معتصم بابكر مصطفى – * Mutasim Babiker Mustafa

 

ملخص:

تبيِّن الدراسة الوظيفة الأيديولوجية لشبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها في تنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجياته، من خلال دراسة حالة المجتمع السوداني. وباستخدام المنهج الوصفي، والاستبيان الإلكتروني أداة لجمع البيانات من عينة عشوائية من الرأي العام النوعي السوداني، خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج أهمها تعـدد وسائل التواصل التـي يسـتخدمها السياسـيون الشـعبويون في مخاطبة الجمهور، ويأتي في مقدمتها شبكات التواصـل الاجتماعي لما تتميز به من خصائص وسمات. كما بيَّنت النتائج تأثير هذه الشبكات في تنامي الخطاب الشعبوي الذي تتمثَّل أبرز مقوماته في نشر الكراهية، وإعلاء شأن القبيلة، والدعوة إلى العنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة. وللتقليل من مخاطر الخطاب الشعبوي ومحاصرته في المجتمع السوداني، أوصت الدراسة بتعزيز الحوار وثقافة التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية، فضلًا عن الاهتمام بالتربية الإعلامية في نشر الوعي بما تبثه هذه الشبكات، وتعليم المستخدمين مهارة التعامل مع وسائل الإعلام الرقمي.  

كلمات مفتاحية: شبكات التواصل الاجتماعي، الخطاب الشعبوي، أيديولوجيا الإعلام، التضليل الإعلامي، التلاعب الخطابي، التربية الإعلامية.

Abstract:

The study explores the ideological function of social media and their effects on the growth of populist discourse and its ideologies through the study of Sudanese society. By using the descriptive method and an online questionnaire as a tool for collecting data from a simple random sample of Sudanese qualitative public opinion, the study concludes with a number of findings. The most important of these is the multiplicity of means of communication that populist politicians use to address the public, particularly social media because of its unique features and specifications. In addition, the findings show the impact of social media platforms in the growth of populist discourse; and the spread of hate speech and tribalism and incitement to violence and rebellion against the territorial integrity of the state. In order to limit and decrease the dangers of populist discourse in Sudanese society, the study recommends the promotion of dialogue and a culture of peaceful coexistence between different social components, as well as media education and the spread of awareness of what social media transmits, and teaching users how to deal with digital media.

Keywords: Social Media, Populist Discourse, Media Ideology, Disinformation, Manipulative Discourse, Media Literacy.

مقدمة

ليس هناك أي مجال للشك في الدور الذي تقوم به شبكات التواصل الاجتماعي في المجتمعات، ويظهر ذلك في التحولات والتغييرات الكبيرة التي حدثت منذ نهاية القرن العشرين وحتى الوقت الراهن نتيجة التدفق الحر للمعلومات. فقد تسللت هذه الشبكات إلى جميع مناحي الحياة اليومية لملايين من البشر، مؤثرة في طريقة تفاعلهم الاجتماعي، وأسلوب ممارسة أنشطتهم وأعمالهم، أو تعاملهم مع الحكومات، أو المشاركة في المواقف والحركات الاجتماعية المدنية.

وقد بات تأثير الشبكات الاجتماعية في الثقافة والمجتمع والهوية أمرًا واضحًا عبر ما يتم تداوله من معلومات وأفكار وأيديولوجيات وفقًا لنتائج عدد من الدراسات والبحوث، وصارت بذلك عاملًا يحسب له حساب في صناعة الرأي العام وتوجيه اهتمامه صوب قضايا ومشكلات بعينها، وفرض أجندة محددة على المثقف والسياسي وجميع الناشطين في المجتمعات. لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها بشأن هذا الدور وتتعلق بالمرجعيات الفكرية ودقة ومصداقية وموضوعية ما يتم تداوله من معلومات وأفكار عبر هذه الشبكات المتحررة من الرقابة الحكومية وغير خاضعة لمعايير التحرير المهني. ويفسح هذا النوع من التواصل في المجال لنشر الأكاذيب والشائعات والتعابير الأكثر حدة لإثارة ردود الفعل؛ الأمر الذي يجعل منها بيئة مواتية لنشر الخطاب الشعبوي وأيديولوجياته. وهو خطاب يسعى إلى تقسيم المجتمع بين “نحن” و”هم” أو “الشعب” و”النخبة”، وتحويل التنافس إلى صراع يُفضي إلى مغادرة السياسة نحو الحرب والإلغاء، أو العودة بها نحو القبيلة الاجتماعية ومحاصصة تتعامل مع الدولة ومواردها بوصفها غنيمة(1).

وبذلك تحوَّلت شبكات التواصل الاجتماعي عبر هذا النوع من الخطاب إلى منصات تَنْشِئَة اجتماعية لا تتبنى محتوياتها فكرة بناء المجتمع الواحد المتماسك والمحافظ القائم على توارث القيم الثقافية والاجتماعية والفكرية المتجانسة. ويرجع ذلك إلى أن الخطاب الشعبوي خطاب وصولي، انتهازي، فوضوي، مُضَلِّل، لا يحترم القانون والمؤسسات القائمة. كما أن البناء المعرفي والاجتماعي والثقافي للفرد الناتج عن هذا الخطاب لا ينتمي للمجتمع الذي يحتضنه فقط، وإنما ينتمي أيضًا إلى الطرح الفكري المتداول في هذه الشبكات بكل المرجعيات الأيديولوجية والثقافية السائدة في مختلف أنحاء العالم. وبذلك يتم بناء الآراء السياسية والتوجهات الفكرية في أوساط عامة الناس، وتحويلها إلى معتقدات جماهيرية عبر تعبئة المجتمع أيديولوجيًّا وعلى نحو متواصل بغية الوصول إلى دائرة السلطة أو إحكام القبضة عليها.

تأسيسًا على ما تقدم تتناول الدراسة شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها في تنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجياته، من خلال دراسة حالة المجتمع السوداني.

  1. اعتبارات منهجية

موضوع ومشكلة الدراسة

تُعد الشعبوية ظاهرة سياسية حديثة ومعاصرة، وهي غاية في التنوع، فالفاعلون الشعبويون منهم اليساري واليميني، ومنهم المتدين والعلماني، ومنهم المحافظ والتقدمي. وقد حظيت بأهمية بالغة في أرجاء العالم كافة، من أميركا الشمالية إلى أميركا اللاتينية إلى أوروبا، كما يوجد فاعلون شعبويون في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، وهي لا تظهر إلا مقرونة بخطاب أيديولوجي، يُعبِّر عن الاهتمام بالشعب ومصالحه وتطلعاته من جهة، وينتقد المؤسسات الرسمية والنخبة السياسية من جهة أخرى.

وتكمن مشكلة الشعبوية في خطابها الذي يعمل على توجيه الغضب ضد المؤسسات وليس السياسات، فضلًا عن بث الكراهية وشَيْطَنَة الآخر، فهو يركز على فكرة العدو، والبحث الدائم عن أعداء جدد. ويقوم على مبدأ العنصرية، وذلك من خلال اعتماد صيغة الشعب الأصيل والحقيقي، والأمة الأصيلة والحقيقية، في مقابل ما تَعُدُّه زائفًا وكاذبًا ودخيلًا.  ويعمل الخطاب الشعبوي على مخاطبة عواطف الناس ومشاعرهم وليس مخاطبة العقول، بل يجتهد في تحريك مشاعر التهميش والحرمان وتوظيف مشاعر الغضب والاندفاعات الفردية لتحقيق الهدف السياسي.

فكيف وظَّف الشعبويون شبكات التواصل الاجتماعي في إيصال أفكارهم؟ وما الجمهور المستهدف بهذا الخطاب؟ وما تأثير هذا التوظيف في تنامي هذا النوع من الخطاب ونشر أيديولوجياته؟ وما نوع هذه التأثيرات؟ وما طبيعة التأثيرات المحتملة لتنامي الخطاب الشعبوي وتمدُّده عبر شبكات التواصل الاجتماعي في المجتمع السوداني؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر درجة الهشاشة أو التماسك البنيوي داخل المجتمع السوداني في مواجهة الخطاب الشعبوي أو الاستسلام له؟ ما طبيعة الانعكاسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للخطاب الشعبوي في السودان؟

أهمية الدراسة

تنبع أهمية الدراسة من أهمية شبكات التواصل الاجتماعي التي أضحت متغيرًا مهمًّا في كسب المعارف وتشكيل الآراء في ظل المتغيرات العلمية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم. كما تنبع أهميتها من مقاربتها لظاهرة الشعبوية التي حظيت باهتمام بالغ في أرجاء العالم كافة، وكيف وظَّف الشعبويون شبكات التواصل الاجتماعي في بث أفكارهم، وتأثير هذه الشبكات في تنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجيته بين المستخدمين. يضاف إلى ذلك أن الدراسة الميدانية أُجرِيت على عينة من الرأي العام النوعي السوداني، حيث تشهد الدولة السودانية حالة من عدم الاستقرار السياسي والهشاشة والسيولة الأمنية التي استغلها نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي لنشر خطابهم الشعبوي؛ الأمر الذي يحتم معرفة التحديات التي تواجه المجتمع السوداني بسبب تمدُّد هذا الخطاب وكيفية مواجهة ذلك.

أهداف الدراسة        

سعت الدراسة إلى تحقيق الآتي:

– الوقوف على الوظيفة الأيديولوجية لشبكات التواصل الاجتماعي.

– التعرف على أسس ومرتكزات الخطاب الشعبوي وانعكاساته السياسية والثقافية.

– الوقوف على دور شبكات التواصل الاجتماعي في نشر وتنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجيته في المجتمع السوداني.

– بيان أهم تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي في تنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجيته في المجتمع السوداني.

– التعرف على التحديات التي يمكن أن يواجهها السودان جراء تنامي الخطاب الشعبوي وآليات مواجهتها، في ظل التنامي المستمر لاستخدام الشعب السوداني لشبكات التواصل الاجتماعي.

منهج الدراسة وأدوات جمع البيانات

تنتمي الدراسة إلى البحوث الوصفية التي تُعنَى بدراسة واقع الأحداث والظواهر والآراء، وتحليلها وتفسيرها بهدف الوصول إلى استنتاجات مفيدة، إما لتصحيح الظاهرة أو تحديثها أو استكمالها أو تطويرها، عبر التشخيص الذي يسعى لدراسة كافة المتغيرات ذات الصلة بموضوع الدراسة، وتحديد العلاقات الكامنة وراء الحقائق التي تم جمعها(2). واعتمد الباحث أيضًا الملاحظة والاستبيان أداتين لجمع البيانات والمعلومات في هذه الدراسة.

 

  1. الوظيفة الأيديولوجية لشبكات التواصل الاجتماعي

تتعدد تعريفات الأيديولوجيا التي ارتبط مفهومها عند الباحثين بتراثين من أصل غربي هما: التراث الماركسي الخاص بنقد الأيديولوجيا بوصفها وعيًا جزئيًّا أو مشوهًا تمتد جذوره في علاقات الإنتاج والبنى الطبقية في المجتمع، والثاني هو التراث الليبرالي وهو نهاية الأيديولوجيا والتي يُنظر إليها كنظم فكرية كلية ومغلقة.

وما بين هذين التراثين تدور تعريفات الباحثين لهذا المصطلح وتتنوع بتنوع منطلقاتهم وتخصصاتهم العلمية وإن كان مفهوم الأيديولوجيا منذ ظهوره لم يكن بمعزل عن مفهومي التاريخ والمجتمع، ومن هذه التعريفات(3) ما ورد في “معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية” الذي يرى أن الأيديولوجيا مجمل التصورات والأفكار والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة أو طبقة أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو أخرى سياسية، وعادة ما تكون مشروطة ومحددة بالمعتقدات والعادات. فالأيديولوجيا نسق من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) يسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منظور يوجه ويبسط الاختيارات السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات.

وثمة خصائص أساسية يجب توفرها في الأيديولوجيا، وهي:

– أن تكون للأيديولوجيا سلطة على الإدراك.

– أن تكون قادرة على توجيه عمليات التقييم لدى الفرد.

– أن تحث وتوجه إلى العمل.

– أن تكون متماسكة منطقيًّا.

ومن المهم أيضًا الإشارة هنا إلى ثلاثة أمور في علاقة مفهوم الأيديولوجيا بالفرد والجماعة والمجتمع، وهي(4):

– أن الأيديولوجيا لا تشير إلى العامل الديني فقط كما يتصور البعض نتيجة للاستخدام الفلسفي الخاطئ لهذا المصطلح، فهناك أيديولوجيا دينية، وأيديولوجيا سياسية، وأيديولوجيا اجتماعية، وغيرها من أنواع الأيديولوجيا.

– قد لا تتفق الأيديولوجيا التي يحملها الفرد أو جماعة ما في مجتمع معين مع الأيديولوجيا السائدة في هذا المجتمع، فقد توجد أيديولوجيات فردية أو جماعية تتناقض معه.

– ليس بالضرورة أن تتفق الأيديولوجيا التي يفرضها نموذج السلطة مع الأيديولوجيا السائدة في المجتمع، فهناك حالات كثيرة تتناقض فيها أيديولوجيا النظام السياسي (الدينية والسياسية خصوصًا) مع الأيديولوجيا المهيمنة على سائر أفراد المجتمع.

ولا يوجد مجتمع من غير أيديولوجيا أو من غير روابط ووسائل تعمل على وحدة المجموعات الاجتماعية تجاه الدين والسياسة والثقافة، وتتطور هذه الروابط والوسائل مع الزمن ولا يُستغنى عنها، ومن بينها وسائل الاتصال والإعلام بشقيها التقليدي والرقمي، التي تتبيَّن علاقتها مع الأيديولوجيا من خلال طرح العديد من التساؤلات منها ما يلي(5):

– هل يرسم الإعلام أدوارًا للرجل والمرأة والوالدين والأطفال، وأدوارًا للقادة ومرؤوسيهم؟

– هل يُقدِّم تعريفًا للنجاح وكيفية تحقيقه؟

– ما تعريف الإعلام للنشاط الإجرامي؟ وما أسباب الجريمة والاضطراب الاجتماعي؟

– ما مضامين الرسائل الإعلامية وأي جهة أو شخص تخدم هذه الرسائل؟

هذه هي التساؤلات الرئيسية عن علاقة الإعلام والأيديولوجيا، وتساعد الإجابة عنها في تحليل النصوص الإعلامية بما يقود إلى معرفة العالم من حولنا وتوفير نماذج يمكن الاقتداء بها في التصرفات والسلوكيات. وتركز معظم التحليلات الأيديولوجية لمخرجات وسائل الإعلام على الرسالة الإعلامية وما تحتويه من قصص عن الماضي والحاضر والمستقبل، وما تتضمنه من آراء وأفكار، وتأثير ذلك في منظومة المعتقدات والقيم بالمجتمع، وما يدور في المجتمع من قضايا وأحداث. فالتحليل الأيديولوجي معنيٌّ بما تقوله لنا هذه الرسائل عن أنفسنا ومجتمعنا.

وتأسيسًا على ما تقدَّم يقسم بعض علماء الاتصال أيديولوجيا الإعلام إلى خمسة أنواع، هي(6): أيديولوجيا التقنية (الوسيلة)، وأيديولوجيا اللغة، وأيديولوجيا النص، وأيديولوجيا الصورة، وأيديولوجيا الإعلان.

أولًا: أيديولوجيا التقنية أو أيديولوجيا الوسيلة، وتركز على منح تقنيات الاتصال سلطة معيارية تجعلها العامل الأول في تنظيم المجتمع وإعطائه معناه، والتسليم بخضوع التقدم في التواصل الإنساني والاجتماعي لتقدم التقنيات، ومن ثم الاعتراف لتلك التقنيات بالقدرة على تغيير المجتمع تغييرًا بنيويًّا؛ ذلك أن البعد الأيديولوجي للتقانة قد لا يتراءى في جانب الاستعمال لكن يظهر جليًّا في جانب التوظيف، أي توظيف المستجد التكنولوجي لأغراض لا يغدو عنصر الاستعمال في خضمها إلا تجليًا من تجليات تلك الأغراض، ويمكن أن يلخص ذلك في مقولة عالم الاتصال شارل ماكلوهان (Marshall McLuhan‏): “الوسيلة هي الرسالة”.

ثانيًا: أيديولوجيا اللغة، وهي مجموعة المعتقدات التي يؤمن بها أعضاء مجتمع المتكلمين حول اللغة، والتي يُشكِّلها مستعملوها بوصفها تبريرًا أو عقلنة لبنية اللغة أو استعمالها؛ حيث يُنظر إلى ملامح اللغة بوصفها انعكاسًا لصور ثقافية أوسع للناس وفعالياتهم. وتحدد أيديولوجيا اللغة الظواهر اللغوية بوصفها جزءًا ودليلًا على ما يحسونه من تناقضات سياسية وسلوكية وجمالية وأخلاقية بالمجتمع الذي يعيشون فيه، ويمكن إدراك أيديولوجيا اللغة أيضًا في استعمال الاستعارة والمجاز في معالجة القضايا والأحداث لتحقيق أهداف أيديولوجية.

ثالثًا: أيديولوجيا النص، وتشير إلى أن النص ليس سلسلة من الكلمات والجمل فقط، بل هو بنية معقدة متعددة المستويات، وشبكة كثيفة من علاقات الترابط اللغوي والدلالي والتماسك المنطقي. فهو ساحة رمزية يتداخل فيه السياق بمختلف مستوياته الإيحائية والنفسية والاجتماعية والتاريخية والفكرية. ويمكن الحكم على أيديولوجيا النص في وسائل الإعلام من خلال الوقوف على طرق المعالجة للقضايا والأحداث السياسية والاجتماعية وغيرها، أو شخصيات الكتَّاب وضيوف الحوارات ومسارات الطرح التي يقدمها القائم بالاتصال في هذه الحوارات، أو معايير ما يُنشر وما لا يُنشر، فضلًا عن استخدام وسائل الإيضاح والإبراز لجذب وإقناع الجمهور بالطرح المقدم.

رابعًا: أيديولوجيا الصورة، وتُعد الصورة رسالة ذات مضمون أيديولوجي، ويكون إما سطحيًّا للاستهلاك، أو مضمونًا عميقًا له شفرة وألغاز يجب حلها، أو مضمونًا يمكن أن يستقر في العقل الباطن للمتلقي دون أن يشعر بذلك. فعملية اختيار الصورة تهدف إلى إرسال رسالة بعينها أو بث معنى محدد، وقد تكون الرسالة محاولة لتشويه الحقيقة أو مواراتها؛ إذ إن زاوية اللقطة وحدودها، وعمليات المونتاج التي تتعرض لها، والسياق الذي تُبَثُّ فيه والتعليق الصوتي أو المكتوب الذي يصاحبها ووقت البث ومناسبته، كلها عوامل تسهم في إحداث أثر مخطط له ومقصود بذاته في ذهن المتلقي الذي يقوم بقراءتها. لذلك فإن للصورة قدرة عميقة في التحول إلى فكرة (أيديولوجيا)، ومن ثم تتحول الفكرة إلى هدف، والهدف إلى مشروع، والمشروع إلى رأي عام، ومن ثم إلى سلوك بشري عن طريق الفضاء ووسائل الإعلام.

خامسًا: أيديولوجيا الإعلان، فالرسالة الإعلانية التجارية وما تحمله من معان وأفكار مقصودة يُراد إيصالها إلى المستهلك وإقناعه بها تمثِّل رسالة أيديولوجية؛ ذلك أن الاتجاه الحديث في صناعة الإعلان لا يهدف إلى تعليم الجمهور كيفية استهلاك المنتج، بل يهدف إلى تعليمه المعنى الذي يحمله المنتج. فالإعلانات تترجم الجمل والعبارات الواردة في الإعلان من العالم المحسوس إلى المعنوي، من عالم الأشياء المتمثلة في المنتج الموجه للمستهلك إلى عالم المعاني التي تحمل أيديولوجيا تهم المستهلك في حياته اليومية. فالحديث عن الإعلان هو حديث عن برامج مدروسة بعناية لقولبة المجتمعات في نمط معين ترسمه وكالات الإعلان بإيعاز من الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى. لذلك فالإعلان مهما كان نوعه ونشاطه، سياسيًّا أو ثقافيًّا أو تجاريًّا، فهو يختزل أيديولوجيا معينة، وقد يتعمَّد المعلن نشرها وقد لا يتعمَّد، حتى وإن كان ظاهره يقول عكس ذلك.

وتعمل الأنواع الخمسة لأيديولوجيا الإعلام على تعزيز أو نقض أيديولوجيا المجتمع، ولمعرفة ما إذا كانت هذه الأنواع مُعزِّزة أو ناقضة لأيديولوجيا المجتمع الذي تعمل فيه، يجب أن نفهم أساس التحليل الأيديولوجي للرسالة الإعلامية، وهو معرفة مدى التناسق بين مكونات الرسالة الإعلامية (النص والصورة) والمحددات المرجعية للمجتمع الذي تعمل فيه.

وبإسقاط ما تقدم من طرح حول أيديولوجيا الإعلام على شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر، وتيك توك…)، نشير بداية إلى أن هذه الشبكات لا تنشأ من فراغ، لأن منشأها الأصلي يخضع إلى اعتبارات أيديولوجية. فمؤسسو الشبكة سواء كانوا أفرادًا أو جماعات يتبنون أفكارًا معينة، وتنشأ الشبكة بناء على هذه الأفكار. وقد تتغيَّر التوجهات الفكرية لمؤسسي الشبكة تبعًا لتغيُّر الأيديولوجيا المسيطرة على تفكيرهم.

فشبكات التواصل الاجتماعي تؤسس فضاء متنوع الأبعاد يحتضن أنواعًا متعددة من الأفكار والأيديولوجيات، وتظل الأيديولوجيا السياسية وما يدور حولها من أحداث الأبرز في التداول والتناول عبر هذه الشبكات، وتستخدم في ذلك جميع أنواع أيديولوجيا الإعلام التي سبقت الإشارة إليها. وهو ما يجعلها متغيرًا رئيسيًّا في المعادلات السياسية داخل الدول بشكل إيجابي أو سلبي.

وفي سبيل نشر الأفكار والأيديولوجيات وتسويقها تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي عددًا من الإستراتيجيات، منها(7):

  1. إستراتيجية الإعلام: وفيها يتم تقديم المعلومات إلى الجماهير الأساسية، وهم أعضاء الشبكة والمتعاطفون معها بهدف دعم اتجاهاتهم ومساعدتهم في اتخاذ قراراتهم.
  2. إستراتيجية الإقناع: وتستخدم عند السعي إلى بناء ودعم العلاقات الإستراتيجية مع الجماهير الأساسية المنتمية إلى الشبكة الاجتماعية، وأيضًا عندما تسعى إلى إحداث تغيير مقصود في معارف واتجاهات وسلوكيات جمهور معين.
  3. إستراتيجية بناء الإجماع: وتستخدم في الغالب لبناء علاقات إستراتيجية مع البيئة الخارجية، عندما يظهر تعارض بين أهداف هذه الجهات المسوقة وبين مصالح واتجاهات الجماهير. وتسعى هذه الإستراتيجية إلى إيجاد أرضية مشتركة تحقق الحد الأدنى من التفاهم بين الجهات المُسوقة والجمهور المستهدف.
  4. إستراتيجية الحوار: وهنا يفتح المسوق السياسي وسائله الاتصالية على مصراعيها لتعبِّر جماهيره من خلالها عن آرائها وتوجهاتها ومقترحاتها.

يضاف إلى ذلك أن هذه الشبكات الاجتماعية تستخدم مجموعة من التكتيكات لتحقيق أهداف محددة ومعينة عبر تسويقها للأفكار، ومن بين هذه التكتيكات(8):

  1. التمكين: ويشير إلى قيام الشبكة الاجتماعية بتمييز نفسها عن غيرها من الشبكات، ويتم ذلك من خلال تحقيق التواصل والترابط بين أعضائها وتحديد اهتمامات الشبكة بطريقة متكاملة فيما بينها من جانب وتوافقها مع اهتمامات المستخدمين والأعضاء من جانب آخر.
  2. الهجوم الجانبي: ويعني قيام الشبكة باستهداف مجموعات من المستخدمين كانت مستبعدة أو متجاهَلة قبل ذلك.
  3. الهجوم الشامل: حيث يتم توجيه الجهود الاتصالية إلى كل المستخدمين لجذب أكبر عدد منهم.
  4. الهجوم الجزئي: ويُعنَى بتوجيه الجهود الاتصالية إلى قطاعات ومستخدمين معينين.
  5. الهجوم المباشر: ويُعنَى بتوجيه انتقاد مباشر للمنافسين.
  6. الهجوم المضاد: ويأتي ضمن مرحلة رد الفعل، ويتم التركيز فيه على الأعضاء الموالين والمؤيدين للشبكات المنافسة.
  7. الدبلوماسية: وهي تكتيك دفاعي تقوم من خلاله الشبكة بالتعاون مع غيرها والتي تتباين معها في المبادئ في شن حملات مشتركة.
  8. الهجوم الوقائي: وهو تكتيك دفاعي، ولكنه يبدأ بالهجوم على المنافسين قبل التعرض للهجوم من قبلهم، مثل استخدام الإعلان الهجومي لكشف عيوب ونواقص المعارضين.
  9. الانسحاب التكتيكي: ويعني التخلي عن المؤيدين المترددين والتركيز على الموالين الأساسيين للشبكة واسترضائهم، وإعادة طمأنتهم على سياسة الشبكة ومواقفها.
  10. التركيز على الحاجة إلى التغيير: حيث تؤكد الشبكة وتدعو إلى التغيير في الأوضاع القائمة.

وقد أسهمت أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي عبر استخدام هذه التكتيكات في تآكل الكثير من المفاهيم والقيم الإعلامية، مثل المصداقية والموثوقية ومصدر الخبر؛ حيث أدت هذه الوسائل دورًا بارزًا في تداول الشائعات وإضفاء قدر كبير من الموثوقية عليها؛ الأمر الذي يُعد نوعًا من التضليل الإعلامي. كما أصبحت صفحات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك مصدرًا لنشر الشائعات، والأخطر من ذلك أن الصحف والفضائيات باتت تتسابق إلى ما تبثه هذه المواقع دون تحري صدقيته.

ونشير، في ختام هذا المحور، إلى أن الوظيفة الأيديولوجية لشبكات التواصل الاجتماعي تسهم بفاعلية في إعادة تركيب الذهنية الفكرية والأداء الاجتماعي للمجتمعات، فضلًا عن دورها البارز في تشكيل مفاهيم جديدة للهويات المحلية الخاصة، ويمكن تحديد أهم هذه الأدوار في الآتي(9):

– إثارة الرأي العام أو إعادة توجيهه.

– تشتيت الرأي العام.

– التشويه السياسي الإلكتروني.

– التسويق السياسي من جهة والتعبئة السياسية من جهة أخرى.

– دعم “الأنا” لدى الفئات المهمشة، وتعزيز مفهوم المواطنة الافتراضية لديهم.

ونشير أيضًا إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تمثِّل العامل الأساس للتغيير في المجتمع، ولكنها أصبحت عاملًا مهمًا في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. كما أن التحدي الكبير الذي سيشكِّله هذا التغيير لاحقًا على المجتمعات، يكمن في تحوُّل المنصات الاجتماعية إلى منصات تنشئة اجتماعية لا تتبنى محتوياتها الحفاظ على تماسك المجتمع الواحد ذو القيم الثقافية والاجتماعية والفكرية المتجانسة. وبذلك تزاحم هذه الشبكات مؤسسات التنشئة التقليدية التي تخضع محدداتها لتصور واضح المعالم والتوجه والأهداف، بينما تتضارب محددات الشبكات في معالمها وتوجهاتها وأهدافها.

 

  1. الشعبوية والخطاب الشعبوي في شبكات التواصل الاجتماعي

الشعبوية

تمثِّل الشعبوية تصورًا سياسيًّا محددًا يرى أن شعبًا خالصًا ومنسجمًا يقف دائمًا ضد نخب غير أخلاقية، فاسدة وطفيلية، وأن هذه النخب لا تنتمي البتة إلى الشعب(10). ويؤكد بعض الباحثين أن الشعبوية ليست نظرية أو أيديولوجية وإنما هي مجرد خطاب وأسلوب للتعبئة والاحتجاج على المعاناة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكون نظامًا للحكم، وذلك بحجة أن الشعبوية ملازمة للأزمات الحادة(11).

وتتباين تعريفات الشعبوية؛ إذ يعتبرها بعض المتخصصين حركات معادية للنخب السياسية تقوم على استقطاب وحشد الجماهير، ويراها آخرون حركة سياسية يتم دعمها من قِبَل الطبقة العاملة والفلاحين لمواجهة النخب الاجتماعية المهنية. وانضم مؤيدو هذا الاتجاه إلى فريقين أحدهما يتبنى المنظور الحداثي الذي يرى أن الشعبوية تعني دمج الطبقات العاملة والمتوسطة في المناطق الحضرية التي تبلورت في مرحلة الانتقال نحو الرأسمالية والحداثة. ويتبنى الفريق الآخر النظرية الماركسية؛ حيث يرى أن القادة الشعبويين استطاعوا بناء تحالفات بين الطبقات العاملة، والطبقة الوسطى لمواجهة الطبقات الرأسمالية المهيمنة في المجتمع والنخب السياسية التابعة لها(12).

وركزت بعض تعريفات الشعبوية الأخرى على الإستراتيجيات التي يعتمد عليها القادة السياسيون لحشد الجماهير والحصول على دعمهم السياسي، وهي إستراتيجيات سياسية تعتمد على استفزاز المظالم الكامنة وإثارة المشاعر، بدلًا من الأيديولوجيا(13). وتصاعدت خلال العقد الماضي رؤى المحللين التي تؤكد أن الشعبوية بمنزلة أيديولوجية ترى أن المجتمع ينقسم إلى مجموعتين، هما: الشعب والنخبة، كما تؤكد ضرورة أن تكون السياسة مُعبِّرة عن الإرادة العامة للشعب(14).

وتاريخيًّا، تُعد الشعبوية ظاهرة سياسية حديثة ومعاصرة لا يتجاوز تاريخها أكثر من قرن ونصف، وتقترح الأدبيات ثلاث مراحل متتالية لظهورها(15). ويربط المؤرخون المرحلة الأولى للشعبوية بظهور حركة الفلاحين الروسية المناهضة للسياسات الاقتصادية لنظام القيصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1874، وظهور حزب الشعب في الولايات المتحدة الأميركية، في عام 1890، المناهض للرأسمالية.

أما المرحلة الثانية من الشعبوية فتمتد بين الحربين العالميتين، خاصة في ألمانيا وإيطاليا، ثم إلى بلدان أميركا الجنوبية، مثل الأرجنتين والبرازيل وبوليفيا والإكوادور وغيرها مُدعيةً تمثيلها المباشر للشعب، وأنها تعمل لمصالحهم وضد المؤسسة، ومن أهم سماتها مناهضة النخب وتقديسها لبعض الزعماء.

وتتجسد المرحلة الثالثة للشعبوية في الصعود الحديث للحركات الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد بدأت هذه المرحلة مع انهيار المعسكر الاشتراكي، وسقوط جدار برلين وإلى يومنا هذا، وارتبطت بحركات اليمين المتطرف وعودة النزاعات القومية.

وفي العالم العربي عرفت بعض البلدان العربية منذ الاستقلال خطابات شعبوية مختلفة عبَّرت مبكرًا عن هذه النزعة.  وكانت النخب الحاكمة الصاعدة حريصة على إثبات أصولها “الشعبية” وهي تستند إلى أيديولوجيات ومشارب مختلفة (وطنية، يسارية، عروبية، تحررية) في سياقات سياسية شديدة التباين، وتدعي احتكار تمثيل الشعب. ومع اندلاع الثورات العربية نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين برزت موجة جديدة من الشعبوية، استطاع خطابها أن يعبئ فئات واسعة من المناصرين والمتعاطفين وأن يؤثر على مجريات الأحداث.

وانطلاقًا من هذه المراحل التاريخية للشعبوية يمكن استخلاص ثلاثة أنواع من الشعبويات(16): أولها: الشعبوية الزراعية أو الفلاحية، التي تقوم على نوع من التصوير المثالي للشعب، ومناهضة الرأسمالية، وتمثِّل نظامًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا يتناسب مع السياسات أو الأيديولوجيات الكبرى، مثل (الاشتراكية، والقومية/الوطنية، والليبرالية). ويندرج في هذا النوع الشعبويات التي انتشرت في أميركا الجنوبية، وفي كثير من بلدان العالم الثالث بما في ذلك البلدان العربية. وثانيها: الشعبويات الوطنية التي انتشرت بين الحربين العالميتين، والناتجة عن وطأة الهزيمة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والأزمة الاقتصادية العالمية الحادة التي شهدها العام 1928، وتمثِّل هذ المرحلة الحركتان، النازية والفاشية. أما النوع الثالث فهو يمثِّل الشكل الجديد للشعبوية المنتشر حاليًّا في أوروبا، ويتميز بالعنصرية وبتوجهه المناهض للنخب، والعولمة، والمهاجرين.

وعلى الرغم من تعدد تعريفات الشعبوية، فإن السمة المشتركة التي تميز الحركات الشعبوية تتجسد في معاداة “النخبة الفاسدة”، وتمجيد الشعب. ومن الناحية العملية، فإن الشعبوية تركز على فكرة العدو، والبحث الدائم عن أعداء جدد، ولها طريقة خاصة في الحكم تتمثَّل في اتباع ثلاث خطوات إستراتيجية، أولها: الاستحواذ الكامل على مفاصل الدولة، وثانيها: ممارسة الزبائنية تجاه الحشد أو الجمهور، وثالثها: المناهضة الدائمة للمجتمع المدني، وبخاصة وسائل الإعلام(17).

الخطاب الشعبوي

تُعد الشعبوية نزعة سياسية تستخدم خطابًا يركز على محورية دور الشعب في الممارسة السياسية، وتوظيف مشاعر الغضب عند عامة الناس، خاصة في أوقات الكوارث والأزمات. وهذا يوضح الأسباب التي تدفع الناس إلى الإقبال والتفاعل مع هذا الخطاب، الذي يوصف بالعاطفي ولا يعتمد على أفكار أو رؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر ليتماشى تمامًا أو يتطابق مع المزاج السائد، أو يقوم صنَّاع الخطاب باختياره ليبدو خطابًا سائدًا، دون أن يفيد في التعامل الجدي والمسؤول مع القضايا والمشاكل الواقعية.

وتُعد الظروف الاجتماعية، وضعف الثقة في النظام السياسي، أحد أهم العناصر التي تجعل الناس يقبلون على دعم الخطاب الشعبوي، الذي يتسم بالطابع التحريضي والاحتجاجي تجاه الفئات التي يعتبرها مهددة للشعب. فهو يهدف إلى القطيعة مع النظام السياسي القائم، والتخلص مما يَعدُّه أجهزة بيروقراطية، ومن ثم إحداث التغيير الشامل. لذا تنتشر في هذا الخطاب كلمات أو عبارات، مثل: التنظيف، والكنس، والمسح، والطرد، وغيرها، خاصة في أوساط السياسيين التقليديين الذين يسعون إلى اكتساب الأصوات من خلال تعبئة الجماهير بطريقة تلعب على أوتار ضعف صلابة المقاومة الفكرية لعامة الناس مما يسهِّل تضليلها. ولذلك يحاول الشعبويون استغلال ذلك عبر ما يلي(18):

– الحديث عن الوضع الاقتصادي من خلال التشديد على التفاوتات الاجتماعية الحادة، وكذلك ضعف وهشاشة وضع الطبقة العمالية التي تعيش في ظل ظروف حياة وعمل سيئة، وهو ما يطلقون عليه تسمية “الإفقار العام للمجتمع”.

– الحديث عن الانحطاط الأخلاقي والقيمي في المجتمع، وفقدان المجتمع للقيم المرجعية والهوية الوطنية، وتراجع الطابع المدني، وبالتالي تراخي الرابطة الاجتماعية وتفككها.

– إن ما هو جوهري في الخطاب الشعبوي ليس دفع الجمهور إلى التأمل في التفكير، ولكن المهم هو حشدهم ودفعهم للانخراط في السياسة مؤيدين ومتحمسين لدعاة الخطاب، ولاسيما إذا كان المؤيدون ينتمون أصلًا إلى مجموعات مهمشة أو غير مبالية بالشأن السياسي.

ويتضمن الخطاب الشعبوي مجموعة من الخصائص والسمات، فهو على سبيل المثال(19): خطاب تضليلي، وخطاب سجالي، وخطاب تبسيطي، وخطاب تحريضي، وخطاب إقصائي عدائي.

وللخطاب الشعبوي أبعاد مهمة تساعد على فهم هذه الظاهرة، وهي(20):

– البعد المتعلق بتحديد الإطار المرجعي الذي يستمد منه هذا الخطاب فلسفته ورؤيته في فهم العلاقة بين الجماعات الشعبوية والجماعات الأخرى.

– البعد المتعلق بقدرة هذا الخطاب على بناء وتشكيل هوية خاصة للشعبويين ومعرفة ديناميات هذا البناء والتشكل.

– البعد المتعلق بإستراتيجيات الإقناع التي يستخدمها الخطاب في استمالة الشعبويين وكسب أصواتهم في الحملات الانتخابية.

وحتى ينجح هذا الخطاب في استقطاب جماعات كبيرة تؤيده فإنه يستخدم، كغيره من أنواع الخطاب الأخرى، إستراتيجيات إقناع فاعلة ومؤثرة، منها(21):

– الإستراتيجية الدينامية النفسية، التي تخاطب العاطفة والوجدان قبل العقل، وجوهرها هو استخدام رسالة أو خطاب فعال له القدرة على تغيير الوظائف النفسية للأفراد كي يستجيبوا لهدف القائم بالاتصال.

– الإستراتيجية الثقافية الاجتماعية، التي تحدد أو تعيد تحديد متطلبات ثقافية أو قواعد سلوك للجماعة، أو أدوار أو رتب أو إجراءات، بهدف صياغة أو تعديل تعريفات لسلوك اجتماعي متفق عليه من أعضاء الجماعة.

– إستراتيجية إنشاء المعاني، التي تسعى إلى نشر رسالة إقناعية تعمل على نشر وبث معان جديدة أو التغيير في المعاني القائمة، بهدف الوصول إلى سلوك جديد.

– إستراتيجية اللجوء إلى نظرية تأطير الهوية الشعبوية، التي تقدم الشعبويين بأنهم يشكلون هوية مختلفة عن غيرهم.

– إستراتيجية الحرمان النسبي، التي تقوم على مخاطبة الشعبويين بأنهم جماعات محرومة اقتصاديًّا، ومهمشة اجتماعيًّا وسياسيًّا.

– إستراتيجية السيطرة الإدراكية والإنتاج الأيديولوجي، والتي ترى أن المكون الأيديولوجي هو مكون رئيس في ممارسة السلطة والحفاظ عليها، ويتأسس على أنماط متنوعة من أنواع القبول، والتفاوض، والتحدي، وإجماع الرأي. لذلك يُعد هذا المكون مهمًّا وحاسمًا للدور الإستراتيجي للخطاب ومنتجه في الهيمنة الاجتماعية والثقافية والتأثير الحاسم في عقول الناس.

– إستراتيجية التلاعب في الخطاب، وتقوم على التلاعب بالناس بعقولهم ومعتقداتهم وآرائهم، والمعارف والأيديولوجيات التي تسيطر على أفعالهم، وتركز على التلاعب بمضمون النص والحديث ويتم ذلك عن طريق إبراز المعنى أو تجاهله، واعتماد أفعال كلامية معينة ومعان موضعية دقيقة أو مبهمة واستعارات بلاغية واختيار كلمات وتعبيرات ذات تأثير قوي، والتلاعب بمعلومات ظاهرة، وتضمين معلومات أخرى، وحجم النص وصورته، ونوع الخط، والصور وغيرها من الآليات الدلالية الأخرى.

– إستراتيجية التضليل المعلوماتي: وتقوم على إخفاء الحقائق عن الجمهور أو تحريفها من خلال وسائل الإعلام، وذلك لتوجيه الرأي العام نحو أهداف معينة عن طريق خداع الجمهور المستهدف. وينشط هذا النوع من التضليل خلال فترات الحروب والأزمات والصراعات وتغيير الأنظمة، وتتمثَّل أساليبه في تحريف المعلومات، والتكتم والتجاهل الإعلامي لقضية ما، فضلًا عن الشائعات والتشويش، والكذب والاختلاق، وإخفاء الحقائق، والمصادر المجهولة، والتهويل والتضخيم.

ويحتكر الخطاب الشعبوي التكلم باسم الشعب حتى وإن كان أقلية، ويشكِّك في مبدأ التمثيل والأحزاب والنخب السياسية، كما يشكك في انتماء المخالفين له، وإخلاصهم الوطني. وفي خضم صراعه مع المؤسسة السياسية يهاجم الخطاب الشعبوي تلك الآليات والأدوات التي تعمل على منع سوء استخدام السلطة، والتي تراقب السياسيين. ويفضِّل الخطاب الشعبوي نمط القيادة ذات التواصل المباشر مع الجمهور، وهذا ما تيسره الوسائل الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تسهل على الخطاب الشعبوي تقبل فكرة الزعيم الكاريزمي الذي يتواصل مباشرة مع الناس. كما ينزلق هذا الخطاب إلى تقسيم المجتمع إلى “نحن” التي تمثِّل الشعب المتخيل، و”هُمْ” أعداء الشعب من المؤسسات والنخب. وقد ينقلب هذا التقسيم إلى صراع على مستوى الهوية يعرقل التعددية، ولا تنتج منه حلول ديمقراطية(22).

وباستخدام الإستراتيجيات والتكتيكات التي تمت الإشارة إليها قامت شبكات التواصل الاجتماعي بدور محوري فيما يخص الطريقة التي يتم بها تنفيذ حملات الشعبويين، وأيضًا طرق تواصل الفاعلين السياسيين وانخراطهم مباشرة مع الجمهور الذي يقوم بالتعليق على رسائلهم والترويج لها ومناقشتها، ومن ثم المشاركة في النشر العميق لهذه الأفكار الشعبوية. ويرجع ذلك إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي توفر فرص اتصال منخفضة التكلفة، وأن رسائلها تتضمن عناصر معينة مثل التعليق العاطفي والمعلومات الجديدة المفاجئة، التي تعمل على تهييج العامة، واستثارة عواطفهم وانتماءاتهم الوطنية والقومية والدينية والطائفية، لغايات نفعية ضيقة سياسية أو اقتصادية أو نفوذ اجتماعي أو شهرة إعلامية؛ الأمر الذي قد يدفع العامة إلى الفوضى والتخريب والتجاوز على سيادة النظام والقانون تحت تأثير العقل الجمعي المنقاد عاطفيًّا.

ونشير في ختام هذا المحور إلى أن:

– الشعبوية خطاب سياسي يستفيد من التوتر القائم بين المؤسسات السياسية (حكومة/ معارضة)، وبين المواطن والمؤسسات الوسيطة التي تفصله عن عملية صنع القرار.

– الشعبوية مزاج سياسي ناجم عن غضب فئات اجتماعية متضررة ومهمشة نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

– يتميز الخطاب الشعبوي بسمات عدة لعل أهمها احتكار التحدث باسم الشعب، وتقسيم المجتمع إلى مجموعتين “نحن” و”هُمْ”.

– تفرض التوترات الاجتماعية وتطور وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي إيلاء الاهتمام الكامل بالفئات المتضررة من هذه التوترات والاستجابة لمطالبها.

– قامت شبكات التواصل الاجتماعي بدور محوري في نشر الأفكار الشعبوية وتنفيذ حملات الشعبويين، وذلك باستخدام عدد من التكتيكات والإستراتيجيات.

 

  1. شبكات التواصل الاجتماعي والخطاب الشعبوي في المجتمع السوداني

كان الخطاب الشعبوي في بعض التجارب الإفريقية موجهًا ضد الأجنبي، كما في حالة أوغندا وزيمبابوي وجنوب إفريقيا على سبيل المثال، أما في الحالة السودانية فإن الخطاب الشعبوي خطاب داخلي بين مكونات المجتمع الواحد. وقد قاد هذا الخطاب إلى انقسام المجتمع السوداني بين “هم” و”نحن” على أسس قبلية ومناطقية؛ الأمر الذي بات يهدد فكرة الدولة ومستقبل تماسكها وبقائها موحدة. ومن هنا تأتي أهمية الحالة السودانية نموذجًا للبحث والدراسة، باعتبار الأهمية الإستراتيجية التي يمثِّلها السودان للأقاليم المتاخمة لحدوده: الخليج العربي، والقرن الإفريقي، وحوض النيل، ومنطقة الساحل والصحراء وانعكاساتها الأمنية. يضاف إلى ذلك أن تجربة الحكم الوطني في السودان بنمطيه، المدني والعسكري، عملت على عزل الشعب عن المساهمة الإيجابية في رسم تطلعاته، مما حال دون بناء مؤسسات راسخة تضمن استقرار الدولة لاحقًا. وهذا الأمر -بالإضافة إلى عوامل أخرى- قاد إلى حالة من الاغتراب بين الشعب والدولة، ومهَّد لتعزيز فرص نمو الخطاب الشعبوي الذي عمل في اتجاه تحريضي قد يقود إلى تقويض الدولة ومؤسساتها. وأدت هذه الشروط إلى ضعف حظوظ الانتقال الديمقراطي نتيجة لتمدد هذا الخطاب وملئه للفراغ الذي نتج عن التغيير السياسي الذي حدث في البلاد نهاية 2019. فالعلاقة بين تمدد الخطاب الشعبوي والتحول الديمقراطي علاقة عكسية؛ إذ كلما ترسخت الديمقراطية وقويت المؤسسات العامة، ضعُفت حظوظ الخطاب الشعبوي في التمدد. وكلما تمدد الخطاب الشعبوي تضاءلت فرص نجاح عملية الانتقال الديمقراطي.

وحتى يتسنى للباحث معرفة تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي في تنامي الخطاب الشعبوي وأيديولوجيته على أسس علمية، قام بإجراء دراسة ميدانية على عينة عشوائية من الرأي العام النوعي السوداني المتفاعل مع شبكات التواصل الاجتماعي بلغ عدد مفرداتها (105). وفي هذا الجزء نحلِّل نتائج الاستبيان الإلكتروني(23) الذي صُمِّم للإجابة عن أسئلة الدراسة، وقُسِّمت محاوره بجانب البيانات الأولية إلى ثلاثة محاور. تناول المحور الأول مفهوم الشعبوية والخطاب الشعبوي، وركز المحور الثاني على الشعبوية والخطاب الشعبوي في شبكات التواصل الاجتماعي في السودان، أما المحور الثالث فتناول آليات مواجهة الخطاب الشعبوي في شبكات التواصل الاجتماعي بالمجتمع السوداني.

واستخدم الاستبيان مقياس “ليكرت الخماسي” للإجابة عن أسئلة ومحاور الدراسة من أجل قياس “درجة الموافقة” على جميع العبارات من قِبَل أفراد العينة، بحيث تكون الإجابة عن تلك العبارات بأحد الخيارات الآتية: (أوافق بشدة، أوافق، أوافق إلى حد ما، لا أوافق، لا أدري) هذا بجانب الأسئلة المفتوحة.

أولًا: البيانات الأولية

توزيع عينة الدراسة وفقًا للجنس

بالنظر إلى الجدول رقم (1) يتضح أن 88.57% من أفراد العينة من الذكور، بينما بلغت نسبة الإناث 11.43%.

 

جدول (1): توزيع عينة الدراسة وفقًا للجنس

 

الجنس العدد النسبة (%)
ذكر 93 88.57
أنثى 12 11.43
الإجمالي 105 100

توزيع عينة الدراسة وفقًا للمهنة

بالنظر إلى الجدول رقم (2) يتضح أن 54.29% من أفراد العينة أساتذة جامعيون، و24.76% من الضباط العسكريين، و18.09% من الإعلاميين، بينما بلغت نسبة السياسيين 2.86%.

 

جدول (2): توزيع عينة الدراسة وفقًا للمهنة

م المهنة العدد النسبة (%)
1 أستاذ جامعي 57 54.29
2 إعلامي 19 18.09
3 سياسي 3 2.86
4 عسكري (ضابط) 26 24.76
الإجمالي 105 100

ثانيًا: تحليل الاستبيان

المحور الأول: الشعبوية والخطاب الشعبوي

 

جدول (3) يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على مفاهيم الشعبوية والخطاب الشعبوي

 

ترتيب السؤال في الاستبيان العبارات أوافق بشدة أوافق أوافق إلى حد ما لا أوافق لا أدري المتوسط الحسابي المرجح الأهمية النسبية (%) درجة الموافقة الترتيب وفق الوسط الحسابي المرجح لإجابات عينة الدراسة
8 تتعـدد وسائل التواصل التـي يسـتخدمها السياسـيون الشـعبويون في توصيـل خطاباتهـم إلى متلقيهـم، (وسـائل اتصال شـخصي، بيانات حزبية، التلفـاز والصحافـة… إلخ).  وتبقـى شبكات التواصـل الاجتماعي أكثر الوسـائل التـي يستخدمها هـؤلاء السياسـيون في توصيـل رسـائلهم إلى الجماعـات المسـتهدفة بحكم ما تتميز به من خصائص وسمات. 47 46 7 4 1 4.28 85.52 أوافق بشدة 1
6 استمدت الشعبوية مشروعيتها من إخفاقات النخب، خصوصًا في أدائها السياسي. 47 37 12 9 0 4.16 83.24 أوافق 2
2 الشعبوية نمط من الخطاب السياسي، يتفاعل مع عفوية مزاج سياسي لجمهور غاضب فَقَدَ الثقة بالنظام والأحزاب السياسية القائمة والنخب الحاكمة. 38 47 12 7 1 4.09 81.71 أوافق 3
9 تتعدد الإستراتيجيات الإقناعية التي يستخدمها الخطاب الشعبوي، ولكن تظل إستراتيجية الحرمان النسبي التي تقوم على مخاطبة الشعبويين بأنهم جماعات محرومة اقتصاديًّا، ومهمشة اجتماعيًّا وسياسيًّا أهم الإستراتيجيات الإقناعية التي يركز عليها الخطاب الشعبوي. 37 42 17 8 1 4.01 80.19 أوافق 4
3 الشعبوية ليست نظرية أو أيديولوجيا وإنما هي مجرد “خطاب” و”أسلوب” للتعبئــة والاحتجاج علــى المعانــاة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكــون نظامًا للحكم. 31 49 13 12 0 3.94 78.86 أوافق 5
7 يتميز الخطاب الشعبوي بطابعه الاحتجاجي الرافض للمؤسســات، وبمظاهراته التي يغلب عليها العنف الرمزي المصحوب في بعض الحالات بالعنف المادي. 29 46 19 9 2 3.87 77.33 أوافق 6
5 الشعبوية لا تقتصر علــى الاتجــاه اليميني الشائع، أو ما يســمى اليمين الشــعبوي المتطرف، وإنما تضم الشعبوية اليمين واليسار، وكل واحد منهما يحاول تقديم خطاب مغاير، سواء على مستوى المعايير أو الأهداف. 28 48 15 12 2 3.84 76.76 أوافق 7
4 الشعبوية إستراتيجية سياسية تهدف إلى إحداث تغيير سياسي عبر الوصول إلى الحكم، ويتحول خطابها إلى أيديولوجيا في الحالات المتطرفة. لذا تنتشر في الخطابات الشعبوية كلمات أو منطوقات مثل: التنظيف، والكنس، والمسح، والطرد…إلخ. 32 36 19 16 2 3.76 75.24 أوافق 8
1 الشــعبوية إستراتيجية تهدف إلى إقامة الحد السياسي الذي يُقسم المجتمع إلى كتلتين/معسكرين، وتعمل على تعبئة أولئك الذين هم في “الأسفل/تحت” ضد أولئك الذين هم في “الأعلى/فوق” أو الذين يملكون السلطة. 22 51 11 19 2 3.69 73.71 أوافق 9
  المتوسط الحسابي والأهمية النسبية للمحور 3.96 79.17 أوافق

شكل (1): متوسطات إجابات عينة الدراسة حول الشعبوية

والخطاب الشعبوي والأهمية النسبية لأسئلة المحور

بالنظر إلى الجدول رقم (3)، والأشكال البيانية (من 1 إلى 10) ذات الصلة بمحور مفهوم الشعبوية والخطاب الشعبوي، يرى أفراد العينة بنسبة موافقة بلغت 95.2%، أن هناك تعـددًا في وسائل التواصل التـي يسـتخدمها السياسـيون الشـعبويون في توصيـل خطاباتهـم إلى متلقيهـم، (وسـائل اتصال شـخصي، بيانات حزبية، التليفزيون، الصحافـة…إلخ). ويأتي في مقدمة هذه الوسائل شبكات التواصـل الاجتماعي لما تتميز به من خصائص وسمات، وهذا يوضح بجلاء تأثير هذه الشبكات في تنامي الخطاب الشعبوي.

كما يرى أفراد العينة بنسبة بلغت 91.4% أن الشعبوية استمدت مشروعيتها من إخفاقات النخب، خصوصًا في أدائها السياسي. ويتفاعل خطابها مع عفوية مزاج سياسي لجمهور غاضب فَقَد الثقة بالنظام والأحزاب السياسية القائمة والنخب الحاكمة.

ومع تعدد الإستراتيجيات الإقناعية التي يستخدمها هذا الخطاب تظل إستراتيجية الحرمان النسبي التي تقوم على مخاطبة الشعبويين بأنهم جماعات محرومة اقتصاديًّا ومهمشة اجتماعيًّا وسياسيًّا أهم الإستراتيجيات الإقناعية التي يركز عليها الخطاب الشعبوي وفقًا لرأي العينة بنسبة بلغت 91.4%.

ووفقًا لعينة الدراسة، وبنسبة بلغت 88.6%، فإن الشعبوية ليست نظرية أو أيديولوجيا وإنما مجرد “خطاب” و”أسلوب” للتعبئــة والاحتجاج علــى المعانــاة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكــون نظامًا للحكم. ويرى أفراد العينة بنسبة بلغت 82.9% أن الخطاب الشعبوي قد يتحوَّل إلى أيديولوجيا في الحالات المتطرفة، لذا تنتشر في الخطابات الشعبوية كلمات مثل: التنظيف، والكنس، والمسح، والطرد. كما أن هذا الخطاب لا يقتصر علــى الاتجــاه اليميني الشائع، أو ما يســمى اليمين الشــعبوي المتطرف، وإنما تضم الشعبوية اليمين واليسار، وكل واحد منهما يحاول تقديم خطاب مغاير، سواء على مستوى المعايير أو الأهداف. ويرى أفراد العينة بنسبة بلغت 80% أن الشعبوية إستراتيجية تهدف إلى إقامة الحد السياسي الذي يُقسِّم المجتمع إلى كتلتين/معسكرين، وتعمل على تعبئة أولئك الذين هم في “الأسفل/تحت” ضد أولئك الذين هم في “الأعلى/ فوق” أو الذين يملكون السلطة.

ويشير الباحث في ختام هذا المحور من الاستبيان -وبالرجوع إلى تحليل الجدول رقم (3)- إلى أن أفراد العينة وافقوا على ما ورد فيه من أفكار ورؤى حول المفاهيم والأدبيات التي تناولت الشعبوية والخطاب الشعبوي بنسبة بلغت 88.7%.

 

أشكال بيانية توضح إجابات أفراد العينة عن أسئلة المحور الأول

شكل (2): يبرز مستوى موافقة عينة الدراسة على تعـدد وسائل التواصل التـي يسـتخدمها السياسـيون الشـعبويون في توصيـل خطاباتهـم إلى متلقيهـم، (وسـائل اتصال شـخصي، بيانات حزبية، التليفزيون والصحافـة…إلخ). وتُعد شبكات التواصـل الاجتماعي أكثر الوسـائل التـي يستخدمها هـؤلاء السياسـيون في توصيـل رسـائلهم إلى الجماعـات المسـتهدفة لما تتميز به من خصائص وسمات.

 

شكل (3): يبيِّن مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الشعبوية استمدت مشروعيتها من إخفاقات النخب، خصوصًا في أدائها السياسي.

شكل (4): يبرز مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الشعبوية نمط من الخطاب السياسي، الذي يتفاعل مع عفوية مزاج سياسي لجمهور غاضب فَقَدَ الثقة بالنظام والأحزاب السياسية القائمة والنخب الحاكمة.

شكل (5): يُظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على تعدد الإستراتيجيات الإقناعية التي يستخدمها الخطاب الشعبوي، ولكن تظل إستراتيجية الحرمان النسبي التي تقوم على مخاطبة الشعبويين بأنهم جماعات محرومة اقتصاديًّا، ومهمشة اجتماعيًّا وسياسيًّا، أهم الإستراتيجيات الإقناعية التي يركز عليها الخطاب الشعبوي.

شكل (6): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الشعبوية ليست نظرية أو أيديولوجيا وإنما مجرد “خطاب” و”أسلوب” للتعبئــة والاحتجاج علــى المعانــاة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكــون نظامًا للحكم.

شكل (7): يُظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على تميز الخطاب الشعبوي بطابعه الاحتجاجي الرافض للمؤسســات، وبمظاهراته التي يغلب عليها العنف الرمزي المصحوب في بعض الحالات بالعنف المادي.

شكل (8): يبيِّن مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الشعبوية لا تقتصر علــى الاتجــاه اليميني الشائع، أو ما يســمى اليمين الشــعبوي المتطرف، وإنما تضم الشعبوية اليمين واليسار، وكل واحد منهما يحاول تقديم خطاب مغاير، سواء على مستوى المعايير أو الأهداف.

شكل (9): يوضح مدى موافقة عينة الدراسة على أن الشعبوية إستراتيجية سياسية تهدف إلى إحداث تغيير سياسي عبر الوصول إلى الحكم، ويتحوَّل خطابها إلى أيديولوجيا في الحالات المتطرفة. لذا تنتشر في الخطابات الشعبوية كلمات مثل: التنظيف، والكنس، والمسح، والطرد، وغيرها.

شكل (10): يبرز مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الشــعبوية إستراتيجية تهدف إلى إقامة الحد السياسي الذي يُقسِّم المجتمع إلى كتلتين/معسكرين، وتعمل على تعبئة أولئك الذين هم في “الأسفل/تحت” ضد أولئك الذين هم في “الأعلى/فوق” أو الذين يملكون السلطة.

 

المحور الثاني: شبكات التواصل الاجتماعي والخطاب الشعبوي في السودان

 

جدول (4) يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على دور شبكات التواصل الاجتماعي

في تأجيج الخطاب الشعبوي بالسودان

ترتيب السؤال في الاستبيان العبارات أوافق بشدة أوافق أوافق إلى حد ما لا أوافق لا أدري المتوسط الحسابي المرجح الأهمية النسبية (%) درجة الموافقة الترتيب وفق الوسط الحسابي المرجح لإجابات عينة الدراسة
4 هناك علاقة بين ضعف محتوى وسائل الإعلام الرسمية وضعف ثقة الجمهور في هذه الوسائل وبين تنامي الخطاب الشعبوي المستفيد من شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. 60 35 8 1 1 4.45 88.95 أوافق بشدة 1
2 ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي والرسائل التي تُرَوَّج من خلالها، والتي ربطت بين التردي الاقتصادي ونشر خطاب الكراهية، بدور في تصاعد حدة الخطاب الشعبوي في السودان. 57 33 9 5 1 4.33 86.67 أوافق بشدة 2
1 توجد علاقة بين تصاعد الخطاب الشعبوي في السودان والتوسع في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وانتشارها في البلاد. 53 35 14 1 2 4.30 85.90 أوافق بشدة 3
3 يُعد نشر الكراهية وإعلاء شأن القبيلة والتجاذبات حول العرقية والجهوية، والدعوة للعنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة بشكلها الاجتماعي المتوارث، أبرز مقومات الخطاب الشعبوي المنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. ويبدو تأثير هذا الخطاب واضحًا وجليًّا في انتشار العنف والعنف المضاد القائم على القبلية والجهوية الذي تشهده بعض مناطق البلاد. 47 40 12 4 2 4.20 84.00 أوافق 4
9 الخطاب الشعبوي الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي أدى إلى إضعاف اللحمة الوطنية وإعلاء قيمة الكيانات القبلية على حساب الدولة. 52 30 14 7 2 4.17 83.43 أوافق 5
6 استفادت شبكات التواصل الاجتماعي من حالة الفراغ المؤسساتي الذي يشهده السودان في الوصول لقطاعات عريضة، ونشر الخطاب الشعبوي القائم على معاداة الآخر. 39 48 14 4 0 4.16 83.24 أوافق 6
8 ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي من خلال الخطاب الشعبوي في تماهي السلطة مع بعض المكونات الاجتماعية لتحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب مكونات أخرى، وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على مستقبل استقرار الدولة على المدى البعيد. 43 34 16 10 2 4.01 80.19 أوافق 7
7 ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي من خلال خطابها الشعبوي في تعويق التسوية السياسية المفضية لتحول ديمقراطي في السودان عبر رفع سقف التوقعات والمطالب الخاصة ببعض الجماعات، وقاد ذلك إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والسيولة والهشاشة الأمنية التي تشهدها البلاد. 34 30 27 13 1 3.79 75.81 أوافق 8
5 هناك علاقة بين تمدد الخطاب الشعبوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وارتفاع نسبة الأمية في المجتمع السوداني. 27 29 30 18 1 3.60 72.00 أوافق 9
10 لا يحظى الخطاب الشعبوي المنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالتأييد؛ إذ يبدو وكأنه خطاب نخبوي لا علاقة له بالمجتمع السوداني. 13 17 19 52 4 2.84 56.76 أوافق إلى حد ما 10
المتوسط الحسابي والأهمية النسبية للمحور 3.98 79.70 أوافق  

 

 

شكل (11): متوسطات إجابات عينة الدراسة حول شبكات التواصل الاجتماعي

والخطاب الشعبوي في السودان والأهمية النسبية لأسئلة المحور

 

 

بالنظر إلى الجدول رقم (4)، والأشكال البيانية (من الرقم 11 إلى 21) ووفقًا لرأي أفراد العينة وبنسبة موافقة بلغت 98.1%، فإن هناك علاقة بين ضعف محتوى وسائل الإعلام الرسمية وضعف ثقة الجمهور في هذه الوسائل وبين تنامي الخطاب الشعبوي المستفيد من شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. كما توجد علاقة بين تصاعد هذا الخطاب والتوسع في استخدام هذه الشبكات وانتشارها في البلاد؛ حيث أسهمت من خلال رسالتها التي ربطت بين التردي الاقتصادي ونشر خطاب الكراهية في تصاعد حدة الخطاب الشعبوي في السودان، وذلك بنسبة موافقة بلغت 94.3%. كما أن ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع السوداني أسهم هو الآخر في تمدد الخطاب الشعبوي الذي تبثه هذه الشبكات بالبلاد وذلك وفقًا لرأي العينة بنسبة موافقة بلغت 81.9%.

ويرى أفراد العينة، وبنسبة بلغت 94.3%، أن نشر الكراهية وإعلاء شأن القبيلة والتجاذبات حول العرقية والجهوية والدعوة للعنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة بشكلها الاجتماعي المتوارث يُعد من أبرز مقومات الخطاب الشعبوي المنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. ويبدو تأثير هذا الخطاب واضحًا في انتشار العنف والعنف المضاد القائم على القبلية والجهوية الذي تشهده بعض مناطق البلاد، ويرجع ذلك -وفقًا لرأي العينة وبنسبة بلغت 96.2%- إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي استفادت من حالة الفراغ المؤسساتي التي يشهدها السودان، الأمر الذي مكَّنها من الوصول لقطاعات عريضة ونشر الخطاب الشعبوي القائم على معاداة الآخر. وأدى ذلك إلى إضعاف اللحمة الوطنية وإعلاء قيمة الكيانات القبلية على حساب الدولة.

ويرى أفراد العينة أن الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي في السودان يحظى بالتأييد وليس خطابًا نخبويًّا فقط، وأن هذا الخطاب أسهم في تماهي السلطة مع بعض المكونات الاجتماعية لتحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب مكونات أخرى، وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على مستقبل استقرار الدولة على المدى البعيد. كما أسهمت هذه الشبكات من خلال خطابها الشعبوي -وفقًا لأفراد العينة وبنسبة بلغت 86.7%- في رفع سقف التوقعات والمطالب الخاصة ببعض الجماعات، وتعويق التسوية السياسية المفضية إلى تحول ديمقراطي في السودان، ونتج عن ذلك حالة من عدم الاستقرار السياسي والسيولة والهشاشة الأمنية التي تشهدها البلاد.

ويشير الباحث في ختام هذا المحور -وبالرجوع إلى تحليل الجدول رقم (4)- إلى أن أفراد العينة قد وافقوا على ما ورد فيه من أفكار ورؤى حول تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي في تنامي الخطاب الشعبوي في المجتمع السوداني، بنسبة بلغت 87.5%.

أشكال بيانية تبرز إجابات أفراد العينة عن أسئلة المحور الثاني

شكل (12): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على أن هناك علاقة بين ضعف محتوى وسائل الإعلام الرسمية وضعف ثقة الجمهور في هذه الوسائل، وبين تنامي الخطاب الشعبوي المستفيد من شبكات التواصل الاجتماعي في السودان.

 

شكل (13): يُظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على أن شبكات التواصل الاجتماعي لها دور في تصاعد حدة الخطاب الشعبوي في السودان من خلال رسالتها التي ربطت بين التردي الاقتصادي ونشر خطاب الكراهية.

شكل (14): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على وجود علاقة بين تصاعد الخطاب الشعبوي والتوسع في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وانتشارها في السودان.

شكل (15): يبرز مستوى موافقة عينة الدراسة على أن نشر الكراهية وإعلاء شأن القبيلة والتجاذبات حول العرقية والجهوية والدعوة للعنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة بشكلها الاجتماعي المتوارث يُعد من أبرز مقومات الخطاب الشعبوي المنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. ويبدو تأثير هذا الخطاب واضحًا في انتشار العنف والعنف المضاد القائم على القبلية والجهوية الذي تشهده بعض مناطق البلاد.

شكل (16): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الخطاب الشعبوي الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي أدى إلى إضعاف اللحمة الوطنية وإعلاء قيمة الكيانات القبلية على حساب الدولة.

شكل (17): يبيِّن مستوى موافقة عينة الدراسة على أن شبكات التواصل الاجتماعي استفادت من حالة الفراغ المؤسساتي التي يشهدها السودان في الوصول لقطاعات عريضة ونشر خطابها الشعبوي القائم على معاداة الآخر.

شكل (18): يُظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت من خلال الخطاب الشعبوي في تماهي السلطة مع بعض المكونات الاجتماعية لتحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب مكونات أخرى، وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على مستقبل استقرار الدولة على المدى البعيد.

شكل (19): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت من خلال خطابها الشعبوي في تعويق التسوية السياسية المفضية لتحول ديمقراطي في السودان عبر رفع سقف التوقعات والمطالب الخاصة ببعض الجماعات. وأدى ذلك إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والسيولة والهشاشة الأمنية التي تشهدها البلاد.

شكل (20): يظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على وجود علاقة بين تمدد الخطاب الشعبوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وارتفاع نسبة الأمية في المجتمع السوداني.

شكل (21): يوضح مستوى عدم موافقة عينة الدراسة على أن “الخطاب الشعبوي المنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي لا يحظى بالتأييد؛ إذ يبدو وكأنه خطاب نخبوي لا علاقة له بالمجتمع السوداني”. وتُظهر نتائج الاستبيان أن الخطاب الشعبوي يحظى بالتأييد والمؤازرة وسط المجتمع السوداني وليس خطابًا خاصًّا بالنخبة.

 

المحور الثالث: آليات مواجهة الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي في السودان

جدول (5) يوضح رأي عينة الدراسة حول آليات

مواجهة الخطاب الشعبوي في السودان

 

ترتيب السؤال في الاستبيان العبارات أوافق بشدة أوافق أوافق إلى حد ما لا أوافق لا أدري المتوسط الحسابي المرجح الأهمية النسبية (%) درجة الموافقة الترتيب وفق الوسط الحسابي المرجح لإجابات عينة الدراسة
4 تعزيز الحوار وثقافة التعايش بين المكونات الاجتماعية من العوامل المهمة لتجاوز التأثيرات السالبة لتفشي الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي. 64 34 6 0 1 4.52 90.48 أوافق بشدة 1
2 تقوية المناهج المدرسية القائمة على إعلاء قيم المواطنة والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية إحدى الأدوات المهمة في محاربة الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي في السودان. 64 31 10 0 0 4.51 90.29 أوافق بشدة 2
5 الاهتمام بالتربية الإعلامية (التعليم والوعي بما تبثه شبكات التواصل الاجتماعي، وتعليم الجمهور مهارة التعامل مع وسائل الإعلام) سيسهم في تعزيز قيم التنوع والتسامح والشفافية والمساواة. وهذا من شأنه معالجة سلبيات الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي في السودان. 60 37 6 2 0 4.48 89.52 أوافق بشدة 3
3 سنُّ القوانين والتشريعات اللازمة لتنظيم عمل شبكات التواصل الاجتماعي يُعد مهمًّا في محاربة الخطاب الشعبوي الذي يُنشر عبر هذه الوسائل في السودان. 49 32 20 4 0 4.20 84.00 أوافق 4
1 تعزيز دور وسائل الإعلام الرسمية ومنحها الحرية اللازمة في تصميم برامجها والوصول للجمهور المستهدف سيسهم في مواجهة الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي. 44 39 20 2 0 4.19 83.81 أوافق 5
المتوسط الحسابي والأهمية النسبية للمحور 4.38 87.62 أوافق بشدة  

شكل (22): يوضح متوسطات إجابات عينة الدراسة حول آليات مواجهة الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي في السودان والأهمية النسبية لأسئلة المحور.

بالنظر إلى الجدول رقم (5)، والأشكال البيانية (من الرقم 22 إلى 27) ذات الصلة بآليات مواجهة الخطاب الشعبوي الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي في السودان، يرى أفراد العينة بنسبة بلغت 99% أن تعزيز الحوار وثقافة التعايش بين المكونات الاجتماعية من العوامل المهمة لتجاوز التأثيرات السالبة لتفشي هذا النوع من الخطاب في المجتمع السوداني. كما أن تقوية المناهج المدرسية القائمة على إعلاء قيم المواطنة والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية تُعد إحدى الأدوات المهمة في محاربة هذا الخطاب في البلاد وفقًا لرأي عينة الدراسة بنسبة بلغت 100%.

ويرى أفراد العينة بنسبة بلغت 98.1% أن الاهتمام بالتربية الإعلامية (التعليم والوعي بما تبثه شبكات التواصل وتعليم الجمهور مهارة التعامل مع وسائل الإعلام) سيسهم في تعزيز قيم التنوع والتسامح والشفافية والمساواة. وهذا من شأنه معالجة سلبيات الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي.

كما يرون المبحوثون بنسبة بلغت 96.2% أن سنَّ القوانين والتشريعات اللازمة لتنظيم عمل شبكات التواصل الاجتماعي يُعد مهمًّا في محاربة الخطاب الشعبوي الذي يُنشر عبر هذه الوسائل في السودان.

ويرى أفراد العينة بنسبة بلغت 98.1% أن تعزيز دور وسائل الإعلام الرسمية ومنحها الحرية اللازمة في تصميم برامجها والوصول للجمهور المستهدف سيسهم في مواجهة الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي.

ويشير الباحث في ختام هذا المحور -وبالرجوع إلى تحليل الجدول رقم (5)- إلى أن أفراد العينة وافقوا بشدة على ما ورد فيه من أفكار ورؤى حول آليات مواجهة الخطاب الشعبوي في المجتمع السوداني بنسبة بلغت 98.3%.

أشكال بيانية توضح إجابات أفراد العينة عن أسئلة المحور الثالث

شكل (23): يبيِّن مستوى موافقة عينة الدراسة على أن تعزيز الحوار وثقافة التعايش بين المكونات الاجتماعية من العوامل المهمة لتجاوز التأثيرات السالبة لتفشي الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي.

 

شكل (24): يبرز مستوى موافقة عينة الدراسة على أن تقوية المناهج المدرسية القائمة على إعلاء قيم المواطنة والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية تُعد إحدى الأدوات المهمة في محاربة الخطاب الشعبوي لشبكات التواصل الاجتماعي في السودان.

شكل (25): يظهر مستوى موافقة عينة الدراسة على أن الاهتمام بالتربية الإعلامية (التعليم والوعي بما تبثه شبكات التواصل وتعليم الجمهور مهارة التعامل مع وسائل الإعلام) سيسهم في تعزيز قيم التنوع والتسامح والشفافية والمساواة. وهذا من شأنه معالجة سلبيات الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي في السودان.

شكل (26): يوضح مستوى موافقة عينة الدراسة على أن سنَّ القوانين والتشريعات اللازمة لتنظيم عمل شبكات التواصل الاجتماعي يُعد مهمًّا في محاربة الخطاب الشعبوي الذي يُنشر عبر هذه الوسائل في السودان.

شكل (27): يبيِّن مستوى موافقة عينة الدراسة على أن تعزيز دور وسائل الإعلام الرسمية ومنحها الحرية اللازمة في تصميم برامجها والوصول إلى الجمهور المستهدف سيسهم في مواجهة الخطاب الشعبوي المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي.

خاتمة

تُعد الشعبوية نمطًا من الخطاب السياسي الذي يتفاعل مع عفوية مزاج سياسي لجمهور غاضب فَقَدَ الثقة في الأحزاب السياسية والنخب الحاكمة، وهنا يستخدم السياسـيون الشـعبويون العديد من وسائل التواصل (وسـائل اتصال شـخصي، بيانات حزبية، التليفزيون، الصحافـة…إلخ) في توصيـل أفكارهم وأيديولوجياتهم. وتظل شبكات التواصـل الاجتماعي أكثر الوسـائل التـي يلجأ إليها هـؤلاء لما تتميز به من خصائص وسمات.

ومن واقع الطرح الذي جاء في هذه الدراسة بشقيها، النظري والميداني، تبدو العلاقة واضحة وجلية بين تنامي وتصاعد الخطاب الشعبوي وشبكات التواصل الاجتماعي وتمددها داخل قطاعات عريضة من المجتمع؛ إذ لم يكن بمقدور هذا الخطاب أن ينمو ويتطور من دون الاستفادة من هذه الوسائل وتطورها.

وفي الحالة السودانية ووفق ما جاء في الدراسة، فإن أبرز ملامح الخطاب الشعبوي الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي تتمثَّل في نشر الكراهية وإعلاء شأن القبيلة والتجاذبات حول العرقية والجهوية والدعوة للعنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة بشكلها الاجتماعي المتوارث. وتتعاظم مخاطر انتشار هذا الخطاب في ظل حالة الفراغ المؤسساتي والسيولة الأمنية التي تشهدها الدولة منذ التغيير السياسي الذي حدث نهاية العام 2019. وقد ارتبط ذلك -ولا يزال- بوجود بيئة إقليمية ودولية تتسم بدرجة عالية من التعقيد، وفي إطار حركة صراع دولي كبير حول المصالح الإستراتيجية، ومن هنا تبرز مشروعية الربط بين حالة عدم الاستقرار التي يعيشها السودان حاليًّا وبين إمكانية مساهمة الخطاب الشعبوي بشبكات التواصل الاجتماعي في ذلك.

فالخطاب الشعبوي الذي تبثه هذه الشبكات، قد يفضي إلى تهديد وجود الدولة السودانية نفسها، في ظل غياب المرجعية الوطنية التي تحكم العملية السياسية، ووجود سلوك سياسي يقوم على إعلاء قيم التشرذم والانقسام. ويستلزم ذلك اتخاذ مجموعة من الإجراءات الفعالة لمحاصرة هذا الخطاب وتأثيراته ومخاطره، ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات تعزيز الحوار وثقافة التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية، إضافة إلى التوسع في نشر التعليم وسط المجتمع، وتقوية المناهج المدرسية القائمة على إعلاء قيم المواطنة، وسنِّ القوانين اللازمة لتنظيم عمل شبكات التواصل الاجتماعي، والاهتمام بالتربية الإعلامية القائمة على نشر الوعي بما تبثه شبكات التواصل وتعليم الجمهور مهارة التعامل مع وسائل الإعلام، في ظل وجود ما يعرف اصطلاحًا بغرفة الصدى والخوارزميات التي تتحكَّم في نشاط الجمهور الرقمي.

 

المراجع

(1) عزمي بشارة، في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟، ط 1 (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص 101.

(2) محمد منير حجاب، أساسيات البحوث الإعلامية والاجتماعية، ط 2 (القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2003)، ص 78.

(3) اعتمد الباحث في تعريف الأيديولوجيا على المراجع الآتية:

– أحمد أنور، النظرية الاجتماعية والأيديولوجيا، ط 1 (القاهرة، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات، 2006)، ص 11.

– عبد الله العروي، مفهوم الأيديولوجيا، ط 5 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1993)، ص 9.

(4) محمد سعود البشر، أيديولوجيا الإعلام، ط 1 (الرياض، دار غيناء للنشر، 2008)، ص 14.

(5) David R. Croteau et al., Media Society: Industries, Images, and Audiences, 4th Ed. (U.S.A: SAGE Publications, 2011), 16.                                                                                             

(6) راجع في ذلك:

– محمد سعود البشر، أيديولوجيا الإعلام، مرجع سابق، ص 34-54.

– يحي اليحياوي، أوراق في التكنولوجيا والإعلام والديمقراطية، ط 1 (بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 2004)، ص 39.

– دومينيك وولتون، الإعلام ليس تواصلًا (بيروت، دار الفارابي، الطبعة الأولي، 2012)، ص 23.

(7) معتصم بابكر مصطفى، أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام، سلسلة كتاب التنوير 12، ط 1 (الخرطوم، دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر والتوزيع، 2014)، ص 198.

(8) المرجع السابق، ص 200.

(9) المباني الفكرية لوسائل التواصل الاجتماعي، ط 1 (بيروت، مركز المعارف للدراسات الثقافية، 2021)، ص 92.

(10) بان فيرنر مولر، ما الشعبوية؟، ترجمة رشيد بوطيب، ط 1 (الدوحة، منتدى العلاقات العربية والدولية، 2017)، ص 45.

(11) برتران بادي ودومينيك فيدال، عودة الشعبويات: أوضاع العالم 2019، ترجمة نصير مروه، (بيروت، مؤسسة الفكر العربي، 2019)، ص 10.

(12) Frank Stengel, et al., Populism and World Politics: Exploring Inter- and Transnational Dimensions (Global Political Sociology), 1st ed. (Palgrave Macmillan, 2019), 29-30.

(13) Ibid, 31.

(14) Ibid, 33.

(15) Lawrence Goodwyn, the Populist Moment, A Short History of the Agrarian Revolt in America, 1st ed. (London: Oxford University Press, 1978), 174.

(16) الزواوي بوغرة، “خطاب الشعبوية في الفكر السياسي المعاصر”، مجلة التفاهم (وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، العدد 65، صيف 2019)، ص 140.

(17) مولر، ما الشعبوية؟، مرجع سابق، ص 73-85.

(18) عبد الحميد العيد الموساوي، حسام الدين علي مجيد، “الشعبوية في الشرق الأوسط: ماهية الخطاب وخصائصه المقارنة”، مجلة العلوم السياسية (جامعة بغداد، بغداد، العدد 58، مايو/أيار 2019)، ص82-83.

(19) إبراهيم أولتيت، الثابت والمتغير في الشعبوية، مجلة شؤون عربية (جامعة الدول العربية، القاهرة، العدد 169، ربيع 2017)، ص 128.

(20) حلمي ساري، “إستراتيجيات الإقناع في الخطاب الشعبوي: مقترب سوسيولوجي”، إضافات، المجلة العربية لعلم الاجتماع (العددان 57/58، صيف-خريف 2022)، ص 146.

(21) راجع في ذلك:

– حسن عماد مكاوي، ليلي حسين السيد، الاتصال ونظرياته المعاصرة، ط 1 (القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1998)، ص 185.

– ساري، “إستراتيجيات الإقناع في الخطاب الشعبوي”، مرجع سابق، ص 156-158.

توين فان دايك، الخطاب والسلطة، ترجمة غيداء العلي، ط 1 (القاهرة، منشورات المركز القومي للترجمة، 2014)، ص 80-240-466.

– Don Fallis, “A Conceptual Analysis of Disinformation,” core.ac.uk, January 2009, “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3TX2wrf.

(22) بشارة، في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟، مرجع سابق، ص 190.

(23) حُكِّم الاستبيان من قبل:

– د. الخير عمر سليمان، الأستاذ والباحث الزائر بجامعة غرب جورجيا كارلتون، شعبة العلوم السياسية والتخطيط (أميركا).

– د. محمد الراجي، باحث بمركز الجزيرة للدراسات، ومدير تحرير مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام.

– حسن محجوب الزبير، باحث إحصاء أول، مركز البحوث والدراسات، وزارة الداخلية، قطر.

أوجه الاستقطاب الأيديولوجي بين المسلمين والهندوس على منصة تيك توك (سبتمبر/أيلول 2021- ديسمبر/كانون الأول 2022)

The Aspects of Ideological Polarisation between Muslims and Hindus on TikTok (September 2021- December 2022)

فاطمة الزهراء السيد – * Fatma Elzahraa Elsayed

ملخص:  

يتناول البحث قضية الصراع الإسلامي-الهندوسي كأحد التجليات الممثلة لحقبة ما بعد الاستعمار، والتلاقي الإستراتيجي لأهدافها مع أهداف أحزاب اليمين المتطرف الذي تتصاعد شعبيته بوتيرة منتظمة وغير مسبوقة حول العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويركز البحث على تحليل عينة قصدية من 100 مقطع فيديو نُشِرت على منصة “تيك توك”، وتُعد الأكثر مشاهدة حول القضية محل الدراسة. وتشمل العينة الحسابات الأكثر متابعة من الجانبين، المسلم والهندوسي، والأكثر نشرًا حول القضية خلال الفترة الممتدة من سبتمبر/أيلول 2021 إلى ديسمبر/كانون الأول 2022. وخلص البحث إلى أن نسبة المحتوى الداعم للتفاهم والتعايش بين الجانبين هو الغالب على وحدات العينة، ويليه المحتوى المعبِّر عن الاضطهاد والصراع. بينما كان استخدام الرموز التعبيرية (الإيموجي) أكثر في المحتوى المعبِّر عن موضوعات الحب والصداقة والزواج. ويميل معظم المستخدمين إلى إبداء الإعجاب بالمحتوى المنشور، كما أن أكثر الموضوعات التي حظيت بالمشاركة والتعليق كانت تدعو إلى فهم طبيعة الصراع بحقائقه المعرفية والتاريخية.

كلمات مفتاحية: الاستقطاب، الأيديولوجيا، المسلمون، الهندوس، شبكات التواصل الاجتماعي، تيك توك.

Abstract:

This research addresses the Hindu-Islamic conflict in India as one of the manifestations of the post-colonial era, and the strategic overlap between its objectives and those of the extreme right-wing parties, whose popularity is rising at a regular and unprecedented pace around the world since World War II. It analyses an intentional sample of the 100 most watched videos about the issue on TikTok; and sample includes the accounts most followed by both Muslims and Hindus as well as the accounts that posted about the issue the most between September 2021 and December 2022. The research finds that the percentage of content in favour of understanding and coexistence between the two sides is higher than that expressing oppression and conflict. In addition, emojis were used more frequently in the content about love, friendship and marriage. The research also finds that most users tend to only like the posts; and that the most shared and commented posts are those that call for understanding the nature of the conflict with its cognitive and historical facts.

Keywords: Polarisation, Ideology, Muslims, Hindus, Social Media, TikTok.

 

مقدمة

تُسْتخدَم شبكات التواصل الاجتماعي ميدانًا للمبارزة بين المجموعات ذات الانتماءات العقائدية المختلفة. ومنذ العام 2020 أصبحت منصة “تيك توك” الأكثر تداولًا لهذه المبارزات من خلال نشر مقاطع الفيديو. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الاشتباكات بين الأقليتين، المسلمة والهندوسية، في بعض المدن البريطانية (ليستر، برمنغهام) -حتى تاريخ كتابة هذا البحث (في أوائل 2023)- على أصداء تنامي خطاب الكراهية ضد المسلمين في الهند، تعكس المنصة أوجه التوتر من الجانبين، الإسلامي والهندوسي، في إطار حالة من الاستقطاب تؤدي إلى مزيد من التعقيد للأزمة ذات الأبعاد السياسية والثقافية والتاريخية.

وفي سياق هذه الحالة الاستقطابية، يتناول البحث قضية الصراع الإسلامي-الهندوسي كأحد التجليات الممثلة لحقبة ما بعد الاستعمار، والتلاقي الإستراتيجي لأهدافها مع أهداف أحزاب اليمين المتطرف الذي تتصاعد شعبيته بوتيرة منتظمة وغير مسبوقة حول العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويسود لدى باحثي الاتصال اعتقاد بأن آليات عمل شبكات التواصل الاجتماعي وما فرضته من طبيعة تواصلية غير متكافئة بين مختلف الأطراف -وما آلت إليه من مركزية ومراقبة وهيمنة بخلاف ما كان مرجوًّا منها- تُسهِم في تكريس مناخ استقطابي يُعقِّد فرص التفاهم والحوار بين الثقافات، في مقابل ما تفسحه من مجال رحب لنشر التعصب وخطاب الكراهية والديماغوجية والتراشق الفكري واللاعقلانية.

وهنا، يحاول البحث استكشاف المنطلقات المؤسسة لسرديات صنَّاع المحتوى من الناشطين المسلمين والهندوس، وتحديد إلى أي مدى تبتعد عن فكرة التعايش والحوار والتفاهم مع الآخر أو تميل إلى فكرة الإقصاء والتهميش له. ويستقصي البحث أيضًا الآليات التي استخدمها صنَّاع المحتوى لإبراز سردياتهم المستندة إلى منطلقات فكرية مختلفة، والنظر في احتمال تأثُّر هذه السرديات بالأجواء المشحونة بين الجانبين، وما إذا كانت هناك علاقات دالة بين سمات المنصة التفاعلية ونوع الخطاب الذي يتم ترويجه من خلالها.

ومن ثم تطرح الباحثة عددًا من التساؤلات التي تؤطر قضية الصراع الإسلامي-الهندوسي عبر استخدام منصة تيك توك، ودورها في تعزيز حالة الاستقطاب الأيديولوجي بين المسلمين والهندوس:

  1. ما الأفكار المحورية والمنطلقات التي تؤسس لمحتوى الفيديوهات التي ينتجها أطراف الصراع؟
  2. ما حجم التفاعل مع الأنواع المختلفة للفيديوهات من حيث المشاركة والتعليق والإعجاب؟
  3. ما أكثر الوسوم استخدامًا مع الأنواع المختلفة لمقاطع الفيديو؟ وما دلالات الاستخدام؟
  4. ما أكثر الرموز التعبيرية (الإيموجي) المصاحبة للنصوص المكتوبة؟ وما دلالاتها في الفيديوهات المنشورة؟

وانطلاقًا من هذا الحقل الاستفهامي يسعى البحث لتحقيق الأهداف الآتية:

– تحديد الأفكار والمقولات المحورية التي تدور حولها مقاطع الفيديو من كلا جانبي الصراع.

– تصنيف المحتوى من حيث كونه داعمًا للاستقطاب أو رافضًا له.

– التعرف على السمات البصرية للعناصر المكونة لمقاطع الفيديو.

– تحديد دلالات توظيف الوسوم والرموز التعبيرية (الإيموجي).

– معرفة التأثيرات الممكنة لطبيعة المنصة الاتصالية على تناول القضايا ذات الأبعاد السياسية والعقائدية.

وتتوقع الباحثة أن يكون لهذه الدراسة بعض الآثار المعرفية والمنهجية حول التوظيف المعرفي لمقاطع الفيديو على المنصات ذات الطبيعة الترفيهية، وانعكاسات سمات المنصة الاتصالية على القضايا السياسية، خاصة تلك التي تعبِّر عن علاقة صراعية بين طرفين من خلفيات أيديولوجية مختلفة.

ويتبنى البحث المنهجية المزدوجة للتحليل الكمي والكيفي في إطار تكاملي باستخدام آلية تصميم البحث المختلط (Mixed Method Research) كما طرحها جون كريسويل (John W. Creswell)، واعتماد المقاربة الاشتراوسية (Straussian Approach) من النظرية التأصيلية (Grounded Theory)، والتي تتضمن أربع مراحل للتعامل مع البيانات، وتشمل: التكويد، وبناء المفاهيم، وتمييز الفئات، وتوليد الأنماط. كما يستعين البحث بأدوات التحليل الكمي لاستخراج بعض المؤشرات الموضوعية حول التكرارات ونسب توظيف النصوص والصور والوسوم والرموز التعبيرية في مقاطع الفيديو المنشورة حول الموضوع على منصة تيك توك خلال الفترة الممتدة من سبتمبر/أيلول 2021 إلى ديسمبر/كانون الأول 2022. وقد استخدم البحث وسم (#hinduandmuslim) لتحديد المقاطع التي جاءت متشابكة مع وسوم أخرى.

  1. مدخل نظري

يستند تحليل العلاقة بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب الأيديولوجي من حيث الأدوات والأهداف إلى المنطلقات التي يستند إليها صانع المحتوى في صياغة رسالته الاتصالية، وتمكينها شبكيًّا بتوظيف الأدوات المتاحة له عبر المنصة، وبما يراه محقِّقًا للأهداف التي من أجلها صنع رسالته. وتتمثَّل هذه المنطلقات في ركائز الاعتقاد الأيديولوجي التي استند إليها صانع المحتوى في تشكيل رسالته من حيث الموضوع والشكل والتفاعلية.

وعلى الرغم من أن نظرية المنطلق (Standpoint Theory) تُعد مدخلًا لمعالجة السرديات الأنثوية التي تختلف باختلاف مكانة المرأة في المجتمع وفهمها لطبيعة دورها، ومساحة التمكين المسموحة لها من قِبَل مراكز القوة والنفوذ داخل المجتمع(1)، إلا أن هذا الإطار النظري يمكن استخدامه أيضًا لتحليل سرديات الناشطين المسلمين والهندوس على منصة تيك توك، أو ما يُعرفون بـ”التكتوكرز” (Tiktokers)، لتحليل المنطلقات الأيديولوجية التي يستند إليها كل طرف في جدلية النفوذ والقوة والأحقية في الوجود.

آليات المنصة وتحيزاتها المحتملة

في عام 2016، أنشأت شركة “بايت دانس” الصينية تطبيقًا للتواصل الاجتماعي لمشاركة الفيديو يدعى “دوين” (Douyin)، وأُطلق على النسخة الدولية منه “تيك توك” عندما طُرح عام 2017. وبحلول نهاية مايو/أيار من العام نفسه كانت تلك الخدمة تملك أكثر من 200 مليون مستخدم. وفي أغسطس/آب 2018، اندمج التطبيق مع خدمة “ميوزيكلي” (Musical.ly) لإنشاء مجتمع فيديو أكبر مع دمج الحسابات والبيانات في تطبيق واحد يحمل اسم “تيك توك”. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وبعد مرور عدة شهور على تدابير الإغلاق بسبب كوفيد-19، تجاوزت تنزيلات التطبيق المليارين في جميع أنحاء العالم(2). وهو يمتلك شهرة استثنائية في شرق آسيا وجنوبها، وقد تعرض للحظر أكثر من مرة في الهند وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا بدعوى إخلاله بسيادة الدولة وسلامتها وانتهاكه للأخلاقيات وأمن الدولة ونظامها العام.

توظف تيك توك خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل اهتمامات المستخدمين ومعالجة تفضيلاتهم بناء على مقاطع الفيديو التي تعجبهم. ويوفر التطبيق صفحة “من أجلك” (For you page) التي تجمع خلاصة المقاطع الموصى بها من جانب المستخدمين. وتتيح ميزة “الدويتو” للمستخدم إضافة الفيديو الخاص به إلى جانب فيديو آخر بمحتوى الصوت الأصلي. ويحظر التطبيق إنكار الهولوكوست، إلا أن العديد من نظريات اليمين المتطرف في أنحاء العالم منتشرة على التطبيق، ومن أشهرها نظريتا “بيتزا غيت” و”كيو أنون” في الولايات المتحدة الأميركية(3). وأكد بعض الدراسات أن المستخدمين يعتبرون تيك توك وسيلة ترفيهية في المقام الأول، وإن لجأ بعض الشركات لاستخدامه في أغراض أخرى، مثل التسويق أو التثقيف. وعلى الرغم من حداثة التطبيق بشكل عام، إلا أن تحميله شهد طفرة بعد تدابير الإغلاق بسبب كوفيد-19، في مارس/آذار 2020، في كثير من دول العالم(4). وأشارت أبحاث أخرى إلى أن دوافع استخدام تيك توك من قِبَل المراهقين تتمثَّل في الهروب من الواقع والبحث عن الشهرة(5)، علاوة على أن ارتفاع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها المراهق تزيد من احتمالية استخدامه لمنصة تيك توك.

وقارنت دراسة بين تأثيرات تيك توك وتطبيقات الفيديو القصير الأخرى، مثل “فيجو” (Vigo)، و”لايكي” (Likee) و”لوليتا” (Lolita)، وأكدت النتائجَ التي توصلت إليها الدراسات السابقة؛ حيث بيَّنت أن الهدف الأول من استخدام هذا النوع من التطبيقات هو التسلية والترفيه، وشغل أوقات الفراغ، خاصة أثناء فترات الإغلاق بسبب وباء كوفيد-19(6). وحددت الدراسة بعض إيجابيات هذه المنصات، مثل: الكشف عن المواهب، والربح والتسويق، والحملات الإعلانية، والشراكات التوعوية، وتوثيق اللحظات المهمة، والبث المباشر للأخبار الساخنة، وتكوين فضاءات اجتماعية وثقافية رحبة، إلى جانب تطوير أدوات التواصل الاجتماعي بين المؤسسات الإعلامية وجماهيرها. غير أن هناك سلبيات مختلفة لهذه التطبيقات رصدتها تلك الدراسات، مثل: إدمان الإنترنت، والانحراف الأخلاقي، والعزلة، والمخاطر الأمنية الناجمة عن استغلال هذه المنصات من قِبَل التنظيمات الإرهابية(7)(8).

واهتمت دراسة أخرى بالعلاقة بين الاستخدام المطرد لتطبيق تيك توك في مصر والسلوك غير المعياري، الذي تحدَّث عنه الفيلسوف، إيميل دوركايم (Émile Durkheim)، وهو ينتشر في أوقات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، حيث يخرج الناس على الأعراف المقبولة اجتماعيًّا ويتبنَّون سلوكيات انحرافية قد توصف بالمشينة(9). وأشارت نتائج الدراسة إلى أن المحتوى الذي تعرضه الفتيات على تيك توك يتسم في معظمه بـ”التفاهة” لما يشتمل عليه من إشارات بذيئة وألفاظ نابية. وفي المقابل، أكدت نتائج دراسة أخرى أن أكثر الفيديوهات تفضيلًا لدى فئة الشباب من مستخدمي تيك توك تشمل النوع الخبري ثم الساخر، ويعتبرون مضمونهما إيجابيًّا بشكل عام يتيح الفرصة للتعرف على سلبيات الواقع، والاطلاع على تنوع الأفكار والآراء(10).

ورصدت دراسة استخدامات تيك توك في المملكة العربية السعودية(11)، ولاحظت أن الشباب السعودي يستخدم التطبيق بدرجة متوسطة، وإن كانت نسبة الإناث أكبر من الذكور مع تفضيلهن للأسماء المستعارة والصور التعبيرية لحساباتهن. ويُستخدَم التطبيق بشكل عام للتواصل في دوائر خارج إطار القرابة والزمالة. وأكدت النتائج وجود علاقة طردية قوية بين كثافة استخدام التطبيق وتحقق أشكال مختلفة لعلاقات رأس المال الاجتماعي التواصلية والترابطية والعابرة، وأن هناك الكثير من المتغيرات النفسية والاجتماعية التي تزيد من قوة العلاقة بين هذين المتغيرين. وفي الأردن، رصدت دراسة استخدام الشباب الجامعي لتطبيق تيك توك وتأثيره المحتمل على القيم الدينية لديهم(12). وكشفت النتائج أن 50% من الشباب يستخدمون التطبيق، ويرون أنه ينتهك قيم الحياء والالتزام بالزي الشرعي، كما يسهِّل ارتكاب المعاصي. ورغم ذلك أكد أفراد العينة فائدته في نشر قيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقارنت دراسة بين طبيعة استخدام صحيفتي “واشنطن بوست” و”صدى البلد” لمنصة تيك توك من حيث توظيف أنماط التفاعلية والسمات الشكلية والموضوعية للمحتوى الإعلامي، ولاحظت تعدد أنماط التوظيف الشكلي والموضوعي والتفاعلي للمنصة في “واشنطن بوست” مقابل تقليدية استخدام “صدى البلد” للمنصة ومحدودية الاستفادة من إمكاناتها في تقديم المحتوى الإعلامي(13).

منصة تيك توك: مساحة استقطاب أيديولوجي

يهتم هذا الجزء بعرض الدراسات التي تناولت منصة تيك توك باعتبارها أداة يمكن توظيفها لخدمة أهداف فكرية وأيديولوجية، وما قد يترتب عنها من تعزيز حالة الاستقطاب التي يعيشها العالم الآن، وتغذيها سياسات وإستراتيجيات قوى دولية وإقليمية.

فقد أوردت دراسة أمارناث أماراسينغام (Amarnath Amarasingam) وآخرين(14) سردًا تاريخيًّا لخطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين في الهند من خلال التعريف بحركة “هندوتفا” (Hindutva). ورصدت ثلاث حالات جرى خلالها نشر خطاب الكراهية والخوف من الإسلام على شبكات التواصل الاجتماعي في الهند. تمثَّلت الحالة الأولى في تمرد دلهي، وتجسدت الثانية في مؤامرة “جهاد الحب”، أما الحالة الثالثة فقد عبَّرت عنها المعلومات المغلوطة ضد المسلمين ومسؤوليتهم عن نشر وباء كوفيد-19؛ حيث يصف القوميون الهنود الأقلية المسلمة بـ”الخطيرة وغير موثوق فيها”.

واختبرت دراسة شيلي بوليان (Shelley Boulianne) وسانغون لي (Sangwon Lee)(15) الدور المحتمل لمنصات الفيديو القصير، مثل “تيك توك” و”تويتش”، في نشر المحتوى المرتبط بنظرية المؤامرة، وتأثير ذلك في تعاظم المعلومات المغلوطة والكاذبة بين مستخدمي هذه المنصات. وأظهرت نتائج الدراسة أن الاستمالات المستخدمة لحشد أنصار التوجه اليميني نحو القيام بتظاهرة أو فعل سياسي ما، تختلف عن تلك المستخدمة لحشد أنصار التوجه اليساري نحو القيام بالفعل أو النشاط السياسي نفسه. وخلصت الدراسة إلى أن اليمينيين أكثر استجابة من غيرهم في التأثر بنداءات الاحتشاد الموجهة عبر هذه التطبيقات. ووجدت علاقة ارتباطية طردية بين إيمان المستخدمين بنظرية المؤامرة وبين احتمالية مشاركتهم في الأنشطة الاحتجاجية في الواقع.

واهتمت دراسة ساهانا أودوبا (Sahana Udupa)(16) بالكيفية التي تُوظَّف بها الفكاهة في خطاب اليمين المتطرف، ودور الدعابة في السرديات القومية وتأثيرها في دعم المحتوى الأيديولوجي على تيك توك باعتبارها منصة ترفيهية بالدرجة الأولى كما أكدت دراسات سابقة. وعرض البحث العديد من النماذج الساخرة التي نُشِرت بغرض الاستهزاء بوجهات النظر الداعية إلى السلام والتعايش بين المعتقدات المختلفة كردِّ أحد المتابعين على فتاة هندية ترفع لافتة تقول فيها: “إن باكستان لم تقتل والدها، ولكن الحرب هي من فعل ذلك”، ليقول لها: “وكذلك هتلر لم يقتل اليهود، بل الغاز من فعل ذلك، كما أن تنظيم القاعدة لم يقتل الأبرياء، ولكن القنابل من فعلت ذلك”. ويؤدي هذا النوع من خلط الفكاهة بالرأي إلى صرف انتباه المستخدمين عن المعنى المقصود من الرسائل الجادة، وتحويلها إلى مجال للسخرية تؤكد على حتمية الصراع والمواجهة. وتشير نتائج الدراسة إلى وجود أدلة على أن استخدام الفكاهة يُعد إستراتيجية لجذب واستمالة الجمهور لخطاب اليمين المتطرف في أنحاء متفرقة من العالم.

وألقت دراسة ميغا ميشرا (Megha Mishra) وآخرين(17) الضوء على التوظيف السياسي لتيك توك واستخدامه فضاء سيبرانيًّا للمواجهة بين الصين والهند. وقامت بتحليل 6388 تغريدة على تويتر حول الخطاب القومي المتشدد الذي استخدمه النشطاء الهنود موجهين نداءات قوية للحكومة الهندية لحظر تيك توك لما يمثِّله من تهديد سيادي للدولة. وقدمت الدراسة ثلاثة أنماط لخطاب تيك توك، يرتبط النمط الأول بالقلق من التأثيرات الاجتماعية للمنصة على المجتمع الهندي، والنمط الثاني يتعلق بالمناقشات ذات الصلة بالتأثيرات الثقافية لتيك توك ويوتيوب، أما النمط الثالث من الخطاب فيرتبط بالنداءات المتكررة لاتخاذ خطوات وطنية جادة لمقاطعة وحظر تيك توك وغيره من التطبيقات الصينية التي تغزو المجتمع الهندي.

ورصدت دراسة جاستين غراندينتي (Justin Grandinetti) وجيفري بروينسما (Jeffrey Bruinsma)(18) التأثير المحتمل للخوارزميات العاطفية المرتبطة بالنظرية التآمرية على تطبيق تيك توك من خلال دراسة إثنوغرافية استقصائية للفيديوهات التي تحتوي على معلومات مغلوطة أو كاذبة، ودور الخوارزميات في هندسة تفضيلات المستخدمين، وتأثيرها في شخصنة اختياراتهم لمشاهدة الفيديوهات المرتبطة بفكرة المؤامرة. واستخدمت الدراسة وسم (#المؤامرة) للبحث عن المقاطع ذات الصلة، وتوصلت إلى عدة نتائج منها أن المحتوى التآمري في منصة تيك توك يتخذ أشكالًا عديدة تتراوح بين “شديد الغرابة”، مثل الادعاء بأن الإنترنت لم يتم اختراعها بل كانت موجودة بالفعل وما تم فقط هو اكتشافها، و”شديد الخطورة والغزير”، مثل موضوع تزييف أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020، ودور الدولة العميقة في ذلك، وكذلك المحتوى الذي ينتقد نظريات المؤامرة المرتبطة بانتشار وباء كوفيد-19. وتشير الدراسة إلى أن أي محتوى يتفاعل معه المستخدمون يتضمن خوارزميات يتم تشكيلها بناء على أنماط استخدامه وتفاعله، كما تحدد في الوقت ذاته ما يحتمل أن يشاهده وما لا يشاهده في المستقبل. وتؤكد نتائج البحث ضرورة عدم الاستسلام لسرديات الحتمية التي تفترض أن شبكات التواصل الاجتماعي تسببت في ظاهرة المعلومات المزيفة والأخبار الكاذبة، لأن اللحظة الراهنة نتاج لعقود طويلة ممتدة من السياسات والمسارات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية التي أفرزتها.

وعرضت دراسة دانييلا جارميللو دنت (Daniela Jaramillo-Dent) وآخرين(19) نماذج مختلفة لتمثيلات المهاجرين على تيك توك، وكيف يستخدم هؤلاء المنصة لاستعراض انتماءاتهم بما يتواءم مع تطلعاتهم. وتشرح الدراسة كيف أتاحت الفيديوهات القصيرة تأسيس انتماءات سيبرانية للمهاجرين للمطالبة بحقوقهم وتحقيق مستويات مختلفة من الوجود المرئي من خلال هذه التطبيقات. ومزجت الدراسة بين منهجي تحليل المضمون وتحليل الخطاب لعينة من الفيديوهات بلغ عددها 198 مقطع فيديو تندرج تحت الوسوم ذات الصلة بالموضوع (تمثيلات المهاجرين)، تم الوصول إليها باستخدام أداة “بايثون سكريبت” (Python Script)؛ حيث جرى تحليل المحتوى المرئي للمهاجرين من أميركا اللاتينية في كل من إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية. وساعد تيك توك المهاجرين على التعبير عن تطلعاتهم الوجودية لأن يكونوا جزءًا من مجتمعات مغايرة ذات خصائص قومية وثقافية واقتصادية لها وجودها الرقمي على شبكة الإنترنت. وخلصت الدراسة إلى أن تيك توك يمثِّل السياق الرقمي الأكثر ملاءمة لمعرفة وقياس الفرص المتاحة أمام الجماعات الأقل تمثيلًا في المجتمع من خلال ما يجسدونه من تعبيرات لفظية وحركية وغرافيكية.

واستكشفت دراسة لورا سيرفي (Laura Cervi) وكارلس مارين لادو (Carles Marín-Lladó)(20) ما تفعله الهيئات السياسية في إسبانيا بمنصة تيك توك؛ إذ ترى هذه الأحزاب أن استخدام شبكات التواصل يُعد فرصة مواتية للتواصل بين الهيئات السياسية والشباب؛ مما جعل التطبيق جزءًا مهمًّا من الإستراتيجية الاتصالية للأحزاب السياسية. وأظهرت النتائج أن الأحزاب تختلف فيما بينها في التوظيف المستمر والمنتظم للتطبيق، وكذلك تختلف في توظيف أدواته وإمكانياته، وأن أحزابًا، مثل “بوديموس” و”سيوطادانس”، تُعد الأكثر اهتمامًا بالتواصل مع مستخدمي التطبيق عن غيرها من الأحزاب السياسية في إسبانيا.

وأظهرت دراسة كريستل عابدين (Crystal Abidin)(21) خريطة المشاهير على تيك توك من خلال استطلاع اقتصاد الانتباه وعلاقته بالكدح المرئي؛ حيث يعتبر نشاط المستخدمين التطوعي على تيك توك نوعًا من الكدح الذي يتم استغلاله من جهات أخرى لتحقيق كسب مادي. واستخدمت الدراسة منهجية الإثنوغرافيا الرقمية المتعمقة، بالإضافة إلى أداة الملاحظة بالمشاركة التقليدية لجمع المعلومات عن المشاهير والشخصيات المؤثرة على تيك توك. واهتمت دراسة أخرى أعدَّها بوميك شاه (Bhumik Shah) وآخرون(22) بمعرفة مدركات الجمهور في جنوب الهند واتجاهاتهم نحو تطبيق تيك توك، سواء كانوا مستخدمين له أو غير مستخدمين. وأظهرت نتائج المسح لعينة بلغ عددها 583 من طلاب الجامعات أن 60% من المشاركين يعتقدون أن التطبيق ترفيهي في المقام الأول، و54% يرونه مناسبًا لحفز الهمم ومعرفة صورة الذات، في الوقت الذي اعتبره نحو 2% من المشاركين أداة توعوية وتعليمية مناسبة.

واهتمت دراسة ناتلي غينيز كابريرا (Nataly Guiñez-Cabrera) وكاترين مانيسلا أوباندو (Katherine Mansilla-Obando)(23) بالدور التثقيفي الذي يمكن أن يلعبه تيك توك من خلال إنتاج ومشاركة المحتوى عن الكتب بين المستخدمين الذين يسمون في هذه الحالة بـ”البوكتوكرز” (Booktokers). واعتمدت الدراسة أداة المقابلات شبه المقننة مع ثلاث عشرة شخصية من “البوكتوكرز” من أميركا اللاتينية، واستخدمت التحليل الفئوي الموضوعي لتفسير النتائج وفقًا للنظرية الموحدة لقبول التكنولوجيا واستخدامها. ووضعت الباحثتان بعض الفئات لتحليل النتائج مثل: دافع المتعة، والعادة، والقيمة المدفوعة، والأداء المتوقع، والجهد المتوقع، والتأثير الاجتماعي، والظروف المواتية.

ولفتت دراسة أندرياس شيلفالد (Andreas Schellewald)(24) النظر إلى وجود أنماط اتصالية جديدة يقدمها المستخدمون على تيك توك، وتحتاج إلى دراسات مستقبلية متعمقة. وحاولت الدراسة تلمس بعض هذه الأنماط باستخدام منهجية الإثنوغرافيا الرقمية والتي ترى أنها لا تزال غير كافية لفهم الظاهرة.

  1. أنماط العلاقة بين المسلمين والهندوس وتمثلاتها في سياق حالة الاستقطاب الأيديولوجي

أظهرت نتائج البحث العديد من المؤشرات التي يمكن أن تتشكَّل من خلالها أنماط تفاعل مستخدمي تيك توك خلال فترة الدراسة (سبتمبر/أيلول 2021- ديسمبر/كانون الأول 2022) مع قضية الاستقطاب الأيديولوجي الهندوسي-الإسلامي، وذلك عبر عدة محاور تمثِّل الأفكار أو المنطلقات التي دارت حولها مقاطع الفيديو. وتشمل أفكار التعايش وغيرها من الأطروحات الداعمة للحوار والتفاهم، في مقابل الأفكار التي تعبِّر عن الصدام والصراع والاضطهاد وغيرها من الأطروحات الداعمة للاستقطاب، والمنطق الداعي لإعمال العقل والتفكير المستند إلى الحقائق التاريخية والمعلومات الموثقة.

وقد كشفت نتائج الدراسة أن معظم مقاطع الفيديو نشرت عام 2022 بنسبة 83% مقابل 17% عام 2021، وربما يعود ذلك إلى أن أحداث ليستر في بريطانيا، التي عرفت توترًا بين المسلمين والهندوس مع تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الهند، بدأت في الربع الأخير من عام 2021. كما أن غالبية المستخدمين الذين تفاعلوا مع القضية محلَّ الدراسة هم في العشرينات من عمرهم بنسبة 32%، تليهم فئة المراهقين بنسبة 19%، ثم فئة الشباب في عمر الثلاثينات بنسبة 13%. وجاءت فئة كبار السن فوق الخمسين الأقل نشرًا بنسبة 3%.

وأظهرت النتائج أيضًا أن الذكور هم الأكثر نشرًا لمقاطع الفيديو حول القضية بنسبة 37%، يليهم الإناث بنسبة 19%. أما الفيديوهات التي شارك في إنتاجها مجموعة من الرجال فبلغت نسبتها 16%، والفيديوهات التي شارك فيها رجل وامرأة بلغت نسبتها 10%. بينما الفيديوهات التي شارك في إنتاجها مجموعة من النساء فكانت الأقل بنسبة 4%.

2.1. الأفكار المحورية والمنطلقات المؤسسة لمحتوى الفيديوهات

استندت مقاطع الفيديو إلى ثلاثة منطلقات فكرية؛ يعبِّر أولها عن أفكار التعايش والحوار والسلام والوحدة والحب والصداقة والزواج والشرح والتفسير، وتمثِّل في مجملها سمات الأيديولوجيا التي تنبذ الاستقطاب، وينبني المنطلق الثاني على أفكار الصراع والصدام والتهديد والاضطهاد والتحريض وخطاب الكراهية والاضطراب والتشويش الفكري، وتمثِّل في مجملها سمات الأيديولوجيا الداعمة للاستقطاب. أما المنطلق الثالث فيستند إلى الأفكار المعرفية، سواء من خلال الحقائق التاريخية أو الدعوة للعقيدة بالحكمة.

شكل 1: توزيع نسب الأفكار والمنطلقات الداعمة للاستقطاب والرافضة له

أولًا: نماذج المحتوى المعبِّر عن المنطلق التعايشي (الرافض للاستقطاب)

عرض مستخدمو تيك توك المهتمون بقضية الصراع وحالة التوتر بين المسلمين والهندوس، عددًا من الموضوعات التي تضمنت أفكار التعايش، وقيم الحوار والسلام، والوحدة والتفاهم والاحترام، والصداقة، والحب والزواج. وتجسدت هذه الموضوعات في: التقدير والاحترام المتبادل بين الزوج المسلم والزوجة الهندوسية لمعتقدات بعضهما البعض، وإدانة ممثلي المسلمين والهندوس في ليستر بالمملكة المتحدة لأعمال العنف التي يقوم بها بعض الشباب في المدينة، وتأكيد وحدتهم والعيش بسلام. كما تشمل هذه الموضوعات الدعوة لاحترام جميع الأديان، وقصص الحب المتكررة بين الفتيات المسلمات والشباب الهندوس، وبين الفتيات الهندوسيات والشباب المسلم.

وتُبرز عينة البحث بُعدًا إيجابيًّا في العلاقة بين المسلمين والهندوس؛ حيث يتحدث أحد الناشطين السيخ عن المسلمين والهندوس إيجابيًّا: “نحن جميعًا بشر منَّا الجيد والرديء. فليس كل السيخ جيدين وليس كل المسلمين أو الهندوس أشرارًا”. ويؤكد أن الخوف من الإسلام يؤدي إلى العنف كما هي الحال في الخوف من الهندوسية. لذلك فإن ما يجب فعله هو نشر الوعي بهذه المخاطر بكل الطرق الممكنة.

ولإرساء فكرة التعايش والحوار، يدعو بعض الفيديوهات إلى الحب الذي يجمع بين الهندوس والمسلمين بغضِّ النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية أو الطائفية ردًّا على من يرى أن المسلمين سيساعدون الإنجليز على مهاجمة الهندوس. كما أن على الأخيار من الهندوس إدانة الأفكار السيئة التي ترى أن السيخ والمسلمين لديهم العقلية الطالبانية. لذلك، فإن المسلمين والهندوس مطالبون بالاستماع لبعضهم البعض وألا ينساقوا لدعوات الكراهية وخطاب العنف على صفحات التواصل الاجتماعي.

وتناقش بعض الفيديوهات دور منظمة “التطوع الهندية الوطنية” المعروفة اختصارًا بـ(RSS) في تشويه سمعة “الهندوسية” كما شوَّه تنظيم “الدولة الإسلامية” وطالبان سمعة الإسلام. وترفض معاملة جميع الهندوس باعتبارهم أعضاء في منظمة التطوع الهندية الوطنية كما ترفض معاملة جميع المسلمين باعتبارهم أعضاء في تنظيم الدولة، فقد عاش الهندوس لعقود بسلام في المملكة المتحدة مع بقية الأديان. لذلك فإن دائرة العنف والكراهية لن تتوقف إذا بدأت، وهو ما جعل بعض النشطاء يدعو إلى وقف الصراع والتوتر بين المسلمين والهندوس، وتعزيز التعايش بين الأجيال المقبلة، خاصة الأطفال لكي يعيشوا حياتهم مع من يريدون من الشركاء أيًّا كانت معتقداتهم.

ثانيًا: نماذج المحتوى المعبِّر عن المنطلق الإقصائي (الداعم للاستقطاب)

في مقابل النماذج السابقة لمنطلقات التعايش والحوار والسلام، عرض مستخدمو تيك توك من المهتمين بقضية الصراع الإسلامي-الهندوسي موضوعات تعبِّر عن التحريض وخطاب الكراهية والاضطهاد وقيم الصراع والتفوق العنصري. وتُظهِر معظم الفيديوهات المتطرفين الهندوس وهم يهاجمون المسلمين ويخربون المساجد، بينما تحمي الشرطة البريطانية المسلمين أثناء الصلاة. كما تُبرِز فيديوهات أخرى استهداف الهندوس من قِبَل المسلمين. ويظهر في فيديو آخر أحد الناشطين المسلمين وهو يسخر من الهندوس الذين يروجون لأنفسهم باعتبارهم نباتيين ولاعبي كريكيت مسالمين، في الوقت الذي يشهرون فيه السلاح ضد المسلمين في ليستر ويرتكبون أعمال عنف ضدهم.

وتُبرِز بعض الفيديوهات حالة الاستقطاب الأيديولوجي بين الهندوس والمسلمين من خلال التركيز على سوء معاملة الهند للمسلمين؛ إذ تعد ثالث دولة في العالم من حيث عدد المسلمين الذين يبلغون 200 مليون نسمة ورغم ذلك تعاملهم بقسوة وتمنع النساء من ارتداء الحجاب، وتطرد المسلمين من منازلهم وتتحرش بهم وتعذبهم في ولاية آسام، وتجردهم من حقوقهم كمواطنين، كما أن المعلمين والطلاب الهندوس يهاجمون إحدى الطالبات ويمنعونها من دخول المدرسة حتى تخلع حجابها. وتشرح فتاتان أشكال التمييز والتعسف الواضح من السلطات الهندية والقضاء ضد المسلمين وضد حقوقهم الأساسية في التعليم واختيار الزي المناسب للمسلمات. وتُظهِر بعض الفيديوهات نصوصًا مكتوبة تحرِّض الهندوس على الاعتداء على المسلمين. وهو ما يعتبره منتجو هذا المحتوى خطوة نحو تحويل الهند أرضًا للهندوس فقط. لذلك يدعو هؤلاء إلى مقاطعة المنتجات الهندية، لأن الهنود يمتهنون الإسلام ورسول الإسلام، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.

ويرى بعض منتجي هذا الخطاب أن مشكلة المسلمين في الهند كبيرة جدًّا ولا يتحدث عنها أحد بالشكل الكافي. ويلفت هؤلاء الانتباه إلى الاهتمام الذي تحظى به القضية الفلسطينية والشأن السوري، بينما يتجاهل الإعلام مشكلة المسلمين في الهند والذين يبلغ عددهم 200 مليون نسمة ويعانون من الاضطهاد.

ويحاول بعض النشطاء المنتجين للفيديوهات، في إطار هذا الصراع الإسلامي-الهندوسي، أن يعزز رأيه وحججه بما تنشره بعض الصحف الأميركية التي تحدثت عما تفعله أغلبية الهندوس في الهند عبر إجبار الأقليات المسيحية على تغيير دينها، وتبني سياسة التطهير العرقي بحق المسلمين، ويقول أحد الشهود: إن الهندوس المتطرفين خرجوا جماعات يهددون المسلمين بالطرد من البلاد إذا لم يهتفوا باسم إله الهندوس. وفي تعليق لأحد الخبراء يقول: إن ما يحدث في الهند لم يسبق له مثيل منذ الاستقلال وهذا أكبر تهديد لديمقراطية الهند وعلمانيتها.

ثالثًا: نماذج المحتوى المعبِّر عن المنطلق المعرفي (الداعي لإعمال الفكر)

بالموازاة مع المنطلقيْن السابقين الداعمين لحالتي الاستقطاب والتعايش، اهتم بعض مستخدمي تيك توك بعرض القضية من خلال محتوى متوازن يستهدف إعمال العقل في الحقائق التاريخية والمعلومات ذات الصلة بالقضية لتكوين رأي مستقل بعيدًا عن حالة الاستقطاب السائدة بين المسلمين والهندوس. وتقدم عينة البحث فيديوهات تدعو إلى تفعيل أسلوب الدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ومخاطبة العقل من خلال المقابلة بين الاقتناع بعبادة الله الواحد وعبادة مئة إله. ويحاول هذا الخطاب العقلاني الإجابة عن بعض الأسئلة التي يطرحها كثيرون حول: لماذا يستطيع الرجل المسلم أن يتزوج من يهودية أو مسيحية بينما لا تستطيع المرأة المسلمة أن تتزوج من رجل غير مسلم؟ والجواب، بحسب هذا الخطاب، أن الزواج ليس مجرد علاقة، ولكنه مؤسسة قانونية يُبنى عليها انتماءات الأطفال الدينية في المستقبل، ومن المحتمل أن يستخدم الأب سلطته في تحويل الأبناء إلى دينه ولا تستطيع الأم مواجهة ذلك.

ويحاول بعض النشطاء أن يقدم تبريرًا لاعتماد المسلمين والهندوس أكثر على الرموز للتعبير عن عبادتهم لله؛ فالمسلم يرتدي أشياء أو يحملها لاعتقاده أنها تحميه، وكذلك يفعل الهندوس.

ويتساءل أحد المواطنين الهندوس، في إطار الدعوة إلى إعمال العقل والفكر: ألا يشعر الهندوس والمسلمون بالحرج من الاضطرابات التي تحدث بسبب اختلافاتهم العقائدية؟ وهل الدين يمكن أن يجعل الإنسان متطرفًا؟ هناك العديد من الأشياء التي يمكن للهنود والباكستانيين أن يفخروا بها بدلًا من الدعوة لتطهير الهند من المسلمين ونقل أصداء تلك الأحداث إلى بريطانيا “نحن نعيش في بريطانيا في مجتمع متعدد الأعراق”، أما فكر التفريق بين الأديان والجنسيات هو حيلة استعمارية يستخدمها المحتلون للسيطرة وإضعاف الصف، “وعلينا أن نفكر لماذا تتم إثارة هذه الموضوعات الآن؟”.

2.2. التفاعل مع المحتوى بالإعجاب والتعليق والمشاركة  

استنادًا للفئات التي حددتها الباحثة، فإن 30% من الفيديوهات لاقت إعجابًا يتراوح بين “ألف وخمسة آلاف” مرة، ولاقت 22% من الفيديوهات إعجابًا يتراوح بين “10 آلاف و50 ألف” مرة، بينما لاقت نسبة ضئيلة فقط إعجابًا بـ”أكثر من مئة ألف مرة”، كما يوضح الشكل رقم (2). وقد لاقت جميع الأفكار تقريبًا إعجابًا بـ”أقل من ألف مرة”، ولكن التكرارات الأكبر كانت لصالح فكرتي التعايش والصراع. أما الأفكار التي لاقت إعجابًا فائقًا فترتبط بمشاهد الاضطهاد والصراع. وحظيت الأفكار الخاصة بالحب والزواج والصداقة، أو المرتبطة بالمحتوى المعرفي الشارح، بدرجة متوسطة من الإعجاب.

شكل (2): توزيع نسب إعجاب المستخدمين بموضوعات الاستقطاب

 

أما التعليقات فجاءت بشكل عام أقل بكثير من الإعجاب كما ورد في الشكل رقم (3)؛ إذ وردت التعليقات بمعدل “أقل من ألف” بنسبة 67%، أما التعليقات “بين الألف والخمسة آلاف” فجاءت بنسبة 25%، ولم تتجاوز نسبة التعليقات التي بلغ عددها “أكثر من خمسة آلاف” 1%. وانحصرت أكثر الموضوعات التي بلغت التعليقات عليها “أقل من الألف” في التعايش، والمعلومات الشارحة، إضافة إلى موضوعات الحب والصداقة، والزواج، والاضطهاد، والصراع. ولاحظت الباحثة أن نسبة 6% تقريبًا من مجموع العينة لم يتم التعليق عليها مطلقًا، بينما أكثر الموضوعات التي لاقت تعليقات “تجاوزت عشرة آلاف” تمثلت في الصراع.

شكل (3): توزيع نسب اهتمام المستخدمين بالتعليق على موضوعات الاستقطاب

وجاء اهتمام المستخدمين بمشاركة المحتوى محل القضية المدروسة الأقل بين أنشطة التفاعل بشكل عام كما يبيِّن الشكل رقم (4)، حيث بلغت نسبة المشاركات “الأقل من مئة” حوالي 35%، وما “بين مئة وخمسمئة” مشاركة للمحتوى كانت بنسبة 20%، وما “فوق الخمسمئة إلى الألف” 10%، وما “فوق الألف” مشاركة جاءت بنسبة 12%. بينما بلغت نسبة المحتوى الذي لم تتم مشاركته حوالي 23%. لكن معظم الموضوعات تمت مشاركتها أقل من مئة مرة. أما موضوعات الحب والصداقة والمعلومات الشارحة فكانت الأكثر مشاركة “بين خمسمئة وألف مرة”. وحظيت موضوعات الاضطهاد والصراع بأعلى نسبة مشاركات بين أفراد العينة فاقت الألف مرة. ويلاحظ عدم وجود دالَّة معنوية للارتباط بين موضوعات الاستقطاب والأنشطة التفاعلية للمستخدمين على المحتوى المنشور عند مستوى دلالة (0.05> (p.

شكل (4): توزيع نسب اهتمام المستخدمين بمشاركة موضوعات الاستقطاب

 

 

2.3. أكثر الوسوم استخدامًا مع أفكار ومنطلقات محتوى الفيديوهات   

من أكثر الوسوم التي تداولها منتجو الفيديوهات في سياق حالة الاستقطاب بين المسلمين والهندوس برز وسم (#muslim) ثم وسم (#hindu)، وهما يمثلان معًا نسبة 30% من الوسوم المستخدمة في التعبير عن هذه الحالة على منصة تيك توك. ويليهما كل من وسم (#fyp)، وهو يشير لصفحة التفضيلات المُوصى بها من المستخدمين (For You Page)، بنسبته 11%، ثم وسم (#india) بنسبة 10%، ووسم (#islam) بنسبة 8%، ووسم (#hindumuslim) بنسبة 5%. وهو ما يعني أن ما نسبته 53% تقريبًا من مجموع الوسوم يتجه نحو التأكيد على حالة الاستقطاب الأيديولوجي بين المسلمين والهندوس على تيك توك. وقد يتناقض ذلك ظاهريًّا مع نسب المحتوى الموضوعي لمقاطع الفيديو والتي تتجه في غالبيتها نحو تأكيد السلام والتعايش والحوار. لكن يبدو واضحًا أن آلية استخدام الوسوم تدفع المستخدمين بتوجهاتهم المختلفة إلى تأكيد هوياتهم الذاتية بالإشارة إلى الوسوم الداعمة لها حتى وإن كان المحتوى المصاحب يدعم قيم التعايش والتفاهم وقبول الآخر.

شكل 5: الوسوم الأكثر تكرارًا في التوتر الهندوسي-الإسلامي

 

2.4. أهم الرموز التعبيرية المستخدمة في الفيديوهات

من أكثر الرموز التعبيرية استخدامًا في سياق حالة الاستقطاب بين المسلمين والهندوس كانت الرموز التي تعبِّر عن الحب والصداقة والزواج، مثل أيقونات ] [، وقد جاءت في سياق الحديث عن “الحب الممنوع بين الفتيات المسلمات والشبان الهندوس أو العكس”. كما جاء استخدام هذه الرموز في سياق التعبير عن الصداقة التي تجمع بين الفتيات أو الشباب من ديانات مختلفة. وورد الرمز المعبر عن الاحترام ] [ في سياق أفكار التعايش والحوار والتفاهم بين أتباع الديانات والعقائد المختلفة، ويتساوى معه في الاستخدام كل من الرموز الدالة على الهندوسية والتي تشمل ]  [ والرموز الدالة على الإسلام ] [ .

وجاء استخدام رمز البكاء] [ في سياق التعبير عن الاضطهاد اللفظي أو السلوكي ضد المسلمين داخل الهند وخارجها، وأيضًا في سياق التجارب العاطفية التي يجمع الحب فيها أتباع الديانات المختلفة وما يلاقونه من مقاومة اجتماعية نتيجة لهذه العلاقة المرفوضة. وقد استخدمت رموز أخرى، ولكن بنسب ضئيلة للغاية، مثل هذا الرمز ] [ الذي جاء في سياق التعبير عن عدم المساواة بين المواطنين الهنود المسلمين والهندوس. وورد هذا الرمز التعبيري ] [ في سياق حديث الداعية ذاكر نايك عن أن كلمة (Hindu) لا تعني هندوسي، ولكن تعني كل من وُلد على أرض شبه القارة الهندية، ومن ثم فالمسلمون ينطبق عليهم هذا الوصف، فهو ليس حكرًا على الهندوس. أما الرمز التعبيري ]  [ فجاء في سياق الاستغراب من جهل الكثيرين بأبسط المعلومات عن الهند التي تضم واحدة من أكبر الأقليات المسلمة عددًا، ومن ثم فلا مجال للاستغراب أن يحمل المواطن الجنسية الهندية ويدين بالإسلام. وجاء استخدام رمز المصافحة ]  [ في سياق التعبير عن أفكار التعايش والتفاهم الذي يجب أن يسود بديلًا عن الصدام والعنف الذي ترددت أصداؤه في أماكن متعددة في العالم مثل المملكة المتحدة (مظاهرات ليستر). وورد رمز الشرير ]  [ مصاحبًا لما يروجه البعض عن نسبة الهندوس المتحولين للإسلام التي تبلغ سنويًّا ما يقرب من 800 ألف، وهو ما يعني أن الهند مهددة ديمغرافيًّا بزيادة أعداد المسلمين بما يهدد هويتها الدينية من وجهة نظر اليمين المتطرف؛ الأمر الذي يبرر سياسات الحكومة لتهجير المسلمين والتضييق عليهم ودفعهم للهجرة خارج الهند.

وبلغت نسبة استخدام الرموز التعبيرية المصاحبة للمحتوى ما يقارب 27% فقط، أما المحتوى الذي لا تصاحبه أية رموز تعبيرية فبلغت نسبته حوالي 73%، ويكتفي منتجو الفيديوهات بالوسوم (الهاشتاغات) إلى جانب شرح موجز لفكرة المحتوى أو مجرد عنوان مختصر. ويوضح الرسم البياني رقم (6) العلاقة بين استخدام الرسوم التعبيرية والمحتوى الموضوعي للفيديوهات التي تعرض قضية الصراع الأيديولوجي الإسلامي-الهندوسي على منصة تيك توك.

شكل 6: توزيع نسب استخدام الرموز التعبيرية في الفيديوهات

 

2.5. السمات البصرية والموسيقية لمحتوى الفيديوهات

بتحليل العلاقة بين الأشكال (7 و8 و9) انطلاقًا مما تحتوي عليه من عناصر صوتية وتصويرية وموسيقية وطبيعة الأفكار التي تناولتها، يمكن استخلاص عدة ملاحظات:

– تمثل طريقة التصوير الداخلي لمقاطع الفيديو النسبة الأكبر بنسبة 42% في مقابل 34% للتصوير الخارجي و9% للتصوير باستخدام تقنية “الدويتو”. ووظَّف المستخدمون التصوير الداخلي في المقاطع التي تشرح المعلومات بنسبة 12%، وفي موضوعات الصداقة والحب والزواج بنسبة 8%، والتعايش 7%. بينما تم توظيف التصوير الخارجي في موضوعات الصراع والتحريض والاضطهاد بنسبة 8%، كما استُخدم تصوير الفيديو في موضوعات التحريض والدعوة للسلام بنسبة 8%.

شكل 7: توزيع نسب نوع التصوير في الفيديوهات

– استخدم معظم الفيديوهات الصوت الطبيعي لمنتج المحتوى في شرح الموضوع بنسبة 59%، مثل شرح المعلومات 16%، والتعايش 11%، والاضطهاد 9%، في مقابل الفيديوهات التي عرضت الموضوعات بشكل صامت بدون صوت بنسبة 28%، ومعظمها يتصل بموضوعات الصداقة والحب والزواج 10%، والتعايش 6%، والصراع 5%.  كما استخدم بعض المقاطع تقنية مزامنة الشفتين بنسبة 7% وكان معظمها في مقاطع الحب والصداقة والزواج.

شكل 8: توزيع نسب أنواع الموسيقى في الفيديوهات

– لم تستخدم معظم مقاطع الفيديو الموسيقى بنسبة 43%، لكنها وردت مع الموضوعات التي تشرح المعلومات أو الحقائق التاريخية أو تلك التي تتكلم عن التعايش والسلام بنسبة 18%. وتتساوى تقريبًا نسبة المقاطع التي استخدمت موسيقى هادئة أو أغنية هندية مصاحبة للموضوع بنسبة 20%، ووُظفت الأغاني الهندية مع موضوعات الحب والزواج والصداقة بشكل أساسي. واستُخدمت الموسيقى الهادئة في موضوعات التعايش والصراع. كما استُخدم النشيد الإسلامي باللغة العربية مع مقاطع الاضطهاد، أما الأغاني الأجنبية فاستخدمت مع موضوعات الحب والصداقة، وقد تساوت نسبتهما حيث بلغت 8% لكل منهما. وهناك دالة معنوية لاستخدام نوع معين من الموسيقى (0.01) أو شكل معين لتوظيف الصوت (0.03) مع أحد الموضوعات الداعمة للاستقطاب أو الرافضة له. بينما لم تثبت دالة معنوية لاستخدام نوع معين من التصوير مع موضوعات الاستقطاب الأيديولوجي سلبيًّا أو إيجابيًّا.

شكل 9: توزيع نسب أنواع الأصوات في محتوى الفيديوهات

 

2.6. حجم المحتوى الداعم للاستقطاب والرافض له

من خلال مقارنة مجموع ما نُشر من محتوى الفيديوهات، سواء الأفكار الداعمة للاستقطاب أو الرافضة له، يُلاحظ أن نسبة حضور الأفكار التي تنبذ الاستقطاب وتدعو إلى التعايش والحوار والسلام أكبر (55%) من حضور الأفكار التي تدعم الاستقطاب وتدعو إلى الصدام والصراع والتحريض وخطاب الكراهية (32%). كما يمكن النظر إلى المحتوى المتوازن الذي يستعرض المعارف الدينية من خلال الدعوة بالحكمة والحقائق التاريخية من مصادر موثوقة (13%) باعتباره محتوى يدعم العقلانية والدعوة إلى التفاهم والحوار أكثر من دعمه للاستقطاب.

شكل 10: توزيع نسب اتجاهات محتوى الفيديوهات نحو التوتر الهندوسي-الإسلامي

 

خلاصات 

– تعمل منصة تيك توك بآلية تشترك في سماتها مع بقية شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، من حيث طغيان تأثير العامل البصري اللافت للانتباه على العوامل الأخرى. ويتسم تيك توك بكونه منصة لتداول مقاطع الفيديو التي ينتجها مستخدمون هواة يتبارون فيما بينهم لجذب عدد أكبر من التفاعل والإعجاب. وكنتيجة لهذه المنافسة، يتجه المستخدمون لتغليب عوامل الجذب والإبهار البصري أكثر من إنتاج محتوى عميق يدعو لإعمال العقل والتفكير. ومثال على ذلك ما فعله أحد المستخدمين من تشويش بصري على فتاة تشجب الحروب وتدعو للسلام بدلًا من الصدام مع الآخرين باعتبارهم قتلة، واستخدم في عملية التشويش البصري نوعًا من الكوميكس الذي يدمج بين صور المشاهير وكلمات السخرية والاستهزاء، الأمر الذي حول الانتباه عن دعوة السلام والتعايش التي قدمتها الفتاة إلى مجرد سخرية جوفاء تدعو إلى التعصب، ولكنها حظيت بتفاعل ضخم لا يقارن بما نشرته الفتاة. ما يعني أن الآلية التي تعمل بها المنصة تجعل الزخم التفاعلي يتجه نحو عوامل الجذب البصري أكثر من المحتوى الداعي لإعمال العقل والتفكير.

– على الرغم من الجاذبية الهيكلية للمحتوى المصور على تيك توك، فإن نسبة المستخدمين الذين يحاولون توصيل معان عميقة وأفكار هادفة ومعلومات مفيدة، تدعو إلى التفاؤل. وهو ما جعل المحتوى الذي يدعو إلى التعايش والحوار والسلام أكبر من المحتوى العنصري والإقصائي الذي يدعم الاستقطاب. وما يعزز هذا التفاؤل هو أن الغالبية العظمى من المستخدمين الداعين إلى الصداقة والتعايش بين المسلمين والهندوس هم من الشباب صغير السن الطامح إلى إنهاء حالة الصراع والصدام بين الجانبين بكل الطرق الممكنة. بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من المقاطع التي تدعو إلى التعايش تحظى بالإعجاب والمشاركة، ويجتهد منتجوها في توظيف آليات المنصة لتأليف محتوى جذاب.

– تعكس خريطة تفاعل المستخدمين مع موضوعات المقاطع جانبًا من حالة الاستقطاب الأيديولوجي؛ حيث تشترك موضوعات التعايش والصراع معًا في كونهما الأكثر تعليقًا وإعجابًا على المنصة مقارنة مع غيرها من الموضوعات الأخرى إلا أن ما يغلب على المستخدمين هو تسجيل الإعجاب فقط، والتعليق في حالة الاستثارة العاطفية أو العقلية. أما مشاركة المقاطع مع الآخرين فمن الواضح أن المستخدمين لا يميلون للقيام بذلك في معظم الموضوعات المرتبطة بالاستقطاب الأيديولوجي سلبًا أو إيجابًا، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مشاركة الموضوعات المرتبطة بالصداقة والحب حيث يتبادلها المستخدمون فيما بينهم بصورة أكبر من غيرها. وتتعزز حالة الاستقطاب عند إثبات مرجعية المقاطع من خلال تحديد وسوم معينة جاءت غالبيتها لتأكيد الهوية الدينية لكل مستخدم مثل (#muslim) و(#hindu) اللتين حظيتا بأعلى نسبة تكرار بين كافة المقاطع تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بينها جميعًا مع إضافة وسوم أخرى نوعية وفقًا لسياق الموضوع. بالإضافة إلى حرص الطرفين، المسلم والهندوسي، على التوصية بمشاهدة مقاطعهم من خلال إضافة وسم (#fyp) وكذلك وسم (#viral) في الغالبية العظمى من المقاطع التي أنتجها الطرفان.

 

المراجع

 (1) Em Griffin et al., A First Look at Communication Theory, (McGraw-Hill Education, 2015), 447.

(2) Ashley Carman, “TikTok reaches 2 billion downloads,” The Verge, April 29, 2020, “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3KI3BAf.

 (3) Ankita Chakravarti, “A year since TikTok ban, Indian TikTokers narrate how their lives were impacted,” indiatoday, July 2, 2012, “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3Gsi9Sg.

(4) شيماء عز الدين زكي جمعة، “أساليب التسويق بالفيديو القصير: دراسة استكشافية على تطبيق تيك توك في مصر”، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط (الجمعية المصرية للعلاقات العامة، مصر، العدد 27، 2020)، 263-297.

(5) شيماء ذو الفقار حامد زغيب، “استخدامات تيك توك ومعدلات القلق بين الشباب والمراهقين المصريين أثناء وباء كوفيد-19″، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، كلية الإعلام، مصر، المجلد 2، العدد 59، 2021)، ص 1067-1098.

(6) هشام فولي عبد المعز، “استخدام تطبيقات الفيديو القصير وعلاقته بالآثار النفسية والاجتماعية لدى الجمهور”، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، كلية الإعلام القاهرة، مصر، المجلد 5، العدد 54، 2020)، ص 3407-3462.

(7) ياسمين محمد إبراهيم السيد، “الإنتاج التفاعلي لمقاطع الفيديو القصيرة وعلاقته بالاغتراب الثقافي لدى الجيل الرقمي بالتطبيق على الأجيال الرقمية”، في المؤتمر العلمي الدولي السادس والعشرين “الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي: مسارات للتكامل والمنافسة”، (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مصر، المجلد 3، 2021)، ص 1641–1687.

(8) مها محمد فتحي، “تأثير تعرض الشباب لفيديوهات تيك توك عبر هواتفهم الذكية على إدراكهم للقيم الاجتماعية في المجتمع”، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مصر، المجلد 20، العدد 3، 2021)، ص 373-443.

(9) نورا طلعت إسماعيل رمضان، “اللامعيارية في استخدام المرأة لمواقع التواصل الاجتماعي: تطبيق تيك توك”، أنموذجًا”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة قناة السويس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مصر، العدد 31، 2019)، ص 61-108.

(10) ولاء محمد محروس عبده الناغي، “تأثيرية المراهقين بالمحتوى غير المرغوب فيه على تطبيق “التيك توك” وعلاقتها بالإرشاد التربوي نحو الاستخدام الآمن: دراسة ميدانية في إطار نموذج تأثيرية الآخرين”، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط (الجمعية المصرية للعلاقات العامة، مصر، العدد 33، 2021)، ص 339-405.

(11) إبراهيم بن محمد علي الثقفي، “التأثير الاجتماعي على مستخدمي تطبيق تيك توك من الشباب السعودي: دراسة في إطار نظرية رأس المال الاجتماعي”، مجلة علوم الاتصال (المجلد 2، العدد 7، 2021)، ص 29-88.

(12) رغد إياد عبد الرحمن طعامنة، استخدامات الشباب الجامعي لتطبيق “تيك توك” وتأثيره على قيمهم الدينية: دراسة مسحية، (رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، إربد، 2021).

(13) محمد فتحي يونس، محمد عبد الغفار عبد الغفار، “سمات المحتوي الإعلامي لتطبيق “تيك توك”: دراسة مقارنة بين المنصات العربية والأجنبية”، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، كلية الإعلام القاهرة، مصر، المجلد 3، العدد 54، 2020)، ص 1613- 1644.

(14) Amarnath Amarasingam et al., “Fight, Die, and If Required Kill?: Hindu Nationalism, Misinformation, and Islamophobia in India,” Religions, Vol. 13, No. 5, (April 20, 2022), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3ZSt52p.

(15) Shelley Boulianne, Lee Sangwon, “Conspiracy Beliefs, Misinformation, Social Media Platforms, and Protest Participation,” Media and Communication, Vol. 10, No. 4, (September 2022), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/43sD15M.

(16) Sahana Udupa, “Extreme Speech|Nationalism in the Digital Age: Fun as a Meta practice of Extreme Speech,” International journal of communication, Vol. 13, (2019), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3Ke5xPu.

(17) Megha Mishra et al., “TikTok Politics: Tit for Tat on the India-China Cyberspace Frontier,” International journal of communication, Vol. 16, (2022), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3mnPTJt.

(18) Justin Grandinetti, Jeffry Bruinsma, “The Affective Algorithms of Conspiracy TikTok,” Journal of Broadcasting & Electronic Media, November 10, 2022, “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3MnrEG5.

(19) Daniela Jaramillo-Dent et al., “#Migrantes on TikTok: Exploring Platformed Belongings,” International journal of communication, Vol. 16, (2022), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3KLOTZm.

(20) Laura Cervi, Carles Marín-Lladó, “what are political parties doing on TikTok? The Spanish case,” El Profesional de la Información, Vol. 30, No. 4, (2021): 1-17.

(21) Crystal Abidin, “Mapping Internet Celebrity on TikTok: Exploring Attention Economies and Visibility Labours,” Cultural Science Journal, Vol. 12, No. 1 (2021): 77.

(22) Bhumika Shah, “An Exploratory Survey on the Knowledge, Attitudes, and Perceptions toward TikTok,” Annals of Indian Psychiatry, Vol. 6, No. 3 (2022): 271.

(23) Nataly Guiñez-Cabrera, Katherine Mansilla-Obando, “Booktokers: Generating and sharing book content on TikTok,” Comunicar, Vol. 30, No. 71, (2022): 113-123.

(24) Andreas Schellewald, “Communicative Forms on TikTok: Perspectives from Digital Ethnography,” International journal of communication, (2021), “accessed January 15, 2023”. https://bit.ly/3zLuey9.

* د. معتصم بابكر مصطفى، أستاذ جامعي ومستشار إعلامي، عميد كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية سابقًا، السودان.

Dr. Mutasim Babiker Mustafa, University Professor, Media Consultant and Former Dean of the Faculty of Information at Omdurman Islamic University.

* أ.د. فاطمة الزهراء السيد، أستاذ بقسم الصحافة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.

Dr. Fatma Elzahraa Elsayed, Professor of Journalism and Digital Media, Faculty of Mass Communication, Cairo University.