجتمعية “أمن الأردن” (Jordan Amen)، وواحدة تحمل تصنيفين (مجتمعية وخدمة عامة)، وهي “فضائية المملكة”، هذا فضلًا عن التليفزيون الأردني الذي يتضمن بدوره القناة الرئيسة والقناة الرياضية.

جدول (2): توزيع الفضائيات الأردنية حسب نوع الخدمة

م نوع الإذاعة العدد النسبة (%)
1 فضائيات خاصة شاملة 20 86.95
2 التليفزيون الأردني (الرسمي- خدمة عامة) 1 4.34
3 فضائية مجتمعية “أمن الأردن” (Jordan Amen) 1 4.34
4 قناة المملكة (مجتمعية- خدمة عامة) 1 4.34
المجموع 23 100

يلاحظ من خلال توزيع خريطة الفضائيات التليفزيونية أن ثمة أربع فضائيات شاملة تسيطر على المجال البصري الأردني، وهي:

– التليفزيون الأردني: وهو التليفزيون الرسمي، ويُعد الأقدم من بين جميع الفضائيات؛ إذ تأسَّس عام 1968.

– قناة “رؤيا”: ذات ملكية خاصة تنتمي إلى مجموعة الصايغ. انطلقت في 1 يناير/كانون الأول 2011، وواصلت التقدم، وأثبتت حضورًا كبيرًا في المجال البصري امتد إلى المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أيضًا.

– قناة اليرموك: تأسَّست عام 2012، وهي مملوكة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وتُعد القناة الوحيدة المملوكة لجماعة أو حزب سياسي. وبحسب موقع القناة، تتميز اليرموك بتقديم طرح أردني أصيل، وإعلام مجتمعي وطني محافظ من وحي ثقافة المجتمع وعاداته المتوارثة، وبأفكار إبداعية وبرامج متنوعة(18). ورغم ذلك فإن برامجها المنتجة محليًّا ضعيفة، وليست منافسة لأي من القنوات الرئيسة الأخرى.

– قناة المملكة: تأسَّست بموجب نظام خاص، في 10 يوليو/تموز 2015، “كنواة لمنظمة إعلام عام مستقل من خلال خدمة عامة”، لكن انطلاقتها كانت في 16 يوليو/تموز 2018. وأُنْشِئت القناة برأسمال يبلغ 20 مليون دينار أردني، أي حوالي 29 مليون دولار، وقدرت لها موازنة الحكومات بعد ذلك مخصصات سنوية تراوحت بين (10-11) مليون دينار. وتُقدِّم القناة نفسها بأنها “تلتزم بأسس الخدمة الإعلامية العامة”(19).

المحطات الإذاعية

يعمل في الأثير الأردني 41 محطة إذاعية مقيمة في الأردن، فضلًا عن بعض الإذاعات التي تبث من الدول العربية المجاورة ويمكن سماع بعضها بوضوح، إضافة إلى إذاعة “مونت كارلو” المعاد بثها في الأردن، ويُبيِّن الجدول رقم (3) توزيع هذه الإذاعات حسب الاختصاص.

جدول (3): توزيع الإذاعات في الأردن حسب الاختصاص

م نوع الإذاعة العدد النسبة (%)
1 إذاعات مجتمعية 19 46.34
2 إذاعات لشركات خاصة (متخصصة أو شاملة) 21 51.21
3 إذاعة عمَّان (الإذاعة الرسمية- خدمة عامة) 1 2.43
المجموع 41 100

تُظهِر بيانات الجدول رقم (3) أن نصف الإذاعات العاملة في الأردن مسجلة كإذاعات خاصة تتوزع بين شاملة أو متخصصة (ترفيهي- ديني)، ونصفها الآخر تقريبًا إذاعات مجتمعية.

جدول (4): توزيع الإذاعات العاملة في الأردن حسب نمط الإشراف الإداري

م نوع الملكية الإشراف العدد النسبة (%)
1 مؤسسة الإذاعة والتليفزيون- خدمة عامة- حكومية حكومية 1 2.43
2 إذاعات خاصة إدارة خاصة 21 51.21
3 ملكية هيئات ومؤسسات حكومية حكومية 9 21.95
4 إذاعات جامعات إدارات الجامعات 6 14.63
5 بلديات محلية إدارة البلديات 4 9.75
المجموع 41 100

 توضح بيانات الجدول رقم (4) أن ملكية الإذاعات توزعت على طيف واسع من المالكين، وهو ما يميز المجال الإذاعي الأردني؛ إذ يمكن القول: إن نصف الإذاعات ملكية خاصة، والنصف الثاني تقريبًا ملكية عامة أو مؤسسات حكومية. وتملك هيئات ومؤسسات حكومية 8 إذاعات، منها 4 محطات إذاعية لمؤسسة الجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية)، ومحطة واحدة لمديرية الأمن العام (أمن إف إم). كما تملك وزارة الأوقاف محطة واحدة (إذاعة القرآن الكريم)، ويملك مجمع اللغة العربية أيضًا إذاعة واحدة، وسلطة إقليم العقبة “إذاعة العقبة”. ويعكس توزيع نمط الملكية قدرًا مهمًّا من التوازن في المجال الإذاعي، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تنوعًا في المحتوى بالقدر نفسه، لأن الكثير من الإذاعات تتشابه أو تتطابق في برامجها وتتنافس على الجمهور نفسه، وهو الجمهور العام. وتظهر المنافسة أكثر في برامج البث المباشر الصباحية التي تعرض من خلال التواصل مع الجمهور مشكلات وقصصًا غالبًا ما تتمحور حول الخدمات، أو تعرض قصصًا إنسانية واجتماعية. وتبدو المنافسة كذلك في بث الأغاني بمختلف أنماطها.

والواقع أن هيئة الإعلام الأردني لا تعلن عن طبيعة المعايير التي تميز المحطات الإذاعية أو المرئية كمحطات مجتمعية. وفي هذا السياق، يرى داوود كتاب، مؤسس أول إذاعة مجتمعية ومديرها الحالي، أن قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم (26) لسنة 2015 كان غير عادل حينما فرض رسومًا عالية تُعد من بين الأعلى في العالم على الإذاعات الخاصة. وأعطى القانون في المادة (22) الحق لمجلس الوزراء -بناء على تنسيب الوزير المستند إلى توصية المدير- في إعفاء الدوائر والمؤسسات الحكومية وغيرها من رسوم رخص البث شريطة عدم بثها للإعلانات التجارية. وهو ما اعتبره داوود كتاب تمييزًا يخلُّ بالمنافسة العادلة بين وسائل الإعلام(20).

ويلاحظ أيضًا أن المضمون الترفيهي، خصوصًا الأغاني، يهيمن على المحتوى الإذاعي، ويُعد المحتوى السياسي والثقافي الأقل في معظم هذه الإذاعات. وقد يكون لتمييز نظام ترخيص المرئي والمسموع، الذي يفرض رسومًا أعلى على المحطات الإذاعية والمرئية التي تُقدِّم محتوى سياسيًّا أو نشرات إخبارية، تأثير في ذلك. وهناك أيضًا ثلاث إذاعات (“حسنى”، “يقين”، “حياة إف إم”) يغلب على برامجها الطابع الديني، إضافة إلى “إذاعة القرآن الكريم” المملوكة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الإسلامية.

المواقع والصحف الإلكترونية الإخبارية

يعمل في الفضاء الإلكتروني 128 موقعًا إخباريًّا مرخصًا من قِبَل هيئة الإعلام، والواقع أن عددًا قليلًا من هذه المواقع نشيط ومعروف للجمهور الأردني الواسع. ومن أهم سمات هذه الصحافة ندرة التحقيقات والأخبار الميدانية الخاصة بها، ويعتمد معظمها على ما يتم نشره في وكالات الأنباء أو وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

2.2. خصائص المنظومة الإعلامية

فيما يخص الصحف والمجلات الورقية؛ فقد جاء تركيز الصحف المطبوعة في العاصمة عمان، وكان العديد من الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية قد اضطر للتوقف عن الصدور خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إما لأسباب مالية أو بسبب تراجع مستوى الحريات الذي يضمن استمرارها باستقلالية. كانت صحيفتا “العرب اليوم” (خاصة)، و”السبيل” (حزبية)، من أبرز الصحف اليومية التي توقفت عن الصدور في حقبة الدراسة (2011-2023)، الأولى في عام 2015، والثانية في 2020.

وتمثِّل صحيفتا “الرأي” و”الدستور” نموذج الصحف الرسمية، لأن الحكومة تسهم في رأس مال هذه الصحف عن طريق مؤسسة الضمان الاجتماعي، ومن ثم فهي تسيطر على إدارتها وتتدخل في سياساتها التحريرية. وقد أصبحت هذه الصحف تعاني ماليًّا أشد المعاناة منذ 2010/2011، ويعزى ذلك لعدة أسباب منها عدم مواكبة هذه الصحف لتحولات الاتصال والمعلومات في العقدين الأخيرين، ثم بسبب الترهل الإداري والعدد الكبير في الكادر الوظيفي الذي جاء بالتراكم عبر العقود السابقة. أما الصحف اليومية الخاصة، فإن صحيفة “الغد” التي توصف بأنها ليبرالية أو مستقلة، أصبحت منافسة لسابقاتها على قواعد من المهنية والترشيد الإداري على ما يبدو. بينما تعيش باقي الصحف الصغيرة في نطاق محدود مستفيدة من الإعلانات التجارية والرسمية. وهكذا فإن أبرز التحولات في هذه الحقبة تمثَّل في تراجع المردود المالي والمعنوي أيضًا للصحف اليومية.

وتخلو الصحف اليومية أيضًا من صحف معارضة بالمفهوم التقليدي للمعارضة، والتي تعني مواقف نقدية تجاه بعض البرامج والسياسات الحكومية، وطرح البدائل على أساس رؤية شاملة وبرنامج بديل سواء أكان يستند إلى أيديولوجيا أو رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة. أما النقد، فإن معظم وسائل الإعلام تمارس نقدًا بين الحين والآخر تجاه بعض الخدمات أو الإجراءات الحكومية، لكن ذلك يأتي انتقائيًّا ولا يرتقي إلى الإستراتيجيات والسياسات العامة. ولذلك تخلو منظومة الإعلام الأردنية من وسائل إعلام معارضة.

في القطاع السمعي: تُعد الإذاعات الأردنية المنظومة الأكثر تنوعًا وتعددية في المنظومة العامة للإعلام الأردني، سواء من حيث مجالات الاهتمام وتنوع المحتوى، أو نوع الملكية، أو التوزيع الجغرافي والقطاعي. فهناك أربع إذاعات ذات إطار ديني بمحتوى إسلامي (“يقين”، “حياة إف إم”، “حسنى”، “إذاعة القرآن الكريم”). وتكاد لا تخلو محافظة من محافظات المملكة الاثني عشر من إذاعة مجتمعية.

وتستحوذ الإذاعات على نصيب وافر من الإعلان التجاري، ولا يمثِّل أي منها أية جهة معارضة. ويتجنب أغلبها التوسع في البرامج السياسية الحوارية وغير الحوارية، خصوصًا فيما يتعلق بالشأن الأردني، وتكتفي ببث نشرات ومواجز إخبارية نمطية والتركيز على الأحداث الإقليمية والدولية.

وكان لاعتماد المبدأ التجاري عن طريق فرض رسوم عالية على المحتوى الإخباري والسياسي أثر سلبي في الإعلام المرئي والمسموع. وأخلَّت صلاحية الوزير أو مجلس الوزراء في إعفاء بعض المؤسسات الإعلامية من الرسوم بمبدأ العدالة وفرص المنافسة بين مؤسسات المرئي والمسموع في الأردن.

في القطاع البصري: رغم وجود عدد كبير من الفضائيات، إلا أن القنوات السائدة فعليًّا لا تتعدى ثلاث، وهي: التليفزيون الأردني، وتليفزيون المملكة، وهما من نمط إعلام الخدمة العامة الذي يُموَّل من موازنة الدولة، والثالثة قناة “رؤيا”، وهي قناة خاصة. وجميعها تُقدِّم أخبارًا وتحليلات سياسية، إضافة إلى برامج أخرى متنوعة. ويُعد إطلاق قناة “المملكة” خطوة نوعية باتجاه إعلام عمومي مستقل.

ولا تزال القنوات الفضائية شبه مغلقة أمام الأحزاب وفعاليات المعارضة، مع أن قناتي “المملكة” و”رؤيا” تتيحان للجمهور سماع الرأي الآخر، لكن في نطاق قضايا محددة يغلب عليها طابع الخدمات والإجراءات.

في حقل المواقع الإلكترونية الإخبارية: رغم وجود عشرات المواقع الإلكترونية المرخصة (128) وفق الأنظمة السارية، إلا أن عددًا قليلًا جدًّا منها يتمتع بالتأثير الجماهيري، ويعزى ذلك إلى ضعف ثقة الجمهور في المنتج الإلكتروني بشكل عام. لكن التكنولوجيا الرقمية الشبكية وخوارزمياتها تساعد بعض هذه المواقع في الرواج وتحقيق بعض الأرباح من خلال الإعلان التجاري المحلي أو الدولي.

ويغلب على الصحف والمواقع الإلكترونية أخبار القص واللصق ويندر فيها المحتوى التأليفي، والمعالجات التفسيرية أو التمهيدية أو التتبعية للقضايا التي تهم الرأي العام، وبدلًا من ذلك، تُفضل أغلب المواقع الإلكترونية الاهتمام بالأخبار الطريفة والمثيرة والسطحية سعيًا منها للحصول على مشاهدات وقراءات تجلب لها الإعلان التجاري، وتجنبها المساءلة أو التساؤل.

  1. البنية التشريعية للحقل الإعلامي

إذا كانت بعض تحديات ضبط النشر والتعبير في البلاد العربية في عقود سابقة تتمثَّل في نقص التشريعات التي تتعامل مع الأشكال الجديدة للنشر أو تكنولوجيا نقل المعلومات والنشر، فقد بدأت بعض الدول العربية تعاني من ازدحام التشريعات والقوانين التي تتعامل مع الظاهرة الواحدة، ومنها الإعلام والتعبير والنشر. وفي هذا السياق لاحظ عدد من الفاعلين المهنيين والباحثين أن الإطار القانوني الذي ينظِّم العمل الصحفي الإلكتروني في الأردن يستند إلى قوانين متعددة مجالًا ومنظورًا؛ يتجاوز عددها عشرين قانونًا، وهو ما عدَّه البعض نوعًا من “الفوضى التشريعية”(21). بينما أشار يحيى شقير، الخبير في التشريعات الإعلامية، إلى وجود حوالي 10 قوانين رئيسة ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالإعلام حتى العام 2023(22)، في حين بيَّن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني أن القوانين الناظمة للإعلام بشكل مباشر تبلغ 12 قانونًا(23).

ويمكن تقسيم تلك التشريعات والقوانين والأنظمة إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة القوانين ذات الصلة المباشرة، ومجموعة ذات صلة غير مباشرة.

ففي القوانين ذات الصلة المباشرة، هناك:

– قانون العقوبات الأردني وتعديلاته رقم (16) لسنة 1960.

– قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998 وتعديلاته.

– قانون ضمان حق الحصول على المعلومات رقم (47) لسنة 2007.

– قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم (26) لسنة 2015.

– قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023.

أضف إلى ذلك قوانين أخرى اختصت بمؤسسات الإعلام التابعة للقطاع العام، وهي: قانون نقابة الصحفيين الأردنيين (1998) وتعديلاته، وقانون مؤسسة الإذاعة والتليفزيون (2000)، ثم قانون وكالة الأنباء الأردنية (2009).

أما القوانين ذات الصلة غير المباشرة، فهناك:

– قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم (50) لسنة 1971.

– قانون انتهاك حرمة المحاكم رقم (9) لسنة 1959 وتعديلاته.

– قانون الاتصالات وتعديلاته رقم (13) لسنة 1995.

والواقع أن نصوص الدستور 1952 بتعديلاته جاءت صريحة وواضحة بتأكيدها على الحقوق الأساسية في الحريات والتعبير والتجمع، فقد جاء في المادة (1/15): “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون”.

ومنذ 2011 ثم 2016 خضع الدستور الأردني لتعديلات متتالية، كان آخرها في عام 2022(24)، ويُنظر إلى التعديلات الدستورية والتشريعية على مدى السنوات السابقة بوصفها تقدمًا في سياق انتقال ديمقراطي متدرج، لكن تعديلات بعض القوانين عُدَّت “انتكاسة”، خصوصًا قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023. ويرى باسم الطويسي، رئيس برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، أن بعض التعديلات التشريعية لامست أطر تنظيم الإعلام الرسمي وأُنْشِئت بموجب هذه الأطر التشريعية هيئات تنظيمية جديدة في بعض الدول العربية ومنها الأردن، معظمها تُعرِّف نفسها بأنها هيئات مستقلة. وعمليًّا بقيت هذه الاستقلالية شكلية، سواء في نماذج التمويل أو في تعيين القيادات أو في طبيعة تنفيذ الأدوار والمهام(25).

وقد شهد عام 2011 إدخال تعديلات على المادة (15) من الدستور عزَّزت حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، أبرزها: البند (ب) الذي ينص على “عدم جواز تعطيل الصحف ولا إلغاء ترخيصها إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون”، بعد أن كان النص الدستوري السابق ينص على عدم جواز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها إلا وفق أحكام القانون دون أن يشترط وجود أمر قضائي. وبالرغم من إبقاء التعديلات على عبارة “بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون” في البندين الأول والرابع من المادة (15)، إلا أن التعديلات الدستورية أضافت المادة (128) التي أكدت أنه “لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”، مما يضع حدًّا مانعًا لأن تُفرِّغ القوانين هذه الحقوق من مضمونها.

ويلاحظ المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان على هذه التعديلات الدستورية المتعلقة بالمادة 15 أنها (أ) لم تنص على أن لكل إنسان الحق في التماس مختلف ضروب المعلومات وتلقيها ونقلها إلى الآخرين؛ إذ إن الحق في الحصول على المعلومات يُعد الركن الأساسي لضمان حرية التعبير والرأي وحرية الإعلام(26). غير أن القضايا لا تقاس بالنصوص فحسب؛ إذ لاحظت بعض الجهات المعنية أن المشكلة الأساسية تبرز في الفجوة بين النصوص والتطبيق، وهو ما ينطبق على الحالة الأردنية. في هذا الاتجاه أشار التقرير السنوي (2022) لمركز حماية وحرية الصحفيين (وهو منظمة محلية غير حكومية) أن الدستور الأردني يضع ضمانات لكفالة حرية الإعلام والتعبير غير أن واقع الحال يكشف بجلاء أن الكثير من المواد القانونية تحول إلى أداة تقييد(27). بينما رأى مركز الحياة (راصد) أن بعض التشريعات تعطي مساحة فضفاضة للسلطة التنفيذية حتى تُؤَوِّل الحقوق والتشريعات حسب الحاجة(28).

وهناك من يشير إلى أن التشريعات الأردنية تخلو من أي نصوص تمنع التدخل في عمل وسائل الإعلام، كما لا يوجد أي تشريع يحمي الصحفي ممن يقوم بانتهاك حقه وحريته في النشر، بما في ذلك الدستور نفسه الذي لم ينص على توفير مثل هذه الحماية(29). وثمة من يرى أن المشكلة الرئيسة في التشريعات الأردنية في مجال الإعلام تتسم بحالة عدم الاستقرار؛ إذ خضعت لتعديلات مستمرة ومتلاحقة على مدى السنوات الماضية. فقد جرى تعديل قانون المطبوعات والنشر تسع مرات خلال الفترة الممتدة من 1998 إلى 2015. وشهد القانون المرئي والمسموع في عام 2015 تعديلات جوهرية عُدَّت تقدمًا إلى الأمام في معظمها حسب تقييم المجلس الاقتصادي الاجتماعي الأردني(30)، فيما تقبع التعديلات المقترحة على قانون الحق في الوصول إلى المعلومات في أدراج مجلس النواب منذ عام 2011. بينما جرت إعادة صياغة مشروع الجرائم الإلكترونية بعقوبات مغلظة وسالبة للحرية في أغسطس/آب 2023. وقد لاحظ بعض الباحثين أن روح هذه المنظومة القانونية تغلب عليها القيود والعقوبات الزجرية، والإسراف في التجريم، والقوانين المُشَرِّعَة للحجب، وآليات الرقابة قبل رؤية تنظيم القطاع وتقنينه، بل لا يزال بعضها مسكونًا بالعقوبة الحبسية(31).

وتنتقد منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات الأردنية باستخدامها أحكامًا جنائية غامضة وفضفاضة، منها قانون العقوبات لسنة 1960، وقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 (الذي حلَّ محلَّه قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لعام 2023)، وقانون منع الإرهاب لسنة 2006، وقانون منع الجرائم لسنة 1954 لقمع حرية التعبير والتجمع(32).

ومن الانتقادات أو الملاحظات على المنظومة التشريعية أن بعض هذه التشريعات لا يتلاءم مع الدستور أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وهو ما أقرت به “الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان للأعوام 2016- 2025” حينما أشارت ضمن أهدافها إلى ضرورة “تطوير منظومة التشريعات الوطنية لجعلها أكثر مواءمة مع الدستور والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة”(33).

وفي سياق محاولات الدولة شق طريق للإصلاح السياسي والإداري(34)، تم إقرار قانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية، المقترح في 30 مارس/آذار 2022، وبإقرارهما يكون مجلس النواب قد استكمل “التشريع” لمثلث تحديث المنظومة السياسية (الأحزاب، والانتخاب، وتعديلات الدستور المرتبطة بهما)، وهي التشريعات الهادفة إلى تأسيس نظام سياسي جديد باعتماد مبدأ التدرج في زيادة المقاعد الحزبية في البرلمان ابتداء من 30% ووصولًا إلى نسبة 65%، خلال السنوات العشر المُقبلة، وضمن مسار يتوازى مع مسارات الإصلاح الاقتصادي والإداري(35).

وقد ظهرت بوادر إيجابية في تطبيق الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان (2016-2025) وفقًا لتقييم مركز الحياة الذي أظهر أن مستوى التنفيذ الكامل لنشاطات الخطة، وعددها 244 نشاطًا بغض النظر عن إطارها الزمني، بلغ ما نسبته 64%، تتوزع ما بين 21% تم تنفيذها بشكل كامل، و43% جار تنفيذها، بينما لم يبدأ العمل بعد بنسبة 36% منها(36).

وفيما يلي عرض لأهم القوانين ذات الصلة المباشرة بالإعلام والنشر:

– قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998 وتعديلاته

تشير دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي لحالة الإعلام الأردني إلى أن قانون المطبوعات والنشر خضع للتعديل تسع مرات خلال الفترة (1998-2015)، وهو ما يُعزِّز فرضية هذه الدراسة، وغيرها من الدراسات والتقارير التي اهتمت بهذا الموضوع (“مركز حماية وحرية الصحفيين”، “فريدوم هاوس”)، بشأن عدم استقرار التشريعات الناظمة للإعلام(37). ووفقًا لنقابة الصحفيين الأردنيين، فإن تنفيذ قانون المطبوعات والنشر المعدل الذي أُقِرَّ في سبتمبر/أيلول 2012، وجرى تطبيقه في الأول من يونيو/حزيران 2013، وتسبب في حجب زهاء 300 موقع إخباري إلكتروني بعد استنكافها عن “الترخيص”(38).

وتمثَّلت أهم التعديلات في تعديل سنة 2013 الذي أدرج المواقع الإلكترونية ضمن أحكام هذا القانون. ورغم أن القانون خلا من أية عقوبات سالبة للحرية فإن المركز الوطني لحقوق الإنسان يرى أن التعديلات التي أُدْخِلت على القانون لن تمنع محاكمة الصحفيين وتوقيفهم وحبسهم بموجب قوانين أخرى(39)، أي إن القانون لا يُبطِل نصوص مواد أخرى تسمح بتوقيف الصحفيين ومحاكمتهم جراء نشاطهم الصحفي. وهو الأمر الذي حدث مرارًا بالاستناد إلى قانون العقوبات، ثم قانون الجرائم الإلكترونية.

وفي الواقع، جاء قانون المطبوعات والنشر في خضم فوضى إلكترونية كبيرة نتجت عن تكاثر المواقع الإلكترونية الإخبارية منذ انتشار “الويب 2” دون أن يتمتع الكثير منها بأدنى حدود المهنية أو المؤسسية. ولئن كان القانون لم يُنه تلك الحالة، فإنه حدَّ منها؛ إذ بات على المواقع الإلكترونية حتى يُسمح لها بالعمل داخل المملكة توفير عدد من الشروط الفنية والمهنية والإدارية، وأهمها أن يتولى مسؤولية تحرير الموقع صحفي يحمل مؤهلًا في التخصص تعترف به نقابة الصحفيين ويكون عضوًا فيها.

– قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات رقم (27) لسنة 2007

بعد ثماني سنوات من إقرار القانون لاحظ “مركز حماية وحرية الصحفيين الأردنيين” أن حالة تطبيقه ضعيفة، وأن الممارسات والخبرات المكتسبة داخل المؤسسات العامة في التعامل مع هذا الحق متواضعة، هذا فضلًا عن أن العديد من مؤسسات الدولة لا تعرف هذا القانون واجب التنفيذ(40). وهناك من أشار إلى أن القانون لم يحقق الأهداف التي وُضِع من أجلها -بعد مرور أربعة عشر عامًا على إقراره- في تغيير ثقافة السرية التي تنتهجها الجهات والمؤسسات المختلفة، ولم يُفرز على أرض الواقع انسيابًا وتدفقًا للمعلومات كما كان مؤملًا(41).

ورغم ذلك، يلاحَظ أن بعض الوزارات والهيئات الحكومية وضعت بياناتها على مواقعها في شبكة الإنترنت بتوجيهات حكومية ضمن خطة متدرجة، فيما بدأ بعضها بالتعاون مع طالبي المعلومات بطرق شتى منها التواصل المباشر حتى دون الحاجة لتقديم طلب رسمي أو تعبئة النموذج المخصص لطلب المعلومات(42). بينما أعلنت بعض الوزارات (مثل وزارة الطاقة والثروة المعدنية) عن ترتيب سجلاتها إلكترونيًّا، ومَأْسَسَة العمل والتوعية وتبسيط الإجراءات، وقياس جودة الخدمة، وتسمية مسؤول معلومات في الوزارة وإضافة مهامه إلى الوصف الوظيفي لرئيس قسم إدارة المعرفة(43).

وتأتي خطة هذه الوزارة تطبيقًا لخطة حكومية أُقرَّت في ديسمبر/كانون الأول 2020، وتتضمن ثلاثة بروتكولات لإنفاذ القانون تمثَّلت في وضع دليل إرشادي لمأسسة إجراءات حق الحصول على المعلومات. وهو خريطة طريق ملزمة لكل المؤسسات العامة، والثاني عن تصنيف المعلومات، والثالث عن إدارة المعلومات وطريقة حفظها وأرشفتها واستعادتها(44).

وقد أوصى مركز الحياة بإعادة النظر في قانون حق الحصول على المعلومات، وتعديل كافة التشريعات المتعلقة بمسائل حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع ضمن مصفوفة واحدة، وذلك نظرًا لترابط التشريعات بعضها ببعض، والنظر في تطوير قاعدة بيانات في جميع الحقوق المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، وحق التجمع لمراقبة مدى الالتزام بصون هذه الحريات ومتابعة أي انتهاكات خاصة بهذا المجال(45).

– قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023

جاء عرض مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد 2023 على مجلس النواب مفاجئًا للمراقبين، لأن عملية العرض والمناقشة والإقرار جرت خلال بضعة أسابيع من شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2023. وقد غلَّظت مواد قانون الجرائم الإلكترونية العقوبات بشكل غير مسبوق، وهو ما يُخشى من خلاله أن يؤثر في الحريات العامة وحريات التعبير وحقوق الإنسان عمومًا. ولذلك فإن مؤسسات أو هيئات حقوقية ومدنية وحزبية وطنية وجهت انتقادات حادة للقانون، بل لفت مشروع القانون انتباه هيئات دولية تعرضت له بالنقد الشديد، مثل “هيومن رايتس ووتش” ومجموعة أخرى من الهيئات والأفراد الذي حثوا الحكومة الأردنية على سحب مشروع القانون قبل إقراره(46).

وأشارت تلك الهيئات إلى أن المواد (14) و(15) و(16) و(17) و(19) من القانون قامت على مصطلحات غير دقيقة وغامضة وغير محددة، مثل “الأخبار الكاذبة”، و”التسهيل أو الترويج أو المساعدة أو الحض على الفجور”، و”اغتيال الشخصية”، و”إثارة الفتنة”، و”النيل من الوحدة الوطنية”، و”ازدراء الأديان”. وهي صياغات لا تفي بمتطلبات القانون الدولي الخاصة بصياغة النصوص القانونية بدقة كافية للسماح للأفراد بتنظيم سلوكهم بمقتضاها. كما أشارت إلى أن مثل هذه البنود الغامضة تفتح الباب أمام السلطة التنفيذية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في حرية التعبير؛ ما يجبر القضاة على إدانة المواطنين في معظم الحالات. بينما اتفق مركز حماية وحرية الصحفيين الأردنيين على أغلب تلك الملاحظات، وأشار إلى “إشكالية المصطلحات الفضفاضة وغير المنضبطة الواردة في بعض القوانين، مثل: خطاب الكراهية، والأمن الوطني، واغتيال الشخصية”، معتبرًا أنها “المدخل الأساسي لتقييد حرية التعبير والإعلام، فهي تستخدم بشكل متعسف في توقيف الصحفيين”(47).

ووصف الخبير القانوني، يحيى شقير، هذا القانون بأنه “أسوأ قانون عقابي في الأردن”، لأنه لم يحدد بدقة دائرة الإباحة والتجريم، وهو أيضًا يخلو من “مبدأ التفريد العقابي”؛ إذ إن 38 مادة، من أصل 41 مادة، نصَّت على الحبس والغرامة. واستحدث القانون جرائم جديدة، مثل: “الأخبار الكاذبة”، و”اغتيال الشخصية”، و”ازدراء الأديان”، ونشر “أخبار زائفة”، بينما لم تستخدم اليونسكو في أدبياتها تعبير “أخبار زائفة”(48).

وبررت الحكومة سنَّ القانون بهدف حماية المجتمع من الأخطار والجرائم الإلكترونية التي تشهد تصاعدًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وأن الجرائم المرتكبة عبر الفضاء الرقمي تُعد جرائم ذات أثر أكبر ويدوم لسنوات طويلة. ومن ثم فإن تغليظ العقوبات المالية جاء لتحقيق الردع العام والخاص في مثل هذه الجرائم، خصوصًا أن القانون السابق ورغم تجريمه هذه الأفعال، لم يحقق الردع وزاد عدد مرتكبي الجرائم وبأساليب جديدة وصلت إلى ستة أضعاف(49).

يبدو واضحًا أن الأردن لا يزال يراوح في المنطقة “الرمادية أو الإشكالية” في مسألة التشريعات والقوانين الأكثر صلة بالإعلام والنشر، وهو ما يؤكد صحة الفرضية الفرعية من أن المنظومة التشريعية للإعلام لا تزال غير مستقرة ولا توفر ضمانات كافية للحريات الصحفية. ورغم أن قانون المطبوعات والنشر يخلو من العقوبات السالبة للحرية، إلا أنه لا يمنع من توقيف الصحفيين بغطاء قوانين أخرى، خصوصًا قانون العقوبات الأردني وتعديلاته رقم (16) لسنة 1960. كذلك شكَّل قانون الجرائم الإلكترونية (2023) انتكاسة كبيرة من وجهة نظر العديد من المعنيين والمراقبين وطنيًّا ودوليًّا.

 

  1. مسار الحريات الإعلامية

تفترض الدراسة أن الحريات العامة والحريات الإعلامية نتاج لاحق للمنظومة التشريعية وطبيعة النموذج الاقتصادي لوسائل الإعلام؛ إذ إنها متغير تابع لمتغيرات مستقلة كما تجسدهما المنظومتان التشريعية والاقتصادية. ويؤكد ذلك المدخل التحديثي للدمقرطة من أن مستوى الحريات في أي بلد يرتبط بالمستوى الذي وصلت إليه في الديمقراطية، وهو ما يُعبِّر عن درجة النضج السياسي، والاجتماعي/الثقافي، والاقتصادي الذي تحقق في البلاد. وكما يقول عالم الاجتماع، أنتوني غدنز (Anthony Giddens)، فإن مستقبل الديمقراطية في أية دولة يتوقف على مسار تجربتها السياسية، وما آلت إليه تلك التجربة من محصلة في مجال المشاركة السياسية وحقوق الإنسان والأمن والتنمية، ويتوقف أيضًا على نوعية البنى المجتمعية القائمة في كل من المجتمع والسلطة وعلاقتهما الداخلية وارتباطاتهما الخارجية(50).

وقد استقر رأي جمهور الفلاسفة منذ القرن السابع عشر على وجود علاقة عضوية بين الديمقراطية والإعلام باعتباره السلطة الرابعة في المجتمع، له كامل الحق في مراقبة باقي السلطات ومحاسبتها وكشف فسادها(51). بينما أشارت دراسات حديثة إلى ارتباطات متنوعة بالتحول الديمقراطي في الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، منها عدم المساواة بين مكونات الشعب، وتركيز الدخل والثروة، والرشوة والمحسوبية التي تسهم في السيطرة على المؤسسات الثقافية والتواصلية وتؤدي إلى سيطرة موقف النخب على نتائج الانتخابات السياسية العامة وحتى التأثير في الثقافة الجماهيرية(52).

ولما كان مفهوم الحريات الإعلامية جزءًا لا يتجزأ من الحريات العامة، فإن بعض المعنيين بحرية الصحافة يرى أن قدرة الصحفيين على كتابة التقارير بحرية حول المسائل ذات الاهتمام العام تُعد مؤشرًا حاسمًا للديمقراطية(53). ولا يمكن إنجاز انتخابات حرة ونزيهة وعادلة في غياب صحافة حرة، وأن حضور الصحافة الحرة هو مقياس لجدية الدولة في التحول الديمقراطي القائم على التعدد الحزبي(54). وهو ما سيوفر مجالًا عامًّا يُدار فيه النقاش الحر وتبادل الآراء عبر وسائل الإعلام، وسيُفضي إلى تشكُّل المصالحات والتسويات حول القضايا التي تهم المجتمع، وتشكُّل الروح الجماعية. لذلك لابد من ضمان حرية الرأي عن طريق إتاحة التبادل الحر للأفكار والمعلومات القائمة على بيانات ووقائع حقيقية. لهذا اعتُبرت المادة (19) من حقوق الإنسان المادة المركزية في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتنص على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”.

ويُبنى على ذلك الحق الكثير من المنافع والفوائد التنموية على مستوى الفرد والجماعة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ إذ تمثِّل المعلومات الصحيحة التي تعبِّر عن الحقائق الوقود الذي يولِّد الطاقة ويدفع بالمجتمع إلى الأعلى. فـ”المعلومات يمكن أن تغير الطريقة التي نرى بها العالم من حولنا، ومكاننا فيه، وكيفية ضبط حياتنا من أجل تحقيق أقصى قدر من الفوائد المتاحة من خلال مواردنا المحلية”(55).

وتؤدي الصحافة دورًا بالغ الأهمية في تعزيز الحيز المدني الصحي، من خلال تزويد المواطنين بمعلومات موثوقة تقوم على حقائق يحتاجون إليها للمشاركة في مجتمع حر منفتح. كما تعمل الصحافة في الوقت نفسه جهة رقابية مستقلة ومسؤولة عن تحديد الأجندة. ولكي تعمل الصحافة باعتبارها منفعة عامة، يتعيَّن عليها العمل في ظروف سياسية واقتصادية مواتية حتى تتمكن من إعداد أخبار وتحليلات مستقلة وجديرة بالثقة(56).

وقد وُصِفت حالة الحريات الإعلامية في الأردن عبر السنوات الاثني عشر السابقة أوصافًا متعددة، لكنها تلتقي جميعًا على “عدم استقرار الحال”، وأحد تلك الأوصاف أنها “تسير في مسار متذبذب” ضمن مسارات الحريات العامة في البلاد(57). بينما تم تصنيف حال حريات الصحافة على مدى سنوات 2011-2022 بأنه “حر جزئيًّا” في أغلبية التقارير الدولية التي ترصد الحريات العامة والحريات الصحفية مثل: “فريدوم هاوس”، و”مراسلون بلا حدود”، هذا فضلًا عن تقارير وطنية، مثل تقارير “مركز حماية وحرية الصحفيين”.

ومنذ العام 2013، أي عقب خفوت موجات الاحتجاج في الشارع الأردني، وصفت حالة حرية الصحافة والحريات العامة في الأردن وصفًا متشائمًا من قبل مركز حماية وحرية الصحفيين بسبب حجب الحكومة للمواقع الإلكترونية واشتراطها تحقيق متطلبات تنظيمية لأي موقع إلكتروني يرغب في العمل بالأردن(58). وشهد العام 2013 تعثرًا في تطور الحريات الإعلامية مع ظهور تشريعات جديدة، منها قانون مكافحة الإرهاب، وتعديلات قانون المطبوعات والنشر، وزيارة الرقابة على شبكة الإنترنت. وجاء ذلك بتأثير تداعيات الحرب على الإرهاب والتطرف الذي اجتاح الإقليم وتسلَّل إلى الداخل الأردني(59).

وأظهر تقرير “فريدوم هاوس”، في 2013، أن نسبة 61% من دول الشرق الأوسط توصف بأنها “غير حرة”، والأردن واحدة منها، ودول أخرى بنسبة 33% “حرة جزئيًّا”، بينما كانت نسبة الدول الحرة 6%(60). وفي مؤشرات عام 2013 لتقرير مركز حماية وحرية الصحفيين، تراجع مؤشر حرية الصحافة 12 نقطة عما كانت عليه الحال في 2011 الذي شهد تحسنًا ملحوظًا؛ إذ في هذه السنة 2013 أصبح قانون المطبوعات والنشر المعدل نافذًا، وتسبب في حجب 291 موقعًا إخباريًّا إلكترونيًّا(61). وتكاد الهيئات الدولية المختلفة المعنية بالحريات تتفق على مكانة الأردن التي يغلب عليها التذبذب، مع وضع متوسط نسبيًّا لحرية الإنترنت؛ إذ توصف بـ”حرة جزئيًّا”.

جدول (5): تصنيف الأردن في مؤشر حرية الصحافة(62)

 

السنة

مراسلون بلا حدود

(حرية الصحافة)(63)

 

فريدوم هاوس(64)

مركز حماية وحرية الصحفيين (حرية الصحافة)(65)
ترتيب دولي نقاط المؤشر  

الحالة

مؤشر حرية الإنترنت  

الحالة

تقييم حرية

الصحافة

2011 128 56.8 إشكالية 42 حر جزئيًّا تراجع للخلف/عتمة إلكترونية
2012 128 56.8 إشكالية 45 حر جزئيًّا طريق مسدود
2013 134 61.53 إشكالية 46 حر جزئيًّا انتكاسة/أسوأ حالة
2014 141 59.58 إشكالية 48 حر جزئيًّا حالة المراوحة
2015 143 57.93 إشكالية 50

 

حر جزئيًّا تحسن طفيف بفضل تراجع النسبة الكلية للانتهاكات الجسيمة
2016 135 55.51 إشكالية 44 حر جزئيًّا حرية عالقة/مراوحة في المكان
2017 138 56.76 إشكالية 53 حر جزئيًّا غياب التغطيات الميدانية للاحتجاجات والاعتصامات
2018 132 58.29 إشكالية 47 حر جزئيًّا مقيدة
2019 130 56.89 إشكالية 47 حر جزئيًّا مقيدة/مكبلة
2020 128 57.92 إشكالية 49 حر جزئيًّا مقيدة
2021 129 57.11 إشكالية 47 حر جزئيًّا تراجع للخلف/عتمة إلكترونية
2022 120 48.66 صعبة 47 حر جزئيًّا حرية الصحافة في طريق مسدود
2023 146 42.79 صعبة 47 حر جزئيًّا لم يصدر بعد

المصدر: أعد الباحث الجدول بالاعتماد على المصادر الأولية/الأصلية للمنظمات والهيئات التي تُعنى بحرية الصحافة.

تُظهِر بيانات الجدول رقم (5) أن مؤشرات قياس الحريات لمؤسسات محلية ودولية جاءت متوائمة إلى حد كبير. ويلاحظ الباحث أن الأردن يراوح في منطقة رمادية (حر جزئيًّا- وغير حرة) بالنسبة لحرية الصحافة، أو “حالة إشكالية” حسب وصف “مراسلون بلا حدود”.

وذكر تقرير مركز حماية وحرية الصحفيين للعام 2011 أن الحراك الشعبي وضع حدًّا للتدخل الحكومي والأمني في الإعلام بنسبة 65.5%، وأسهم في تراجع خوف الصحفيين من الملاحقات القانونية بمعدل 67.9%، ولعب دورًا -ولو كان محدودًا- في تراجع الرقابة الذاتية(66). وكان العام 2013 شهد انتكاسة كبيرة في مجال حرية الصحافة، بينما بدأ التحسن الطفيف في حالة الحريات الصحفية منذ العام 2015 فصاعدًا، ولم يفلح هذا التحسن في تجاوز الأردن لحالة “حر جزئيًّا” التي طبعت مختلف السنوات اللاحقة في مجالي حرية الصحافة وحرية الإنترنت.

أما حرية الإنترنت فتخضع لمؤشر تنشره سنويًّا “فريدوم هاوس”، وتُظهِر البيانات منذ عام 2011 وحتى العام 2023 أن الأردن ظل في تصنيف “حر جزئيًّا”، وهو يقع في المدى الرقمي (42-53)، بينما تصبح الدول “غير حرة” حينما تتجاوز نسبة 60%. أما الدول المصنفة حرة، فهي تلك التي تقع في المدى (1-30).

أما في مؤشر مركز حماية وحرية الصحفيين، فقد ظل الحال يتراوح بين التقييد، والحرية الجزئية، والحرية العالقة، والتكبيل، والطريق المسدود. وهذه كلها تعابير استخدمتها تقارير المركز لتدل على “الحرية الناقصة” أو “الحرية الجزئية”.

وفي العامين 2022 و2023، تراجع تصنيف حالة حرية الصحافة في الأردن -بحسب مؤشر “مراسلون بلا حدود”- من “حالة إشكالية” إلى حالة “صعب جدًّا” بعد أن حصل على نقاط دون حد (55). ويقوم هذا التصنيف على خمسة مستويات تبدأ من (0-40) وهي حالة شديدة الخطورة، وتصل إلى (85-100) وهي حالة جيدة(67).

إذن، لا توجد تحولات جوهرية في حالة حرية الصحافة في الأردن خلال فترة الدراسة (2011-2023) باستثناء تراجعها في العامين (2022-2023)، وهي في معظم الوقت تتذبذب في المنطقة الوسطى نفسها، لكن دون أن تستطيع الوصول إلى منطقة “حر تمامًا”. وفي العام 2023، حققت التصنيف الأسوأ في مؤشر “مراسلون بلا حدود” بتراجع بلغ 26 درجة، ويمكن تفسير ذلك في ضوء عدم حدوث خطوات متقدمة أو تحولات جوهرية في مسار الإصلاح السياسي. وهو المسار الذي أقرت الحكومة إستراتيجياته وخططه منذ إطلاقه بتوجيهات ملكية نهاية العام 2021. وفي هذا السياق، أقر مجلس النواب تعديل 30 مادة من مواد الدستور الأردني شملت قوانين عديدة أهمها التعديلات التي تسمح بتعديل قانوني الانتخابات والأحزاب. وبإقرار هذين القانونين، يكون مجلس النواب قد استكمل “التشريع” لمثلث تحديث المنظومة السياسية (الأحزاب، والانتخاب، وتعديلات الدستور). وتهدف هذه التشريعات إلى تأسيس نظام سياسي جديد أساسه الأحزاب البرامجية الفاعلة والقادرة على الوصول إلى البرلمان، وتشكيل الحكومات، باعتماد مبدأ التدرج في زيادة المقاعد الحزبية في البرلمان ابتداء من 30% في المجلس النيابي المُقبل (العشرون) مرورًا بـ50%، ووصولًا إلى نسبة 65%، خلال السنوات العشر المُقبلة، وضمن مسار يتوازى مع مسارات الإصلاح الاقتصادي والإداري(68).

  1. نموذج العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي

ظلت علاقة المنظومة الإعلامية بالنظام السياسي القائم مدار اهتمام البحث الإعلامي والعلوم السياسية أيضًا. وتتناول العلوم السياسية هذه العلاقة من منظور مكانة الإعلام في الانتقال الديمقراطي، بينما تركز البحوث الإعلامية على علاقة التأثر والتأثير بين المنظومتين إضافة إلى اهتماماتها الأخرى. والواقع أن وصف هذه العلاقة بين المنظومتين (الإعلامية والسياسية) ضمن نموذج ثابت محدد أمر يصعب إثباته كما يصعب تعميمه في جميع الوحدات السياسية المشابهة أو في المراحل الزمنية والسياسية المختلفة. وعلى الأرجح، فإن البحوث الكمية لا يمكنها اختبار كون التحول الديمقراطي يمثِّل سببًا أو نتيجة في هذه المعادلة، ما يعني أن العلاقة أكثر تعقيدًا من تبسيطها في علاقات خطية سببية. ويستخلص بعض الباحثين أن الأدبيات العلمية حول العلاقة بين الإعلام والتحول الديمقراطي تتسم بالتذبذب إجمالًا؛ إذ يسود الاعتقاد بأن النظم الشمولية وغير الديمقراطية لن تتحول إلى نظم ديمقراطية في غياب حرية التعبير وفي مقدمتها حرية الإعلام، بينما يجعل بعضهم من أسبقية المجتمع الديمقراطي شرطًا لحرية الإعلام. ويرى الباحث -كما ورد في دراسة سابقة(69) حول الإعلام الأردني والتحول الديمقراطي- أن النماذج النظرية التي تتناول العلاقة بين دور الإعلام والديمقراطية لا تُقدِّم إجابات شافية لهذه العلاقة، غير أن الاتجاه العام في تلك النماذج، وفي تجارب الشعوب والدول، يؤكد أهمية دور الإعلام الذي يتمتع بقدر كاف من الحرية والتنوع في الدفع بعملية الانتقال الديمقراطي. وقد استخلصت تلك الدراسة أن نموذج التأثير المتبادل (التبادلي) هو النموذج الذي تحكَّم في علاقة منظومتي الإعلام والسياسية.

ويجدر التأكيد أن نموذج وليم روو بخصوص علاقة الإعلام بالمنظومة السياسية ظل مفيدًا في فهم تلك العلاقة، وتحولاتها وفق أنماط النظم السياسية، وهي الإعلام التعبوي، والموالي، والتعددي، والانتقالي. ووفقًا لمجموعة المؤشرات التي وردت في الجداول السابقة، والجدول رقم (6) الذي يضم مؤشرات تقديرية عن سمات المنظومة الإعلامية، يمكن وصف النظام الإعلامي الأردني بأنه إعلام متنوع ومختلط. وهذا ما يرتبط عادة بالنظم السياسية الانتقالية وفقًا لنموذج رو؛ حيث يتميز النظام الانتقالي بملكية مختلطة لوسائل الإعلام، واختلاط أو تنوع ملكية وسائل الإعلام، ووجود وسائل الإعلام المؤيدة والمعارضة، والنقاش العام النشط، وتكون المعارضة العامة محدودة، وتتصف المجموعة الحاكمة بأنها متنوعة، كما في الأردن، والجزائر، ومصر، وتونس(70). غير أن بعض هذه الخصائص لا تنطبق على النظام السياسي الأردني؛ إذ يخلو في هذه الفترة من التنوع الذي تمتاز به النظم السياسية البرلمانية، وهو الهدف الذي وجه الملك الحكومات المتعاقبة على تحقيقه استجابة للتطورات السياسية المحلية والإقليمية. وبدأت الحكومات في التهيئة له من خلال تعديلات دستورية وتشريعية منذ العام 2011، حيث تم إجراء تعديلات دستورية واسعة. وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وضعت اللجنة الملكية للتحديث السياسي توصياتها التي شملت تعديلات تتعلق بالانتخابات البرلمانية والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما(71)، وهو ما تم إنجازه في مجلس الأمة بالفعل. ثم وضعت خطة حكومية ترتبط بجدول زمني متدرج خلال السنوات العشر المُقبلة للوصول إلى حكومات برلمانية، وضمن مسار يتوازى مع مسارات الإصلاح الاقتصادي والإداري.

وبناء على المؤشرات المتوافرة -كما يظهر في الجدول (6)- فقد تم تحديد سمات المنظومة الإعلامية وبيئتها في الأردن، خلال فترة الدراسة (2011-2023)، بسبعة عناصر أو نظم فرعية، وهي: المنظومة التشريعية، والنموذج الاقتصادي، وحرية الصحافة، والرقابة الحكومية، وتنوع اتجاهات الصحافة، والسلامة المهنية والأمن الوظيفي للإعلاميين، واتجاهات البنى الاجتماعية/الثقافية نحو الإعلام.

جدول (6): سمات المنظومة الإعلامية وبيئتها في الأردن (2011-2023)

م عناصر المنظومة الإعلامية: بيئتها وسياقاتها فترة الحراك الشعبي (2011-2012) فترة التذبذب (2013-2021) فترة انتقالية مختلطة (2022-2023)
1  

المنظومة التشريعية

تعديلات دستورية إيجابية للحريات، وإنشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخابات تعديلات تشريعية سلبية (بعض مواد قانون المطبوعات والنشر) تعديلات تشريعية إيجابية (قانوني الانتخابات والأحزاب)، وأخرى سلبية (قانون الجرائم الإلكترونية 2023)
2 النموذج الاقتصادي مختلط وتعددي مختلط وتعددي مختلط وتعددي
3 حرية الصحافة حرة نسبيًّا حرية مقيدة حرية مقيدة
4 الرقابة الحكومية لاحقة- الرقابة الذاتية تراجعت قليلًا لاحقة- الرقابة الذاتية تزايدت لاحقة- الرقابة الذاتية القبلية تزايدت
5 تنوع اتجاهات الصحافة صحافة ناقدة صحافة ناقدة تخلو من المعارضة الكلاسيكية. صحافة ناقدة تخلو من المعارضة الكلاسيكية.
6 السلامة المهنية والأمن الوظيفي للإعلاميين جيدة نوعًا ما جيدة جيدة
7 اتجاهات البنى الاجتماعية/ الثقافية متنوعة- بيئة صديقة غالبًا متنوعة- بيئة صديقة غالبًا متنوعة- بيئة صديقة غالبًا

وقسَّم الباحث الفترة المعنية بالدراسة (2011-2023) إلى ثلاث مراحل فرعية، تميز كل منها ببعض السمات، وكانت الفروق بينها طفيفة إلى حدٍّ كبير. تميزت الفترة الأولى (2011-2012) بنشاط الحراكات الإصلاحية واستجابة النظام السياسي لبعض مطالبها، وتعرض الجسم الصحفي لضغوط كبيرة وتراجع ملموس في “الرقابة الذاتية”. وتميزت الفترة الثانية (2013-2021) بإقرار تعديلات قانون المطبوعات والنشر التي ضيقت على الصحافة الإلكترونية، وما صاحب ذلك من تراجع كبير للصحف اليومية جمهورًا وإيرادات، وتزايد في الرقابة الذاتية. أما الفترة الأخيرة (2022-2023) فتميزت بسمات مختلطة إيجابية وسلبية معًا، خصوصًا ما تعلق منها بالتعديلات التشريعية وإطلاق خطط التحديث السياسي والإداري.

إن مجموع تلك الملامح هو ما يؤدي إلى استنتاج أن المنظومة الإعلامية في الأردن تتسم بسمات “الصحافة الانتقالية”، وهو ما يرتبط أيضًا بتصنيف النظام السياسي، حسب وليم روو وغيره من الباحثين في العلوم السياسية. ويترتب على ذلك أن يظل الإعلام في موقع التابع للسياسي، الذي يركز على التفسير والتبرير أكثر من دوره في المساءلة والرقابة، ويفقد بذلك جزءًا كبيرًا من سلطته وتأثيره، وهو يتماهى مع السياسات الحكومية. لذلك لا تستطيع مؤسسة الإعلام الإخباري إلا أن تأخذ إلى حدٍّ ما “شكل ولون الهيكل الاجتماعي والسياسي”، الذي تعمل من خلاله، كما ذُكِر آنفًا.

خلاصة

إن النظريات التي تتناول العلاقة بين دور الإعلام والديمقراطية لا تقدم إجابات شافية لهذه العلاقة، غير أن الاتجاه العام في تلك النظريات، وفي تجارب الشعوب والدول، يؤكد أهمية دور الإعلام الذي يتصف بقدر كاف من الحرية والتنوع في الدفع بعملية الانتقال الديمقراطي(72). وفي هذه العملية، يبدو نموذج التأثير المتبادل (التبادلي) هو الأكثر إقناعًا في وصف هذه العلاقة.

في الواقع، لا يوجد بناء نظري متكامل يفسر الكيفية التي تعمل بها المتغيرات في معادلة الإعلام والتحول الديمقراطي(73). فلا يبدو نمط الملكية أو الإدارة هو الأساس، بل إن إطار حرية الصحافة المستند إلى تشريعات مناسبة، وممارسة سياسية مشجعة، هو ما يؤدي إلى قيام وسائل الإعلام بدورها في نقل الحقائق، وتفسيرها بمسؤولية، وقيامها أيضًا بدورها الأهم المتعلق بممارسة الرقابة والمساءلة مساهمة منها في حماية مصالح المجتمع والدولة.

أما البنية الاقتصادية لمنظومة الإعلام الأردني، فإن تنوع أنماط الملكية هو أحد ميزاتها الإيجابية، ويمتد ذلك من المطبوع إلى المرئي مرورًا بالمسموع، غير أن نمط الملكية لا يخبر كامل القصة، كما قال وليم روو. فالحكومات لديها طرائق متعددة لممارسة الرقابة، وقد تؤثر الحكومات في المضامين الإعلامية بشكل غير مباشر أو عبر الإقناع، وهو ما يتمثَّل في ممارسة الصحفيين لـ”الرقابة الذاتية”(74).

في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2023، لم تحدث تحولات جوهرية في كلا النسقين أو المنظومتين، الإعلامية والسياسية؛ إذ طغت حالة “عدم اليقين” و”تدني الثقة” بين الطرفين، ويبدو ذلك في المنظومة الإعلامية من خلال عدة ملامح، أهمها: تجنب الغوص في التحليل النقدي، واستمرار آلية “الرقابة الذاتية” لدى الصحفيين بنسبة مرتفعة جدًّا(75)، وهو ما أشار له أيضًا وليم روو في دراساته المبكرة والمحدثة عن الصحافة العربية(76). ويعكس ذلك التوجسَ من عواقب التفكير خارج الخط الذي ترسمه الحكومات، مع إبقاء هامش ما لتناول الخدمات اليومية، وبعض الخطط الحكومية في مجالات الاقتصاد والتنمية والاستثمار وغير ذلك مما لا يدخل في جوهر السياسة.

وخلصت الدراسة إلى أن المنظومة الإعلامية في الأردن تتسم بسمات “الصحافة الانتقالية”، ويترتب على ذلك أن يظل الإعلام في موقع التابع للسياسي، الذي يركز على التفسير والتبرير أكثر من دوره في المساءلة والرقابة، ويفقد بذلك جزءًا كبيرًا من سلطته وتأثيره، وهو يتماهى مع السياسات الحكومية.

وفيما يخص فرضيتي الدراسة يمكن استنتاج ما يلي:

– إجابة الفرضية الأولى: إن المنظومة التشريعية للإعلام لا تزال غير كافية لضمان الحريات الصحفية، وهي غير مستقرة وتتعرض للتعديل بمعدل كبير ما يؤثر سلبًا في مستوى حرية الصحافة. ورغم ذلك، فإن التعديلات التي عرفتها منظومة القوانين لم تُحدِث اختراقًا جوهريًّا للوضع القائم، مع ازدياد طفيف في القيود القانونية في تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023.

– إجابة الفرضية الثانية: تمتاز منظومة الإعلام الأردني بالتعدد والتنوع ما يؤدي إلى تحسن ترتيب الأردن في مؤشرات حرية الصحافة العالمية، وما يلبي الحاجات الإعلامية لفئات اجتماعية متعددة، ورغم ذلك تخلو من منابر إعلام للمعارضة باستثناء القليل جدًّا (صحيفة السبيل الإلكترونية). كما تخلو من منابر لبعض الأقليات العرقية أو الدينية أو الفئات الثقافية والاجتماعية، على أمل أن يؤدي التقدم في تطبيق برنامج الحكومات البرلمانية في السنوات القادمة إلى تحقيق بعض التوازن في تنوع وتعددية الصحافة.

المراجع

(1) William Rugh, Arab Mass Media: Newspapers, Radio, and Television in Arab Politics, (London: Praeger, 2004), 134.

(2)  Ibid, 252.

(3) للاستزادة، انظر:

– “An Overview of Media Ecology (Lance Strate),” Media Ecology Association,”accessed August 10, 2023″. https://t.ly/-nUEj.

– “Media Ecology – An Introduction,” mediaecologies.wordpress, “accessed August 10, 2023”. https://t.ly/Gcgla.

(4) أندريا بريس، بروس ويليامز، البيئة الإعلامية الجديدة، ترجمة شويكار زكي، (القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2012)، ص 20.

(5) جمال زرن، “البيئة الجديدة للاتصال أو الإيكوميديا عن طريق صحافة المواطن”، مجلة الباحث الإعلامي (جامعة بغداد، كلية الإعلام، بغداد، العدد 17، 2012)، ص 20.

(6) محمد جاسم فلحي، “نظريات الاتصال والإعلام الجماهيري”، الأكاديمية العربية في الدنمارك، 23 مايو/أيار 2006، (تاريخ الدخول: 17 يوليو/تموز 2023)، https://t.ly/XvsSD.

(7) بريس، ويليامز، البيئة الإعلامية الجديدة، مرجع سابق، ص 256.

(8) وليم روو، الصحافة العربية: الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي، ترجمة موسى الكيلاني، (عمان، مركز الكتب الأردني، 1989)، ص 18.

(9) “Media Ecologies and Digital Activism,” mediaecologies. wordpress.com, “accessed August 10, 2023”. https://2u.pw/9BI1HI7.

(10) محمد الراجي، “حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشرات البيئة الصديقة والكابحة للحريات”، لباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 1، 2019)، ص 4.

(11) محمد تيسير، “مقدمة في تحليل النظم في البحث العلمي”، المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، 8 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/BDWfN.

(12) بريس، ويليامز، البيئة الإعلامية الجديدة، مرجع سابق، ص 115.

(13) كريغ كالهون، معجم العلوم الاجتماعية، ترجمة معين رومية، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021)، ص 322.

(14) زرن، “البيئة الجديدة للاتصال أو الإيكوميديا عن طريق صحافة المواطن”، مرجع سابق، ص 25-26.

(15) الراجي، “حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشرات البيئة الصديقة والكابحة للحريات”، مرجع سابق، ص 15.

(16) باسم الطويسي، “تحولات الإعلام الرسمي العربي: أسئلة الديمقراطية ومعايير الخدمة العامة”، مركز الجزيرة للدراسات، 10 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2023)، https://t.ly/k5l8_.

(17) “الاتصال الحكومي: ليست عودة لوزارة الإعلام”، الدستور، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 22 يوليو/تموز 2023): https://2u.pw/zXXr9LS.

(18) “الإخوان المسلمون يطلقون فضائية”، وكالة عمون، 21 مايو/أيار 2012، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2023)، https://t.ly/n5EIT.

(19) “الرؤية”، قناة المملكة، (تاريخ الدخول: 9 يوليو/تموز 2023)، https://t.ly/mQCv-.

(20) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع داوود كتاب، مؤسس راديو البلد ومديرها، 3 سبتمبر/أيلول 2023، الأردن.

(21) الراجي، “حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشرات البيئة الصديقة والكابحة للحريات”، مرجع سابق، ص 11.

(22) يحيى شقير، مقدمة في التشريعات والسياسة الإعلامية في الأردن، (عمان، مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان ميزان، 2003)، ص 4.

(23) تقرير حالة البلاد، محور الإعلام، المجلس الاقتصادي والاجتماعي (الأردن)، 2018، ص 15.

(24) “وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية: التشريعات المقترحة والنتائج والتوصيات”، سبتمبر/أيلول 2021، وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، (تاريخ الدخول: 3 أغسطس/آب 2023)،https://2u.pw/QL2ytT

(25) الطويسي، “تحولات الإعلام الرسمي العربي”، مرجع سابق.

(26) “أوضاع حقـوق الإنسان في المملكة الأردنية الهاشمية لعام 2011″، التقرير السنوي الثامن، (الأردن، المركز الوطني لحقـوق الإنسان، 2011)، ص 45.

(27) مؤشر حرية الإعلام في الأردن، مركز حماية وحرية الصحفيين، 2021، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2023)، https://2u.pw/yeIL1Ts.

(28) تقرير تقييم إنفاذ الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان 2016-2025، مركز الحياة، فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 10 يوليو/تموز 2023)، ص 15.

(29) مؤشر حرية الإعلام في الأردن، مرجع سابق، ص 38.

(30) تقرير حالة البلاد، مرجع سابق، ص 15.

(31) الراجي، “حرية الصحافة الإلكترونية في الأردن ومؤشرات البيئة الصديقة والكابحة للحريات”، مرجع سابق، ص 2.

(32) الأردن: الحكومة تسحق الحيز المدني اعتقالات، استجواب، مضايقات، وقيود على الحقوق الأساسية، هيومن رايتس ووتش، 18 سبتمبر/أيلول 2022، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2023)، https://2u.pw/ITnlR.

(33) “الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان للأعوام 2016-2025″، الأردن، ص 13.

(34) “وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية: التشريعات المقترحة والنتائج والتوصيات”، مرجع سابق.

(35) “النواب يقر مشروع تعديل الدستور الأردني”، وكالة بتراء، 6 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 13 مايو/أيار 2023)، https://2u.pw/MJ8Mc2f.

(36) “تقرير تقييم إنفاذ الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان 2016-2025″، مرجع سابق. ص 11- 16.

(37) تقرير حالة البلاد، مرجع سابق، ص 15.

(38) “نقابة الصحفيين تصدر تقرير الحريات الصحفية لعام 2013″، بتراء، (تاريخ الدخول: 15 يوليو/تموز 2023)، https://2u.pw/cYn3USh.

(39) “أوضاع حقـوق الإنسان في المملكة الأردنية الهاشمية لعام 2011″، مرجع سابق، ص 46.

(40) الدليل الإرشادي لتطبيق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات في المؤسسات العامة، (عمان، مركز حماية وحرية الصحفيين، 2015)، ص 5.

(41) نهلا عبد القادر المومني، “تشريعات على قائمة الانتظار: الحق في الحصول على المعلومات”، الغد، 5 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 10 يوليو/تموز 2023)، https://2u.pw/dFBGI2O.

(42) حصل مثل هذا مع الباحث في طلب معلومات من دائرة الموازنة العامة لوزارة المالية في شهر سبتمبر/أيلول 2023، ومع هيئة الإعلام في سنوات سابقة، لكن الهيئة الأخيرة اشترطت تقديم طلب للحصول على بيانات سنوات ترخيص أو إطلاق المؤسسات الإعلامية المستحدثة في فترة الدراسة 2011-2023، ولم يستلم الباحث ردًّا بعد أسبوع من تقديم الطلب وجاهيًّا.

(43) “وزارة الطاقة والثروة المعدنية، وزارة الطاقة والثروة المعدنية…. قصة نجاح في إنفاذ قانون ضمان حق الحصول على المعلومات”، (تاريخ الدخول: 20 أغسطس/آب 2023)، https://2u.pw/p9vfHAm.

(44) مؤشر حرية الإعلام في الأردن، مرجع سابق، ص 9.

(45) “تقرير تقييم إنفاذ الخطة الوطنية الشاملة لحقوق النسان 2016-2025″، مرجع سابق، ص 24.

(46) “الأردن: ينبغي سحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية. يهدد القانون المقترح الحق في التعبير، وعدم الكشف عن الهوية، والوصول إلى المعلومات”، هيومن رايتس ووتش، 2023، (تاريخ الدخول: 8 أغسطس/آب 2023)، https://2u.pw/g0BEvUB.

(47) مؤشر حرية الإعلام في الأردن، مرجع سابق.

(48) مقابلة أجرها الباحث مع شقير، مرجع سابق.

(49) “الوعي القانوني بالجرائم الإلكترونية خلال 30 يومًا يحمي المجتمع من العابثين بالفضاء الرقمي”، بتراء، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2023)، https://2u.pw/nNOS0ND.

(50) أنتوني غدنز، علم الاجتماع (مع مدخلات عربية)، ترجمة فايز الصباغ، ط 4 (بيروت، مؤسسة ترجمان، المنظمة العربية للترجمة، 2005)، ص 470.

(51) بسيوني حمادة، “نظم الإعلام والتحول الديمقراطي: الأطر النظرية والنماذج الدولية”، في جمال زرن، نور الدين ميلادي، الإعلام والانتقال الديمقراطي في العالم العربي: بداية نهاية الاستثناء العربي، ط 1 (تونس، دار سوتيميديا للنشر والتوزيع، 2019) ص 21-54.

(52) Stephan Haggard, Robert Kaufman, “Democratization During the Third Wave,” Annual Review of Political Science, Vol. 19, (2016): 130.

(53) “Media Freedom,” Freedom House, 2023, “accessed August 20, 2023”. https://2u.pw/dZElrY4.

(54) مقابلة أجراها الباحث مع كتاب، مرجع سابق.

(55) “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، الأمم المتحدة، 3 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 15 أغسطس/آب 2023)، https://2u.pw/64JGNvz.

(56) “الصحافة منفعة عامة: الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام”، التقرير العالمي 2021/2022، اليونسكو، ص 8.

(57) تقرير حالة البلاد، مرجع سابق، ص 20.

(58) حالة الحريات الإعلامية في الأردن لسنة 2013، العتمة الإلكترونية، (الأردن، مركز حماية وحرية الصحفيين، 2013)، ص 5-10.

(59) تقرير حالة البلاد، مرجع سابق، ص 20.

(60) تقرير الحريات العالمية 2013، مرجع سابق، ص 10.

(61) تقرير سنة 2013، مركز حماية وحرية الصحفيين، مرجع سابق، ص 19-20.

(62) قام الباحث بإعداد الجدول بالاعتماد على المصادر الأولية/ الأصلية للمنظمات والهيئات.

(63) مؤشر “مراسلون بلا حدود”، يقيس حالة الحرية في 180 دولة، وكلما ازداد الرقم انخفض تصنيف الدولة.

(64) مؤشر “فريدوم هاوس”، حرية الإنترنت، عدد الدول المشمولة عبر السنوات متغير بين 65 إلى 91 دولة، وكلما ازاد الرقم انخفض تصنيف الدولة.

(65) مؤشر مركز حماية وحرية الصحفيين في معظم السنوات لم يعتمد على تجميع نقاط للأبعاد أو العناصر المكونة للحريات الصحفية، لكنه يعتمد على مؤشرات إحصائية مسحية، وأخرى نوعية، لذلك يأتي التقييم النهائي الإجمالي غير متسق بين السنوات.

(66) التقرير السنوي 2011، الإفلات من العقاب، مركز حماية وحرية الصحفيين، ص 4-10.

(67) تصنيف مراسلون بلا حدود لفئات التصنيف الخمس كما يلي:

[85- 100 نقطة [حالة جيدة، [70 -85 نقطة[ حالة جيدة نوعًا ما، [55 -70 نقطة [حالة إشكالية، [40- 55 نقطة[ حالة صعبة، [0- 40 نقطة [حالة شديدة الخطورة.

(68) “مجلس النواب يقر مشروع قانون الانتخاب”، بتراء، 30 مارس/آذار 2022، (تاريخ الدخول: 14يوليو/تموز 2023)، https://2u.pw/BiEWna.

(69) عزام أبو الحمام، “الإعلام الأردني والتحول الديمقراطي 1989-2018 جدلية الكم والكيف”، في جمال زرن، نور الدين ميلادي، الإعلام والانتقال الديمقراطي في العالم العربي: بداية نهاية الاستثناء العربي، ط 1 (تونس، دار سوتيميديا للنشر والتوزيع، 2019)، ص 72.

(70) Rugh, Arab Mass Media, 124.

(71) “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تنشر أبرز النتائج والتوصيات”، وكالة الأنباء الأردنية، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/Y-_AA.

(72) أبو الحمام، “الإعلام الأردني والتحول الديمقراطي 1989-2018 جدلية الكم والكيف”، مرجع سابق، ص 72.

(73) بسيوني، نظم الإعلام والتحول الديمقراطي، مرجع سابق، 31.

(74) Rugh, Arab Mass Media, 124.

(75) “خلف القضبان: حالة الحريات الإعلامية في الأردن”، مرجع سابق، ص 90.

(76) Rugh, Arab Mass Media, 124.