ملخص:
تتتبَّع الدراسة تحولات المنظومة الإعلامية في اليمن، خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2023 التي تُعد الأشد اضطرابًا في تاريخ الإعلام اليمني. وتبحث تأثير التحولات السياسية وظروف الصراع والحرب في الحالة الإعلامية اليمنية واتجاهاتها. ينطلق التحليل من المنظور البيئي الأشمل للمنظومة الإعلامية، من خلال تفحُّص شبكة علاقاتها المتداخلة سياسيًّا وتشريعيًّا واقتصاديًّا ومهنيًّا، لمعرفة أي نموذج تُمثِّله المنظومة الإعلامية في اليمن. تعتمد الدراسة منهج دراسة الحالة في استقصاء تحولات المنظومة الإعلامية اليمنية، واستعانت بإجراء مقابلات نوعية معمقة مع عينة قصدية تتكوَّن من (12) مبحوثًا من الصحفيين والخبراء والأكاديميين. توصلت نتائج الدراسة إلى وجود انقسام واسع وحاد في المنظومة الإعلامية، شمل الوسيلة والخطاب والمؤسسة والصحفيين والكيان النقابي والجمهور. وفي سياق التفكُّك، انتكس نموذج العمل الصحفي التعددي وتحوَّل إلى نمط الاستقطاب. وهو نموذج هجين يجمع بين النموذجين التعددي والتعبوي، ومن سماته الحالة التصادمية والإكراهات المتدفقة في العملية الاتصالية المشحونة بالعنف والعدائية والعدوان المتبادل. وترى الدراسة أن المنظومة الإعلامية اليمنية حالة فريدة متطرفة في الاستقطاب السياسي للهيمنة على الخطاب العام والتحكم في الفضاء العمومي.
كلمات مفتاحية: الإعلام، نموذج الاستقطاب، الصحافة التعددية، صحافة الحرب، اليمن.
Abstract:
The study traces the transformations of the media system in Yemen from 2011 to 2023, which is considered the most tumultuous in the history of Yemeni media. It examines the impact of political changes and the circumstances of the conflict and war on the Yemeni media landscape and its trends. Starting from a comprehensive environmental perspective of the media system, the analysis examines its interrelated political, legislative, economic and professional relationships to determine the model represented by the Yemeni media system. The study adopts a case study approach to investigate the transformations of the Yemeni media system and relies on in-depth qualitative interviews with a purposive sample of 12 researchers, journalists, experts and academics. The findings of the study reveal a vast and severe divide within the media system, including the medium, discourse, institution, journalists, the syndicate and the audience. In the context of fragmentation, the pluralistic journalistic model has collapsed and transformed into a model of polarisation. It is a hybrid of both pluralistic and partisan models, characterised by confrontation and ongoing constraints in a communication process that is marked by violence, hostility and mutual aggression. Furthermore, the study considers the Yemeni media system a unique and extreme case of political polarisation aimed at dominating public discourse and controlling the public sphere.
Keywords: Media, Polarisation Model, Pluralistic Journalism, War Journalism, Yemen.
مقدمة
اقترنت التعددية الصحفية في اليمن بالتعددية السياسية التي كفلها دستور الجمهورية اليمنية، في أعقاب إعادة الوحدة بين شطري اليمن، في الثاني والعشرين من مايو/أيار 1990. وفي هذا السياق، تمتعت اليمن بهامش نسبي من حرية امتلاك الصحف وإصدارها وحرية التعبير عن الرأي، وساعد ذلك في تَشكُّل مجال عمومي ينبض بالسجالات الفكرية بين الاتجاهات المتباينة. كما سمح بإثارة النقاش في عدد من قضايا الشأن العام، وفي عدد آخر من القضايا المثيرة للجدل أو المسكوت عنها في المجتمع. وعلى مدى عقدين من الزمن، كانت الصحافة اليمنية تعيش مناخًا من الحرية على نحو لم تعهده من قبل، وإن اعترتها بعض الأحيان ممارسات تسلطية، تعبِّر عن ضيق أفق السلطة الحاكمة وانزعاجها مما يُنشر.
بحلول العام 2011، كانت السلطة السياسية الحاكمة تواجه مأزقًا سياسيًّا يتعلق بإصلاح النظام الانتخابي ومنظومة الحكم، وتراقب بحذر غليان الشارع العربي في تونس ومصر قبل أن تجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع احتجاجات شعبية متنامية (11 فبراير/شباط- 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011). انقسمت وسائل الإعلام اليمنية إزاء ذلك بين مؤيد للاحتجاجات، ومعارض لها موالٍ للسلطة الحاكمة، وقامت بأدوار تعبوية واستقطابية وتحريضية دفعت بالمشهد الإعلامي نحو وضع فوضوي غير منضبط. وقادت مآلاتُ تعثر مسار الانتقال السياسي في اليمن إلى إعادة إنتاج الهياكل التسلطية بأشكال أخرى، وتموضع المنظومة الإعلامية في مركز الاستقطاب السياسي، وتحولها إلى أهم الأدوات الحاسمة لإحداث الهيمنة والسيطرة الفكرية والثقافية في صراع شركاء السلطة في اليمن.
أنتجت حالة الصراع والتشرذم السياسي والإعلامي في اليمن وضعًا معقدًا بالتباينات والتناقضات والثنائيات التصادمية. فقد كان النظام ديمقراطيًّا نسبيًّا وأصبح تسلطيًّا، وكان الإعلام تعدديًّا حرًّا وبات شموليًّا مقيدًا ومراقبًا، وكان له إسهام في إحداث التغيير السلمي عام 2011، لكنه اليوم يُغذِّي عنف الصراع السياسي، وأيضًا صراع الأفكار بين النخب التقليدية والنخب الجديدة، بين القوى السياسية والقوى المليشاوية، بين الحرب والسلام، بين الزيف والحقيقة، بين الهوية الوطنية والهويات الضيقة، بين مشروع الدولة الحديثة ومشاريع التفكيك والتقسيم، بين الانجرار للماضي والتطلع للمستقبل. وتثير هذه السياقات سؤالًا إشكاليًّا: أي نموذج تُمثِّله المنظومة الإعلامية في اليمن بعد عقد من انتفاضة فبراير/شباط 2011؟ وكيف أثرت التحولات السياسية وظروف الصراع والحرب في المنظومة الإعلامية باليمن؟ وفي أي اتجاه؟
تسعى الدراسة إلى تحليل المنظومة الإعلامية في اليمن خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2023، وتتبَّع التحولات التي طرأت عليها خلال هذه الفترة التي تُعد الأشد اضطرابًا في تاريخ الصحافة اليمنية واليمن عمومًا. ويكتسب هذا الحقل البحثي أهمية خاصة لاعتبارات عديدة، أولها أن التحليل يأخذ في الاعتبار المنظور البيئي الأشمل للمنظومة الإعلامية في اليمن، من خلال تفحص شبكة علاقاتها المتداخلة سياسيًّا وتشريعيًّا واقتصاديًّا ومهنيًّا. كما أن دراسة تحولات المنظومة الإعلامية باليمن في سياق زمني استثنائي وحديث يُمثِّل أحد أوجه الأهمية للدراسة؛ إذ توثق لفترة زمنية معاصرة ومهمة في تاريخ الصحافة اليمنية. فضلًا عن أنها تتيح تتبُّعًا زمنيًّا لخط الأحداث بعد انتفاضة فبراير/شباط 2011 وأثرها في تحولات المشهد الإعلامي باليمن. ومن جانب آخر، تُشكِّل الدراسة مراجعة تقييمية لنموذج العمل الصحفي والإعلامي الراهن في اليمن، تأتي بعد عقدين على تصنيف وليم روو (William Rugh) للصحافة اليمنية ضمن نموذج الصحافة التعددية(1)، وستمثل نتائجها إضافة علمية، سواء على مستوى تحديث معطيات نموذج الصحافة اليمنية، أو على مستوى تشخيص مكامن الخلل في المنظومة الإعلامية، كما ستوفر أيضًا منطلقًا لاهتمامات بحثية مستقبلية.
- اعتبارات منهجية ونظرية
الإستراتيجية البحثية
تنتمي الدراسة إلى البحوث النوعية الكيفية التي تستهدف “فهم الواقع الاجتماعي وتفسيره”(2) عبر “دراسة الأشياء في بيئاتها الطبيعية من خلال ممارسات منهجية تفسيرية تجعل العالم مرئيًّا”(3). وتندرج ضمن الاتجاه النقدي للبحث النوعي، الذي ينظر في “الطرق التي تؤثر بها الظروف الاقتصادية والسياسية والجنسانية والعرقية في المعتقدات والسلوك والتجارب”(4). ولفهم التغيرات الطارئة في المنظومة الإعلامية في اليمن، يعتمد هذا التحليل الكيفي منهج دراسة الحالة للمجتمعات الذي يُعرف بأنه “جمع منهجي لمعلومات كافية حول مجتمع معين تُمكِّن الباحث من الفهم والوعي لما يحدث في ذلك المجتمع”(5). تطبيقًا على مجتمع الصحافة والإعلام في اليمن، أجرى الباحث مقابلات نوعية معمقة مع عينة قصدية محدودة من النخبة الأكاديمية والإعلامية قوامها (12) مبحوثًا، ضمت عددًا من الخبراء والباحثين الأكاديميين وكبار الصحفيين ورؤساء المؤسسات الإعلامية في اليمن. وتألَّف دليل المقابلات من (13) سؤالًا مفتوحًا، تتوزع على خمسة محاور عامة، تناولت علاقة المنظومة الإعلامية بالبيئة السياسية، والبنية التشريعية، والنماذج الاقتصادية، والممارسة المهنية، بالإضافة إلى دور الجسم الصحفي وآليات التنظيم الذاتي. شارك في مناقشة هذه المحاور (9) من المبحوثين ويُشكِّلون ما نسبته 75%، فيما جرى توجيه أربعة أسئلة أخرى ذات طبيعة تخصصية إلى (3) آخرين، يُشكِّلون ما نسبته 25%، وهم: مسؤول بوزارة الإعلام لإيضاح الموقف الحكومي من كسر احتكار الفضاء السمعي البصري وتنظيم العمل الإعلامي، بالإضافة إلى خبيرين متخصصين: الأول في الأمن السيبراني والبيئة الرقمية في اليمن، والآخر في برامج دعم وسائل الإعلام اليمنية. وجرى الاستعانة بتطبيق الدردشة الفورية “الواتساب” لإجراء بعض المقابلات عبر المحادثة الصوتية، وأخرى بالتراسل النصي طبقًا لتفضيلات المبحوثين، وذلك خلال الفترة الممتدة من 23 مايو/أيار إلى 26 يونيو/حزيران 2023. كما استعانت الدراسة بمجموعة من البحوث العلمية والتقارير الحديثة التي قدمت وفرة من المعطيات والمؤشرات المحينة عن واقع المنظومة الإعلامية في اليمن.
الإطار النظري
تستند الدراسة إلى مقاربة النظرية المختلطة أو الهجينة (Hybridity Theory) وتعتمدها إطارًا نظريًّا ملائمًا لتأطير التناقضات والتباينات التي تكتنف نموذج العمل الصحفي في اليمن. ويشير مفهوم “التهجين” (Hybridity) إلى عمليات الاختلاط الثقافي التي تكون فيها الهيمنة والمقاومة مكونين لبعضهما البعض(6)، بحيث تعبِّر عن التوترات بين نظرتين أو أكثر(7). ويُعد التهجين مفهومًا محفوفًا بالمخاطر، كما يلاحظ الأكاديمي مروان كريدي، فبدلًا من فكرة واحدة أو مفهوم موحد، فهو عبارة عن اتحاد للأفكار والمفاهيم والموضوعات التي تُعزِّز بعضها البعض وتناقضها في آن واحد. وتشير الطبيعة المتنوعة والمتناقضة إلى تحديات خاصة في إدارة الهجين، تتعلق بقبول التناقض(8). والبيئة الثقافية المعاصرة “مزيج من التأثيرات الثقافية المختلطة والمركبة والمتراكبة على بعضها البعض”(9)، تُمثِّل أشكال التعبير الثقافي الهجينة خلالها مؤشرات مهمة على التغييرات العميقة التي تحدث بفعل ديناميات الهجرة والاختلاط، والعولمة، وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، والتعددية الثقافية التي تسلط الضوء على الانقسامات الثقافية العميقة في المجتمع(10).
نشأ مفهوم التهجين في حقل العلوم الطبيعية، مثل الزراعة والبستنة، بتطوير سلالات جديدة من النبات أو الفاكهة عبر تطعيمها بأخرى. وفي علم الوراثة، من خلال هندسة الجينات وتمازج الأجناس. ويشير التهجين اليوم أيضًا إلى الهندسة الوراثية الحيوية وما بات يُعرف بـ”الكائنات الإلكترونية”، وهي مجموعات من البشر أو الحيوانات تحمل رقائق إلكترونية لتحديد الهوية(11). وقد أثبت التهجين أنه مفهوم يصلح أيضًا لوصف الأدوات الإلكترونية متعددة الأغراض، والبذور الزراعية المهندسة جينيًّا، والسيارات الصديقة للبيئة ذات الاحتراق المزدوج، والشركات التي تمزج بين ممارسات الإدارة الأميركية واليابانية، والأشخاص متعددي الأعراق، والمواطنين المزدوجين هوياتيًّا، وثقافات ما بعد الاستعمار(12). وقد أدى تعدد التخصصات في العلوم إلى ظهور “أشكال هجينة جديدة”، مثل الاقتصاد البيئي. ويتجه التفكير في الوقت الحاضر نحو التهجين الثقافي، وخصوصًا نحو الأنماط الأكثر شيوعًا، مثل التهجين اليومي في الهويات وسلوك المستهلك ونمط الحياة وما إلى ذلك(13).
دخل مفهوم التهجين حقل العلوم الاجتماعية أولًا عن طريق أنثروبولوجيا الدين، من خلال فكرة التوفيق بين المعتقدات والاندماج الديني. وانتقل من التخصصات التقليدية، مثل الأدب والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع إلى المجالات متعددة التخصصات. وتأثر حقل الاتصال والإعلام أيضًا بهذا الاتجاه(14)، وجرى استخدامه في دراسات الاتصال الدولي وأنثروبولوجيا الاتصال. تُحدِث ممارسات الاتصال المتنوعة، مثل الصحافة والإنتاج الإعلامي والتلقي، أنماطًا من التهجين كفكرة أو أيديولوجيا أو تجربة(15). ويرى الأكاديمي مروان كريدي، في كتابه: “التهجين أو المنطق الثقافي للعولمة”، أن خطابات المزيج الثقافي قد خدمت تاريخيًّا أيديولوجيات التكامل والسيطرة وليس التعددية والتمكين(16)، من خلال إعادة إنتاج علاقات الهيمنة الثقافية. ومن المهم وضع كل تحليل للتهجين الثقافي في سياق محدد؛ حيث تتم معالجة الظروف التي تُشكِّل التهجينات، والسياقات السياسية الاقتصادية التي يتم فيها إنتاج المضامين الإعلامية الهجينة واستهلاكها(17).
خلال مراحل الانتقال السياسي، تُقدِّم النظرية المختلطة أداة تحليلية إجرائية لمراقبة العناصر المختلفة في النظام، ونواحي الخلل المتعددة في عملية تكييف الممارسات والمؤسسات مع الوضع الجديد(18)؛ إذ تتعاظم حدة التنافس بين أطراف الصراع على ثلاثية السيطرة، والممارسة السياسية، ووسائل الإعلام، خصوصًا أن عملية التكييف السياسي للمؤسسات والممارسات قد تتعارض وتتناقض بفعل الصراع. يأتي توظيف النظرية المختلطة في هذه الدراسة محاولة لفهم التحولات التي تشهدها المنظومة الإعلامية في اليمن، في سياق رهانات الاستقطاب السياسي الحاد والتنافس الهوياتي متعدد الأقطاب للهيمنة على الخطاب العام والسلطة الإعلامية والثقافية في المجتمع. ويشير الاستقطاب في هذه الدراسة إلى حالة انقسام الاتجاهات والمواقف السياسية والإعلامية والاجتماعية في المجتمع اليمني مدفوعة بكراهية كل اتجاه للاتجاه الآخر واستعدائه. ويساعد الانطلاق من النظرية المختلطة في تقديم قراءة نقدية لمتناقضات البيئة الإعلامية في اليمن، وإعادة تعريف للفضاء العام الذي يبدو معكوسًا؛ إذ ينتقل من فضاء تعددي يرنو لمزيد من الحريات إلى فضاء تسلطي أشد انغلاقًا وتقييدًا.
- المنظومة الإعلامية اليمنية والسباق على الجمهور
تعمل في اليمن ثلاث مؤسسات صحفية حكومية، هي: “الثورة” في صنعاء، و”14 أكتوبر” في عدن، و”الجمهورية” في تعز. ويصدر عنها ثلاث صحف يومية وعدد آخر من الصحف الأسبوعية والمجلات الشهرية. إلى جانب ذلك، هناك نحو (497) صحيفة أخرى مرخصة من وزارة الإعلام(19) حتى نهاية العشرية الأولى من الألفية الثالثة، كانت تصدر عن الأحزاب والمؤسسات الصحفية الأهلية والأفراد. وقد توقف معظم الإصدارات الصحفية بفعل الإكراهات السياسية والاقتصادية والأمنية للحرب، “ولم يصدر عن وزارة الإعلام في الحكومة الشرعية أي تراخيص لإصدارات صحفية جديدة خلال الفترة (2015-2023)”(20). في المقابل، تنامت مواقع الصحافة الإلكترونية في اليمن على نحو تعددي، يعبِّر عن تنافس مختلف الفاعلين السياسيين لتأثيث المجال العام في اليمن بالنقاش والجدال وعرض وجهات النظر المختلفة. وقد رصدت منصة “خيوط” إطلاق (143) موقعًا إخباريًّا جديدًا، خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2014 إلى أبريل/نيسان 2021، من مجموع (236) موقعًا إخباريًّا نشطًا ذات توجهات متباينة(21). يغلب عليها الطابع غير الحكومي؛ ما يعني أن مواقع الصحافة الإلكترونية اليمنية خاضعة إما لرأس المال الحزبي أو الخاص(22). وتبقى تلك الأرقام تقديرية غير رسمية في ظروف الحرب؛ نظرًا لانقسام السلطات الرسمية، وغياب الإحصائيات الدقيقة، وفوضى التنظيم الإعلامي من حيث انتظام الصدور والتوقف.
رغم حالة التعددية في الصحافة اليمنية المكتوبة والإلكترونية، إلا أن جهاز الإذاعة والتليفزيون بقي محتكرًا بيد الدولة، ومرتبطًا بالأجندة السياسية للسلطة الحاكمة، يعبِّر عن سياساتها الرسمية وينقل توجهاتها إلى الجمهور. تمتلك الدولة (4) قنوات تليفزيونية، هي: “اليمن” عام 1975، و”عدن” عام 1964، و”سبأ”، و”الإيمان” وهما قناتان متخصصتان، أطلقتهما الحكومة من صنعاء عام 2008. ورغم قِدَم تأسيس قناة “عدن” الحكومية في مدينة عدن، فإنه ولأسباب سياسية تتحكَّم الدولة في البث الفضائي للقنوات الأربع عبر محطة إرسال فضائي مركزية في العاصمة صنعاء. بالإضافة إلى ما سبق، هناك إذاعتان مركزيتان، واحدة في صنعاء والأخرى في عدن، و(9) محطات إذاعية محلية في بعض المحافظات، وتخضع جميعها لإشراف مباشر وتحكُّم تام من وزارة الإعلام، عبر هيئة حكومية تديرها هي المؤسسة اليمنية العامة للإذاعة والتليفزيون.
فشلت القوى السياسية والنخب الحداثية في تحرير الفضاء السمعي البصري من قبضة السلطة السياسية الحاكمة في اليمن، وباءت كل المحاولات بالتعثر بذريعة عدم وجود تشريع قانوني ينظم الإعلام الإذاعي والتليفزيوني في اليمن. وقد شكَّلت المسارات المعقدة لعلاقة السلطة الحاكمة بأحزاب المعارضة من جهة، وبالصحافة اليمنية من جهة أخرى وميلها للتأزم أكثر مع السلوك التسلطي للحاكم، إرهاصات للتمرد وكسر الاحتكار السياسي للفضاء السمعي البصري. وتُعد قناة “السعيدة” الفضائية أول قناة تليفزيونية يمنية خاصة انطلق بثها الفضائي عام 2007 من خارج الحدود، تلتها في الظهور، منتصف 2009، قناة “سهيل” المملوكة لرجل الأعمال، حميد الأحمر، وهو برلماني معارض عن حزب التجمع اليمني للإصلاح. وشكَّل انطلاق بث القناتين كسرًا لاحتكار الفضاء السمعي البصري في اليمن. ودفع هذا التحول بأطراف موازية أخرى لخوض المنافسة الإعلامية على مجال الاستقطاب الجماهيري، ولكن بهويات متعددة. ظهرت قناة “العقيق” في 2010، وقناة “اليمن اليوم” في 2012، وتتبعان الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، بالإضافة إلى قنوات “آزال” 2012، و”معين” 2013، القريبتين من النظام السابق.
بالمقابل، انطلق بث قناة “يمن شباب”، القريبة من اتجاه قناة “سهيل”، في 2011، وقد مثَّلتا معًا صوت الانتفاضة الشعبية السلمية 2011. ومع نهاية العام 2014، التحقت بهما قناة “بلقيس” التي تبث من إسطنبول، وتملكها عضو حزب الإصلاح، توكل كرمان، الحائزة لجائزة نوبل للسلام. ثم انطلق، في مارس/آذار 2020، بث قناة “المهرية”، وجميعها تتبنى ذات الخط الإعلامي والموقف السياسي. في الجانب الآخر، انطلق بث قنوات “المسيرة” في 2012، و”الساحات” في 2013، ثم “الهوية” في 2017، و”اللحظة” في 2018، وتتبع جميعها جماعة الحوثي التي تُعرف سياسيًّا باسم “أنصار الله”. فيما انطلق بث قنوات “عدن لايف” في 2009، و”المصير” في 2013، و”صوت الجنوب” في 2014، و”الغد المشرق” في 2016، وجميعها تدعم توجهات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي تنادي باستعادة دولة الجنوب وفك الارتباط عن دولة الوحدة اليمنية. كما شهد الفضاء الإعلامي في اليمن أيضًا ميلاد قناة “رشد” عام 2013، وتتبع حزب الرشاد السلفي. وفي العام 2023، جرى إطلاق قناة “الجمهورية”، ويملكها العميد طارق صالح، نجل أخ الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، والذي أصبح عضوًا في المجلس الرئاسي. و”منذ العام 2007، لم يكن لدى الحكومة اليمنية توجه واضح لتحرير الفضاء السمعي والبصري، وظلت تتأرجح ما بين نظرة الريبة والحذر والعجز عن اتخاذ إجراء معين بشأن القنوات التليفزيونية الخاصة، وظل جهدها منصبًّا على دراسة كيفية تنظيم البث الإعلامي إذاعيًّا وتليفزيونيًّا وإلكترونيًّا”(23).
على غرار القنوات التليفزيونية الخاصة، انتهز الجميع حالة الفراغ السياسي والتشريعي بعد انتفاضة 2011 لإطلاق مشروعاتهم الإذاعية الخاصة والمجتمعية، التي تضاعف عددها من بضع محطات إذاعية عام 2011 إلى أكثر من 30 محطة(24). ويُعد راديو “يمن FM”، التابع للمؤتمر الشعبي العام، أول محطة إذاعية خاصة عام 2011، تلتها إذاعة “يمن تايمز” لتكون المحطة الثانية، ثم إذاعة “صوت اليمن”. وتُمثِّل الفترة الممتدة بين 2011 و2014 فترة تاريخية مهمة للإذاعات المجتمعية والخاصة في اليمن، فقد كان خطابها متنوعًا وناقدًا، مستفيدة من المناخ التحرري للفترة الانتقالية(25). أتاح امتلاك أطراف الصراع السياسي في اليمن للقنوات التليفزيونية الفضائية مرونة فائقة في إبلاغ رسائلهم السياسية إلى الجمهور العام، وقدرة على التأثير في اتجاهات الرأي العام بشأن قضايا الأزمة اليمنية. ويعكس ذلك أمرين، الأول: حالة انفتاح للفضاء السمعي البصري في اليمن، تُمثِّل كسرًا لاحتكار سياسي دام أربعة عقود، لكن هذا الانفتاح لا يستند إلى أي تشريعات قانونية تنظم استغلال هذا الفضاء. الثاني: التحول الوظيفي للوسيلة الإعلامية الذي أحدثه تحرير الفضاء السمعي البصري، من الضبط إلى الاستقطاب، ومن التوجيه إلى التمكين. وهو تحول مهم في الاتصال السياسي يستند إلى تحرير المجتمع من سيطرة الحكومة.
بالمقابل، يعكس هذا التحول تنافسًا محمومًا على مجال الاستقطاب الجماهيري بين فرقاء سياسيين، يتبارون في إنتاج مضامين إعلامية متباينة سياسيًّا وثقافيًّا، لجمهور مجزأ وغير متجانس، ومنقسم في الأصل بين اتجاهات وانتماءات وولاءات متعارضة. ولذلك، لم تعكس تعددية القنوات التليفزيونية اليمنية تنوعًا ثقافيًّا بقدر ما عكست تنوعًا في الأجندة السياسية التي تقف خلف نشأتها، وتحولها إلى إحدى أدوات الصراع. ويمكن تلخيص تطور وسائل الإعلام باليمن في كلمة مفتاحية وهي التشرذم؛ إذ تراجع دورها وانحسر إلى أداة إعلام، تنتج روايات حساسة في بلد مستقطب سياسيًّا(26). ووفقًا لدراسة مسحية عن ملكية وسائل الإعلام في اليمن أعدتها نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، فإن وسائل الإعلام اليمنية تتشكَّل من نحو (365) وسيلة إعلامية مختلفة بحلول العام 2023، أغلبها تتبع أطراف الصراع السياسي في اليمن بنسبة 77%؛ مما يعكس دورها الوظيفي في إدارة الصراع على نحو استقطابي يخدم أطراف الصراع أنفسهم. واستنادًا للدراسة نفسها، تضم خريطة وسائل الإعلام في اليمن (132) صحيفة ومجلة، و(26) قناة تليفزيونية فضائية، و(60) محطة إذاعية محلية، و(147) موقعًا إخباريًّا إلكترونيًّا(27)، لكن (165) وسيلة منها توقفت بسبب ظروف الحرب(28).
جدول (1): توزيع وسائل الإعلام اليمنية بحسب نمط الملكية*
م | الوسيلة | أطراف الصراع | خاصة | المجموع | |||
العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | ||
1 | الصحف الورقية | 100 | 75.75 | 32 | 24.25 | 132 | 100 |
2 | القنوات التليفزيونية | 23 | 88.46 | 3 | 11.54 | 26 | 100 |
3 | المحطات الإذاعية | 40 | 66.66 | 20 | 33.34 | 60 | 100 |
4 | المواقع الإلكترونية | 118 | 80.27 | 29 | 19.73 | 147 | 100 |
المجموع | 281 | 77 | 84 | 23 | 365 | 100 |
* لتحديد نمط الملكية، جرى حساب النسبة المئوية من المجموع العددي لكل وسيلة وليس من الإجمالي الكلي لوسائل الإعلام.
المصدر: بيانات الجدول استقاها الباحث من دراسة بعنوان “ملكية واستقلالية وسائل الإعلام في اليمن”، نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، 2023.
- أشكال العلاقة بين الإعلام والنظام السياسي
لعله من الصعب الحديث عن طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والنظام السياسي في وضع غير مستقر للبلد؛ إذ “تبدو ملامح النظام السياسي الموحد في اليمن خلال الفترة (2011-2023) غائبة بفعل انخراط مراكز القوى المختلفة في الصراع على السلطة والنفوذ، وكانت الصحافة ووسائل الإعلام جزءًا من أدوات ذلك الصراع”(29). ويمكن تناول تلك العلاقة (السياسية-الإعلامية) وفق مرحلتين مختلفتين تعكسان تحولات بيئة الاتصال في اليمن، امتدادًا للتغيرات السياسية التي طرأت على سلطة الحكم. فقد “شهد اليمن خلالها سلسلة أزمات سياسية، أثرت سلبيًّا في رؤية كل من يحكم إلى دور الصحافة في المجتمع”(30)، و”افتقادها في المجمل إلى رؤية مجتمعية واضحة لدور الصحافة ووسائل الإعلام في المجتمع”(31). ويبقى القاسم المشترك ممثلًا في مخاوف السلطة الحاكمة في كل منطقة جغرافية من الصحافة حتى وإن أظهرت خلاف ذلك(32).
– المرحلة الأولى (11 فبراير/شباط 2011- 22 يناير/كانون الثاني 2015)
وتغطي أربعة أعوام تضم مرحلة الفعل الثوري والفترة الانتقالية. وتمتد من الانتفاضة الشعبية، في 11 فبراير/شباط 2011، إلى استقالة رئيس الجمهورية السابق، عبد ربه منصور هادي، نتيجة فشل الاتفاق مع جماعة الحوثي، في 22 يناير/كانون الثاني 2015. وقد شهدت هذه المرحلة انطلاق الانتفاضة الشعبية السلمية، وانتقال السلطة وفقًا للمبادرة الخليجية، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة المعارضة، مناصفة بين حزب المؤتمر وأحزاب المعارضة، وإطلاق مؤتمر الحوار الوطني، وصياغة دستور جديد لمشروع دولة اتحادية، وتوقيع اتفاق السلم والشراكة مع جماعة الحوثي بعد اجتياحهم العاصمة صنعاء عسكريًّا، وتدهور أوضاع البلد وصولًا إلى استقالة الرئيس هادي. واتسمت هذه الفترة باتساع هامش الحريات الصحفية، خصوصًا مع “تخفيف المراقبة على حرية التعبير ووسائل الإعلام، وهو ما يُمثِّل القطيعة الأكثر أهمية مع الماضي”(33). ورغم قصر هذه الفترة إلا أنها “تُعد الأزهى في تاريخ الحريات الإعلامية في اليمن، مع وجود هامش من التشوُّه في الممارسة، له علاقة بطبيعة نشأة الإعلام اليمني، وهشاشة بنائه المؤسسي، وغياب المواثيق الصحفية”(34).
كما اتسمت هذه الفترة أيضًا بتبادل الأدوار بين صحافة حزب المؤتمر الشعبي الذي كان حزبًا حاكمًا لعقود، فغدت صحافته أقرب للمعارضة السياسية رغم مشاركته بنصف الحكومة، مستفيدة من حالة الانفلات الأمني وأعمال التخريب والإرهاب وتدهور أوضاع البلاد، وصحافة المعارضة التي أصبحت أكثر تأييدًا ودعمًا لسياسات الحكومة الانتقالية بعد ترؤسها للحكومة ومشاركتها فيها بالنصف الآخر. أما السمة الثالثة فتتمثَّل في حدة الاستقطاب السياسي بين صحافة الفريقين والفاعلين السياسيين الجدد، فقد غرقت في وَحْل المناكفات السياسية وتبادل الاتهامات بشأن ما يواجهه البلد من تحديات وتهديدات خطيرة؛ وضعت مشروع الدولة اليمنية الاتحادية بين رهاني النجاح والتعثر.
– المرحلة الثانية (6 فبراير/شباط 2015- 7 أبريل/نيسان 2022)
وتمتد سبع سنوات ونيف، وتُمثِّل مرحلة قمعية استبدادية، ألغت هامش التباين والاختلاف. تبدأ منذ سيطرة جماعة الحوثي على سلطة القرار، وما استتبعه من حرب وحصار ودمار. وتمتد من الإعلان الدستوري لجماعة الحوثي، في 6 فبراير/شباط 2015، وانطلاق عمليات عاصفة الحزم بقيادة السعودية، في 25 مارس/آذار 2015، التي أُريد لها دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، وتَشكُّل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا، في 11 مايو/أيار 2017، وصولًا إلى نقل صلاحيات الرئيس هادي إلى مجلس رئاسي، في 7 أبريل/نيسان 2022. و”كان انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014 أخطر انعطاف في المسار العام، قضى كليةً على المساحة والهامش المتبقي من حرية الصحافة”(35).
اتسمت هذه المرحلة بتراجع الصحافة وانحسار الحريات الصحفية وحرية التعبير، وهيمنة الصوت الأحادي في مناطق نفوذ مراكز القوى التي تتقاسم السيطرة على جغرافيا اليمن. كما تتسم هذه المرحلة بمناخ معاد للصحافة، تعرض خلالها عديد الصحفيين للقتل والتعذيب والاعتقال وتقييد الحريات؛ الأمر الذي جعل اليمن واحدة من أخطر بلدان العالم لممارسة العمل الصحفي(36). كما اتسمت ببروز ظاهرتي الإعلام المهاجر والوسائل الإعلامية المستنسخة؛ إذ تشير الأولى إلى إعلام سياسي مُؤَدْلَج تملكه أطراف الصراع، ينطلق من خارج الحدود، ويتوزع على الرياض وبيروت والقاهرة وإسطنبول. فيما تشير الثانية إلى وجود نسختين من كل وسيلة إعلامية حكومية، بنفس الاسم والهوية (اللوغو)، ولكن بخطابين إعلاميين متعارضين، أحدهما يُمثِّل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، والآخر يُمثِّل جماعة الحوثي. ومن ثم، يتنزَّل ذلك ضمن أدوات الصراع في اليمن.
في المرحلة الأولى، نظرت السلطة السياسية إلى تعددية وسائل الإعلام وحرية التعبير بوصفهما من أهم مكتسبات الانتفاضة الشعبية السلمية، ويعبِّران عن نهج جديد أكثر حرية وانفتاحًا، ويلبي تطلعات الجماهير التي اعتصمت لأشهر طويلة سلميًّا. خلال هذه المرحلة، بدت المنظومة الإعلامية أقرب إلى النموذج التعددي، فقد شهدت نهاية الاحتكار الحكومي للفضاء السمعي البصري، بانطلاق عديد القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية المعبِّرة عن اكتمال مشهد التعددية الإعلامية في اليمن. بالإضافة إلى ازدهار الحياة الصحفية وانضباط التعامل الحكومي مع وسائل الإعلام، وخفوت عمليات الرقابة الحكومية عليها أو تقييدها قياسًا بالفترات الماضية. علاوة على ذلك، فإن التفاعلات السياسية المباشرة بين مختلف القوى والمكونات الوطنية وتنافسها العلني، سواء عبر مؤتمر الحوار الوطني أو من خلال وسائل إعلامها، يعكس الطبيعة التعددية للمنظومة الإعلامية في اليمن خلال فترة الانتفاضة الشعبية والفترة الانتقالية. لقد ساعدت الانتفاضة الشعبية السلمية، وانهيار منظومة الحكم السابقة، وتنافس القوى السياسية على التعجيل بتحرير الإعلام المسموع والمرئي. ولئن كان ذلك يُمثِّل مكسبًا ديمقراطيًّا، فإنه كان أيضًا مدفوعًا بحاجة تلك القوى السياسية وحماستها لامتلاك أدوات إعلامية قوية واسعة النفاذ، تُمكِّنها من لعب أدوار حاسمة ومؤثرة في تشكيل الرأي العام وصنع السياسات وإدارة السلطة والنفوذ.
جدول (2): مقارنة بين سمات المنظومة الإعلامية في اليمن
خلال فترتي الانتقال السياسي والحرب (2011-2022)
م | وجه المقارنة | الفترة الانتقالية (11 فبراير/شباط 2011-22 يناير/كانون الثاني 2015) | فترة الحرب (6 فبراير/شباط 2015-7 أبريل/نيسان 2022) |
1 | النظام الإعلامي | ديمقراطي | تسلطي |
2 | النموذج الصحفي | تعددي | تعبوي |
3 | حرية الصحافة | حرة نسبيًّا | مقيدة |
4 | الرقابة الحكومية | لاحقة | مسبقة |
5 | السلامة المهنية | متدهورة | في خطر |
6 | البيئة الصحفية | مستقرة نسبيًّا | عدائية وغير آمنة |
7 | الخطاب الإعلامي | متنوع سياسيًّا | موجه سياسيًّا |
8 | الروايات الصحفية | متجانسة نسبيًّا | متعارضة ومتناقضة |
على النقيض من ذلك، تعاملت سلطة الأمر الواقع مع وسائل الإعلام والصحفيين خلال الفترة الثانية، وهي فترة الحرب من منظور عدائي، ترى فيهم العدو والطابور الخامس الذي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي وأمنه؛ الأمر الذي قاد إلى تصفية البيئة الإعلامية في اليمن من أي تنوع إعلامي، وإخراس الأصوات المخالفة لتوجهات السلطة، وسلطات الأمر الواقع في مناطق أخرى، مما يسمح لها بالسيطرة على الرأي العام والتحكم فيه. فمن يقود الإعلام ويوجهه خلال هذه المرحلة هم أطراف الصراع في اليمن(37). علاوة على ذلك، فقد استغلت أطراف الصراع وسائل الإعلام في الدعاية السياسية وجهود التعبئة وفي المقاومة الإعلامية والحرب النفسية ضد بعضها البعض.
يتماهى موقف سلطة الأمر الواقع في اليمن ونظرتها إلى وسائل الإعلام خلال فترة الحرب مع الفلسفة النقدية التي ترى وسائل الإعلام أدوات سيطرة وتسلط ثقافي، تحقق هيمنة النخب الحاكمة وأيديولوجياتها السائدة في المجتمع؛ باستغفال الوعي الجمعي والسيطرة النفسية عليه، و”تخدير نظرته النقدية لإنتاج مجتمع بلا معارضة”(38). ويدفع ذلك المنظومة الإعلامية اليمنية أكثر نحو تبني خطاب تعبوي أحادي الاتجاه ولكنه متعدد الأقطاب؛ إذ تتنازع البلاد سلطات متعددة، معظمها يعتبر الإعلام عدوًّا، ويستخدم كل الوسائل لإبعاد عيون الصحافة ووسائل الإعلام عن مناطقه. وفي المقابل، يعكس غياب النقد وهيمنة الاتجاه الأحادي في كلٍّ منها صرامة الرقابة والتقييد الإعلامي في هذه المرحلة. ومن المهم الإشارة إلى ثلاثة عوامل تضافرت معًا لصياغة بيئة إقصائية قمعية لوسائل الإعلام وحرية التعبير في اليمن:
– العامل الأول: أحداث الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2014، التي عطَّلت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واستحقاقات الفترة الانتقالية، وقادت اليمن إلى دوامة من العنف المسلح والاقتتال الأهلي.
– العامل الثاني: الانقسام السياسي الحاد بين مختلف القوى والمكونات الوطنية، والذي قاد إلى حالة فرز وتنميط هوياتي مبني على الموقف والانتماء.
– العامل الثالث: دور الفاعل الخارجي في تغذية الصراع ودعم أطرافه سياسيًّا وإعلاميًّا وماديًّا، وتمويل أدواته الإعلامية من خارج الحدود، وهو ما يعبِّر عن تبعية إعلامية وارتهان لأجندة سياسية عابرة للحدود، ساعدت كثيرًا في إطالة أمد الحرب وتعقيد الحل.
وعلى الرغم مما أفرزته انتفاضة 2011 من انفتاح إعلامي وتعددية في المنظومة الإعلامية اليمنية، إلا أنها “لم تخرج في المجمل عن خطاب التعبئة والحرب والانحيازات وتضليل الرأي العام”(39). كما أن التفكير في إبعاد وسائل الإعلام عن الهيمنة السياسية، على الأقل في الوقت الراهن، لا يزال أمرًا بعيد المنال ومسارًا طويلًا يعترضه الكثير من العوائق والتحديات، ويتطلب المزيد من الوعي والنضال والإيمان باستقلالية الإعلام وتنوعه، وضمان حق المواطن في الحصول على المعلومات.
- البيئة التشريعية والتحولات الإعلامية
يكفل الدستور اليمني حرية التعبير في أكثر من مادة، ويرد النص عليها صراحة في المادة (42)؛ إذ “تكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون”. وتنص المادة السادسة منه أيضًا على التزام الدولة بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللذين ينصان على حق كل شخص في حرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات(40). ويُعد قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) لسنة 1990 من أوائل القوانين التي كانت موضع اهتمام السياسيين والمشرِّع اليمني معًا، فقد صدر بعد خمسة أشهر فقط من إعادة توحيد البلاد في 22 مايو/أيار 1990، وتنص المادة (33) من القانون على أن “حق إصدار الصحف والمجلات وملكيتها مكفول للمواطنين والأحزاب السياسية المصرح لها والأفراد والشخصيات الاعتبارية العامة والمنظمات الجماهيرية والإبداعية والوزارات والمؤسسات الحكومية”(41).
ينظم القانون مزاولة مهنة الصحافة، لكنه من جانب آخر يمنح دورًا محوريًّا لوزارة الإعلام في منح تراخيص الصحف والمجلات، ورخص الصحفيين الأجانب ومكاتب القنوات والوكالات والمراسلين. كما يمنح القانون الوزارة أيضًا حق الحجز الإداري للصحيفة أو المطبوع بشكل مباشر قبل إحالته للقضاء. ويُجرِّم القانون اليمني نقد شخص رئيس الدولة ويعد ذلك من محظورات النشر، ويعتبر نسب أقوال إليه أو نشر صورة دون إذن مسبق من مكتبه أو من وزارة الإعلام محظورًا ما لم يكن تم في حديث عام للجمهور أو في مقابلة عامة. وينص القانون على العقوبة بالسجن لمدة عام على من يخالف القانون، ويجمع بين أكثر من عقوبة كالغرامة المالية والسجن والمصادرة والمنع من مزاولة المهنة وتوقيف الصحيفة. ورغم مرور ثلاثة عقود على القانون، إلا أنه “لم يشهد أي تحديث، مما يجعله عاجزًا عن مواكبة التطورات الإعلامية، فضلًا عن أن كثيرًا من الإجراءات المتخذة بحق الصحفيين في قضايا النشر لم تستند إلى أي قانون، بل إجراءات عشوائية تمارسها القوى المسيطرة في كافة المحافظات”(42).
في العام 2010، تقدمت السلطة الحاكمة بمشروع قانون لتنظيم الإعلام السمعي البصري والإلكتروني، بوصفه مشروعًا تحرريًّا، غير أن القانون كان في حقيقته مجموعة من العقبات أثارت جدلًا واسعًا، بسبب القيود والشروط التعجيزية التي فرضها لامتلاك وسائل الإعلام الإذاعية والتليفزيونية والإلكترونية، علاوة على الكلفة الباهظة للتأسيس واشتراط دفع المبلغ نفسه كل عامين لتجديد الرخص(43). لقد كان ذلك “محاولة رسمية لإيجاد إطار قانوني يسمح بلجم حرية الرأي والتعبير”(44)، وتم تعطيل المشروع بعد حملة أطلقتها أطراف عدة في مقدمتها نقابة الصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني، ولم يتم إقراره وصار خارج الاهتمامات مع انتفاضة 2011. جرت إعادة تقديم القانون في 2012 بنفس المضامين السابقة أثناء حكم الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، مع تعديلات طفيفة وقوبل بالرفض وتقدمت منظمات أجنبية برسائل احتجاجية لرئاسة الجمهورية(45)، ولم يتم البت في مشروع القانون حتى الوقت الراهن.
لقد ظل هذا القانون مجرد مشروع، وذهبت البلاد إلى حوار وطني واسع أفضى إلى صياغة مشروع دستور لدولة ذات نظام اتحادي من ستة أقاليم. يكفل مشروع الدستور الجديد في مواده (84، 85) لكل يمني حرية التعبير عن الرأي، والحصول على المعلومات، وتأسيس وامتلاك المؤسسات الإعلامية، ويمنع إخضاع وسائل الإعلام للرقابة الإدارية أو مصادرتها إلا بحكم قضائي، ويحظر توقيف الصحفيين واحتجازهم بسبب عملهم(46). وأقر مشروع الدستور في المادة (290) تنظيم الإعلام الرسمي تحت سلطة هيئة مستقلة -مع إلغاء وزارة الإعلام- تتولى إدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة كوسائل مستقلة تُمثِّل مصالح المواطنين وتعبِّر عن إرادتهم(47). كان الدستور يحتاج إلى استفتاء شعبي ليتحول إلى وثيقة نافذة، لكن أطرافًا سياسية نفذت انقلابًا على السلطة الشرعية الانتقالية، وصار الفضاء الإعلامي الذي كان قد حاز بعض المكاسب بعد انتفاضة 2011 محتكرًا لمصلحة سلطات الأمر الواقع. على سبيل المثال، أصدرت جماعة الحوثي، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قرارًا يقضي بمنع أي أنشطة نشر إلكتروني على الإنترنت، أو العمل في مجال الصحافة الإلكترونية، إلا بترخيص مسبق من وزارة الإعلام التي يسيطرون عليها، وهو ما اعْتُبِر خطوة جديدة لتقييد حرية التعبير في اليمن(48). كما أصدرت أيضًا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مدونة سلوك وظيفي في مناطق سيطرتها تضمنت نصوصًا مقيدة للحريات، وتُضيِّق على ما تبقى من العمل الإعلامي. واعتبرت نقابة الصحفيين هذه المدونة مخالفة للقانون ومقيدة للحريات وتتضمن نصوصًا تعسفية، قد يترتب عليها إقصاءات وفصل للصحفيين والموظفين بشكل عام(49).
خلال الفترة الانتقالية، صدر في اليمن قانون الحصول على المعلومات، وهو ثاني قانون في المنطقة العربية بعد الأردن، لكن صدوره جاء لتوكيد جدية نهج تعزيز الحريات الصحفية والإعلامية نظريًّا في المرحلة الجديدة(50)، ولإيهام الآخرين بوجود ممارسة ديمقراطية أساسها حرية الحصول على المعلومة، ولكي تظهر الصحافة مهنة مستقلة، غير أن القانون لم يجد طريقه للتنفيذ(51)، نتيجة الصراع السياسي والظروف الاستثنائية التي يمر بها اليمن. وفي المجمل، فإن “البيئة التشريعية الحالية لا تواكب التطورات الإعلامية، ومعظم موادها القانونية قديمة، وتحتاج إلى تحديث وتطوير مستمر للحد من الفوضى في المنظومة الإعلامية في اليمن”(52).
- تمويل الإعلام في زمن الصراع: اقتصاد الحرب وتحدي الاستدامة
تتوزع وسائل الإعلام في اليمن طبقًا لمصادر التمويل خلال السنوات العشر الماضية إلى أربعة أنواع:
– الأول: وسائل الإعلام الرسمية المملوكة للدولة، وهذه تُموَّل مركزيًّا من خزينة الدولة مع استفادتها من عائدات الإعلانات، التي يتم جلبها عادة من مؤسسات القطاعين، العام والخاص. ورغم أن المفترض في هذه الوسائل الإعلامية أن تكون مؤسسات خدمة عامة، إلا أنها تخدم سياسة الحاكم وتعزز شرعية تمكينه السياسي في المقام الأول. ومن ثم، فهي تتَّبِع سياسة من يحكم ويُموِّلها، وتُنفِّذ أجندته السياسية. ويمكن ملاحظة ذلك من تحولات الخطاب الإعلامي لوسائل الإعلام الرسمية، وانتقالها من دعم سلطة الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، خلال فترة حكمه، التي انتهت بتسليمه السلطة في 2012، إلى الانفتاح على كل القوى السياسية والمكونات الوطنية خلال الفترة الانتقالية (2012-2014)، وهي الفترة التي تعكس شراكة الجميع في الحكومة الانتقالية، وصولًا إلى عودة الاحتكار السياسي ودعم سلطة جماعة الحوثي وتبني أجندتها السياسية والفكرية والثقافية، بعد سيطرتها على سلطة القرار نهاية العام 2014. تبعًا لذلك وفي ظل ظروف الحرب، استمرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا في تمويل نسخ أخرى من وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة والإلكترونية، التي تنطلق من العاصمة السعودية، الرياض، في أعقاب سيطرة جماعة الحوثي على ذات المؤسسات في صنعاء(53).
– الثاني: وسائل الإعلام الخاصة، فقد نجح البعض منها في تنويع موارده المالية الذاتية بين الإعلانات والاشتراكات والمبيعات والرعاية، وهو ما انعكس بشكل ملحوظ على بنائها المؤسسي، والمحتوى الإعلامي الذي تُقدِّمه، وامتيازات العاملين بها فيما تمتع البعض الآخر بالرعاية والدعم المادي غير المباشر من قوى سياسية ومراكز نفوذ ورجال أعمال؛ ومن ذلك إذاعة “يمن FM” التي تَتْبَع حزب الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، وتحظى بدعمه، وإذاعة “ناس FM” التي نالت دعمًا من رجال الأعمال فيما تمكَّن قسم آخر من اجتذاب دعم المنظمات الأجنبية المهتمة بدعم وسائل الإعلام والحصول على تمويلها لبناء القدرات المؤسسية ولإنتاج المحتوى الإعلامي، مثل موقع المشاهد(54) بينما “تحظى معظم الإذاعات المجتمعية في اليمن تقريبًا ببعض الدعم من المنظمة الدولية لدعم وسائل الإعلام (IMS)، ومنظمة إنتر نيوز (Internews)، ودويتشه فيله (DW)، واليونسكو، وفريدريش إيبرت (Friedrich Ebert)”(55). أما بعض المشاريع الإعلامية الفردية فقد تعرضت رغم نجاحها المهني لأزمات مادية صعبة وضعتها في مواجهة مصيرية مع تحدي الاستدامة واستمرارية العمل الإعلامي.
– الثالث: الصحافة الحزبية التي تبقى مرهونة في المقام الأول بحجم المخصصات المالية التي تعتمدها الأحزاب في موازناتها شهريًّا لبند الإعلام والنشر، وأيضًا بقدرة الصحافة الحزبية نفسها على تنويع مواردها المالية. وقد توقفت جميع الصحف الحزبية في اليمن منذ 2015، وحُجبت مواقعها الإلكترونية.
– الرابع: وسائل إعلام أطراف الصراع، وتأتي في المقدمة القنوات التليفزيونية الفضائية المهاجرة التي تبدو استثناء من النماذج الاقتصادية السابقة، فقد تلقت دعمًا ماديًّا وفنيًّا من القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في دوامة الصراع اليمني. وهكذا يبدو أن تطور الإعلام اليمني مرتبط إلى حد كبير بالانقسامات السياسية. فكل فصائل الحرب مدعومة من قِبَل مجموعة من الجهات والدول الخارجية؛ مما يجعل من الصعب على الصحافة في اليمن أن تزدهر بشكل منفصل عن مجال السياسة المستقطب(56).
جدول (3): توزيع وسائل الإعلام وفقًا لحالتها: متوقفة أو نشطة*
م | الوسيلة | متوقفة | نشطة | المجموع | |||
العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | ||
1 | الصحف الورقية | 119 | 90.15 | 13 | 9.85 | 132 | 100 |
2 | القنوات التليفزيونية | 4 | 15.38 | 22 | 84.62 | 26 | 100 |
3 | المحطات الإذاعية | 6 | 10 | 54 | 90 | 60 | 100 |
4 | المواقع الإلكترونية | 33 | 22.44 | 114 | 77.56 | 147 | 100 |
المجموع | 162 | 44.38 | 203 | 55.62 | 365 | 100 |
* لتحديد حالة الوسيلة، جرى حساب النسبة المئوية من المجموع العددي لكل وسيلة وليس من الإجمالي الكلي لوسائل الإعلام.
المصدر: بيانات الجدول استقاها الباحث من دراسة بعنوان “ملكية واستقلالية وسائل الإعلام في اليمن”، نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، 2023.
تأثرت اقتصاديات وسائل الإعلام اليمنية كثيرًا بالتطورات السياسية التي شهدتها اليمن منذ 2011، فقد توقفت، أولًا، بعض الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية التي كانت تُموَّل من طرف الحزب الحاكم بعد إزاحته عن السلطة، نظرًا لافتقارها إلى البناء المؤسسي المتين الذي يضمن لها ديمومة الحضور الإعلامي واستمراريته، وارتباطها براغماتيًّا بالرعاية والدعم السياسي والمادي الذي كانت تحظى به من دوائر السلطة الحاكمة. وفي أعقاب سقوط العاصمة، صنعاء، والمحافظات الأخرى بيد جماعة الحوثي ودخول اليمن دوامة الحرب 2015، واجهت بقية الوسائل الإعلامية في اليمن، صحفًا وإذاعات وقنوات تليفزيونية، ذات المصير، ولكن هذه المرة نتيجة تضافر عدة عوامل سياسية واقتصادية وأمنية معقدة، فرضتها ظروف الحرب والصراع والاستقطاب السياسي.
تسبب التضييق السياسي على وسائل الإعلام في اليمن واستهدافها أمنيًّا أو ابتزازها ماديًّا بتوقف معظمها وهجرة البعض الآخر إلى خارج الوطن. على سبيل المثال، تأثرت الإذاعات الخاصة والمجتمعية بشكل كبير بإجبارها على دفع مبالغ باهظة تحت مسمى “دعم المجهود الحربي”، وهو شكل من أشكال الجبايات المالية التي إذا رُفِض دفعها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اعتقال الموظفين(57). فيما اقتُحِمت مقرات الصحف المعارضة وأُغلِقت واعتُقِل محرروها لسنوات وصُودِرت أجهزتها، وحُجِبت المواقع الإلكترونية، وغادر البلاد مئات الصحفيين وفَقَد آخرون أعمالهم(58). وبفعل تراجع مناخ الحريات الصحفية، غابت الأصوات المعارضة في مناطق نفوذ القوى المسيطرة، خصوصًا أن أكثر من ثلثي الوسائل الإعلامية اليمنية التي تعمل اليوم تأسست حديثًا خلال فترة الحرب.
جدول (4): توزيع وسائل الإعلام النشطة وفقًا لفترة النشأة*
م | الوسيلة | تعمل قبل فترة الحرب | تأسست خلال سنوات الحرب | المجموع | |||
العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | العدد | النسبة (%) | ||
1 | الصحف الورقية | 3 | 23 | 10 | 77 | 13 | 100 |
2 | القنوات التليفزيونية | 10 | 45.45 | 12 | 54.55 | 22 | 100 |
3 | المحطات الإذاعية | 18 | 33 | 36 | 67 | 54 | 100 |
4 | المواقع الإلكترونية | 32 | 28 | 82 | 72 | 114 | 100 |
المجموع | 63 | 31 | 140 | 69 | 203 | 100 |
* لتحديد فترة النشأة للوسائل النشطة، جرى حساب النسبة المئوية من المجموع العددي لكل وسيلة وليس من الإجمالي الكلي لوسائل الإعلام.
المصدر: دراسة ملكية واستقلالية وسائل الإعلام في اليمن، نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، 2023.
علاوة على ذلك، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد المنهك اقتصاديًّا في الأصل، وتضرر البنية الاقتصادية والإنتاجية أو توقفها بسبب ظروف الحرب والحصار ألقى بتأثيراته السلبية على اقتصاديات وسائل الإعلام القائمة، وتراجع سوق الإعلانات في اليمن؛ ما أدى لتدهور الأحوال المعيشية للصحفيين. وقد قادت هذه العوامل متضافرة إلى “موت بطيء لوسائل الإعلام في اليمن”، على حدِّ وصف لجنة حماية الصحفيين(59).
- إعلام مستقطب وجسم صحفي يديره أطراف الصراع
لم يتطور المشهد الإعلامي في اليمن كما كان متوقعًا بعد انتفاضة 2011، بل انتقل إلى مرحلة أضعف؛ إذ سادت هيمنة الروابط الحزبية في العمل الإعلامي(60). كما لم تتمكن وسائل الإعلام من تقديم خطاب وطني جامع، حامل لتطلعات الشعب بالحرية والعدالة والتنمية، باعتبارها القاسم الوطني المشترك بين الجميع. فيما جاء الأداء الإعلامي متأثرًا بالتجاذبات السياسية، وبلا هوية إعلامية مشتركة تعكس حالة الانتقال الديمقراطي في المجتمع، ومستوى حريته، ومقدرته على الاجتياز والعبور.
مع ذلك، تحقق بعض النجاح المحدود في مستوى إصلاح وظيفة الإعلام الرسمي خلال السنوات الثلاث الأولى بعد انتفاضة 2011، تمثَّل في ارتفاع سقف الحرية الإعلامية، خصوصًا في البرامج الحوارية التليفزيونية التي أتاحت الفرصة لمختلف القوى السياسية والمكونات الوطنية للمشاركة في مناقشة الهوية السياسية الجديدة لمشروع الدولة اليمنية الاتحادية، واستحقاقات المرحلة الانتقالية. كما خصصت قبل ذلك قنوات التليفزيون الحكومية برامج حوارية مباشرة لمناقشة الاحتجاجات الشعبية ودوافعها، واستضافت شبابًا من الجماعات المؤيدة للنظام والمناهضة له(61). غير أن مهمة الإعلام اليمني خلال تلك الفترة في تَبْيِئَة سياسية جديدة كانت على ما يبدو حالمة في مواجهة تعقيدات سياسية واقتصادية وأمنية كانت تتطور بإيقاع سريع وغير متوقع.
من أبرز تلك التحديات المعقدة والمتزامنة، تصاعد حدة المواجهات العسكرية مع تنظيم القاعدة في الجنوب، وتنامي التمرد الحوثي على سلطة الدولة في الشمال، والعمليات الإرهابية التي استهدفت الدولة في العمق، وعرقلة إجراءات نقل السلطة بتمرد بعض الوحدات العسكرية والأمنية وقياداتها، وتزايد عمليات التخريب لأبراج الكهرباء وأنابيب تصدير النفط، والانفلات الأمني وعودة الاغتيالات السياسية، مما أربك الحكومة الانتقالية في المضي نحو استحقاقات المرحلة الانتقالية. وقد انعكس ذلك على وسائل الإعلام تبعًا لمواقفها السياسية، وهو ما قاد إلى الفشل في بناء أولويات عامة موحدة تلبي متطلبات الانتقال الديمقراطي في البلد.
منذ العام 2015، خيَّم على المشهد الإعلامي في اليمن واقع جديد وبيئة طارئة مهددة لكل ما هو مخالف لسلطات الأمر الواقع، أُلْغِي فيها التنوع وصُودرت الحريات الإعلامية وتعرضت الأصوات المخالفة فيها للتهديد والتعذيب والاغتيال المعنوي. وبفعل الحرب وتأثيراتها “تحوَّلت وسائل الإعلام في اليمن إلى كتائب موازية تديرها أطراف الصراع، وغدت الصحافة راوية لما يريد المُمَوِّل أن يقوله”(62). في هذه الأثناء، وجد الصحفيون – الذين ما زالوا يعملون – أنفسهم ضمن لعبة دعائية كبرى(63)، إما في صف الحكومة المعترف بها دوليًّا أو ضدها، مما يضعهم ضمن الأدوات الدعائية لأطراف النزاع؛ إذ يصبح التكسب الاقتصادي نظيرًا لمواجهة الطرف الآخر ومهاجمته. لذلك، يسود الوسط الصحفي شعور بالإحباط لمآلات المؤسسات الإعلامية الرسمية التي أصبحت تُدار بمنهجية سياسية تخدم الطرف المسيطر، كما جرى تفريغها من الكوادر المُؤَهَّلَة وإحلال آخرين موالين له(64).
علاوة على ذلك، أصبحت وسائل الإعلام اليمنية مستقطَبة على أُسُس سياسية وطائفية، وتتبادل أطراف الصراع العداء في ما بينها(65)، سواء أثناء الفترة الانتقالية أو بعد سيطرة جماعة الحوثي 2014؛ “مما جعل خطابها الإعلامي اصطفافيًّا، مع وضد، بعيدًا عن الموضوعية”(66). لذلك يميل العمل الصحفي والإعلامي للأخذ بالنموذج التعبوي، الذي يبدو أكثر وضوحًا خلال فترة الحرب (2015-2023) من خلال نشر الدعاية، وغرس عقيدة سياسية وفكرية طائفية، والتحريض ضد الآخر، وتوجيه الرأي العام، وبث الرسائل السياسية الأشد عدوانية. كما يبرز النموذج السلطوي مُتَجَسِّدًا خلال ذات الفترة من خلال الرقابة المشددة على ما يُنشَر ويُذاع، وإحكام السيطرة على وسائل الإعلام ومنافذ المعلومات والمجال العام في مناطق سيطرة أطراف الصراع، وفَلْتَرَتِها من أي رسائل أو أصوات معارضة لاتجاهاتهم، وفق سياسة ضبط محكمة تضمن لها الهيمنة الإعلامية المطلقة.
لقد دفع ذلك السلوك التسلطي معظم الناشرين إلى تعليق إصداراتهم الصحفية المطبوعة، و”اتجهت الإذاعات الخاصة والمجتمعية في صنعاء إلى العمل وفق نموذج الترفيه التجاري، وتجنب الخوض في القضايا السياسية، في إطار يتناغم وموقف السلطة القائمة في صنعاء”(67). وقد فُرض على تلك الإذاعات بث مضامين موجهة ذات حافز سياسي، تشمل رسائل دعائية مؤيدة للحوثيين، ودعمًا لحملات تجنيد عسكرية، وتقارير عن الدمار الناجم عن الضربات الجوية التي نفذها التحالف العربي بقيادة السعودية، وبث الأغاني الشعبية التي تدعو إلى الحرب(68). لذلك، فإن الصحافة الوحيدة المتاحة اليوم في اليمن، هي تلك التابعة لجماعة الحوثي في مدينة صنعاء، أو التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن، أو صحافة مطبوعة أو إلكترونية أو إذاعية موالية لهما، تدعم سلطة الأمر الواقع في المدينتين، وتلتقيان معًا في “تقديم ثقافة استبدادية وطائفية ومناطقية تنبذ الحرية وتدعو إلى الكراهية والعنف”(69).
في المقابل، هاجرت مواقع الصحافة الإلكترونية المُعارِضَة إلى مناطق أكثر أمانًا في داخل الوطن أو خارجه، وبالمثل انتقلت القنوات التليفزيونية الفضائية للعمل من خارج الحدود في ظل الظروف المضطربة في البلاد، وهو أمر يعكس تمردًا على القيود المفروضة في الداخل وصلابة في إرادة الحرية، ويتيح ذلك للجمهور اليمني تنوعًا في تلقي رسائل إعلامية متعددة ذات اتجاهات سياسية متباينة؛ لتبقى التعددية الإعلامية في بعدها التليفزيوني سمة إيجابية للمنظومة الإعلامية اليمنية في زمن الصراع والحرب، وسمة عصية أيضًا على سياسات الحجب والمنع والرقابة والإغلاق.
- صحافة الحرب وأخلاقيات الممارسة المهنية
تأثرت تقاليد الممارسة المهنية في العمل الصحفي والإعلامي في اليمن بظروف الصراع السياسي منذ 2011. وأصيبت المهنية الصحفية بانتكاسة مع حرب 2015، و”وصل مستوى المهنية والاحتراف الصحفي في اليمن إلى حده الأدنى”(70) بل إن “مهنة الصحافة في اليمن تعيش حالة من انعدام الوزن”(71)؛ فقد دمَّرت الحرب أي طموح للتطوير المهني، وخَرَق المتصارعون كل القواعد والمعايير والأخلاقيات المهنية في تغطية الأحداث، و”استخدموا وسائل الإعلام في تضخيم الاختلافات وتعميقها فيما بينهم في وقت الحرب”(72)، وقدموا عبرها خطابًا مُشْبَعًا بالكراهية والتحريض على العنف، مفرداته التعصب الطائفي والجهوي والسلالي(73).
لقد تبارت وسائل الإعلام التابعة لأطراف الصراع في استهداف الآخر، ونشطت كقنوات وظيفية لتمرير الشائعات ونشر المعلومات المضللة مع ابتذال لفظي في خطابها الإعلامي. وقد اعتبر “مرصد الإعلام في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”، في تقريره عن خطاب الكراهية في الصحافة العربية، أن ما تُقدِّمه الصحافة المكتوبة في خمس دول عربية، بينها اليمن، من شتمٍ ووصمٍ وتمييزٍ في خطابها الإعلامي كارثة أخلاقية(74). ويرى الأكاديمي، جورج صدقة، أن منسوب الكراهية يعلو في وسائل الإعلام عند احتدام الصراع، وينعكس خطابًا اتهاميًّا وتحريضيًّا حادًّا، يكون ذا أبعاد سياسية ومذهبية بدرجات متفاوتة، ويعبِّر في الغالب عن إستراتيجيات تبريرية تعمل على تجميل الذات وتحقير الآخر من خلال تمثيلاته(75).
مع حرب 2015، أصبح الأمر أكثر خطورة بتحول وسائل الإعلام إلى ساحة مواجهة بين أطراف الصراع، التي استثمرتها كأدوات حرب للنيل من الخصوم. على سبيل المثال، “وظفت مواقع الصحافة الإلكترونية اليمنية ألفاظًا تمييزية ومتحيزة على نحو متضاد في تغطيتها للحرب في اليمن”(76). واستغلتها أطراف الصراع على نحو يقوض السلم الاجتماعي، وبالغت في تضمين تغطياتها الإعلامية لغة الكراهية والعنف والإساءة للخصوم(77). وقد اتسعت دائرة الاستغلال والتوظيف السياسي إلى شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ “تضمنت خطابات النخبة اليمنية على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) تعبيرات لغوية مشحونة بالعنف والتحريض والإساءة، وصفات تمييزية تكرس الكراهية العنصرية والطائفية في اليمن”(78).
لقد تحولت المنظومة الإعلامية في اليمن خلال سنوات الحرب إلى فضاء آخر لإعادة تصدير الصراعات السياسية إلى الجمهور وتسميم المجال العام. ودأبت وسائل إعلام كل طرف على تأطير الآخر وتصويره في موضع العدو، في خطاب لا يؤجج الصراع الطائفي فحسب، لكنه يُشَرْعِن للعدوان والعنف من خلال شيطنة طرف وأَنْسَنَة آخر(79). فقد تبارت كل الأطراف على استعداء الآخر وتخوينه، ويصبح الأمر أكثر خطرًا بالتحريض المباشر عبر وسائل الإعلام لاجتثاث الخصوم، والدعوة صراحة لقتالهم. وقد قادت ظروف الحرب إلى تراجع قيم التعايش في الخطاب الإعلامي لصالح انتعاش دعوات العنف، وهي نتيجة طبيعية لتأثر وسائل الإعلام بالبيئة الصراعية التي تعمل فيها.
في الثاني من مارس/آذار 2017، أطلق الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، عبر قناته الفضائية “اليمن اليوم” دعوة لأنصاره من وجهاء القبائل وقيادات حزبه، إلى تأمين مناطقهم، وتنظيفها ممن وصفهم “مخلفات تنظيم الإخوان المسلمين”، في إشارة إلى أعضاء حزب الإصلاح، ثاني أكبر الأحزاب السياسية في اليمن(80). فيما دعت جماعة الحوثي إلى التعبئة العامة لمواجهة من تصفهم بـ”القاعدة وداعش”(81). في حين التقت دعوات حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح والحراك الجنوبي إلى التعبئة العامة لمواجهة جماعة الحوثي(82)، أما المجلس الانتقالي الجنوبي فقد أعلن التعبئة العامة للحرب على الحكومة الشرعية وطردها من الجنوب(83). وبذلك باتت عناوين وسائل الإعلام في اليمن مصبوغة بلون الدم وسط دعوات كل الأطراف للحرب والاقتتال.
في الجانب الآخر، يلاحظ أن حالة الانقسام والتشرذم الإعلامي انسحبت أيضًا على آليات التنظيم الذاتي للجسم الصحفي، فقد تعطَّل الكيان المدني المؤطر لمنتسبي المهنة الصحفية، نقابة الصحفيين اليمنيين، على وقع الاستهداف الممنهج للنقابة وأعضائها من أطراف الصراع. فقد تعرض مقر النقابة الرئيس بصنعاء إلى الإغلاق تحت تهديد السلاح، كما تم مداهمة مقرها في عدن والاستيلاء عليه من قِبَل المجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى إغلاق فروع النقابة في محافظات تعز وحضرموت والحديدة(84). ورغم أن نقابة الصحفيين تُعد أول كيان نقابي موحد في اليمن بعد إعادة الوحدة، إلا أن المتصارعين سياسيًّا بعد 2014 سعوا إلى تقسيمها وتجزئتها إلى أكثر من كيان. في صنعاء، أسست جماعة الحوثي الاتحاد العام للإعلاميين اليمنيين، في 30 يناير/كانون الثاني 2022، وبعد مضي عام شهدت مدينة عدن التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي إشهار نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، في 18 يناير/كانون الثاني 2023، وهو ما يعبِّر عن تقاسم فعلي لتركة النقابة الأم “نقابة الصحفيين اليمنيين”.
- إشكاليات بيئة العمل الصحفي وتحدياتها
يواجه العمل الصحفي والإعلامي في اليمن منذ سبتمبر/أيلول 2014 أعنف عمليات الاستهداف الممنهج، و”تُبدِي السلطات المتعددة في اليمن حساسية شديدة من الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، وتظهر عداء واضحًا للعمل الصحفي وحرية التعبير، وتتعامل مع الصحفيين بعدائية وتحريض وتمارس القمع والعنف”(85). وتُظهِر مؤشرات التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي تصدره سنويًّا منظمتا “بيت الحرية” (Freedom House) و”مراسلون بلا حدود”، أن اليمن يقبع في ذيل القائمة السوداء للبلدان غير الحرة خلال الفترة (2011 – 2023)، كما يبدو في الشكل رقم (1).
شكل (1): ترتيب اليمن في تصنيف حرية الصحافة
لمنظمة مراسلون بلا حدود (2023 -2011)
المصدر: التقارير السنوية لمنظمة “مراسلون بلا حدود” عن التصنيف العالمي لحرية الصحافة في بلدان العالم (2011-2023).
رغم أن اليمن سجل بعض التحسن المحدود في ترتيبه خلال الفترة الانتقالية، فإن انتكاسة الحريات أخذت منعطفًا خطيرًا في أحداث 2014 وحرب 2015، اللتين وضعتا الصحافة والصحفيين في مرمى استهداف أطراف الصراع. وقد دفعت الصحافة والصحفيون ثمنًا باهظًا لهذا الوضع. لذلك، تضع مؤسسة “بيت الحرية” اليمن ضمن القائمة الأسوأ في العالم من حيث حرية الصحافة، ومن أخطر الأماكن في العالم على الصحفيين، كما أن ممارسة الصحافة فيها تُعد الأخطر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا(86). وبموازاة ذلك، صنَّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” جماعة الحوثي ضمن قائمة أسوأ المنتهكين لحرية الصحافة في العالم(87).
وبحسب تقرير الحريات الإعلامية للعام 2022 الصادر عن نقابة الصحفيين اليمنيين(88)، وصل عدد الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحافة والصحفيين في اليمن منذ بداية الحرب في مارس/آذار 2015 إلى 1400 انتهاك. تنوعت بين القتل والخطف والإخفاء القسري والتعذيب وأحكام الإعدام وإغلاق الصحف وحجب المواقع الإلكترونية وقطع الرواتب والتمييز والفصل التعسفي. ويتقاسم مسؤولية ارتكابها جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دوليًّا والتحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي. كما رصد التقرير مقتل 50 صحفيًّا وصحفية خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2022 على يد أطراف النزاع جميعًا، الأمر الذي يعكس استمرار الانتهاكات الخطيرة بحق الصحافة والصحفيين، وزيادة المخاطر المحدقة بحرية الرأي والتعبير في بيئة إعلامية عدائية وغير آمنة في كل اليمن.
شكل (2): عدد حالات قتل الصحفيين في اليمن خلال (2022-2011)
المصدر: بيانات الشكل استقاها الباحث من تقرير لجنة الحريات الصحفية الصادر عن نقابة الصحفيين اليمنيين، 2022.
سجلت عدن خمسة اغتيالات لصحفيين قُتلوا بمفخخات، كان أبرزها ما حدث للصحفية، رشا الحرازي، التي لقيت حتفها في انفجار عبوة ناسفة بسيارتها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما كانت في طريقها إلى المستشفى برفقة زوجها(89). وفي صنعاء كان الصحفي، عبد الله صبري، وأسرته هدفًا لطيران التحالف العربي في مايو/أيار 2019، الذي استهدف مسكنه بغارة جوية أودت بحياة ثلاثة من أفراد أسرته فيما تعرض هو لإصابات بليغة(90). وكان أسوأ أشكال الانتهاكات اتخاذ جماعة الحوثي اثنين من الصحفيين دروعًا بشرية في موقع عسكري كان محلَّ استهداف طيران التحالف العربي، في 21 مايو/أيار 2015، مما أدى إلى مقتلهما(91). وترى النقابة أن انخفاض نسبة الانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين بالمقارنة مع الفترات السابقة لا يُعد مؤشرًا على تحسن أوضاع الحريات الصحفية فيها، بل مؤشرًا على خطورة الوضع الذي لا يُسمح فيه للصحفيين بممارسة عملهم حتى صار المشهد الصحفي شبه متوقف(92).
- آليات الرقابة والتحكم في الممارسة الإعلامية
تفرض سلطات الأمر الواقع رقابة مشددة على ما يُنشر ويُبث من مضامين عبر وسائل الإعلام في مناطق سيطرتها، مما يعبِّر عن تحكُّمها في توجيه المحتوى الإعلامي. ومن ثم، “تتجنب وسائل الإعلام اليمنية التصادم مع محيطها السياسي الذي تعمل فيه”(93) فيما تميل المواقع الإلكترونية التي تعكس وجهات نظر معارضة إلى إخفاء مواقعها وعدم الكشف عن عناوينها التي تعمل منها؛ إذ “لا يوجد في اليمن قوانين أو لوائح تحمي خصوصية مستخدمي الإنترنت”(94)؛ مما يعني أن البيانات الشخصية لملايين اليمنيين عرضة لسوء الاستغلال الحكومي(95). وقد سهَّلت الملكية الحكومية لمزودي خدمة الإنترنت الرئيسيين “يمن نت” (Yemen Net) و”تيليمن” (TeleYemen) سيطرة الدولة على الوصول إلى الإنترنت، وقد أفرز ذلك بيئة رقمية تفتقر إلى المساءلة والشفافية(96).
وعلى الرغم من التواضع النسبي لخدمة الإنترنت في اليمن، إلا أنها تشهد تقييدًا وانتهاكًا للخصوصية وممارسة الهجمات الإلكترونية. ومن بين الأشكال الأكثر عدوانية التي استهدفت الصحفيين والنشطاء المدنيين والمؤثرين في شبكة الإنترنت حجب المواقع الإخبارية الإلكترونية، والتنصت ومراقبة المكالمات، واختراق الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي. وطبقًا لدراسة علمية أُجريت على البيئة الرقمية اليمنية خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2012 فإن من بين القيود التي تعرضت لها المواقع الإلكترونية والمالكون لها الملاحقة القضائية والتخويف والقرصنة والاختراق وصولًا إلى التصفية. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى إنتاج بيئة من الخوف، دفعت الصحفيين والمستخدمين عمومًا إلى ممارسة الرقابة الذاتية(97).
في عام 2012، تعرض موقع حكومي كبير للاختراق لأسباب سياسية من قِبَل عناصر معارضة في الخارج(98)، وحدثت إحدى أشد الهجمات السيبرانية، في أبريل/نيسان 2014، عندما تعرضت ستة مواقع إخبارية للاختراق دفعة واحدة في نفس التوقيت، فيما بدا هجومًا إلكترونيًّا منظمًّا ومخططًا له. ومن المحتمل أن يكون خصوم سياسيون مختلفون متورطين في تنفيذ تلك الهجمات الإلكترونية والهجمات المضادة لها، لكن كان واضحًا أن الحكومة اليمنية هي الأكثر مسؤولية عن مهاجمة الصحفيين والنشطاء عبر شبكة الإنترنت(99). وقد أدى الصراع والاستقطاب المستمر إلى زيادة انتشار الحسابات المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تستخدمها أطراف الصراع لنشر الدعاية السياسية وبث الشائعات وتشويه السمعة والتلاعب بالرأي العام واستهداف الخصوم(100)؛ مما يثير موجات العنف بين أطراف الصراع. كما تعرض صحفيون وناشطون سياسيون لحملات استهداف رقمية، عبر برامج الدردشة المشفرة، مثل “الواتساب”، أو تطبيقات تنتحل صفة منظمات دولية. وتعتقد شركة “ريكوردد فيوتشر” (Recorded Future) التي أجرت تحليلات معمقة أن كيانًا واحدًا ينسق تلك الأنشطة التجسسية لصالح جماعة الحوثي، وهي من تقف خلف تطبيقات الاستهداف تلك في اليمن(101).
لقد تم استغلال القدرة على التحكم في المحتوى الرقمي سياسيًّا لاستهداف الصحفيين والنشطاء في اليمن. على سبيل المثال، استمرت سلطات جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دوليًّا في التحرش والتهديد، والاعتقال التعسفي، ومحاكمة الأفراد والصحفيين الذين يمارسون حقهم في التعبير على الإنترنت وسجنهم لنشرهم محتوى نقديًّا للمسؤولين والمؤسسات العامة(102). في مارس/آذار 2023، أدانت محكمة يسيطر عليها الحوثيون أربعة نشطاء بارزين (يوتيوبرز) على مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة “الإخلال بالأمن” وحكمت عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات. وشمل الحكم أيضًا حذف قنواتهم على يوتيوب وفرض غرامة قدرها عشرة ملايين ريال (حوالي 10.000 دولار)(103). وصدر عفو عام عن النشطاء الأربعة، في أبريل/نيسان 2023، لكن من غير الواضح معرفة الشروط التي أُلزِموا بها قبل إطلاق سراحهم، فقد انخفض نشاطهم على موقع “يوتيوب” بشكل ملحوظ مقارنة بمستويات نشاطهم السابقة(104). ويحمل استهداف الشخصيات المؤثرة وسجنها رسالة رسمية مفادها أن أي نشاط للتعبير عن الرأي على شبكة الإنترنت يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى عواقب قانونية، ويُظهِر هذا التطور شدة القيود المفروضة على حرية التعبير في المجال الرقمي اليمني(105).
خاتمة
في سياق التفكك الذي يشهده اليمن، انتكس نموذج العمل الصحفي التعددي وتحوَّل إلى نمط الاستقطاب، إثر تعثر مسار الانتقال السياسي في البلد وانزلاقه إلى دوامة الصراع والحرب. ويُشكِّل استغلال وسائل الإعلام وتوظيفها في صراع مراكز القوى على السلطة والنفوذ تحديًا أخلاقيًّا للممارسة المهنية وقواعد التغطية الإعلامية الحساسة للنزاع؛ إذ يطغى عليها خطاب العنف والكراهية والتحريض المتبادل، الذي يعبِّر عن حالة تفكك يعتري البلد وانقسامه بين مراكز قوى سياسية متعارضة ومتصارعة.
تتسم المنظومة الإعلامية في اليمن خلال السنوات العشر الماضية بانقسام واسع وحاد، شمل تقريبًا كل شيء، الوسيلة والخطاب والمؤسسة الإعلامية والجسم الصحفي والكيان النقابي وحتى الجمهور أيضًا. ويأتي تفكك هذه المنظومة انعكاسًا لتبعيتها لأطراف الصراع المدفوعة بولاءات سياسية وطائفية ومناطقية ضيقة، في بلد يفتقد في ظرفه الراهن إلى النظام السياسي الموحد للدولة. لذلك، تستغل أطراف الصراع وسائل الإعلام لأغراض دعائية تعبوية لأجل دعم تمكينها السياسي وبالمقابل نزع الشرعية عن الآخرين.
رغم شدة التقييد الإعلامي والرقابة الصارمة، تنجح القنوات التليفزيونية اليمنية المهاجرة في تقديم خطاب إعلامي معارض يتصادم مع خطاب الأطراف الأخرى في اليمن؛ إذ تعمل جميع أطراف الصراع على توجيه رسائلها الإعلامية عبر شبكة متكاملة من أنظمة الإعلام التليفزيوني والإلكتروني والشبكي من خارج الحدود، مما ينتج عنه مشهد إعلامي تعددي إلى حدٍّ ما. في الغالب، يتأرجح أداء تلك الأنظمة الإعلامية بين تقديم وجهات النظر السياسية لأطراف الصراع من جهة، وتبادل الاتهامات وإدانة الخصوم ونشر خطاب الكراهية من جهة أخرى. ويعني ذلك استبعاد كل طرف لأصوات الأطراف الأخرى في وسائل إعلامه ومحاربتها، وفي المقابل تعزيز عملية الاستقطاب والتعبئة السياسية من خلال الخطاب الإعلامي الدعائي.
يمكن القول: إن نموذجًا استثنائيًّا طارئًا يتعلق بالصحافة العربية يتشكَّل في بيئة الصراع والانقسام والتشرذم، يمكن وصفه بـ”نموذج الاستقطاب”. وفي هذا النموذج، يمكن أن تتماثل المنظومة الإعلامية في اليمن مع منظومات أخرى في بلدان عربية مشابهة، تشهد انتكاسًا للصحافة وحرية التعبير والممارسة المهنية إثر تعثر مسار الانتقال السياسي فيها، وهو نموذج هجين من النموذجين، التعددي والتعبوي، يعكس حالة التلوث في عمليات البناء الثقافي للمجتمع وتشكيل هويته نتيجة صراع العناصر المتعددة غير المتجانسة هوياتيًّا، والمتكافئة اتصاليًّا على مجال الاستقطاب الجماهيري. في هذه الحالة، ينشأ شكل من الصراع بين منظورات الهيمنة والمقاومة، والتقييد والتمرد، وتحدي أي تفسيرات لتدعيم الوضع السائد. ما يميز هذا النموذج عن سابقيه هو الحالة التصادمية والإكراهات المتدفقة في العملية الاتصالية المشحونة بالعنف والعدائية والعدوان المتبادل، قد تتفاوت حدتها من بلد إلى آخر وفقًا لطبيعة الصراع وحالة الاستقرار السياسي. وتبقى المنظومة الإعلامية اليمنية حالة فريدة متطرفة في الاستقطاب السياسي للهيمنة على الخطاب العام والتحكم في الفضاء العمومي.
في الحالة اليمنية، يبقى الحديث عن إصلاح المنظومة الصحفية والإعلامية في اليمن غير ذي جدوى قبل أن تتوقف الحرب وينتهي الصراع أولًا، وتستعيد الدولة نظامها السياسي الموحد الضامن لكل الحريات. وفي ظروف التفكك الراهنة يتوجب البحث عن إطار محايد لتوحيد الرؤية الوطنية الإعلامية وإعادة الاعتبار لمهنية العمل الصحفي.
المراجع
(1) William Rugh, Arab Mass Media: Newspapers, Radio, and Television in Arab Politics, (London: Praeger Publishers, 2004), 87-115.
(2) Alan Bryman, Quantity and Quality in Social Research, (London: Unwin Hyman, 1988), 8.
(3) Norman Denzin, Yvonna Lincoln, The Sage Handbook of Qualitative Research, 3rd ed. (SAGE Publications, Inc, 2000), 3.
(4) Dawn Snape, Liz Spencer, “The Foundations of Qualitative Research,” in Jane Ritchie, Jane Lewis, Eds., Qualitative Research Practice: A Guide for Social Science Students and Researchers, (London: SAGE Publications Ltd, 2003), 12.
(5) Howard Lune, Bruce Berg, Qualitative Research Methods for the Social Sciences, 9th ed., (Harlow, England: Pearson Education Limited, 2017), 179.
(6) Fabienne Darling-Wolf, “Hybridity,” in Stephen W. Littlejohn, Karen A. Foss, “Encyclopedia of Communication Theory”, (London: SAGE Publications, Inc., 2009), 484.
(7) Marwan Kraidy, “Hybridity Theories,” in Wolfgang Donsbach, Ed., “The International Encyclopedia of Communication”, (New Jersey: Blackwell Publishing Ltd, 2008), 2153.
(8) Marwan Kraidy, Hybridity, or the Cultural Logic of Globalization, (Philadelphia PA: Temple University, 2005), vi.
(9) Haj Yazdiha, “Conceptualizing Hybridity: Deconstructing Boundaries through the Hybrid,” Formations, Vol. 1 No. 1, (2010): 31.
(10) Jan Nederveen Pieterse, “Hybridity, So What, Theory, Culture & Society,” Vol. 18, No. 2–3, (2001): 221.
(11) Ibid, 223.
(12) Kraidy, Hybridity, or the Cultural Logic of Globalization, 1.
(13) Ibid, vi.
(14) Ibid, 1.
(15) Ibid, vi.
(16) Ibid, vi-vii.
(17) Ibid, vi.
(18) روكسان فارمان-فارماين، “القطاع الخاص والقطاع العام ومن يمارس السلطة الإعلامية في تونس؟”، في: مجموعة مؤلفين: الإعلام في مراحل الانتقال السياسي، ط 1 (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2015)، ص 131.
(19) فتحية عبد الواسع، “قانون الصحافة والمطبوعات ومدى تطبيقه على الواقع وإمكانية تطويره في ضوء المستجدات الحالية”، ورقة قُدِّمت في ندوة نظمتها وزارة الإعلام اليمنية، بعنوان “الصحافة اليمنية في ظل الوحدة اليمنية: النجاحات والإخفاقات”، صنعاء، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2009.
(20) مقابلة أجراها الباحث عبر تطبيق التراسل الفوري “الواتساب” مع حسين باسليم، نائب وزير الإعلام اليمني، عدن، 23 مايو/أيار 2023.
(21) أحمد عوضه ونجم الدين قاسم، “عسكرة الصحافة الأهلية في اليمن: تغريبة الصحفيين تحت ضغط الاستقطاب السياسي”، منصة خيوط، 4 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2023)، https://rb.gy/ybpgj.
(22) محمد جمال عوض ناصر، “الصحافة الإخبارية الإلكترونية اليمنية خلال الفترة 2003-2017: دراسة مسحية مونوغرافية”، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة الجزائر 3، كلية الإعلام والاتصال، 2022، (تاريخ الدخول: 13 يوليو/تموز 2023)، https://rb.gy/mz075.
(23) مقابلة مع حسين باسليم، مرجع سابق.
(24) عبد الرحمن الشامي، “اليمن: إعلام مضطرب في بلد غير مستقر”، في: كارولا ريشتر وكلاوديا كوزمان (محرران)، نظم وسائل الإعلام العربية، ترجمة نبيل إمبابي، ط 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2022)، ص 254.
(25) المرجع السابق، 254.
(26) Noha Mellor, “Media in Yemen: Narratives of Polarization and Fragmentation,” in Noureddine Miladi, Noha Mellor, Eds., “Handbook for Arab Media”, (London: Routledge, 2020), 500.
(27) ذكرت الدراسة أن عدد مواقع الصحافة الإلكترونية التي شملتها الدراسة تمثل فقط ما نسبته 90% من مجموع المواقع، دون تبرير لإسقاط النسبة المتبقية منها في الدراسة.
(28) نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، “ملكية واستقلالية وسائل الإعلام في اليمن”، نقابة الصحفيين اليمنيين، 16 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 8 يونيو/حزيران 2023)، https://n9.cl/uxpie.
(29) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع عبد الفتاح الحكيمي، النائب الأسبق لرئيس مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، عدن، 25 مايو/أيار 2023.
(30) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع عبد الله الصعفاني، النائب الأسبق لرئيس مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر وعضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، صنعاء، 19 يونيو/حزيران 2023.
(31) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع عبد الرحمن بجاش، الرئيس الأسبق لمؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، صنعاء، 19 يونيو/حزيران 2023.
(32) مقابلة مع عبد الله الصعفاني، مرجع سابق.
(33) “مهنة خطرة على الحياة: الاعتداءات على الصحفيين في ظل حكومة اليمن الجديدة”، (واشنطن، هيومن رايتس ووتش، 2013)، ص 1.
(34) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع الباحث اليمني عبد العزيز المجيدي، رئيس تحرير موقع “الحرف 28” الإخباري، تونس، 13 يونيو/حزيران 2023.
(35) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع عبد الباري طاهر، رئيس تحرير صحيفة الثوري سابقًا، ونقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، صنعاء، 7 يونيو/حزيران 2023.
(36) لمناقشة هذه الجزئية باستفاضة، يمكن مراجعة القسم قبل الأخير من الدراسة المعنون: “صحافة في بيئة معادية وغير آمنة”.
(37) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سامية عبد المجيد الأغبري، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام- جامعة صنعاء، 5 يونيو/حزيران 2023.
(38) هربرت مركيوز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، ط 3 (بيروت، دار الآداب، 1988)، ص 25.
(39) مقابلة مع عبد الفتاح الحكيمي، مرجع سابق.
(40) “دستور الجمهورية اليمنية”، الجريدة الرسمية، (صنعاء، وزارة الشؤون القانونية، 2001)، ص 7.
(41) “قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 لسنة 1990″، الجريدة الرسمية، (صنعاء، وزارة الشؤون القانونية، 1990)، ص 3.
(42) مقابلة أجراها الباحث عبر “الواتساب” مع فتحي بن لزرق، رئيس مؤسسة عدن الغد للصحافة، عدن، 22 يونيو/حزيران 2023.
(43) الشامي، “اليمن: إعلام مضطرب في بلد غير مستقر”، مرجع سابق، ص 250.
(44) ماجد المذحجي، “مشروع قانون تنظيم الإعلام السمعي البصري الخاص في اليمن: نصوص فضفاضة في خدمة السلطات الرسمية”، موقع المفكرة القانونية، 1 أبريل/نيسان 2013، (تاريخ الدخول: 8 يونيو/حزيران 2023)، https://n9.cl/n5s7y.
(45) “رسالة منظمة مراسلون بلا حدود للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي”، مراسلون بلا حدود، 21 مايو/أيار 2012، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2023)، https://rb.gy/hll6k.
(46) “مسودة دستور اليمن الجديد”، وزارة شؤون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2023)، https://rb.gy/179zi.
(47) المرجع السابق.
(48) اليمن: “الحوثيون يمنعون النشر على الإنترنت إلا بترخيص منهم”، القدس العربي،21 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 8 أغسطس/آب 2023)، https://cutt.us/rqQIL.
(49) أشرف الريفي، “التقرير السنوي للحريات الصحفية 2022″، نقابة الصحفيين اليمنيين، 18 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الوصول 5 يوليو 2023)، https://n9.cl/x1xq2.
(50) مقابلة مع عبد الفتاح الحكيمي، مرجع سابق.
(51) مقابلة مع عبد الرحمن بجاش، مرجع سابق.
(52) مقابلة أجراها الباحث مع أديب الشاطري، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة حضرموت، 26 يونيو/حزيران 2023.
(53) الشامي، “اليمن: إعلام مضطرب في بلد غير مستقر”، مرجع سابق، ص 253
(54) Laura Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” European Journalism Centre (EJC), (2018), “accessed June 5, 2023”. https://rb.gy/x0sto.
(55) مقابلة أجراها الباحث مع بشير الضرعي، خبير يمني في برامج دعم تطوير وسائل الإعلام، تونس، 6 يونيو/حزيران 2023.
(56) Mellor, “Media in Yemen: Narratives of Polarization and Fragmentation,” 500.
(57) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(58) عبد الباري طاهر، “شتاء الحريات الصحافية في اليمن”، العربي الجديد، 4 أبريل/نيسان 2014، (تاريخ الدخول: 13 يوليو/تموز 2023)، https://n9.cl/khs9d.
(59) Justin Shilad, “A ‘Slow Death’ for Yemen’s Media: the Country’s Journalists Report Through Displacement and Exile,” CPJ. Org, June 17, 2021, “accessed June 5, 2023”. https://tinyurl.com/3z2t3746.
(60) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(61) الشامي، “اليمن: إعلام مضطرب في بلد غير مستقر”، مرجع سابق، ص 250-251.
(62) مقابلة مع الباحث عبد العزيز المجيدي، مرجع سابق.
(63) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(64) مقابلة أجراها الباحث مع ذو يزن مخشف، صحفي بمؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، عدن، 24 يونيو/حزيران 2023.
(65) “End Impunity Campaign 2018: Yemen Country Report”, The International Federation of Journalists, October 26, 2018, “accessed June 10, 2023”. https://tinyurl.com/bddt6xw9.
(66) مقابلة مع عبد الفتاح الحكيمي، مرجع سابق.
(67) الشامي، “اليمن: إعلام مضطرب في بلد غير مستقر”، مرجع سابق، ص 252.
(68) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(69) مقابلة مع سامية عبد المجيد الأغبري، مرجع سابق.
(70) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(71) مقابلة مع عبد الله الصعفاني، مرجع سابق.
(72) Mellor, “Media in Yemen: Narratives of Polarization and Fragmentation,” 500.
(73) مقابلة مع عبد الباري طاهر، مرجع سابق.
(74) جهاد حرب وآخرون، رصد خطاب الحقد والكراهية في الصحافة المكتوبة، التقرير الأول، (تونس، مرصد الإعلام في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، 2014)، ص 27.
(75) جورج صدقة وآخرون، التحريض الديني وخطاب الكراهية، (بيروت، مؤسسة مهارات وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2015)، ص 61-62.
(76) عبده الأكوع وعبد الرحمن الشامي، “الألفاظ والتعبيرات التمييزية المستخدمة في الصحافة اليمنية الإلكترونية”، مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية (المجلد 9، العدد 2، 2021)، ص 126-164.
(77) عبد الله بخاش، “الآخر في خطاب الصحافة الإلكترونية اليمنية: تمظهرات الكراهية في زمن الصراع”، دراسة مقدمة في المؤتمر الدولي: الصور النمطية وأخلاقيات المهنة في الإنتاج الصحفي، الجمعية العربية الأوروبية لباحثي الإعلام والاتصال بالتعاون مع معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، 21-22 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
(78) عبد الحفيظ النهاري، “الإعلام والكراهية الطائفية في اليمن: تحليل للخطابات السلالية والمذهبية على منصات التواصل الاجتماعي”، في كتاب أعمال المؤتمر الدولي: الإعلام والاتصال والتنوع الثقافي، (تونس، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة، 2020)، ص115-164.
(79) عبد الله بخاش: “ثقافة الحوار والاختلاف في ضوء دوامة الصمت: دراسة الحالة اليمنية”، في كتاب بحوث المؤتمر العلمي الثاني عشر: الإعلام والسلم الأهلي، (بغداد، كلية الإعلام، جامعة بغداد، 2019)، ص 162.
(80) “اليمن: تحريض صالح ضد حزب الإصلاح يثير سخطًا”، العربي الجديد، 4 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 13 يونيو/حزيران 2023)، https://tinyurl.com/34ss2t9x.
(81) “السيد عبد الملك الحوثي يدعو إلى النفير العام لمواجهة قوى الإرهاب”، موقع صحيفة الثورة، 23 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 22 يونيو 2023)، https://tinyurl.com/382d4xsc.
(82) للاستزادة، انظر:
– نادر همامي، “حزب صالح يدعو إلى التعبئة وعصيان أوامر القيادات الحوثية”، موقع روسيا اليوم، 2 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2019)، https://ar.rt.com/jkm3.
– “حزب الإصلاح يدعو المكونات السياسية التي “شربت قهوة الحوثيين” للتوحد في مواجهة ميلشياته”، يمن برس، 21 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2019)، https://tinyurl.com/y94xezcs.
– “اليمن: الحراك الجنوبي يدعو للاستعداد لمواجهة الحوثيين”، إرم نيوز، 23 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2023)، https://tinyurl.com/3cazhpuc.
(83) “عيدروس الزبيدي يعلن التعبئة العامة للحرب على “الشرعية”.. ومخطط عسكري لطرد الشرعية من الجنوب ومحاصرة مأرب”، الميدان اليمني، 19 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2023)، https://tinyurl.com/yc9b73d2.
(84) “في ضوء استلاب قرارها: ماذا تبقى من نقابة الصحفيين اليمنيين؟”، قناة بلقيس، 2 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 23 يونيو/حزيران 2023)، https://n9.cl/akehn.
(85) الريفي، “التقرير السنوي للحريات الصحفية 2022″، مرجع سابق.
(86) “Freedom in the World 2017: Yemen,” 2017, Freedom House, “accessed 22, 2023”. https://tinyurl.com/bdfrn3ar.
(87) “مراسلون بلا حدود تنشر لائحتها السوداء بأسماء صيادي حرية الصحافة”، مراسلون بلا حدود، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 21 يونيو/حزيران 2023)، https://tinyurl.com/3arky2t5.
(88) الريفي، “التقرير السنوي للحريات الصحفية 2022″، مرجع سابق.
(89) “مقتل مصورة صحافية وطفلها وإصابة زوجها جراء انفجار عبوة ناسفة في عدن جنوبي اليمن”، سبوتنيك عربي، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2023)، https://n9.cl/0f6at.
(90) “نقابة الصحفيين تدين استهداف منزل الصحفي عبد الله صبري”، بوست، 16 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2023)، https://tinyurl.com/4dkjytcd.
(91) “حكومة اليمن تتهم حوثيين باستخدام صحفيين دروعًا بشرية”، BBC عربي، 26 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 25 يونيو/حزيران 2023)، https://tinyurl.com/2yzecess.
(92) الريفي، “التقرير السنوي للحريات الصحفية 2022″، مرجع سابق.
(93) مقابلة مع عبد الله الصعفاني، مرجع سابق.
(94) Walid Al-Saqaf, “A country in Transition with its Share of Cyber Challenges,” in Global Information Society Watch Report 2014, Communications Surveillance in the Digital Age, 277.
(95) Ibid, 278.
(96) Battaglia, “Media Landscape: Yemen,” op. cit.
(97) Walid Al-Saqaf, “Breaking Digital Firewalls: Analyzing Internet Censorship and Circumvention in the Arab world,” Doctoral thesis, (Örebro University, School of Humanities, Education and Social Sciences. 2014), “accessed July 3, 2023”. https://tinyurl.com/4xczemmz.
(98) “هاكرز يخترقون موقع وكالة الأنباء اليمنية ويلصقون علم الجنوب على واجهته”، موقع عن الغد، (تاريخ الدخول: 8 أغسطس/آب 2023)، https://adengad.net/posts/9457.
(99) Al-Saqaf, “A country in Transition with its Share of Cyber Challenges,” 278.
(100) “ظاهرة انتحال الهوية الرقمية في اليمن: الدوافع والتبعات”، تقرير منظمة سام للحقوق والحريات، يناير/كانون الثاني 2023، ص 10-15.
(101) Insikt Group, “Cyber threat analysis: Yemen”, Recorded Future, (May 16, 2023): 1-2.
(102) مقابلة أجراها الباحث مع وليد السقاف، الأستاذ المشارك في الصحافة وتكنولوجيا الإعلام في جامعة سوديتورن في ستوكهولم، السويد، 13 يونيو/حزيران 2023.
(103) “أحكام في صنعاء بسجن ثلاثة مؤثرين يمنيين على يوتيوب”، France 24، 21 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 28 يونيو/حزيران 2023)، https://n9.cl/cofw0.
(104) مقابلة مع السقاف، مرجع سابق.
(105) المرجع السابق.