ملخص: 

ترصد الدراسة البحوث والدراسات التي تناولت موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية. وتُقارب من خلال أسلوب التحليل البعدي (الميتا تحليل) عينة تتكون من 62 دراسة نُشِرت في بوابات ومواقع إلكترونية عربية خاصة بمؤسسات جامعية ومجلات علمية. ومن أهم النتائج التي توصلت إليه الدراسة أن العينة القصدية من الدراسات السابقة ركزت على موضوع شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالوعي السياسي، والمشاركة السياسية لدى الشباب الجامعي، وتشكيل الرأي العام، بينما أغفلت هذه المدونة علاقة الشبكات الاجتماعية بالاستقطاب السياسي. كما توصلت الدراسة إلى أن نسبة كبيرة من العينة كانت بحوثًا ودراسات وصفية مسحية اعتمدت الاستبانة أداة لجمع البيانات. لذلك كان معظم هذه البحوث والدراسات كميًّا بالأساس مع شح في البحوث الكيفية، وقصور واضح في الاستناد إلى المقاربات النظرية لفهم الظاهرة وتفسيرها وتحليليها.

كلمات مفتاحية: الاستخدام، شبكات التواصل الاجتماعي، الاستقطاب السياسي، الوعي السياسي، المجتمعات العربية.

Abstract:

The study examines research and studies on the use of social media networks and its relationship to political polarisation in the Arab region. Through a dimensional analysis approach (or meta-analysis), it approaches a sample consisting of 62 studies published on Arabic websites and portals of universities and scientific journals. Among the key findings that the study reaches is that the purposive sample of previous studies focused on the subject of social media networks and their relationship to the political awareness and political participation of university students and the formation of public opinion; but it overlooked the relationship of social networks to political polarisation. The study also finds that a significant portion of the sample consisted of descriptive survey research and studies that relied on questionnaires as a data collection tool. As a result, most of the studies were predominantly quantitative with a lack of qualitative research, and a clear deficiency in theoretical approaches for understanding, interpreting and analysing the phenomenon.

Keywords: Usage, Social Media, Political Polarisation, Political Awareness, Arab Societies.

 

مقدمة

يشهد البحث في حقل الاتصال والإعلام حركية غير مألوفة في محاولة لفهم الظواهر المرتبطة بالإعلام الرقمي وما أفرزه من تطبيقات. وقد استرعت شبكات التواصل الاجتماعي والظواهر المرافقة لها اهتمام الباحثين في العقدين الماضيين، واتجهت دراساتهم إلى رصد الإشكاليات التي تمخضت عن استخدام هذه المنصات الرقمية من قِبَل الأفراد، والجماعات، والمؤسسات على المستوى المحلي والدولي.

وحاولت هذه البحوث والدراسات معرفة استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي، والدوافع المعرفية والنفسية لهذا الاستخدام، إضافة إلى تأثيراته. ولأن استعمال الشبكات الاجتماعية وصل العديد من مجالات وشؤون الحياة الإنسانية عكفت بعض الدراسات على تتبُّع العلاقة بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والسياسة. واهتمت بصيرورة أحداث “ثورات الربيع العربي” في بدايات عام 2011، والزخم الكبير الذي عرفه استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في ظل التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية. وكانت نقطة فارقة في رصد العلاقة بين الشبكات الاجتماعية والحركية السياسية على مستوى بعض الدول العربية، كما كانت بداية لفهم دور هذه المنصات في الاستقطاب السياسي.

وانطلاقًا من هذا الإطار، تسعى الدراسة إلى رصد وتحليل البحوث التي تناولت إشكالية العلاقة بين شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي في المنطقة العربية، وما ارتبط بها من مواضيع قريبة. كما تقف عند أبرز المشكلات البحثية التي حاولت معالجتها، وأهم المداخل المنهجية التي اعتمدتها في تحقيق أهدافها، ثم النتائج التي توصلت إليها، وذلك بهدف تقديم رؤية نقدية لها وتطوير الجهود البحثية في هذا المجال.

 

  1. اعتبارات منهجية ونظرية

مشكلة الدراسة وتساؤلاتها

فتحت شبكات التواصل الاجتماعي المجال واسعًا أمام المستخدمين للانخراط في تداول القضايا السياسية والتعاطي معها، بعد أن هيمنت وسائل الإعلام التقليدية على الوصول إلى المعلومات السياسية، وتوجيه الرأي العام بشأن الأحداث الجارية. فمن جهة، وفرت هذه الشبكات فضاء عامًّا جديدًا سمح للأفراد بالمشاركة في النقاش السياسي والتعليق على قضايا الشأن العام، ومن جهة أخرى سهَّلت للسياسيين الوصول إلى المستخدِمين وضيَّقت الفجوة الرقمية بين المواطن والنخبة.

وقد استُخدِمت شبكات التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي، وهو ما أثبتته الدراسات التي بحثت في هذه الظاهرة؛ حيث سعت دراسة إلى الكشف عن العلاقة بين الاستقطاب السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي، وتضمنت مراجعة للبحوث المنشورة في بعض المنصات العلمية تتكون من 264 دراسة في الفترة ما بين 2008 و2022(1). كما توصلت دراسة أخرى راجعت البحوث التي تناولت موضوع الاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي قوامها 94 دراسة إلى أن هناك حركة بحثية متزايدة حول الموضوع(2).

 وفي هذا السياق، نجد أن المنطقة العربية لم تبق بعيدة عن هذه الحركية البحثية المرتبطة بالمجال السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي، وليس أدل على ذلك مما شهدته بعض الدول العربية من أحداث استُخدِمت فيها الشبكات الاجتماعية في تحريك الشارع، خاصة في العام 2011 الذي تزامن مع “ثورات الربيع العربي”(3). كما أدت هذه المنصات دورًا حاســـمًا في التعبئة والحشـــد السياسي، وكان لها الأثر الواضح في التحكم وتحريك الثورات والتحريض ضد الحكومات، وتنظيم الاحتجاجات وتبادل المعلومات والآراء من خلال سمة التفاعل مع مستخدميها، ولاسيما موقعي فيسبوك وتويتر؛ إذ يعدان من أكثر المواقع الاجتماعية نشاطًا وكانا يمثِّلان منابر حرة للمناقشـــات السياســـية وتحسين مستوى النقاش(4).

إن هذه التحولات في أسلوب التعاطي مع القضايا السياسية وتجاذباتها في المنطقة العربية، سواء كانت داخلية أو عربية أو دولية، وما يلازمها من استقطاب سياسي بكل أشكاله من خلال صناعة المحتوى أو التفاعل معه أو من خلال المعارضة أو الاحتجاج الرقمي أو المشاركة في الفعل السياسي، دفعت الباحثين إلى دراسة هذه الظواهر الجديدة من أجل تحديد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تداول القضايا السياسية في المنطقة العربية والتفاعل معها، وعلاقته بالاستقطاب السياسي. وتحاول الدراسة رصد البحوث التي اهتمت باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية، وتركز على مقاربة الأسئلة الآتية:

– ما طبيعة المشكلات التي عالجتها بحوث عينة الدراسة والمرتبطة بموضوع الاستقطاب السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي؟

– ما المتغيرات التي قامت عليها بحوث عينة الدراسة؟

– ما نوع المقاربات النظرية التي اعتمدتها البحوث التي تناولت موضوع الاستقطاب السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي؟

– ما المناهج التي اعتمدتها بحوث عينة الدراسة؟

– ما الأدوات التي اعتمدتها بحوث عينة الدراسة في جمع البيانات؟

– ما مجتمع وعينة البحوث التي تناولت موضوع الاستقطاب السياسي وشبكات التواصل الاجتماعي؟

– ما المجال الزماني والمكاني لبحوث عينة الدراسة؟

– ما أهم النتائج التي توصلت إليها بحوث عينة الدراسة؟

– ما القصور المنهجي والمعرفي في بحوث عينة الدراسة؟

أهمية الدراسة

– يعتبر التداول الإعلامي للقضايا السياسية في المنطقة العربية من المواضيع الجديرة بالاهتمام في ظل الركود السياسي الذي تعيشه المنطقة وما لازمه من كبت إعلامي غيَّب النقاش حول الأزمات السياسية التي بقيت دائمًا مانعًا ضد المشاريع التي تنهض بهذه الدول وتسهم في تقدمها.

– يتميز موضوع السياسة، وتحديدًا الاستقطاب السياسي وعلاقته بالإعلام الرقمي، بالراهنية على المستوى الدولي وكذلك المنطقة العربية. وقد برزت هذه الظاهرة بشكل واضح تزامنًا مع الحراك السياسي في بعض الدول العربية وما صاحبه من أحداث وما اقترن به من توظيف لشبكات التواصل الاجتماعي في التجاذبات السياسية بالمنطقة العربية.

– لم تصادف الباحثين دراسات -في إطار عملهم البحثي- قامت بمراجعة البحوث التي تناولت الاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية. لذلك تعتبر هذه الدراسة من الدراسات القليلة التي رصدت البحوث التي اهتمت بهذا الموضوع.

– اعتمدت الدراسة الميتا تحليل (التحليل من المستوى الثاني)، ويسمى كذلك التحليل اللاحق، والذي يتمثَّل في مراجعة الدراسات التي أُنجِزت من قِبَل الباحثين في مجال معين وتناولت موضوعًا واحدًا وفق منهجية وزوايا مختلفة.

أهداف الدراسة

– رصد البحوث التي تناولت موضوع الاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية.

– التعرف على طبيعة المشكلات التي عالجتها البحوث المرتبطة بالاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية.

– تحديد الإجراءات المنهجية التي اتبعتها البحوث المرتبطة بالاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية.

– رصد أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث المرتبطة بالاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية.

– استخلاص مظاهر القصور المنهجي والمعرفي للبحوث المرتبطة بالاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية.

مفاهيم الدراسة

  1. الاستخدام

لغة: الاستخدام من استخدَمَ استِخْدَامًا، واستَخْدَمَهُ ويقال: استخدام الآلة: استعمالها، واستخدام كل الإمكانيات، استغلالها، واستخدام: استعمال (Usage)، واستغلال (Utilization) ويستخدم (Use) واستخدام (using)، وتوظيف (hiring)(5).

 

اصطلاحًا: يبدو أن مفهوم الاستخدام قريب إلى كلمة استعمال مع غموض في الدور والوظيفة، وحسب الباحث والأكاديمي، بيير شامبا (Pierre Chambat)، فإن مفهوم استخدام يشير إلى كونه استعمالًا في آن واحد. كما يستعمل مرادفًا للاستعمال أو الممارسة أو التملُّك(6). ويقصد بالاستخدام هنا عدد الساعات التي يقضيها الأفراد مستخدمين للتكنولوجيا للحصول على المعلومات.

وارتبط هذا المفهوم بالتحولات التكنولوجية وبروز مشهد تواصلي جديد تتيحه الشبكة العنكبوتية فيما يُعرف بـ”شبكات التواصل الاجتماعي” ونوع المنصة التي يتردَّد عليها المستخدمون: فيسبوك، تويتر، يوتيوب، البريد الإلكتروني، وغيرها من الوسائط. كما يعني الاستخدام هنا العمل على بث ونشر الأفكار والمعلومات، مع اختلاف أنواعها ومصادرها، وغالبًا ما تهدف إلى جلب الاهتمام أو التأثير في الرأي العام، والتفاعل مع الأحداث.

  1. شبكات التواصل الاجتماعي

برز مفهوم شبكات التواصل الاجتماعي مع ظهور شبكة الإنترنت وتطوير الممارسات المرتبطة بها التي توسم أيضًا بـ”نظام اجتماعي إلكتروني يسمح بنشر وتوزيع وتوصيل المؤلفات والوثائق والرسائل السمعية أو السمعية البصرية”(7). وتتيح هذه الشبكات الاجتماعية تفاعلية التواصل لمستخدميها؛ حيث تستند على تطبيقات باعتمادها على بناء شبكات اجتماعية أو علاقات اجتماعية بين البشر من ذوي الاهتمامات المشتركة، أو النشاطات المشتركة. كما تعتمد أساسًا على التمثيل؛ إذ يكون لكل مستخدم ملف شخصي، وكذلك خدمات متعددة أخرى تسمح للمستخدمين بتبادل القيم والأفكار والنشاطات والأحداث والاهتمامات في إطار شبكاتهم الشخصية(8).

وتوفر هذه المواقع خدمات لتبادل المعلومات بوصفها رسائل تواصلية مخزنة في جهاز حاسوب يتم الوصول إليها بالدخول إلى شبكة الإنترنت عبر متصفحات شبكة الويب. ويتخذ موقع الويب شكل صفحات أو وثائق مكتوبة بلغة النص الفائق المترابط (html) تتخذ من الصفحة الرئيسية (home page) واجهة لها، ويتم التنقل بينها بواسطة وصلات عادية أو تفاعلية. وتقدم الرسائل التواصلية في شكل منفرد (نص أو صورة أو صوت أو فيديو…) أو متعدد (Multimedia)، وغالبًا ما تقدم مواقع الويب خدمات تهدف إلى تعزيز التواصل مع المتلقي وتفاعله معها(9).

والمتتبع لتطور الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي يجدها قادرة على إتاحة الفرصة لوضع ملفات شخصية للمستخدمين على الإنترنت، وتمكينهم من التفاعل معها وتبادل الرسائل، ونشر المعلومات وفتح النقاش بشكل واسع(10). ويمكن لكل مستخدم لهذا الفضاء الإلكتروني، تصفح ومتابعة المعلومات والصور والفيديوهات، والدخول إلى مواقع المعلومات على الشبكة الاجتماعية، مع سهولة الانتقال من موقع لآخر والإبحار في الفضاء السيبراني(11).

وتهدف شبكات التواصل الاجتماعي إلى تشكيل علاقات فيما بين الأعضاء، في شكل مجموعات افتراضية والتفاعل بين أفرادها، وتسمح لهم بتقديم لمحة عن حياتهم العامة والتعبير عن وجهات نظرهم إزاء الأحداث. وتوفر هذه الشبكات المعلومات بشكل غزير، كما يمكن تغييرها آنيًّا وباستمرار، في علاقة بين الناشرين والمتصفحين للشبكة العنكبوتية، وفي إطار عملية تبادلية أو تفاعلية وتكاملية(12).

  1. الاستقطاب السياسي

يُعرَّف الاستقطاب عادة بوجود شيئين متضادين، كالتضاد المجالي، شمال-جنوب أو شرق-غرب، أو التضاد الطاقي مثل التضاد الكهربائي بين الموجب والسالب. وقد يضاف مفهوم الاستقطاب إلى عدة مفاهيم أخرى، فنجد على سبيل المثال الاستقطاب الديني أو الطائفي أو المذهبي، وقد نجده أكثر التصاقًا بالسياسي، فزاد استعمال الاستقطاب السياسي، وذلك بالنظر لأهميته وحضوره اللافت. وأسهم البحث في هذا النوع من الاستقطاب في ظهور أنواع متعددة من الاستقطاب داخل الدولة أو بين الدول، بناء على إقناع أفراد أو مؤسسات لتنفيذ أجندة سياسية وفقًا لخطة مدروسة. كما يُعرَّف الاستقطاب السياسي بأنه وسيلة يتم بواسطتها تقسيم الأفراد إلى مجموعتين متناقضتين في الأهداف ووجهات النظر، تستهدف من خلاله الأطراف والقوى الفاعلة جذب مؤيدين لها مقابل قوى سياسية أخرى.

ومن خصائص الاستقطاب السياسي، أو استقطاب الرأي العام، أن تلامس القضية محلَّ الجدال مصالح المواطنين، وكلما كان ارتباط المشاكل بالواقع الاجتماعي أو برؤية الفرد لما حوله أكبر، ارتفع منسوب الصراع بين المجموعات، وأن ينقسم الأفراد حولها إلى أطراف متعارضة(13). إضافة إلى ذلك قد نجد العامل الأيديولوجي أحد محددات هذا الاصطفاف والاستقطاب، والموقد للصراعات.

ويحدُث الاستقطاب عادة عندما تنقسم آراء الناس وتتشعب مواقفهم السياسية حول قضية معينة من القضايا العامة التي يمكن أن تُطرح للنقاش، ما يترتب عليه انقسام واضح تجاه قضية أو مسألة ما(14). إضافة إلى ذلك، يبرز استقطاب ثقافي مبني على ثقافتين مختلفتين حدَّ الانفصال والتصارع، ويؤدي إلى انقسامات داخل الدولة والوطن الواحد، وتُمسي الهوية الوطنية فاقِدة لخطة سياسية جامعة لهذه الثقافات. كما يتعدى الاستقطاب الداخلي بأشكاله المتنوعة حدود الوطن، إلى الإقليمي والدولي، فينجم عنه خلاف بين القوى تحت قاعدة المصالح المجالية.

  1. القضايا السياسية العربية

بحسب معجم اللغة العربية المعاصرة، فإن القضية: “موضوع أو مسألةٌ يُتنازَعُ فيها وتُعرَضُ على القاضي أو القُضاة للبحثِ والفَصْل، والقَضِيَّةُ (في المنطق): قولٌ مكوَّنٌ من موضوع ومحمول يحتمل الصِّدقَ والكذبَ لذاته، ويَصِحُّ أَن يكون موضوعًا للبرهنة”(15).

ويقصد الباحثون بالقضايا السياسية العربية تلك الأحداث السياسية التي تشهدها المجتمعات العربية، ومن ضمنها القرارات والمبادرات السياسية، وتكون محلَّ اهتمام خاص ومتابعة دقيقة من قِبَل الجمهور والشبكات الاجتماعية، نظرًا لتأثيرها في الأفراد ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي.

الإستراتيجية البحثية

اعتمدت الدراسة منهج المسح الوصفي، وهو يستخدم في دراسة الظواهر أو المشكلات البحثية في وضعها الراهن، باعتباره جهدًا علميًّا منظَّمًا للحصول على بيانات ومعلومات وأوصاف عن الظاهرة(16). ويتجلى استخدام هذا المنهج في الدراسة من خلال مسح عينة من الدراسات السابقة في المنطقة العربية، التي تناولت موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي، خصوصًا البلدان التي شهدت حراكًا سياسيًّا واجتماعيًّا في السنوات الأخيرة من أجل تحديد أثر شبكات التواصل الاجتماعي في هذا التغيير الذي حصل ولو بشكل مؤقت في بيئات عربية مختلفة.

كما استعانت الدراسة بالميتا تحليل (التحليل من المستوى الثاني أو التحليل اللاحق)، وهو تقنية إحصائية للجمع بين نتائج مجموعة من الدراسات التي تعالج فرضيات بحثية مشتركة، أي تشير إلى التحليل الإحصائي لمجموعة عريضة من نتائج التحليلات الفردية بغرض دمج النتائج؛ حيث تصبح وحدة التحليل الدراسات نفسها(17). ويهدف التحليل اللاحق إلى تقييم دقيق للدراسات في موضوع معين أو التي تعالج مشكلة بحثية معينة وتشتمل نتائجها على بيانات كمية في الأساس، وذلك عن طريق الاستئناس ببعض الأساليب الإحصائية التي تعمل على تجميع النتائج المشتركة فيما بينها وتلخيصها، ومن ثم محاولة استنتاج نتيجة كلية منها(18). لذلك رصد الباحثون مجموعة من الدراسات التي تناولت موضوع شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالاستقطاب السياسي لأجل إخضاعها للتحليل من المستوى الثاني.

مجتمع الدراسة وعينته

يتمثَّل مجتمع الدراسة في مختلف الدراسات والبحوث العربية التي نُشرت عبر شبكة الإنترنت ولها علاقة بموضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وأثره في الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية. وقد جرى البحث عن مختلف الدراسات المشابهة للموضوع عبر موقع المجلات الأكاديمية العلمية العراقية، وبوابة المجلات العلمية الأردنية، والمنصة الجزائرية للمجلات العلمية. واعتمدت الدراسة في تحليل المشكلة البحثية وأبعادها على عدد من البحوث (عينة عمدية) تم اختيار مفرداتها (62 دراسة) بشكل قصدي لأجل تحقيق أهداف الدراسة.

وفي خضم ذلك، تم التركيز على الأبحاث الحديثة التي تستجيب لأهداف الدراسة. ومن بين المناطق العربية التي شملتها عينة الدراسة نجد عددًا من الدول: الجزائر، العراق، مصر، الكويت، الأردن، السودان، اليمن، المغرب، عُمان، فلسطين، وغيرها، كما شملت فترات زمنية تمتد من 2011 إلى 2022. وقد تم تغطية أهم الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تغطية الفترة الزمنية التي شهدت فيها شبكات التواصل الاجتماعي انتشارًا كبيرًا في المنطقة العربية.

أدوات جمع البيانات

تعتمد الدراسة على استمارة تحليل المحتوى من أجل فحص أثر شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية، وذلك من خلال عينة من الدراسات التي أنجزت في الفترة الممتدة بين 2011 و2022 في عدة جامعات عربية. وتروم إلى تحليل محتوى هذه الدراسات لتقديم قراءة نقدية لها، حيث تشمل عملية النقد الجانب النظري والمنهجي والتطبيقي في طرح العلاقة بين متغيرات الدراسة (شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية). وقد حددت الدراسة مجموعة من فئات المضمون من أجل تحديد عناصر القوة والقصور في هذه الدراسات، بالإضافة إلى معرفة قوة تأثير محتويات مواقع التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية. وبعد قراءة الدراسات السابقة، قام الباحثون بتحليل العينة المختارة، وتفريغ أهم البيانات وفقًا للفئات التي تم تحديدها والتي تخدم أهداف الدراسة، ومن بين هذه الفئات التي تم التركيز عليها:

– طبيعة الإشكاليات التي عالجتها عينة الدراسة.

– طبيعة المقاربات النظرية المستخدمة في تحليل البيانات.

-نوع المناهج وطبيعة الأدوات المعتمدة في بناء الدراسات وجمع البيانات.

-نوع عينات الدراسة وأساليب تحليل البيانات.

– الحدود الزمانية والمكانية لعينة الدراسة.

– أهم نتائج عينة الدراسة وتحديد مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية.

 

دور منصات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي

 استطاعت الثورة التكنولوجية أن تخترق جميع مجالات وشؤون الحياة الإنسانية. فقد أصبحت وسائل المعلومات والاتصال متاحة لفئات مختلفة، وتحتل جانبًا مهمًّا من حياتهم اليومية وتستأثر باهتمام معظمهم. ونظرًا للطبيعة التفاعلية التي تتيحها المنصات الرقمية والحرية في التعبير عن الآراء، كانت فضاء مفتوحًا لتداول القضايا وإثارة النقاش حولها. ولذلك أصبح الحديث عن الاستقطاب السياسي داخل شبكات التواصل الاجتماعي أمرًا حتميًّا. وتُعد الشبكات الاجتماعية وسيلة مهمة للاستقطاب السياسي؛ إذ يستخدمها الكثير من السياسيين للترويج لأفكارهم وأطروحاتهم المتعلقة بقضايا تستهدف توجيه الرأي العام وتأطيره لكي يبلغ هؤلاء مآرب وغايات مخفية، والاستثمار في إيصالها(19).

وأشار تقرير إلى تلاعب وسائل التواصل الاجتماعي في 81 دولة مع شركات تُقدِّم حملات “دعاية حاسوبية” للفاعلين السياسيين. وعلى الرغم من أن الدعاية ليست جديدة، إلا أن منتدى ستوكهولم 2021 سلَّط الضوء على بعض الأسباب التي تجعل الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُمثِّل تحديات متميزة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، أو تدفع إلى الصراع والحروب أو تؤثر في جهود بناء السلام(20).

واللافت أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تؤثر في التغيير المجتمعي، بل تُعد مرآة تنعكس عليها تحولات المجتمع وفورته، وفي الكثير من الأحداث استثمرت مختلف الجهات شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق مصالح متعددة الأوجه. ولما كان الأمر على هذا النحو، قام هذا السجال على ثلاثة مبادئ: شبكات التواصل الاجتماعي وسيطًا تواصليًّا حينًا وباثًّا حينًا آخر، السياسي باثًّا وراغبًا في الهيمنة التواصلية راميًا إلى أهداف سياسية، الشعب مستهدفًا ومعنيًّا بالاستقطاب بالدرجة الأولى(21).

ولعل ما يشير إلى ذلك أن توسُّع التواصل عبر الشبكات الاجتماعية بين الأفراد ليس هو الهدف الوحيد، بل تجاوز استخدامها ربط العلاقات بين الأفراد بشكل افتراضي ليشمل النشاط السياسي من خلال تداول المعلومات الخاصة بالمسائل السياسية والمواقف الحزبية، ومختلف القضايا على اختلاف موقعها الجغرافي (محلية، عربية، إقليمية، عالمية..)، ومناقشتها عبر غرف التواصل على الشبكات الاجتماعية التي تمثِّل مساحة مفتوحة للحوار(22).

ويمكن الإشارة هنا إلى ميل فئات من الجمهور إلى مناقشة القضايا السياسية والشؤون العامة مع الآخرين ممن لديهم التوجهات الفكرية نفسها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بسبب فضاء الحرية الذي تمنحه هذه المنصات. وهو ما أكدته بعض الدراسات من أن المستخدمين المهتمين بالشأن السياسي يميلون لمصادقة من يتفقون معهم في الاتجاه السياسي فقط ومن يدعم وجهات نظرهم(23).

ويزداد دور شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي يومًا بعد يوم، لذلك يستخدم الجميع هذه الوسائل فضاءات لنشر مضامين يمكنهم من خلالها ممارسة مهمة “حارس البوابة”. كما تجاوز المستخدمون لهذه المنصات حدود النشر والحوار والتفاعل إلى استقطاب جمهور وخدمة أجندة معينة.

تُعد شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ضرورية للحفاظ على ميزة تنافسية، وأصبح تأثيرها واسعًا من خلال المضامين التي تنشرها. وتشير بعض الإحصائيات إلى توجه الجمهور نحو استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في المجال السياسي، حيث بلغ عدد المتابعين للرئيس الأميركي الأسبق، بارك أوباما، على منصة تويتر، 54 مليون متابع. وقد كان لهذه المنصة دور كبير في فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية لسنة 2008، حيث أكد قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على التأثير في مختلف القضايا في خطابه عن حالة الاتحاد في 2011؛ إذ قال: “نحن أمة من الفيسبوك وغوغل”(24).

تتيح شبكات التواصل الاجتماعي للمستخدمين معرفة ما هو شائع، كما توفر منبرًا للناس للتحدث عن القضايا ذات الصلة وما يفضلونه. إذن، تجذب الشبكات الاجتماعية المستخدمين الأكثر اندماجًا في المناقشات والمواقف السياسية المتماثلة، في إطار ما يسمى بـ”غرف الصدى” (Echo Chamber)، حيث ينقسم المجال العام في الشبكات الاجتماعية إلى بيئة رقمية متعددة، يلتقي فيها الأفراد في غرف، يمكن للفرد فيها أن يمثِّل صدى للآخر. ويتم ذلك على افتراض التعرض الانتقائي للمعلومات من قبل الجمهور واستهلاكهم للمعلومات التي تنسجم مع وجهات نظرهم، لأن الأشخاص المتشابهين يميلون إلى مناقشة المسائل والقضايا مع بعضهم البعض، ويخلصون إلى بناء وجهات نظر أكثر انسجامًا مع مواقفهم السابقة وأكثر تطرفًا عما كان لديهم من قبل(25). وفي الوقت ذاته، يتجنَّب المستخدمون وجهات النظر المغايرة أو المعارضة، ونتيجة ذلك فإن كل الآراء التي تتشكَّل في تلك الفضاءات تكون مستهدفة أو مستقطبة من أطراف تهتم بتوسيع الدعم الذي يؤكد تلك الآراء.

 

  1. تفسير ومناقشة نتائج الدراسة التحليلية

إشكاليات بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

بعد استكمال عملية جمع وحدات عينة الدراسة التي نشرت في المنطقة العربية، وتتكون من 62 دراسة؛ حيث تم الحصول عليها من مختلف البوابات والمواقع الإلكترونية العربية والتي لها علاقة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي في المنطقة العربية، وبعد الاطلاع على مختلف الإجراءات المنهجية والنظرية والتطبيقية، توصل الباحثون إلى أن عينة الدراسة عالجت إشكاليات مختلفة يأتي في مقدمتها دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز وتشكيل الوعي السياسي. وقد ربطت 37.09% من الدراسات بين متغيري شبكات التواصل الاجتماعي والوعي السياسي، وحاولت معرفة الدور الذي تؤديه الشبكات الاجتماعية في تعزيز وتشكيل وتنمية الوعي السياسي لدى مختلف الفئات داخل المجتمع العربي؛ إذ أصبحت هذه الوسائط منبرًا لمختلف فئات المجتمع؛ حيث يستخدمها الأفراد من أجل الاطلاع على مختلف القضايا والملفات السياسية الجارية.

لقد شهدت المنطقة العربية تحولات سياسية مهمة، خاصة الثورات الشعبية التي حصلت في عدد من البلدان العربية، الأمر الذي جعل شبكات التواصل الاجتماعي نافذة يطل منها الشباب والنخبة، وأيضًا بوابة للرأي العام العربي، وقادة الرأي في مختلف الجهات الحكومية؛ إذ استخدمتها الأخيرة في محاولة للتأثير على مختلف فئات المجتمع العربي.

وتشير هذه النسبة (37.09%) -كما يوضح الجدول رقم (1)- إلى توجه الباحثين على مستوى المنطقة العربية للاهتمام بمسألة الوعي السياسي كضرورة لتجاوز الأزمات السياسية التي تمر بها المنطقة، وكمتغير مهم في التأسيس لثقافة المشاركة السياسية في صنع القرار في الدول العربية والدور المهم للمواطن في تدبير شؤون البلاد(26).

 

جدول (1): طبيعة إشكاليات عينة الدراسة

 

م إشكاليات عينة الدراسة التكرار النسبة (%)
1 دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز وتشكيل الوعي السياسي 23 37.09
2 دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الاتجاهات نحو المشاركة السياسية 16 25.80
3 الاستخدامات السياسية لشبكات التواصل الاجتماعي لدى الشباب 8 12.90
4 دور شبكات التواصل الاجتماعي في تفعيل المشاركة السياسية 6 9.67
5 دور شبكات التواصل الاجتماعي في تسويق الحملات الانتخابية 6 9.67
6 دور شبكات التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي 3 4.83
المجموع 62 100

 

 

أما الإشكالية العلمية الثانية التي ركز عليها الكثير من وحدات عينة الدراسة فتتمثَّل في دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الاتجاهات نحو المشاركة السياسية بنسبة 25.80%. ويُعد موضوع تشكيل الاتجاهات من المواضيع التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها من قِبَل الباحثين، لأن تشكيل الاتجاهات يعتبر مسألة معقدة للغاية، سواء من حيث المفهوم أو قياس الاتجاهات إحصائيًّا، أو نشوء الاتجاهات لدى الأفراد داخل المجتمع. ولهذا ترى الدراسة أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون من بين الوسائط المهمة التي تساعد على تشكيل الاتجاهات وتسهم في تعزيزها.

ولأن هذه الشبكات تمدُّ المستخدم يوميًّا بعدد كبير من المعارف والمعلومات في المجال السياسي، وهو ما يدفع لفتح حوارات ونقاشات في قضايا كثيرة لها علاقة بالمنطقة العربية والفرد العربي، وتصبح لدى مستخدم هذه الشبكات مع مرور الوقت نظرة واسعة حول مختلف الملفات والقضايا السياسية، سواء تعلق الأمر بالشؤون المحلية أو العربية والإقليمية أو الدولية. وكلما زاد إدراك الفرد لهذه القضايا وقدرته على ربط الأحداث مع بعضها البعض تتكوَّن لديه اتجاهات معينة نحو بعض الملفات التي يتابعها في شبكات التواصل الاجتماعي، وقد يدفعه ذلك نحو المشاركة السياسية في مجتمعه، سواء تعلق الأمر بالانتخابات، أو المشاركة في الحراك السياسي داخل المجتمع، وغيرها من السلوكيات التي تُقدِّم مؤشرات على الانخراط في الشأن العام.

ولطالما كانت المشاركة السياسية هاجسًا أمام السياسيين، خاصة في الدول العربية؛ إذ أصبحت نسب المشاركة قريبة إلى المعقول في الاستحقاقات السياسية بعد أن كانت تبلغ 99.99% في أوقات سابقة. وما يشير إلى هذا الهاجس هو نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية التي جرت بتونس، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022؛ إذ كانت أقل من 9%. ويعود هذا العزوف إلى حالة اليأس في بعض الدول العربية بعد غياب المنجز الاجتماعي والاقتصادي، وشعور الطبقات الاجتماعية بغياب تغييرات حقيقية في أوضاعها المعيشية(27). وهو ذات السبب الذي جعل نسبة مهمة من إشكاليات عينة الدراسة تهتم باتجاه الشباب نحو المشاركة السياسية وعلاقته بمنصات التواصل الاجتماعي.

وتمثَّلت الإشكالية العلمية الثالثة التي عالجتها عينة الدراسة في الاستخدامات السياسية لمواقع التواصل الاجتماعي لدى الشباب العربي بنسبة 12.90%. ويُعد موضوع الاستخدامات والإشباعات من بين المواضيع التي اهتم بها الباحثون بشكل كبير في المنطقة العربية، لأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لا يقتصر فقط على الجوانب الاجتماعية والإخبارية والثقافية والدينية والترفيهية، وإنما أصبح المجال السياسي ضمن المجالات المهمة التي يهتم بها الشباب والنخب داخل المجتمع العربي، سواء في نقل الأخبار ومتابعة تطورات الأحداث السياسية، أو في توعية الشباب بضرورة المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، أو الحراك الشعبي، أو المشاركة في الحملات الإعلامية المتعلقة بالقضايا السياسية. ولهذا يرى الباحثون أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت بيئة افتراضية موازية للعمل السياسي من طرف الأحزاب والشباب والنخب المؤثرة في المجتمع، وقد يكون لهذه المنصات دور مهم في التأثير على مختلف فئات المجتمع تجاه أي قضية سياسية تحدث في المنطقة العربية.  

 

الجهاز المفاهيمي لبحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

اهتمت عينة الدراسة بعدة متغيرات ومفاهيم كان أبرزها شبكات التواصل الاجتماعي التي تمثِّل المتغير المستقل الأساسي في العينة، لأن الدراسات تبحث في علاقة استخدام هذه الشبكات بالمشاركة السياسية أو الوعي السياسي أو الاستقطاب السياسي، أو الاستخدام السياسي. ولهذا حددت جميع الدراسات مفهوم شبكات التواصل الاجتماعي اصطلاحًا وإجرائيًّا، لأن التعريف الإجرائي يشير إلى طبيعة المنصات التي ركزت عليها كل دراسة. فهناك دراسة شملت كل شبكات التواصل الاجتماعي، وثمة دراسات ركزت على منصة واحدة فقط، مثل فيسبوك أو تويتر أو يوتيوب، وغيرها من الشبكات الأكثر استخدامًا في المنطقة العربية. وقد اختلف في تسمية هذا المتغير في الكثير من الدراسات؛ إذ وردت تسميات عدة، مثل الشبكات الاجتماعية، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد، والإعلام الإلكتروني، والوسائط الجديدة، ولكن ما يُقدَّم من تعريفات اصطلاحية أغلبها يتشابه في الطرح النظري.

 

جدول (2): متغيرات ومفاهيم عينة الدراسة

 

م المتغيرات والمفاهيم التكرار النسبة (%)
1 شبكات التواصل الاجتماعي 62 40.52
2 الوعي السياسي 21 13.72
3 الطلبة 12 7.84
4 المشاركة السياسية 11 7.18
5 الرأي العام العربي 11 7.18
6 الشباب 11 7.18
7 الاتجاهات 9 5.88
8 الاستقطاب السياسي 7 4.57
9 الانتخابات 5 3.26
10 المشهد والقضايا السياسية 4 2.61
المجموع 153 100

 

أما المتغير التابع، والذي يعتبر مهمًّا للغاية في مختلف الدراسات التي شملتها العينة، فقد تم التركيز بشكل كبير على الوعي السياسي، والمشاركة السياسية، والاستقطاب السياسي، والشباب العربي، والطلبة الجامعيين، والرأي العام العربي، والاتجاهات. وتكتسب هذه المتغيرات التابعة أهميتها في علاقتها بالمتغير المستقل، لأن جميع الدراسات تبحث في العلاقة بين هذه المتغيرات ومتغير شبكات التواصل الاجتماعي من أجل تفسير طبيعة العلاقة الارتباطية بين المتغيرات، فقد تكون هناك علاقة ارتباطية قوية بينهما، كما قد تكون منعدمة أو محدودة.

مناهج بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

اعتمدت أغلبية عينة الدراسة على منهج المسح، الذي يعتبر من بين المناهج الكمية، بنسبة 80.95%، بينما بلغت نسبة المناهج الكيفية (المنهج التحليلي) 15.87%. ويرجع ذلك إلى سهولة استخدام أدوات جمع البيانات في المناهج الكمية مقارنة بالمناهج الكيفية التي تستند إلى المقاربات التحليلية واعتماد المداخل النظريات للفهم والتفسير والدراسات السابقة. كما أن استخدام أدوات جمع البيانات في المناهج الكيفية يتطلب جهدًا فكريًّا كبيرًا من أجل جمع أكبر عدد من البيانات التي تخدم موضوع الدراسة، وتحليلها وتفسيرها واستخلاص النتائج. في حين أن الدراسات التي تعتمد على منهج المسح تميل إلى عملية تكميم البيانات وتحليل النسب والتكرارات والمعاملات الإحصائية. وقد تؤدي عملية الإغراق في تكميم البيانات إلى فقدان الدراسات قيمتها العلمية، لأن بعض البيانات تحتاج إلى معرفة خلفياتها النظرية، وطبيعة العلاقات الموجودة بينها، ولكن هذا لا يعني أن البحوث الكمية لا قيمة لها ضمن حقل البحث العلمي.

 

جدول (3): مناهج بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوع المنهج التكرار النسبة (%)
1 منهج المسح 51 80.95
2 المنهج التجريبي 1 1.58
3 المنهج المقارن 1 1.58
4 المنهج التحليلي 10 15.87
المجموع 63 100

 

ملاحظة: هناك دراسات اعتمدت أكثر من منهج.

 

رغم التطور الكبير في مجال البحوث الكيفية إلا أن البحوث الكمية لا تزال ذات قيمة علمية وتحظى بأهمية كبيرة في مختلف المجالات المعرفية. كما أن تطوير أنظمة تفريغ البيانات الكمية شهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وكذلك البحوث الكيفية التي عرفت تطورًا في استخدام التقنيات والأنظمة الحديثة في معالجة البيانات وتحليلها وتفسيرها.

نوع بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

اعتمدت أغلبية وحدات عينة الدراسة عملية التكميم والتحليل الإحصائي للبيانات بنسبة 88.70%، ويمكن تفسير ذلك بالمرونة الكبيرة التي تتسم بها البحوث الكمية مقارنة بالبحوث الكيفية التي تتطلب إلمامًا كبيرًا بالمقاربات التحليلية، والمداخل النظريات للفهم والتفسير، وتجميع أكبر قدر من البيانات. ففي البحوث الكمية يستخدم أغلب الباحثين أدوات البحث المعروفة في مجال التحليل الإحصائي، كما أن عملية توزيع الاستبيان وتفريغ البيانات أصبحت تتم إلكترونيًّا؛ مما سهَّل على الباحثين جمع أكبر قدر من البيانات وتحليلها بطريقة سهلة وبسيطة في حالة تمكُّن الباحث من البرامج الإحصائية المستخدمة في تفريغ البيانات وتحليلها. ولكن من الأمور التي تنقص من جودة البحوث الكمية في بعض الأحيان اتجاه الباحثين نحو التحليل الإحصائي للبيانات وعدم الاهتمام بالتحليل الكيفي لها؛ مما يجعل النتائج مجرد أرقام ومعادلات إحصائية صماء. ولهذا يمكن للباحثين الجمع بين التحليل الإحصائي والتحليل الكيفي من أجل الإجابة عن أسئلة إشكالية الدراسة بطريقة علمية تروم الدقة وتستهدف تحليلًا عميقًا للظواهر الاجتماعية.

 

جدول (4): نوع بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

نوع الدراسة التكرار النسبة (%)
دراسات كمية 55 88.70
دراسات كيفية 7 11.29
المجموع 62 100

 

أما الدراسات الكيفية التي تناولت استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية فكانت أقل من مثيلاتها الكمية، ويمكن تفسير ذلك بصعوبة التعامل مع البيانات الكيفية وتحليلها في ضوء المتطلبات المعرفية والمنهجية والنظرية. كما أن البحوث الكيفية تتطلب إلمامًا كبيرًا بإشكالية البحث، ولا تكفي المعلومات البسيطة في الإجابة عن تساؤلات البحث، ولهذا يُفضِّل أغلبية الباحثين إنجاز البحوث الكمية بدلًا من البحوث الكيفية.

ويعود السبب في النسب العالية للدراسات الكمية ضمن عينة الدراسة إلى الهيمنة المستمرة لتقاليد البحوث الكمية في حقل الإعلام والاتصال لعقود من الزمن، ولا يقتصر ذلك على المنطقة العربية فحسب، بل إن الظاهرة موجودة كذلك في الغرب(28). ويرى الأكاديمي، نصر الدين لعياضي، أن النقاش حول المنهج غُيِّب في المنطقة العربية، واكتفى هؤلاء بدراسة البحوث الكمية، والكثير منهم لا يرى منهجًا آخر يتسم بالمصداقية(29)… وهذا يعني أن التوجه نحو دراسة الإعلام الرقمي وعلاقته بالحياة اليومية للأفراد لم يسلم من هيمنة الكمي على الكيفي.

أدوات التحليل في بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

تبيِّن نتائج الجدول رقم (5) أن أغلبية البحوث استخدمت استمارة الاستبيان في جمع البيانات من مجتمع البحث بنسبة 72.30%، كما استُخدمت استمارة تحليل المحتوى في بعض البحوث التي ركزت على تحليل محتويات منصات التواصل الاجتماعي. ويمكن تفسير لجوء الباحثين إلى استمارة الاستبيان، سواء تعلق الأمر بدراسة الجمهور أو تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي، إلى سهولة تصميم أداة الاستبيان، والقدرة على الوصول إلى مجتمع وعينة الدراسة. ولهذا تعتبر استمارة الاستبيان من أبرز الأدوات العلمية المستخدمة في المناهج الكمية، وخصوصًا منهج المسح الوصفي.

 

جدول (5): أدوات التحليل في بحوث شبكات

التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوع الأدوات التكرار النسبة (%)
1 استمارة الاستبيان 47 72.30
2 استمارة تحليل المحتوى 13 20
3 التحليل الكيفي 4 6.15
4 المقابلة 1 1.53
المجموع 65 100

 

ملاحظة: هناك دراسات اعتمدت أكثر من أداة علمية.

 

ومن خلال الإجراءات المنهجية تبدو طبيعة المتغيرات التي ركزت عليها عينة الدراسة، والتي تشمل: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالوعي السياسي والمشاركة السياسية والاستقطاب السياسي لدى عينات مختلفة من الأفراد مثل الشباب العربي، والطلبة الجامعيين، والنخبة العربية. وهذا ما يفسر استعانة الباحثين باستمارة الاستبيان في جمع البيانات، كما أن التطور الكبير في التقنيات الحديثة سهَّل عليهم توزيع الاستبيان إلكترونيًّا وتفريغ البيانات بسهولة عن طريق مختلف الأنظمة الحديثة. وهنا، نلاحظ تركيز هذه الدراسات على التأثير والدور والاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالمشاركة والوعي والاستقطاب السياسي، وتتطلب معرفة هذه العلاقة استخدام المعاملات الإحصائية لتحديد نوع الارتباط الموجود بين المتغيرات.

وفي هذا السياق، يرى بعض الباحثين أن هناك ضرورة لتفعيل أدوات البحث الكيفي، لأنها تتناسب مع طبيعة الإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي، وتسمح بفهم التفاعلات الاجتماعية التي تحدث على مستوى هذه الشبكات، وذلك عبر استخدام الملاحظة بالمشاركة التي تسمح للباحث بالانغماس أكثر في الظاهرة وتحديد المتغيرات التي تؤثر فيها، بالإضافة إلى مجموعات النقاش(30). ويكمن أن يكون ذلك نموذجًا في الدراسات التي اهتمت بموضوع شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي، والذي يشير إلى تتبُّع ظاهرة الاستقطاب من داخل هذه المنصات وما يحدث فيها من تفاعلات بخصوص القضايا السياسية، وتبقى في هذه الحالة أداة الاستبانة قاصرة عن التعمق في معالجة هذه الظاهرة والأبعاد المرتبطة بها.

مجتمع بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

ركزت عينة الدراسة على فئات الطلبة الجامعيين في دراسة موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب والمشاركة السياسية في المنطقة العربية بنسبة بلغت 38.70%، ثم الشباب العربي بنسبة 20.96%، تلاه الرأي العام العربي بنسبة 17.74%. ويشير ذلك إلى أن فئة الشباب تحظى بأهمية كبيرة ضمن عينة الدراسة في مثل هذه المواضيع والقضايا البحثية، ويرجع سبب التركيز على هذه الفئات، سواء تعلق الأمر بالطلبة الجامعيين أو الشباب العربي أو الرأي العام العربي، إلى سهولة الوصول إلى عينة البحث والتعامل معها في الجامعات أو في مختلف مؤسسات المجتمع المدني.

 

جدول (6): مجتمع بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوع المجتمع التكرار النسبة (%)
1 طلبة الجامعة 24 38.70
2 الشباب العربي 13 20.96
3 الرأي العام العربي 11 17.74
4 النخبة العربية 9 14.51
5 غير موجود 5 8.06
المجموع 62 100

 

ويعتبر مجتمع الطلبة والشباب من بين المجتمعات البحثية التي يجد الباحث سهولة كبيرة في جمع البيانات من أفرادها، فضلًا عن مرونة كبيرة في توزيع استمارة الاستبيان، بالإضافة إلى قدرة الشباب والطلبة الجامعيين على التفاعل مع الباحث في مختلف الظروف، إلى جانب اعتبار فئة الشباب والطلبة من بين الفئات المهمة داخل المجتمع العربي من حيث استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المنشورات السياسية والبرامج الانتخابية وأفكار القادة السياسيين. ولهذا يرى الباحثون أهمية دراسة هذه الفئة أكثر من غيرها من الفئات الأخرى، إلى جانب استخدام الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي بشكل مكثف في مختلف البلدان العربية، مما يعتبر دافعًا قويًّا لمختلف الباحثين لتسليط الضوء عليه ضمن البحوث العلمية.

عينات بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

ركزت أغلبية الدراسات التي تناولت موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية في جمع البيانات على العينة العمدية (القصدية)، وأيضًا العينة العشوائية البسيطة، وذلك بنسب قريبة من بعضها البعض (35.48%) و(32.25%)، كما يوضح الجدول رقم (7).

 

جدول (7): عينات بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوع العينة التكرار النسبة (%)
1 العمدية أو القصدية 22 35.48
2 العشوائية البسيطة 20 32.25
3 غير موجودة 12 19.35
4 عشوائية طبقية 6 9.67
5 حصر شامل 1 1.61
6 العشوائية المنتظمة 1 1.61
المجموع 62 100

 

يرجع التركيز على العينة العمدية ضمن هذه الدراسات إلى طبيعة الإشكاليات العلمية التي تفرض على الباحثين اللجوء إلى المفردات التي تخدم أهداف دراستهم وتجيب عن الإشكالية البحثية. والعينة القصدية تجعل الباحث يختار وحدات التحليل دون غيرها ضمن مجتمع البحث، كما أن تحديد عينة البحث يتطلب جهدًا كبيرًا من الباحث لمعرفة المفردات التي تخدم دراسته. وقد اعتمدت بحوث عينة الدراسة على العينة القصدية التي يتوافر فيها شرط استخدام شبكات التواصل الاجتماعي دون غيرها، وأيضًا اهتمامها بالشأن السياسي، خلافًا للعينات العشوائية البسيطة التي تعطي للباحث حرية كبيرة في اختيار مفردات الدراسة، كما تعتبر العينة العشوائية البسيطة الأكثر موضوعية وتمثيلًا لمجتمع البحث مقارنة بالعينة القصدية.

ولاحظ الباحثون أن عينة من الدراسات لم تستخدم أدوات جمع البيانات بل ركزت على التحليل الكيفي للبيانات في ضوء المقاربات التحليلية والنظريات والأفكار التي تم تجميعها من الوثائق والمراجع والمصادر التي تناولت موضوع شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي في المنطقة العربية. كما أن طرائق تحديد العينات ضمن مجموع عينة الدراسة لا تخلو من العشوائية وعدم الدقة في اختيار مفردات هذه العينات؛ حيث يعتمد الباحثون على عينات دون تقديم مبررات لهذا التحديد.

المجال الجغرافي والزماني لبحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

كشفت عملية البحث عن الدراسات التي تناولت موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية وجود دراسات كثيرة في بلدان عربية نُشِرت على نطاق واسع عبر شبكة الإنترنت، سواء عبر البوابات الإلكترونية أو ضمن مواقع إلكترونية خاصة بجامعات ومجلات علمية. وتصدرت مصر عينة الدراسة في معالجة موضوع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي بنسبة بلغت 32.25% في الفترة الزمنية الممتدة بين 2011 و2020. وقد عرفت هذه الفترة أحداثًا كثيرة في مصر من بينها الحراك الشعبي المصري الذي أدى إلى سقوط نظام الرئيس محمد حسني مبارك، وانتخاب الرئيس محمد مرسي، ثم التغيير الذي حصل في هرم الرئاسة بوصول عبد الفتاح السيسي للسلطة، سنة 2014، وغيرها من الأحداث التي شهدها ميدان التحرير وسجن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين… فهذه الأحداث جعلت مصر تعيش تحولات سياسية كبيرة، وقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا مهمًّا داخل المجتمع المصري في قيام الثورة المصرية وإسقاط نظام مبارك من خلال النشاط الكبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ودفع هذا الأمر بعض الباحثين إلى البحث في مواضيع علمية مختلفة لها علاقة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي في المنطقة.

 

جدول (8): المجال الجغرافي والزماني لبحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م الحدود المكانية الحدود الزمانية التكرار النسبة (%)
1 مصر 2011-2020 20 32.25
2 العراق 2013-2022 15 24.19
3 الجزائر 2015-2022 11 17.74
4 الأردن 2013 5 8.06
5 الكويت 2013 2 3.22
6 السودان 2021 2 3.22
7 المغرب 2015 1 1.61
8 الخليج العربي 2017 1 1.61
9 اليمن 2017 1 1.61
10 تونس 2018 1 1.61
11 السعودية 2018 1 1.61
12 عمان 2018-2019 1 1.61
13 فلسطين 2019 1 1.61
المجموع 62 100

 

أما البلد العربي الثاني الذي أُجريت فيه دراسات كثيرة ولها علاقة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي فيتمثَّل في العراق، وذلك بنسبة 24.19%. وقد شملت هذه الدراسات الفترة الزمنية الممتدة بين 2013 و2022، والتي شهدت زيادة أعمال العنف داخل المجتمع العراقي بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، بالإضافة إلى الأحداث المتسارعة التي حصلت داخل السجون العراقية، وأيضًا تنظيم الانتخابات البرلمانية في 2014، وغيرها من الأحداث السياسية. وقد كان هذا الوضع مثار اهتمام الباحثين الذين انكبوا على دراسة موضوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي، سواء تعلق الأمر بالمشاركة في الانتخابات أو في الحملات الانتخابية أو عبر المناقشات والحوارات عبر الفضاءات الافتراضية.

وبلغت نسبة المواضيع التي لها علاقة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي في الجزائر 17.74%، وقد شهدت الفترة الزمنية الممتدة بين 2015 و2022 أحداثًا سياسية مختلفة في المجتمع الجزائري، وأبرزها الحراك الشعبي الذي استمر لفترة زمنية طويلة، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، والاستفتاء على الدستور، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والانتخابات البرلمانية، في 12 يونيو/حزيران 2021. وقد عرفت الجزائر قبل ذلك استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/نيسان 2019، بعد أن استمر في الحكم عقدين من الزمن (2009-2019). وكان لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي دور مؤثر في عملية الاستقطاب السياسي بالجزائر.

وظهرت أيضًا بلدان عربية أخرى ضمن عينة الدراسة، مثل: تونس، والمغرب، والسودان، والأردن، والكويت، واليمن والسعودية، ودول الخليج العربي وغيرها من البلدان العربية التي عرفت تحولات كبيرة على مستوى الأنظمة السياسية، سواء من خلال ما عُرف بالربيع العربي الذي عاشته أغلب البلدان العربية، أو من خلال التطبيع مع إسرائيل من طرف بعض الدول العربية، بالإضافة إلى حصار دولة قطر، وأيضًا الحروب في اليمن وسوريا وليبيا. وقد كان لتلك الأحداث تأثير كبير في مختلف المجالات، وأبرزها مجال البحث العلمي الذي عرف اهتمامًا بما يحدث داخل المنطقة العربية، لاسيما فيما يتعلق بدور شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها في ثورات عربية عدة؛ إذ باتـــت هذه الوسائط الفضاء الذي تُشـــكَّل فيـــه انطباعات الـــرأي العـــام واتجاهاته كما لوحظ في مصر، وتونس، والبحرين، وليبيا، واليمن، حيث كان لها دور في تنظيم المتظاهرين في ساحات الاعتصام وتعبئة الجماهير وفي حشدها للمظاهرات(31).

المقاربات النظرية لبحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

تُعد المقاربات النظرية مهمة للغاية في البحوث العلمية؛ إذ يختار الباحث المقاربات والنظريات المناسبة التي يستند إليها في تحليله للبيانات وأيضًا في بناء إشكالية البحث وتصميم أدوات جمع البيانات، وضبط مفاهيم ومتغيرات الدراسة. ولكن في الكثير من الدارسات العلمية يستغني الباحثون عن المقاربات النظرية أو لا يهتمون بالاستفادة منها في بحوثهم، وهذا ما لاحظه الباحثون أثناء تجميع الدراسات السابقة الخاصة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية، حيث وردت أغلبية الدراسات من دون مقاربات أو مداخل نظرية بنسبة 46.96%، وهو ما ينقص من قيمة هذه البحوث العلمية. كما أن المقاربات النظرية تساعد الباحثين على التعمق في تحليل وتفسير البيانات وبناء البحث منهجيًّا ونظريًّا وتطبيقيًّا.

 

جدول (9): المقاربات النظرية لبحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوع المقاربة النظرية التكرار النسبة (%)
1 لا توجد مقاربة 31 46.96
2 الاعتماد على وسائل الإعلام 12 18.18
4 الاستخدامات والإشباعات 11 16.66
5 المجال العام 5 7.57
3 الفجوة المعرفية 2 3.03
6 التأطير الإعلامي 2 3.03
7 ترتيب الأجندة 2 3.03
8 التماس المعلومات 1 1.51
المجموع 66 100

 

ملاحظة: هناك دراسات اعتمدت أكثر من مقاربة نظرية.

 

أما الدراسات الأخرى، وعددها قليل، فقد استخدمت نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام بنسبة 18.18%، ونظرية الاستخدامات والإشباعات بنسبة 16.66%، ونظرية المجال العام بنسبة 7.57%. ولاحظ الباحثون أثناء تحليل هذه المقاربات، التي تعالج ظاهرة اتصالية جديدة تتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي في المنطقة العربية، أن وحدات عينة الدراسة اكتفت بذكر النظرية ضمن الخطوات المنهجية والنظرية للبحث دون الاهتمام بها في بنائه، سواء من حيث المفاهيم والمتغيرات، أو في بناء أدوات البحث العلمي، أو في تحليل البيانات وتفسيرها. ويبيِّن ذلك أن استخدام المقاربات النظرية الكلاسيكية في البحوث وتطبيقها على الظواهر الاتصالية الجديدة يتطلب فهمًا وإلمامًا كبيرًا بمختلف المراجع والمصادر والبحوث العلمية التي تناولت ظواهر مشابهة لأجل الاستفادة منها في عملية الإسقاط التطبيقي.

ولاحظ الباحثون أيضًا أن مقاربة المجال العام لم تحظ باهتمام كبير في عينة الدراسة، والتي جاءت نسبتها ضئيلة (7.57%) رغم ما تفتحه من أفق لفهم ما يحدث من تداول في الفضاء العام الرقمي ونقاش حول القضايا السياسية في المنطقة العربية، وتسهم في قراءة جيدة للارتباط بين منصات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي.

فعالية شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي في المنطقة العربية

كشفت الدراسة أن أغلبية وحدات العينة توصَّلت ضمن نتائجها البحثية إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية، وذلك بنسبة 66.12%. وقد أثبتت هذه الدراسات أن استخدام مختلف فئات المجتمع العربي لشبكات التواصل الاجتماعي في مناسبات كثيرة دفع بهم إلى المشاركة السياسية أو إلى زيادة وعيهم السياسي إزاء القضايا والأحداث التي تحصل في المنطقة العربية. كما أن الاستخدام اليومي لهذه الشبكات دفعهم إلى المشاركة في الحراك الشعبي الذي عاشته المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، وأيضًا التفاعل مع مختلف الأخبار والقضايا السياسية التي تتم مناقشتها عبر فضاءات الشبكات الاجتماعية. وقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنطقة العربية في زيادة المعلومات السياسية لدى فئة الشباب والطلبة الجامعيين والرأي العام العربي، وهو ما أشار إليه العديد من وحدات عينة الدراسة.

وأكد بعض الدراسات أن مواقع التواصل الاجتماعي تُعد بيئة خصبة لتصفية الخلافات بين أصحاب ووجهات النظر المتعارضة، وأداة للنيل من المخالفين والهجوم عليهم، وهو ما يُغذِّي الاستقطاب السياسي بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي(32).

 

جدول (10): فعالية شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي

 

م مدى الفعالية التكرار النسبة (%)
1 مواقع التواصل الاجتماعي لها فعالية كبيرة في الاستقطاب السياسي 41 66.12
2 مواقع التواصل الاجتماعي لها فعالية محدودة في الاستقطاب السياسي 19 30.64
3 مواقع التواصل الاجتماعي ليس لها أي فعالية في عملية الاستقطاب السياسي 2 3.22
المجموع 62 100

 

وتوصَّل بعض وحدات عينة الدراسة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثيرها محدود في عملية الاستقطاب السياسي في المنطقة العربية بنسبة 30.64%. ويمكن تفسير ذلك بأن الأنظمة السياسية في بلدان عربية عدة لا تزال تفرض رقابة كبيرة على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في المجال السياسي، كما تفرض عقوبات كبيرة على من يستخدمها في عملية تشكيل الرأي العام حول قضايا اجتماعية أو سياسية قد تؤدي إلى حراك اجتماعي أو الثورة على الأنظمة الحاكمة. ولهذا مُنِع الشباب العربي في بلدان عربية من استخدام العديد من منصات التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي يعتبر تضييقًا على الحريات، وهو ما يفسر المتابعات الأمنية والمضايقات التي يتعرض لها الشباب، والزج بهم في السجون بسبب تدوينات عبر فيسبوك أو تويتر أو يوتيوب.

اتجاهات المبحوثين في بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

كشفت الدراسة أن الطلبة الجامعيين والشباب العربي يعتقدون أن شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثير قوي في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية بنسبة 68.88%، رغم الصعوبات والمضايقات التي فُرضت على مستخدمي هذه المنصات في بلدان عربية عدة. وتعتقد النخبة العربية أيضًا أن شبكات التواصل الاجتماعي ستبقى من أبرز الوسائط التي يمكن أن تُحدث أي تغيير في المنطقة العربية، حتى لو كانت هناك رقابة ومتابعات أمنية والزج بالشباب في السجون بسبب التدوينات عبر منصات التواصل الاجتماعي. ومما يثير الانتباه أن عددًا كبيرًا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يوجدون خارج بلدانهم العربية، ولهم نشاط كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 

جدول (11): اتجاهات المبحوثين في بحوث شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي

 

م نوعية الفئات تأثير قوي تأثير محدود المجموع
1 موقف طلبة الجامعة 20/44.44 03/15.78 23
2 موقف الشباب العربي 11/24.44 03/15.78 14
3 موقف الرأي العام 09/ 20.00 09/47.36 18
4 موقف النخبة العربية 05/11.11 02/10.52 7
المجموع 45/100 19/100 62

 

وتوصل بعض وحدات عينة الدراسة بنسبة 47.36% إلى أن الرأي العام العربي يعتقد بوجود تأثير محدود لشبكات التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية، نظرًا للبيئة السياسية والحقوقية التي تقمع الحريات في عدد من البلدان، والملاحقة الأمنية لمن يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على أفراد المجتمع.

أثر شبكات التواصل الاجتماعي على الاستقطاب السياسي

كشفت الدراسة أن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على عملية الاستقطاب السياسي في المنطقة العربية يختلف من منطقة إلى أخرى. فقد وردت مصر والجزائر والعراق والأردن ضمن البلدان العربية التي شهدت استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير في عملية تعزيز الوعي السياسي والمشاركة السياسية، وأيضًا الاستقطاب السياسي، سواء تعلق الأمر بالانتخابات أو الحملات السياسية التي تقوم بها الأحزاب السياسية داخل المنطقة العربية، بالإضافة إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تنوير الرأي العام بمختلف القضايا والأخبار السياسية التي تحدث في المنطقة العربية، وأيضًا صناعة الرأي العام حول القضايا المهمة التي تخدم مصلحته العامة. وقد أثبتت عينة الدراسة أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أسهم في نقل انشغالات الشباب إلى الجهات المعنية في بلدان عربية عدة. كما أن الثورات العربية التي حصلت في بلدان عربية كان أساسها مطالب الشباب التي كان عبَّر عنها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. وتوصلت الدراسة إلى أن بعض الأنظمة العربية لاتزال تفرض رقابة كبيرة على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصًا في مجال التنوير السياسي بمختلف القضايا المهمة التي تعيشها المنطقة العربية، ولا تزال هذه الأنظمة تعتقد أن الفوضى التي حصلت في بلدان عربية عدة سببها استخدام الشباب للشبكات الاجتماعية، وأيضًا ظهور أزمات سياسية بين بلدان عربية عدة بسبب استخدام منصات التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات والدعاية.

جدول (12): أثر شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب السياسي

 

م البلدان العربية تأثير قوي تأثير محدود المجموع
1 مصر 19 30.64 0 0 19
2 العراق 7 11.29 7 11.29 14
3 الجزائر 8 12.90 0 0 8
4 الأردن 4 6.45 1 1.61 5
5 الوطن العربي 2 3.22 2 3.22 4
6 الكويت 1 1.61 1 1.61 2
7 المغرب 2 3.22 0 0 2
8 السودان 2 3.22 0 0 2
9 السعودية 0 0 1 1.61 1
10 الخليج العربي 0 0 1 1.61 1
11 اليمن 1 1.61 0 0 1
12 فلسطين 1 1.61 0 0 1
13 تونس 1 1.61 0 0 1
14 عُمان 1 1.61 0 0 1
المجموع 49 100 13 100 62

 

ملاحظة: هناك دراسات أُنجزت في أكثر من بلد عربي.

 

ويبدو من خلال عينة الدراسة أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية تحكمه عوامل مختلفة؛ إذ إن لكل بلد عربي خصوصياته في ذلك، فهناك دول عربية لا تزال تعيش شعوبها وضعًا اقتصادًّيا متأزمًا، وظروفًا سياسية معقدة؛ مما يجعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي كبيرًا داخل هذه البلدان. في حين نجد تأثير هذه المواقع محدودًا في البلدان العربية التي تشهد استقرارًا سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.

 

خاتمة

في سياق البيئة الاتصالية الرقمية الجديدة، وما يمكن تسميته بـ”غزو الرقمنة”، واستغلالها بأوجه متعددة من قِبَل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، اهتمت الدراسات والبحوث العربية بشبكات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالاستقطاب السياسي، وأصبحت إحدى الإشكاليات البحثية الرئيسية التي حظيت بعناية الدارسين للشبكة الاجتماعية من شتى الزوايا. وهو ما يبدو من خلال الإشكاليات والفرضيات والتساؤلات المطروحة، والتي حاولت عينة الدراسة الإجابة عليها، وقد توصلت إلى عدد من النتائج في سياق سياسي عربي متحول وفي فضاء اتصالي متحرك ومتطور. وهنا، يمكن أن نشير إلى بعض القضايا في علاقة الشبكات الاجتماعية بالاستقطاب السياسي، حيث تمتد سلطة شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحقل السياسي والعكس أيضًا صحيح في تفاعل واضح مع التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في المنطقة العربية. لذا يتعاظم دور هذه الشبكات في عملية الاستقطاب السياسي مع تمددها في علاقات الأفراد اتساقًا مع تلك التغيرات.

لقد استدعت التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها الدول العربية خلال فترة عينة الدراسة، إعادة النظر في الإشكاليات العلمية المطروحة، لأن الشبكات الاجتماعية مكَّنت من حضور أصوات لطالما غابت عن واجهات الإعلام التقليدي حينًا، أو تعمَّد تغييبها أحيانًا أخرى، وبذلك فسحت الشبكات الاجتماعية للمستخدمين فرصة المشاركة في القضايا السياسية، وتكوين آراء عنها وإمكانية التأثير أيضًا في الرأي العام. كما جعلت المنصات الاجتماعية المستخدِم في مركز عملية الاستقطاب السياسي وفاعلًا أيضًا فيها، ومتلقيًا ومشاركًا ومنتجًا ومرسلًا، ليكون أحد مفاتيح المشاركة في المسائل السياسية. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أدوار تقوم بها الشبكات الاجتماعية، سواء فيما يتعلق بتعزيز وتشكيل الوعي السياسي، وفي تشكيل الاتجاهات إزاء المشاركة السياسية، وفي الاستخدامات السياسية لشبكات التواصل الاجتماعي لدى الشباب العربي.

لكن في المقابل أيضًا فإن هذه الدراسات محدودة النتائج في الزمن (2011-2022)، ويرجع السبب إلى التغير المستمر للتقنية وللجمهور؛ فالأولى محكومة دومًا بالتطور الحاصل في التكنولوجيا التي عندما تأتي بالجديد تلغي القديم، أما الثاني فمحكوم أيضًا بحاجاته اليومية وطرق إشباعها، لذلك يجب مراعاة نتائج الدراسة في إطار سياقها الاجتماعي والتاريخي. ويبدو مما سبق أن تحولات المجتمعات العربية خلال الفترة الزمنية المدروسة جعلت من شبكات التواصل الاجتماعي سلطة مغايرة تراهن عليها مجموعات سياسية وأحزاب وسلطات أيضًا.

كما تعكس الدراسة قدرة هذه الشبكات على إيصال الرسالة السياسية إلى الرأي العام، خاصة في حالات بعض الدول، مثل مصر بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك. كما اهتمت الدراسات أيضًا بالعلاقة بين الشبكات الاجتماعية والاستقطاب السياسي في العراق باعتبارها دولة تعيش حالة حراك اجتماعي وسياسي مستمر، تليها الجزائر التي عرفت أيضًا تحولات سياسية كبرى منذ 2011، إلى غاية استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في تعبئة الشارع في خضم الصمت المطبق للإعلام التقليدي.

وبسبب الشبكات الاجتماعية، لم نعُد اليوم أمام جمهور يسهل التَّحكُّم فيه، خاصة وأن عينة الدراسة توصلت إلى أن استخدام مختلف فئات المجتمع العربي لشبكات التواصل الاجتماعي في مناسبات كثيرة دفع بهم إلى المشاركة السياسية، أو إلى زيادة وعيهم السياسي بمختلف القضايا، واستخدامها في توجيه الرأي العام أو تنويره بمختلف المسائل السياسية التي تحصل في بلده. في المقابل أيضًا هناك التحكم الذي تمارسه بعض الأنظمة العربية، سواء عن طريق الإغلاق التام أو الفتح الجزئي أو فرض الرقابة الصارمة عليها، مما يجعل تأثير هذه المنصات محدودًا في عملية الاستقطاب السياسي بالمنطقة العربية.

من ناحية النتائج التي توصلت إليها عينة الدراسة، فإن الاكتفاء بالتحليل الكمي على حساب التحليل الكيفي، يُفقِد الدراسات قيمتها العلمية، لأن بعض البيانات تحتاج لمعرفة الخلفيات النظرية وطبيعة العلاقات الموجودة بين المتغيرات انطلاقًا من تجميع البيانات وفقًا لمناهج البحوث الكيفية التي تتطلب التدقيق والتركيز في تجميع البيانات وتحليلها وتفسيرها ضمن سياقات زمنية معينة. كما أن إهمال بعض البحوث للمداخل النظرية لدراسة ظاهرة اجتماعية تتحرك باستمرار بتغير التكنولوجيا، يجعل نتائجها غير مبنية على أساس تستند عليه. وفي المقابل، اعتمدت دراسات أخرى ثلاث نظريات، لكن دون أي إستراتيجية بحثية لتطبيق متطلباتها في تحليل نتائج تلك الدراسات، وهو ما يعني أن تفسير الظاهرة الاتصالية الجديدة التي ترتبط بالشبكات الاجتماعية وعلاقتها بالمسألة السياسية يتطلب أولًا فهم النظريات الكلاسيكية، وأن هذه الظاهرة الاجتماعية لا حدود لها ثانيًا، وهو ما يعني أيضًا أهمية التفكير في مقاربات اتصالية وإعلامية في علاقتها بالبيئة الاتصالية الجديدة.

وعلى الرغم من الجهد البحثي الذي بذلته عينة الدراسة في فهم العلاقة بين شبكات التواصل الاجتماعي والسياسة؛ إلا أن جلها أغفل علاقة هذه المنصات بالاستقطاب السياسي وكان التركيز أكثر على الوعي السياسي، والمشاركة السياسية من خلال استجواب المبحوثين بهذا الشأن. وتتطلب مسألة الاستقطاب السياسي وعلاقته بشبكات التواصل الاجتماعي تحليلًا متعمقًا للخطابات السياسية التي يتم تداولها عبر هذه المنصات من قِبَل الفاعليين السياسيين والحمولات الأيديولوجية لهذه الخطابات ومدى تأثير ذلك على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي. وتبدو نظرية المجال العام الأقرب في فهم ما يحدث من تفاعلات في شبكات التواصل الاجتماعي حول القضايا السياسية وتجاذباتها.

 

المراجع

(1) Swapan Deep Arora et al., “Polarization and social media: A systematic review and research agenda,” Technological Forecasting and Social Change, Vol. 183, (October 2022): 1-17.

(2) Emily Kubin and Christian von Sikorski, “The role of (social) media in political polarization: a systematic review,” Annals of the International Communication Association, Vol. 45, No. 3, (September 21, 2021): 188-206.

(3) إسماعيل العبسي، “التضليل المعرفي من قبل الفرقاء السياسيين لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي اليمنيين ومدى إدراكهم لأساليبه وآثاره”، المجلة العربية للعلوم الإنسانية (جامعة الكويت، المجلد 38، العدد 152، 2020)، ص 235-272.

(4) أميرة السيد، الإعلام الرقمي والحراك السياسي، (القاهرة، دار الكتاب الجامعي، 2015)، ص 87.

(5) فريال علوان، قاموس عام (عربي فرنسي)، (بيروت، دار الكتب العلمية، 2004)، ص 61.

(6) باديس لونيس، “وسائط الاتصال بين الاستعمال والاستخدام”، ورقة قُدِّمت في أشغال الملتقى الوطني الأول، مخبر استخدامات وتلقي المنتجات الإعلامية والثقافية في الجزائر، جامعة الجزائر، 2017.

(7) Farid Ait Yala, Social networks and the adolescent: a study on a sample of athletes in the sports secondary school in Draria in Algiers, (Algeria: Dali Ibrahim University, 2016), 48-73.

(8) Rahima Ateyeb Isani, “The Role of the Internet and Its Applications in Spreading Rumors,” Journal of the Media Researcher, No. 28, (2015): 171.

(9) Mohamed Belhi, Employing Multimedia in Electronic Media, (Algeria: University of Batna, 2016), 76.

(10) Hosni Awad, The Impact of a Training Program for the Development of Social Responsibility among the youth Using Social Media site, “Facebook”: The Experience of the Allar Youth Council as a Model, Sharjah Journal of Humanities and Social Sciences, Vol. 10, No. 2, (December 2013): 102.

(11) عامر إبراهيم قنديلجي، الإعلام والمعلومات والإنترنت، (عمان، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2013)، صن 334.

(12) جمال زرن، “الإعلام التقليدي والجديد في سياق تمدد الإعلام الاجتماعي وشبكاته”، مركز الجزيرة للدراسات، 27 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2023)، https://rb.gy/nk5nl.

(13) حميد زعاطشي، “الاستقطاب السياسي في شمال إفريقيا وتأثيره على مسار التحولات السياسية الراهنة”، مجلة البحوث السياسية والإدارية (جامعة زيان عاشور الجفلة، الجزائر، العدد 12، 31 ديسمبر/كانون الأول 2018)، ص 303-332.

(14) Tuuli-Marja Kleiner, “Public Opinion Polarization and Protest Behaviour,” European Journal of Political Research, Vol. 57, No.4, (January 12, 2018):1-22

(15) أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، (القاهرة، عالم الكتب، 2008)، ص 1830.

(16) محمد الفاتح حمدي، سميرة سطوطاح، مناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال وطريقة إعداد البحوث، (الأردن، دار حامد للنشر والتوزيع، 2017)، ص 130.

(17) Nida Denson, Michael H. Seltzer, “Meta-Analysis in Higher Education: An Illustrative Example Using Hierarchical Linear Modeling,” Research in Higher Education, Vol. 52, (November, 2011): 215-244.

(18) عبد الرحمن فراج، “التحليل اللاحق Meta-analysis أسلوبًا للبحث في مجال المكتبات وعلم المعلومات: الإنتاج الفكري في موضوع اتجاهات الباحثين نحو الوصول الحر نموذجًا”، دراسات عربية في المكتبات وعلوم المعلومات (دار غريب للنشر والطباعة، مصر، المجلد 14، العدد 1، 2009)، ص 10-89.

(19) ياسر غريب، “هل يسبب الإنترنت الاستقطاب السياسي؟”، العربي الجديد، 20 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، https://rb.gy/ifex0.

(20) Angela Eichhorst, “Oxford study finds social media manipulation in all 81countries surveyed,” Cherwell, January 25, 2021, “accessed November 20, 2022”. https://bit.ly/3NzOzL4.

(21) Dominic Spohr, “Fake news and ideological polarization: Filter bubbles and selective exposure on social media,” Business Information Review, Vol. 34, No. 3, (August 23, 2017): 150-160.

(22) برهان غليون، “الاستقطاب السياسي العربي بين المعارضة والموالاة”، مدونة برهان غليون، 12 سبتمبر/أيلول 2007، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2023)، https://rb.gy/znwer.

(23) شريف درویش اللبان، “استخدامات الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته باتجاهاتهم السیاسیة”، آفاق سياسية (المركز العربي للبحوث والدراسات، القاهرة، العدد 29، 2016)، 79-86.

(24) عبير بسيوني، السياسة الخارجية الأميركية في القرن الحادي والعشرين، (القاهرة، دار النهضة العربية، 2011)، ص 112.

(25) Rune Karlsen et al., “Echo Chamber and trench warfare dynamics in debates,” European Journal of Communication, Vol. 32, No. 3, (2017): 257-273.

(26) عبد الرحيم رحموني، “نحو آليات عملية للتوعية السياسية لدى المواطن العربي: قراءة سوسيوسياسية”، مجلة المستقبل العربي (مركز الوحدة العربية، بيروت، العدد 471، 2018)، ص 35-48.

(27) حنين الجعفري، “لماذا يحجم الشباب عن المشاركة السياسية؟”، الرأي، 8 مارس/آذار 2012، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2023)، https://rb.gy/pk6rr.

(28) هشام عكوباش، “المقاربة السيميائية للرسالة الإعلامية واستكشاف القيمة”، مجلة العلوم الاجتماعية (جامعة الأغواط، الجزائر، المجلد 8، العدد 1، 2018)، ص 37-50.

(29) نصر الدين لعياضي، “الرهانات الإبستمولوجية والفلسفية للبحث الكيفي: نحو آفاق جديدة لبحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية”، مجلة الشؤون الاجتماعية (جامعة الشارقة، الإمارات، المجلد 27، العدد 107، 2010)، ص 111-137.

(30) خالد نايلي، “الإعلام الجديد والتوجه نحو البحوث الكيفية: قراءة الرهانات لدى عينة من الباحثين في الإعلام والاتصال في الجزائر”، مجلة المعيار (جامعة الأمير عبد القادر، الجزائر، المجلد 23، العدد 48، 2019)، ص 323-334.

(31) علي عبد الفتاح، الإعلام الاجتماعي، (عمان، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2014)، ص 6.

(32) علاء محمد عبد العاطي، “استخدام الشباب الجامعي لمواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاستقطاب السياسي لديهم في إطار نظرية المجال العام: دراسة ميدانية”، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، القاهرة، العدد 54، 2020)، ج 5، ص 2997.

 

 

 

* د. محمد الفاتح حمدي، أستاذ مساعد بقسم الإعلام، جامعة قطر.

Dr. Mohamed E. Hamdi, Assistant Professor of Mass Communication at Qatar University.

** د. هشام عكوباش، أستاذ مساعد بقسم الإعلام، جامعة قطر.

Dr. Hichem Akoubache, Assistant Professor of Mass Communication at Qatar University.

*** د. فتيحة زماموش، أستاذة باحثة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في جامعة منوبة- تونس.

Dr. Fatiha Zemmamouche, Research Professor at the Institute of Press and Information Sciences, Tunisia.